السؤال الذي يشغل كثيرين في الوقت الحاضر وهو حول مسألة تقدم الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري هو هل سيتوقف هذا الذكاء عند حد معين؟
أم أنه سيظل من دون حدود حتى يصل ذات يوم إلى مرحلة لا يمكن بعدها ضبطه وتوجيهه باتجاه فائدة البشر والإنسانية، فولادة “تشات جي بي تي” و”بارد” اللذان يعدان أول مخلوقين إلكترونيين في العصر الحديث عززت مخاوف الناس لتظهر أخيراً “فوبيا” حديثة خاصة بهذا الذكاء، لا سيما أن تحذيرات في هذا الشأن وردت على لسان بعض عرّابي التقدم التكنولوجي.
وتشير المقالات الصحافية المتعاقبة حول “بارد”، وهو مولود العملاق “جوجل”، إلى أنه أكثر تقدماً من شقيقه الأكبر “تشات” على رغم أنه يصغره بأعوام عدة، عدا أن “بارد” سيتغلغل في تطبيقات “غوغل” كلها، مما أثار مزيداً من المخاوف حول خصوصية ملايين إن لم يكن مليارات المستخدمين لهذه التطبيقات حول العالم.
مقارنة بسيطة وسؤال بريء
لو أردنا أن نجري مقارنة بسيطة بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري في لحظتنا هذه، فمن المؤكد أن هذا الذكاء الذي من المفترض أن يمثل امتداداً طبيعياً لذكاء البشر، يمر في مرحلة خطرة، وهي مرحلة التخلق من جديد بما يرشحه لأن يسبق ذكاءنا بعشرات إن لم يكن مئات السنين، فالعقل الآلي عقل جمعي يضم كل معارفنا تحديداً عبر منصات التواصل الإجتماعي ، وكمية المعلومات والمعادلات المعرفية التي قد تتكون عبر “سيرفرات” الإنترنت هائلة. والسؤال هو إلى أين سيقودنا هذا الذكاء؟ وتكمن الخطورة في عدم وجود إجابة محددة مما يدفعنا إلى التفكير بعامل الربح التجاري كمبرر وحيد لولادة هذه الكائنات “تشات” و”بارد”، وما قد يأتي بعدهما، أضف إلى ذلك عاملاً حاسماً في هذه المعادلة وهو التنافس المحموم على الريادة وعدم خسارة المستخدمين.
التقدم الذي نتحدث عنه لا يمكن أن يبرر إلا من خلال كونه فرصة لتحقيق أحلام كبرى للبشرية أو الإنسانية جمعاء، أحلام من نوع تحقيق الخلود للإنسان أو استعمار الفضاء أو أي حلم بهذا الحجم يراود الإنسان منذ ملايين السنين، لكن الواقع يقول غير ذلك حتى الآن لأن القراءة عن إمكان توظيف هذا الإنجاز الإنساني لمصلحة حلم أو مشروع استعمار الفضاء الخارجي مثلاً، تؤكد أن الأمرين لا يلتقيان في الوقت الراهن ولا حتى في المستقبل القريب، لأن فكرة تقدم الذكاء الاصطناعي لا تكفي لحل مشكلات الحلم المذكور الذي بدأنا نسمع عنه منذ ما يزيد على قرنين من الزمان من خلال العالم الروسي ورائد الملاحة الفضائية كونستانتين تسيولكوفسكي، الذي كان أول من تصور هذا المشروع عام 1895، فالكلفة المالية الخيالية لهذا المشروع عالية جداً، إضافة إلى المعوقات الطبيعية التي لا تعد ولا تحصى مما جعل كلاً من “ناسا” و”إيسا وكالة الفضاء الأوروبية” ووكالتي الفضاء الصينية والروسية تتنازل مع مرور الوقت عن هذا المشروع، وليصرح رئيس “ناسا” قبل عقد من الزمان بأن المشروع هو بحكم الملغي، بينما تفكر أوروبا والصين وروسيا فيه لكن بعد 2025.
مشاريع أقل شأناً وأصغر حجماً
وإذا كان التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي سيوظف لمصلحة الإنسان، فإنه في الأقل يجب الإعلان عن نيات رواد هذا التقدم في كيفية توظيفه لمصلحة الناس وليس لمجرد تحقيق مزيد من المجد والثروات لفئة قليلة من الناس في مقابل العصف بأحلام ومصائر ملايين البشر، بخاصة المتوجسين من فكرة التقدم التقني تحديداً أو المعارضين لنمط الحياة المبني على هذه الفكرة في الحداثات البشرية وما بعدها، ولعله من المفارقات الإشارة إلى أن التقنيات تسير في اتجاه العلم تماماً، إذ بدأ العلم كونه فكرة لمصلحة البشرية وإنجازاً إنسانياً، ثم تداولته قلة من المتنفذين حتى أصبح شديد التطور ولكن في مجالات نخبوية لا يستفيد منها غير أصحاب الثروات الطائلة.
والدافع إلى قول ذلك هو كون شركات التقانة العملاقة فشلت فعلياً في حل مشكلات أقل شأناً مثل إنهاء الجريمة، وهو الحلم الذي راود الإنسان منذ مقتل “هابيل” منذ ملايين السنين، بينما توجه على ما يبدو كل طاقتها إلى تحقيق أرباح مالية، غير أن هناك من يتحدث عن السعي إلى الوصول لهذا المبتغى.
العلم والفن والدين
يتقدم الذكاء الاصطناعي تحت شعار العلم، فيما الفنون تشكل غطاء شعبياً له، فكثير من الأعمال السينمائية والأدبية الخيالية حول الذكاء الاصطناعي التي استندت إلى فكرة الخيال العلمي وأمطرتنا بها شركات الإنتاج في هوليوود منذ قرن من الزمن، لعبت بشكل غير مقصود دوراً سلبياً في الصراع بين العلم والحياة، فنظرية المخلوق الآلي الشرير الذي يلاحق البشريين ليقتلهم والتي عرضت في أفلام مثل “تيرمنيتر” و”ماتريكس” وغيرها، على أهميتها، تعزز هذه الفوبيا حالياً مع أنها نجحت في وقتها بتجسيد هذه المفارقة التي تدور رحاها اليوم بين الذكاءين البشري والاصطناعي.
تحذيرات من تقاعس بريطانيا في الحماية من تهديد الذكاء الاصطناعي
حذر أحد الرواد في مجال الذكاء الاصطناعي من أن الحكومة البريطانية لا تقوم بما يلزم لدرء المخاطر التي تطرحها الآلات الفائقة الذكاء التي ستظهر في المستقبل.
في تصريح أدلى به إلى الـ”تايمز” البريطانية، قال ستيوارت راسل البروفيسور ستيوارت راسل إن الوزراء يتبنون نهجاً متساهلاً مع صناعة الذكاء الاصطناعي الآخذة في الازدهار، على رغم تحذيرات أطلقها موظفون حكوميون من تهديد وجودي تطرحه على البشرية.
كان البروفيسور راسل مستشاراً سابقاً لدى “داونينغ ستريت” والبيت الأبيض، وهو مؤلف مشارك في كتاب حول الذكاء الاصطناعي يعتبر الأكثر استخدماً في هذا الشأن، ويعطي محاضرات حول علوم الكمبيوتر في جامعة كاليفورنيا في بيركلي.
ونقلت الـ”تايمز” عن البروفيسور راسل قوله إن نظاماً ذكياً مشابهاً لـ”شات جي بي تي” قد اجتاز الاختبارات وفي مقدوره تأليف النثر، من شأنه أن يشكل جزءاً من آلة خارقة الذكاء من المُحال ممارسة أي سيطرة عليها.
“كيف لك أن تفرض سلطتك على كيانات تفوقك قوة، ونهائياً؟” سأل البروفيسور راسل، مضيفاً “إن كنت لا تملك أي إجابة، فتوقف عن البحث. المسألة بهذه البساطة.
“ستبلغ المخاطر أخطر درك لها: إذا لم نتحكم في حضارتنا، فلن نتحكم في بقائنا في المستقبل”، أضاف البروفيسور راسل.
في مارس (آذار)، شارك البروفيسور راسل في توقيع خطاب مفتوح إلى جانب إيلون ماسك والشريك المؤسس لشركة “آبل” ستيف وزنياك يحذران فيه من “السباق الخارج عن السيطرة” الذي يأخذ مجراه في مختبرات الذكاء الاصطناعي.
ونبه الخطاب إلى أن المختبرات تعكف على تطوير “عقول رقمية أقوى من أي وقت مضى، يتعذر على أي أحد، وحتى مطوريها، فهمها أو التنبؤ بها أو التحكم فيها بشكل صحيح”.
البروفيسور راسل عمل لدى منظمة الأمم المتحدة على تطوير نظام لمراقبة معاهدة حظر التجارب النووية، وطُلب منه التعاون مع الحكومة البريطانية في وقت سابق من العام الحالي.
“عقدت وزارة الخارجية نقاشات مع… كثير من الأشخاص [الخبراء] وخلصوا إلى أن فقدان السيطرة [على الآلات الخارقة الذكاء] نتيجة ممكنة وذات خطورة بالغة”، قال البروفيسور راسل.
وكشف الخبير في الذكاء الاصطناعي أن “الحكومة البريطانية اتخذت لاحقاً نهجاً تنظيمياً مفاده: “لا شيء يستدعي الاهتمام هنا… سنرحب بصناعة الذكاء الاصطناعي كما لو أننا نتحدث عن صناعة السيارات أو ما شابه ذلك”.
وقال إن إدخال تغييرات على الأسس التقنية للذكاء الاصطناعي بغرض إضافة الضمانات الضرورية سيستغرق “وقتاً ربما ليس في متناولنا”.
ويعتقد البروفيسور راسل “أننا ارتكبنا خطأ ما في البداية تماماً، إذ كنا مفتونين جداً بفكرة فهم الذكاء [الاصطناعي] وتطويره، ولم نفكر في الغرض الذي سيستخدم هذا الذكاء لتحقيقه”.
“ما لم يكن هدفه [الذكاء الاصطناعي] الوحيد أن يعود بالمنافع على البشر، فأنت في الواقع تطور منافساً لك، ولا ريب أنك في ذلك تُقدم على خطوة غبية”، في رأي البرفيسور راسل.
ويشرح أننا “لا نرغب بابتداع أنظمة [ذكية] تحاكي السلوك البشري… يصار إلى تدريب هذا النظام في الأساس كي يطمح في أهداف شبيهة بغايات البشر ويسعى وراء تحقيق تلك الأهداف”.
“لا يسعك إلا أن تتخيل كم العواقب الوخيمة التي ستترتب عن وجود أنظمة [خارقة الذكاء] قادرة فعلاً تسعى إلى تحقيق هذه الأنواع من الأهداف.”
وأشار الخبير إلى وجود دلائل تؤشر إلى أن السياسيين باتوا على دراية بالمخاطر.
وقال في هذا الصدد: “لقد فهمنا الرسالة نوعاً ما، وترانا نتدافع في محاولة إلى إيجاد حلول نلتجئ إليها. “هذا ما يبدو عليه المشهد الآن.”
الذكاء الاصطناعي قد ينهض بمعظم مشقات عملية التدريس
وفق وزيرة التعليم البريطانية، قد يوكل إلى الذكاء الاصطناعي مهمة تحمل العبء الأكبر من “العمل الشاق” في عملية التدريس، من خلال تصحيح الأوراق وإعداد الخطط اليومية في إعطاء الدروس.
وتحدثت جيليان كيغان عن “التغيير الكبير” الذي قد يدخله الذكاء الاصطناعي على التعليم في افتتاح “المنتدى العالمي للتعليم” في لندن.
وفي خطابها الافتتاحي أمام ذلك المنتدى الذي يضم خبراء وقادة التربية حول العالم، أشارت كيغان إلى إمكانية “أن يحمل الذكاء الاصطناعي القدرة على تغيير المهمات اليومية للمدرسين. مثلاً، يمكنه تحمل العبء الأكبر من العمل الشاق الذي يمثله إعداد مخططات الدروس وتصحيح الأوراق”.
وأضافت “من شأن ذلك أن يمكن المدرسين من تولي الأمر الوحيد الذي يعجز عنه الذكاء الاصطناعي، أعني التعليم الشخصي والمباشر داخل غرفة الصف”.
وكذلك شبهت الوزيرة الذكاء الاصطناعي بابتكارات الماضي في مجال التكنولوجيا على غرار الآلات الحاسبة ومحرك البحث “غوغل”، مشيرة إلى إنه يتوجب على الناس أن يثقفوا أنفسهم حوله [الذكاء الاصطناعي] ويستخدموه بالطريقة نفسها [التي استعملوا فيها الآلات الحاسبة وغوغل] بهدف تعزيز المخرجات الإيجابية لدى الطلاب.
نسخة غير قابلة للاختراق : ميتافيرس الإنترنت المظلم