تخطى إلى المحتوى

مقالان عن العراق في الوطن البحرينية والحياة السعودية

1[العراق المحتل 2017]

 

د. إنتصار البناء

 

 

الوطن البحرينية
إنه التاسع من أبريل «نيسان»، ذكرى النكبة الثانية للعرب في قرن من الزمان، نكبة جرت بعدها نكبات متلاحقة هي السمة العربية للألفية الثانية، ذكرى الاحتلال الأمريكي للعراق ليست مجرد بكائية يقف عند حائطها العرب المهزومون، بل سيرة حتمية يدرك من يدرك أنها لا بد، متمددة في المساحات الشاسعة من الوطن العربي.

 

كل دعاوى وشعارات ما عرف لاحقاً «بالربيع العربي» طرحت في القضية العراقية تمهيداً للغزو الأمريكي للعراق، الدعوة للحرية والديمقراطية وتداول السلطة. المطالبة بحقوق الأقليات والتنوع العرقي والمذهبي، تقاسم السلطة وتوزيع الثروة، وكل ممارسات تدمير الدولة العربية تم تجريبها في العراق، ابتداء من دعم معارضات الفنادق الممولة من جهات خارجية وانتهاء بدخول حكام العراق الجديد العاصمة بغداد على دبابات أجنبية وتأسيس الدولة العراقية الجديدة على مقاسات الدولة الغازية ووفق شروط المصالح الغربية في المرحلة الراهنة.

 

المشهد العراقي اليوم يكشف تفاصيل صورة المشروع الاستعماري الجديد في المنطقة، وقد نحتاج جهداً مضنياً كي نقنع الكثير من العرب بأننا نعيش عصر استعمار بالغ القسوة. فكثيرون لا يعرفون أن عبارة «العراق دولة عربية» قد حذفت من المادة الأولى في الدستور العراقي بتوجيه أمريكي وبموافقة كل الأحزاب «سنية وشيعية» التي اشتركت في صياغة الدستور واعتمدته. إن أول تفاصيل الحالة الاستعمارية الجديدة هي صياغة الهوية الجديدة للدول العربية المستهدفة بالمشروع الاستعماري، فالهوية الكلية المتمثلة بالعروبة أو الإسلام يجري استبدالها بالهويات الفرعية المذهبية «سنية شيعية درزية صابئة مسيحية…» أو عرقية «كردية عربية آشورية…»، ولا مانع من أن يتسع التفريع للهويات القبلية إن كانت خصوصية الوضع تتطلب ذلك.

 

العراق اليوم دولة غير ذات سيادة، فهي ساحة مفتوحة أمام جميع الميليشيات والجيوش وكيانات المخابرات، وهو من أغنى الدول النفطية ومع ذلك لا يتمتع العراقي بالكهرباء إلا سويعات محدودة في اليوم. والحكومات العراقية المتلاحقة التي يتباهى نظامها بأنها حصيلة انتخابات حرة وأنها أدت إلى تداول سلمي للسلطة لم يكن يحلم به العراقيون، وأنها أفضت إلى إنتاج رؤساء جمهورية سابقين ورؤساء وزراء سابقين، وهي ظاهرة نادرة في الوطن العربي، فإنها ليست إلا حصيلة تفاهمات وجدال بين الدول الإقليمية التي تتحكم بسياسة العراق وتتصارع عليها في الجغرافيا العراقية وعلى اللحم العراقي الحي والميت.

 

الشعب العراقي الجريح مازال يقف متحدياً أكثر من مشروع تفتيتي يهدد كيانه وتاريخه وهويته: تقسيم العراق إلى ثلاث دول على أساس طائفي وعرقي، واقتطاع العديد من أراضيه للدول المجاورة التي أسس بعضها قواعد عسكرية في بعض محافظاته، وتأسيس كيانات شيطانية مثل دولة «داعش»، وغيرها من المشاريع التي تتولد كل يوم والتي هي نتاج المشروع الاستعماري الجديد في المنطقة، الذي مر عبر كذبة الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

مؤلم أن تمر ذكرى نكبة العراق والعرب منشغلون بأشلائهم، بل ومستمرون في تنفيذ المشروع العراقي على أكثر من بلد عربي. كل هذه المآسي العربية أسقطت النكبة الفلسطينية من الذاكرة، وها هي تسقط النكبة العراقية من الذاكرة والعظة والاعتبار، وهو مؤشر أن العقود القادمة قد تكون عقود انحلال الدول وانجراف العرب في شلالات من الدماء لا يعلم أحد أين ستصب؟

2الصدر والأسد والخروج الكبير

 

حازم الامين

 

 

 الحياة السعودية
المسألة هذه المرة ليست شغباً عادياً على الموقع الإيراني، وليست نأياً بالنفس عن الولي الفقيه، فما أقدم عليه مقتدى الصدر، عبر إسدائه نصحاً لبشار الأسد بالتنحي، هو خروج لزعيم «الحوزة الناطقة»، من نوع ما يُقدم عليه «مصلحون» انتحاريون، حين يقولون كلمتهم ويمضون.

 

وجه الصدر سهاماً للاستثمار الإيراني الأول في المشرق، والسهام شيعية هذه المرة، وهنا تكمن خطورة ما أقدم عليه الرجل. فالنظام الإيراني استثمر بكل طاقته هنا، أي في بلورة وجهة واحدة للتشيع، بدءاً من ايران ووصولاً إلى لبنان، مروراً بالعراق وسورية. والصدر إذ وجه نصحه، وأدرجه في سياق غير منسجم من الوقائع والدوافع، حرص على أن يكون طلب التنحي العنصر الوحيد الواضح في بيانه. واليوم صار بالإمكان القول إن بين الشيعة من لا يرى أن بشار الأسد هو مستقبل سورية، وفي ذلك مساس حقيقي بالوجهة الإيرانية.

 

الصدر سبق له أن شاغب على الموقع الإيراني في العراق، لكن شغبه لم يرق إلى مستوى الانشقاق، وغالباً ما عاد الحرس الثوري ونجح في إعادته إلى موقعه. في الانتخابات العراقية لم يخرج السيد عن التحالف الشيعي، كما أنه شكل رافعة الموقع الإيراني في العلاقة مع الأميركيين خلال وجودهم في العراق، إذ مثّل الرجل «المقاومة الشيعية للاحتلال» المدعومة من نظام طهران، والتي تعاونت في إحدى المراحل، مع «المقاومة السنية» المدعومة من نظام دمشق. وحين افترقت المقاومتان تحول التيار الصدري إلى أداة الفتنة التي أرادها الحرس الثوري الإيراني وسيلة لتبديد نفوذ واشنطن في بغداد. لكن، على رغم الموقع المتأرجح للتيار ولزعيمه، بقي الأخير حقيقة عراقية عصية على التطويع الكامل، سواء في البرلمان أو في الشارع. فقد صدر عن مقتدى ما لا يحصى من علامات التذمر، وبقي الرجل زعيم شيعة الداخل، ممن لم تمسسهم ولاية الفقيه بسحرها، وممن يشعرون أن الإيرانيين تدفقوا على التشيع العراقي وأطاحوا تصدره وأضعفوا موقعه. لكن الإيرانيين وجدوا أكثر من تصريف لتذمرات مقتدى، وهم تمكنوا في أحيان كثيرة من توظيفها، ومن امتصاص تبعاتها.

 

لكن، أن يصل الوضع إلى حد مطالبة الأسد بالتنحي، فنحن هنا نتحدث عن مستوى مختلف من الخروج عن الموقع. فالإيرانيون، ومنذ أكثر من خمس سنوات، يشكل بشار الأسد العنوان الوحيد لطموحاتهم المشرقية. دفعوا بـ «حزب الله» للقتال في سبيل هذه المهمة، وأسسوا ميليشيات عراقية، بعض فصائلها قريب من التيار الصدري، مهمتها الوحيدة القتال في سبيل بقاء بشار الأسد في السلطة. دفعوا عشرات البلايين من الدولارات، وخسروا علاقات مع دول مثل تركيا في سياق حماية نظام البعث. والمطالبة بالتنحي حين تكون شيعية، ومن موقع لا يُشكك في مدى تمثيليته، فإن وقعها مختلف، وما لم يتراجع الصدر عنها، وهو أمر محتمل، فهي ستكون مؤسسة لقول شيعي مختلف حول ما يجري في سورية.

 

القول الشيعي المختلف هذا، سيكون بذرة خسارة طهران قيادتها الموقع الشيعي في العالم، وهذا ما لن تسمح به طبعاً. وهنا علينا أن ننتظر رد فعل إيرانياً على دعوة السيد، أو توضيحاً تراجعياً من قبله. فرحابة الإيرانيين بأصوات شيعية مختلفة لا تشمل القوى التي تتمتع بتمثيل من عيار الذي يتمتع به مقتدى الصدر، لا سيما إذا كان مضمون الاختلاف من نوع بقاء الأسد أو تنحيه، فهنا تلوح عقبة من نوع مختلف أمام مشروعهم.

 

في تراجيديا العائلة الصدرية ما يجعل التوقع صعباً. فلطالما دفعت العائلة أثمان شعور أئمتها بحصانة غير حقيقية. والد مقتدى (محمد صادق الصدر) ذهب بزعامته إلى حدٍ أشعر صدام حسين أن قتله صار ضرورياً، وعمه (محمد باقر الصدر) أُعدم قبله على المذبح ذاته.

 

الأرجح أن يصدر عن مقتدى توضيح تراجعي عما قاله للأسد، فالقضية لا تحتمل خروجاً بحجم خروجه. العائلة تدرك ذلك، وإن كان السيد لا يدركه أحياناً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد