تخطى إلى المحتوى

مقالان في اخبار الخليج والراي اليوم عن العراق

1علم الأكراد شرارة الفتنة القادمة

 

عبدالله الأيوبي

 

 

اخبار الخليج البحرينية
 أثار إقدام حكومة إقليم كردستان العراق على رفع علم الإقليم إلى جانب العلم العراقي على المباني الحكومية العراقية في مدينة كركوك امتعاض ورفض مختلف الأحزاب والكتل السياسية العراقية الذين رأوا في هذه الخطوة محاولة كردية على فرض ضم المدينة قسرا إلى حدود الإقليم استغلالا للأوضاع الأمنية والعسكرية التي يمر بها العراق في الوقت الراهن وانشغال الجميع بالحرب على ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، وخاصة أن وضع المدينة لم تحسمه التفاهمات التي جرت بين القوى السياسية المختلفة، بمن في ذلك الأكراد نظرا الى التركيبة السكانية لهذه المدينة من جهة، ومن وجهة أخرى لما تمثله من وزن اقتصادي كبير بالنسبة الى العراق، حيث تحتوي مخزونا نفطيا هائلا وغير ذلك من العقبات العرقية والسياسية والاجتماعية التي تقف دون حسم وضع المدينة السياسي والجغرافي.

فالعراق منذ الغزو الأمريكي لهذا البلد في شهر مارس من عام 2003، لم يشهد أي استقرار سياسي أو أمني، بل استمر طافيا فوق برك من دماء المواطنين العراقيين جراء الأعمال الإرهابية التي يشهدها، واستهدافها للتجمعات المدنية أكثر من استهدافها للمنشآت والمؤسسات العسكرية والأمنية، في الوقت نفسه فإن القوى السياسية العراقية الماسكة بزمام الأمور السياسية في البلد فشلت حتى الآن في وضع القاطرة السياسية العراقية على السكة الوطنية، فاستمرت حبيسة الانتماءات الطائفية والعرقية، الأمر الذي يهدد النسيج الجغرافي والديمغرافي العراقي بالانهيار.

الخطوة الكردية الأخيرة لم تكن مستبعدة، وخاصة في ظل تعقد الأمور العسكرية والأمنية، وهي تتماشى وتتناغم مع الطموحات القومية الكردية المتمثلة في إقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق تتمتع بمقومات اقتصادية كبيرة يكون نفط كركوك عمودها الفقري، فالقوى السياسية الكردية وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني لا تخفي هذه الطموحات الاستقلالية، فزعيم الحزب المذكور أعلن أكثر من مرة الرغبة في الانفصال عن العراق، بل دعا إلى استفتاء في الإقليم على هذه القضية، وبالتالي فليس مستبعدا على الإطلاق أن تكون خطوة رفع العلم تصب في هذا الاتجاه.

خطورة هذه الخطوة ذات النزعة التسلطية الانقسامية، تكمن في كونها تؤسس لسابقة في الشأن الداخلي العراقي ومن شأنها أن تصب الزيت على نار الاقتتال الداخلي المشتعل في البلاد منذ الغزو الأمريكي قبل أكثر من أربعة عشر عاما، فمدينة كركوك تمثل خليطا أثنيا ودينيا عراقيا، وهناك قوى ودول إقليمية تتحسب لخطورة الخطوة الكردية فيما يتعلق بهذه المدينة، فيما هناك قوى إقليمية أخرى ترى في كركوك الشرارة التي قد تخدم مصالحها في المنطقة، وهذه القوى لا تخفي تأييدها لطموحات الأكراد في العراق، وربما في سوريا أيضا، في إقامة كيان كردي مستقل في الشمال العراقي مرتبط بالكيان الكردي في الشمال السوري، مع أن أكراد سوريا لم يفصحوا بعد عن نواياهم الاستقلالية.

فالعراق وتحديدا بعد جريمة الغزو الأمريكي عام 2003، دخل منعطفا خطرا تسبب في تمزيق نسيجه الوطني ووضع الوطن برمته على مصطبة التشريح الطائفي والعرقي، فالعراق اليوم وإن كان لايزال يسمى عراقا «موحدا» جغرافيا في جميع المحافل الدولية، لكن الحقيقة التي آل إليها العراق بعد تلك الجريمة الشنيعة، هي عكس ذلك تماما، فليس العراق ذلك النسيج الاجتماعي المتماسك والنظام السياسي، ملكيا كان أم جمهوريا شموليا، الذي يمسك بزمام الأمور في البلاد ويسيرها وفق المصالح غير الطائفية أو العرقية، حيث استطاع هذا النظام أن يحافظ على السيادة الوطنية فوق جميع أجزاء العراق الجغرافية المعترف بها دوليا.

هذه الصورة اختفت الآن تماما من على أرض الرافدين، فالسباق على أشده بين مختلف الأعراق والطوائف على اقتسام أجزاء الوطن الذي نثرته معاول الجريمة الكبرى في مارس عام 2003، فجميع هذه المكونات مسؤولة مسؤولية مباشرة عما آلت إليه أوضاع العراق من سوء وتردٍ في جميع نواحي حياته اليومية، كل هذه الأوضاع السيئة شجعت هذه المكونات على التفكير في إطار مكونها العرقي أو الديني والمذهبي بعيدا عن المصالح العليا للوطن، فالعلم الكردي بات يعلو ويسمو على العمل العراقي الجامع، وتحول إلى رمز اعتزاز، كما هو حال اعتزاز أبناء الطوائف بالانتماء إلى طائفتهم والاحتماء تحت مظلتها من دون اكتراث لما آلت إليه مظلة الوطن من اهتراء وضعف وتمزق أيضا.

في ظل ما يمر به العراق من أوضاع صعبة، فإنه ليس مستبعدا على الإطلاق أن يكون علم الأكراد فوق مباني كركوك الحكومية هو الشرارة التي ستشعل نار الاقتتال الداخلي القادم، وخاصة بعد أن تهدأ وتسكت المدافع الموجهة صوب الجماعات الإرهابية وتحديدا صوب جماعة «داعش» التي تسببت بوحشيتها واستهدافها لجميع أبناء مكونات الشعب العراقي المختلفة، أن «توحد» قوى هذه المكونات، لمواجهتها، لكن من المؤكد أنه توحد وقتي وظرفي فرضه الواقع الجديد والمصلحة المشتركة، أي مواجهة «داعش» لكن في الحقيقة أن الأسس الوطنية لتوحيد هذه المكونات، قد انهارت تماما بعد جريمة الغزو وأن العودة إلى عراق ما قبل هذه الجريمة يمثل حلما وطنيا عراقيا، ربما يعتبر حلما مستحيل التحقيق، فالعلم الكردي فوق مباني كركوك ينم عن ذلك، بل يؤكده، وهذا ما لا يتمناه كل من يعرف ويحب أرض الرافدين.

2أحزاب الزينة في العراق

 

 

كفاح محمود كريم

 

 الراي اليوم بريطانيا
 

لقد أنتجت مرحلة أحزاب الزينة وما تلاها من سيطرة الولاءات القبلية والمذهبية، جوا نفسيا اجتماعيا لدى مساحات واسعة من الأهالي خلاصته؛ ازدراء كبير يصل حد الاحتقار لما يتم تداوله من ممارسات تسمى بالديمقراطية، حيث أظهرت وصول مجاميع من النكرات والمنحرفين إلى قبة البرلمان والحكومة، وانتشار الفساد بشكل مروع، وأصبح المواطن العادي يربط بشكل عفوي بين صفة الفساد وعنوان الوظيفة، ويربط كل هذه المعطيات كنتائج لتجربة الديمقراطية في بلاد ليس لديها لحد اليوم مفهوم متفق عليه للمواطنة والولاء خارج الدين والمذهب والعشيرة والمدينة أو القرية، ويعاني أغلبية سكانها من أمية أبجدية وحضارية ومستويات خطيرة من الفقر والبطالة، وتناحر بين مكوناتها منذ تأسيس كياناتها السياسية.

وبملاحظة سريعة لما يحدث اليوم في العراق وبقية ما يسمى بالربيع العربي، وطيلة السنوات الماضية، ما هو إلا نتاج تلك الفترة المظلمة من تاريخ هذه البلدان وتربية أنظمتها لعدة أجيال من الأهالي الذين ينفذون اليوم ما تعلموه خلال عشرات السنين، وشاهدوه وهم أطفال وفتية وشباب، ابتدءاَ من كرنفالات الإعدام التي كانت تنفذها الأنظمة في الشوارع والساحات العامة، وكيل الاتهامات الكاذبة جزافا لكل من يعارضها وانتهاء بتلك المشاهد البائسة والقاتلة من ( صور من المعركة ) التي كانت تبث يوميا ولثماني سنوات متصلة في العراق وليبيا ( في حربها مع تشاد ) وسوريا ( في احتلالها للبنان)، وتظهر آلاف الجثث الممزقة الأشلاء أو عمليات دفنها بالبلدوزرات على أنغام الأناشيد الوطنية، إلى تسطيح عقول ووعي الناس بتصنيع أحزاب وجمعيات مما كانت تسميه بالاتحادات والنقابات المهنية والفرق الفنية، التي لا هم لها ولا غم إلا التغني بالقائد الذي لا مثيل له في الدنيا وربما لو بقوا عدة سنوات أخرى لقالوا انه متعهد الآخرة أيضا.

     واليوم تواجه بلدان ما يسمى بالربيع العربي، وأولها العراق الذي سبق ربيعهم بسنوات، نتاجات تراكم هائل من التربية الخطأ، التي تصل في كثير من مفاصلها إلى الخطيئة والسلوك المنحرف في تعليم وإشاعة الكذب والخوف والتدليس والاستكانة والقسوة وتحليل وإباحة المحرمات في المال والأعراف، وإرعاب الناس باعداءٍ مفترضين لا وجود لهم إلا في مخيلة تلك الأنظمة، التي لم تسقط ثقافتها وتربيتها بسقوط هياكلها الإدارية، وبقيت تبعاتها وسلوكيات أفرادها تنعكس بوضوح على أوجه وألوان حرباوية وأشكال هلامية وملساء تصلح للزينة وللقبح معا، وتمارس كل الأدوار الانتهازية والوصولية، من خلال إعادة تأسيس أحزاب من أرحام تكتلات وكيانات حكمت تلك البلدان بعد عاصفة الربيع المغبر، وتعمل على تدوير بقاياها لتعود ثانية من خلال مسرحية الانتخابات والتزويرات والفتاوى وتعليمات شيوخ العشائر والمرجعيات الدينية والمذهبية، وهي تتسابق منذ الآن لإنتاج مسرحيات انتخابية على مستوى الدولة أو العشائر، لتجييش الرعاع والغوغاء ممن أدمنوا العبودية واستكانة القطيع لمرحلة جديدة من اللصوصية والتخلف والضياع.

إن واحدة من اخطر العلل التي تواجه مجتمعاتنا التي عصفت بها عمليات التغيير الفوضوية سواء في العراق أو بقية بلدان ما يسمى بالربيع العربي، هو الوقوع بين مخالب القوى الدينية والمذهبية المتطرفة، وبعبارة أعم وأشمل اللجوء إلى الدين والعشيرة بعد فقدان دولة القانون والمواطنة، وربما كانت العلة الأكثر خطورة تكمن في كيفية اختيار شكل وطبيعة النظام السياسي الذي يتوافق مع النظام الاجتماعي والتراكم الهائل للعادات والتقاليد المتكلسة ويعاني من نمط متخلف من التربية والتعليم ومناهجها  الدينية والتاريخية التي تكرس مفاهيم لا تتوافق مع معطيات العصر الحديث وحاجيات الإنسان المعاصر.

إن فشل تبلور مفهوم المواطنة خاصة في الدول ذات التنوع العرقي والقومي والديني، يعود بالأساس إلى الطبيعة القبلية لهذه المجتمعات، وفشل أنظمتها السياسية بفصل الدين عن السياسة بل عن الحكم برمته، وإبعاد فلسفته عن التعليم بكل مراحله، إلا ما يؤكد وجوده كمعتقد للإفراد وجب احترام خصوصيته في حدود الخاصية الشخصية ليس إلا، وما لم تنجح النخب السياسية والتكنوقراط من وضع دستور عصري، يؤكد على تعريف مدني للمواطنة، تسود فيه لغة القانون والانتماء الوطني فوق النظام القبلي والديني، ويرتقي على كل هذه الانتماءات، ويحظر أي تنظيم سياسي على أساس ديني أو مذهبي أو عنصري، بما يكفل حقوقا متساوية لكل الإفراد بمختلف أعراقهم وقومياتهم وأديانهم، لن ينجح أي حزب أو مجموعة أحزاب في إقامة نظام ديمقراطي تسوده العدالة في كل مناحي الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد