تخطى إلى المحتوى

مقالات بالقدس العربي والحياةوالرأي اليوم عن العراق

1أزمة كركوك وتحديات المرحلة القادمة 

فراس إلياس

 

 

القدس العربي
 

لايخفى على أحد أن التأزمات المستمرة التي تشهدها الساحة السياسية العراقية، أصبحت حالة طبيعية بالنسبة للمتابع للشأن السياسي العراقي، بل قد لا أبالغ بالقول بأنها أصبحت جزءًا متجذراً في العقلية السياسية العراقية المتأزمة أصلاً، وأزمة كركوك بدورها لا تخرج عن باقي الأزمات السياسية والأمنية والأقتصادية في العراق، والفارق الوحيد هو أنها قد تكون مقدمة لتقسيم وتفكيك الكيان العراقي.

فكما هو معلوم تمثل مدينة كركوك خليطاً معقداً وشبه متجانس من الأقليات والعرقيات والأثنيات التي تعيش فيها، كما شهدت هذه المدينة عمليات تغير ديموغرافي وصلت إلى جعل العرب الغالبية السكانية فيها حتى عام 2003، وبعد هذا التاريخ تحولت الغالبية للضفة الكردية بالشكل الذي هي عليه اليوم، كما أن هذه المدينة بقيت بمثابة قنبلة موقوتة خشيَ الجميع من التقرب منها، لما لها من تداعيات كبرى على مستقبل العراق، ولعل أهم ما يشير إلى ذلك هو أنه بعد إلغاء كل المواد القانونية التي أصدرتها سلطة الائتلاف المؤقتة بعد إحتلال العراق بصدور دستور العراق الدائم لعام 2005، تم الإبقاء على المادة 53 من قانون سلطة الإئتلاف المؤقتة والتي تعالج موضوع كركوك، ومن ثم تم تحويلها إلى المادة 140 من الدستور، التي تتحدث عن تطبيع الأوضاع في كركوك ومن ثم إجراء الإحصاء وأخيراً الاستفتاء، كما أن المادة 37 من قانون انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بأقليم لم تتح الفرصة لإجراء أنتخابات في هذه المدينة، خشية الإخلال بالتوازنات السياسية القائمة فيها.

وبالحديث عن أزمة رفع علم إقليم كردستان في مدينة كركوك في الآونة الأخيرة، والتي جاءت بعد صدور قرار من مجلس محافظة كركوك، برفع علم إقليم كردستان فيها إلى جانب العلم العراقي، بعد مقاطعة اعضاء مجلس المحافظة من العرب والتركمان لهذه الجلسة، أشر إلى مدى عمق التفاهمات الهشة والمرحلية بين حكومتي الإقليم والمركز، خصوصاً فيما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها، فسلطات الإقليم موجودة فعلياً في مدينة كركوك حتى قبل سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش، كما أنها هي من أوقفت مد التنظيم إلى داخل المدينة بعد إنسحاب الجيش العراقي منها بدعم من التحالف الدولي، كما أن علم إقليم كردستان مرفوع بها منذ أكثر من عشر سنوات، ونحن هنا لا نلقى كل أسباب المشكلة على الحكومة العراقية، بل باعتقادنا أن السبب الرئيسي لهذا الاحتقان المتصاعد هو نتيجة مراهنة الحكومة العراقية على المعادلات الدولية والإقليمية في ما يخص مدينة كركوك، كما أنها دائماً ما وضعت موضوع كركوك في إطار المساومات السياسية مع إقليم كردستان، مع العلم أن المادة 140 من الدستور كانت قد أشارت إلى تحديد فترة زمنية حتى اكتوبر 2007 لحل موضوع كركوك، إلا أنه لم يحصل ذلك.

فلا أحد يستطيع أن ينكر الأغلبية الكردية في مدينة كركوك، وفي مقابل إحترام حقوق الأغلبية الكردية في هذه المدينة ينبغي بالمقابل ضمان حقوق الأقلية العربية والتركمانية والأشورية في الحفاظ على خصوصياتهم، في البقاء ضمن العراق الموحد، أو الإنضمام إلى إقليم كردستان، وإذا ما كانت سلطات الإقليم ترى في إجراءات رفع علم كردستان في كركوك قانونية ودستورية، كان ينبغي أن تستفسر من المحكمة الإتحادية حول دستورية هذه الإجراء من عدمه، ومن ثم بالإمكان الشروع فيه.

إن ما حدث في مدينة كركوك يتجاوز مسألة رفع علم إقليم كردستان أو ماشابه، بل هو موضوع يتجاوز بأبعاده المدينة والعراق والمنطقة بأكملها، فالتطورات الأخيرة في سوريا المتمثلة بقرب إنطلاق معركة الرقة لتحريرها من سيطرة تنظيم داعش، وتواجد عناصر حزب العمال الكردستاني في مدينة كركوك، فضلاً عن الاتفاقيات النفطية التي عقدت بين إيران والحكومة العراقية بخصوص مد أنابيب لنقل نفط مدينة كركوك باتجاه ميناء عبادان بالاراضي الإيرانية عوضاً عن ميناء جيهان التركي في شباط 2017، بالاضافة إلى موضوع الصراع السياسي الكردي-الكردي للسيطرة على المدينة، إذ كما هو معلوم بأن إنتخابات مجالس المحافظات لم تجر في مدينة كركوك منذ العام 2005 وإلى الآن، وعلى الرغم من كون حزب الاتحاد الوطني الكردستاني هو المسيطر على المدينة واقعياً، إلا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني هو صاحب الغلبة داخل مجلس المحافظة بواقع 15 عضواً من أصل 26 عضواً كردياً داخل المجلس، في حين تتراوح باقي المقاعد (6 الاتحاد الوطني) و(3 الاتحاد الإسلامي) و( 2 الحزب الشيوعي الكردستاني)، ولعل هذا الواقع هو ما يدفع الاتحاد الوطني الكردستاني إلى المطالبة بأستمرار بتصحيح هذه المعادلة السياسية في المدينة لما لها من ظلم واضح على قاعدته الجماهيرية، وقد تكون منطلقاً لأزمة كردية داخلية.

فالتشظي السياسي الذي تشهده الساحة السياسية العراقية اليوم كبير ومعقد، فبعد أن كانت الصراعات السياسية بين طوائف وقوميات، أصبحت اليوم داخل القومية والطائفة الواحدة، فالكرد يعيشون حالة إنقسام بين حزبي الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني، والسنة متشظون أصلاً بين عدة أحزاب وتنظيمات وولاءات خارجية، أما الشيعة فيمكننا القول بأن التيار السياسي الشيعي اليوم منقسم إلى شيعة إيران وشيعة العرب وشيعة أمريكا، بل حتى داخل مدينة كركوك، نجد أن حزب الإتحاد الوطني الكردستاني هو صاحب السطوة الفعلية داخل المدينة الغنية بالنفط، وإن كان يبدو التحرك الذي قام به داخل المدينة من خلال المحافظ نجم الدين كريم الذي هو بنفس الوقت قيادي في الإتحاد الوطني الكردستاني، يأتي في إطار توجه كردي عام لضم المدينة إلى إقليم كردستان، إلا أنه بالمقابل قد تكون هذه المدينة مصدراً لصراع كردي-كردي مستقبلاً بين الحزبين الكرديين، إذ ما أفترضنا ضم كركوك إلى إقليم كردستان، حيث ستكون كل عوائد النفط بيد حزب الاتحاد الوطني المسيطر على المدينة، والذي تعاني قواعده الجماهيرية وتحديداً في مدينة السليمانية من أزمة إقتصادية خانقة، والتي قد تواجه أربيل ودهوك إذا ما نشب خلاف بينهم مستقبلاً، أضف إلى ذلك إن ما يعمق التأزم الكردي الحاصل هو تحالف الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير الكردية مع نوري المالكي، في مقابل تقارب الديمقراطي الكردستاني من حيدر العبادي، فعلى الرغم من محاولة الأحزاب الكردية لملمة خلافاتها وتجاوز انقساماتها الداخلية، إلا أن التشظي السياسي الكردي بدا واضحاً خلال الفترة الأخيرة.

أما على صعيد المكون التركماني فنجد أنه هو الآخر منقسم إلى ثلاث جبهات، تركمانية سنية يقودها ارشد الصالحي رئيس الجبهة التركمانية العراقية والمقرب من تركيا، تركمانية شيعية يقودها محمد البياتي قائد الحشد التركماني المنضوي ضمن الحشد الشعبي والقيادي في منظمة بدر ومقرب من إيران، تركمانية كردية يقودها أريوان جلالي رئيس الحزب الوحدوي الديمقراطي التركماني والمقرب من إقليم كردستان ومن مؤيدي ضم مدينة كركوك إلى الإقليم، أما العرب السنة فهم منقسمون إلى عدة أحزاب وكيانات سياسية تجعها القائمة العربية في كركوك.

ما نريد أن نخلص إليه هو أن الذي حصل ويحصل في مدينة كركوك له تداعيات خطيرة آنية ومرحلية ليس على المدينة حسب، وإنما على مجمل الحالة العراقية، كما أنه لابد من الإشارة إلى أن الذي حصل في مدينة كركوك مشكلة يتحمل مسؤوليتها الجميع، وعلى حكومة الإقليم والمركز تحكيم منطق العقل والحكمة في معالجة هذا الموضوع المعقد ضمن إطار البيت العراقي، والتأكيد على وطنية القضية، فالكرد ليسوا ولن يكونوا أعداء، فهم شركاء في الدم والتاريخ والدين، والعرب ليسوا محتلين وغاصبي الحقوق، والتركمان ليسوا نقطة في سطر يمكن مسحها في أية مساومات أو تفاهمات، وعلى الجميع أن يدركوا جيداً أن المراهنة على العامل الخارجي خيار خاطئ وكارثي، والحل الأمثل هو الجلوس على طاولة المفاوضات، وإعتماد مبدأ المصارحة والمكاشفة في أية قضية تفاوضية يمكن أن تجري حول مصير هذه المدينة.

إن التحدي القادم والذي ينتظر مدينة كركوك والعراق مخيف جداً، وقد يرتقي إلى مستوى تحدي الوجود الذي توجهه الدول في حالة الحروب الحتمية، فضلاً عن أن التداعيات الإقليمية والدولية المحتملة التي قد تفرزها أية حسابات خاطئة في التعامل الجدي والمنطقي مع هذا الموضوع، قد تفرض مزيداً من الضغط على دول الإقليم والعالم، بإظهار مزيد من الجدية والعقلانية في إنهاء هذا الموضوع بأقل الكلف والأضرار، إذ تخشى الكثير من القوى كـ(تركيا وإيران) من الأضرار والمخاطر المحتملة لتداعيات هذه الأزمة وانعكاسها عليها سلباً، وعليه فإن نظرة سياسية معمقة لما ستشهده الأيام القادمة، توحي بأن مستقبل المدينة مفتوح على كل الخيارات، نظرا لتشعبه وامتداده إلى أكثر من منطقة جغرافية داخل العراق وخارجه، كما أنه لابد من جعل قاعدة الرابح- الرابح هي المعيار الاساسي لأي عملية تفاوضية تجري حول مصير المدينة، إذا ما أردنا معالجة الموضوع معالجة منطقية.

2خطأ أميركا في العراق أنتج «داعش»!

 

سليم نصار

 

 

 الحياة السعودية
  

بعد ابتزاز المصارف العالمية، وصلت يد القرصنة الأميركية إلى الجامعة التي أسستها في لبنان ولاية نيويورك سنة 1863 تحت اسم «الكلية البروتستانتية»، واختارت دانيال بلس أول رئيس لإدارتها. وجاء في الأخبار أخيراً أن إدارة الجامعة الأميركية في بيروت وافقت على دفع غرامة قدرها 700 ألف دولار.

 

والسبب، كما أعلن مكتب الادعاء الاتحادي، أن الجامعة أقرت بتدريب ممثلين عن راديو «النور» وتلفزيون «المنار». وهما مؤسستان إعلاميتان تدرجهما وزارة الخزانة الأميركية بوصفهما تابعتان لـ «حزب الله».

 

ويُستدَل من هذا الاستنتاج أن مجلس الأمناء في نيويورك قد أذعن للضغوط التي مورست عليه «من قبل طرف سري لم تعلن هويته». وهذا الطرف الذي حجبت هويته عن قصد هو بالتأكيد «اللوبي اليهودي» الطامع منذ الستينات في تحجيم دور الجامعة الأميركية في بيروت بعد أن وصفها الرئيس جون كينيدي أمام البطريرك الماروني بولس المعوشي بأنها منارة متقدمة في الشرق الأوسط. وبما أن إسرائيل تريد الاستئثار بحظوة هذه المنارة، لذلك استولت على نصف المعونات والمساعدات المادية التي كانت مخصصة للجامعة الأميركية.

 

وواضح من نصّ بيان المدعي الاتحادي أنه يجهل طبيعة الظروف التي استخدمتها الجامعة لتقديم دعمها الثقافي إلى هاتين المؤسستين. وحقيقة الأمر أن «حزب الله»، في نظر دول الاتحاد الأوروبي، كان منفتحاً على الشرعية بدليل أن أوروبا انتقدت جناحه المقاتل وبرأت جناحه الثقافي – الاجتماعي. وهذا يعني أن الجامعة الأميركية قامت بعملية الدعم الثقافي قبل أن تعلن الولايات المتحدة تصنيف «حزب الله» حزباً إرهابياً.

 

وهناك إشارة واضحة تحدث عنها القائم بأعمال المدعي الاتحادي في مانهاتن (حيث ترتكز نواة الحركة الصهيونية)، وفيها يطالب الجامعة بأن تتخلى عن فلسفتها التعليمية ومعاييرها وممارساتها وفق النموذج الأميركي الليبرالي للتعليم العالي.

 

وترى الجامعة، وفقاً للبيان التوضيحي الذي أصدرته، أن خريجيها ملتزمون حرية التعبير والتفكير واحترام التنوّع ونزاهة الحوار.

 

هذه القيم في نظر جون كيم، القائم بأعمال المدعي الاتحادي في مانهاتن، لم تعد قائمة في برنامج الجامعة التي أرادها أن تخضع لـ «مكارثية فكرية» تجرِّد هذا الصرح التعليمي من الشعارات التي وضعها دانيال بلس ومن خلفه من رؤساء زرعوا بذور التعبير الحرّ وحق الاعتراض وأعمال المقاومة الوطنية المشروعة.

 

ومن تلك البذور نبتت الحركات والتيارات التي طورت منطقة الشرق الأوسط من خلال 65 جنسية امتدت تأثيراتها السياسية والعقائدية من إيران والعراق حتى الجزائر والمغرب… ومن تركيا حتى السودان ومصر وليبيا واليمن وفلسطين. ومن رحم هذه الجامعة تخرج باسم القوميين العرب، الطبيبان جورج حبش ووديع حداد. ومن الرحم ذاته تخرج طبيب العيون منصور أرملي، حامل شعار الشيوعية الأممية. وتنسحب تلك الذهنية المتنورة على آلاف الطلاب ممن ساهموا في الحكم أو في المعارضة من أمثال: القاضي عبدالرحمن الأرياني ومحسن العيني من اليمن… وأحمد الخطيب من الكويت… وحامد الجبوري وباسل قبيسي وسلام أحمد من العراق.

 

والقائمة تضيق بسجل الروّاد الذين فتحوا أسواق الأدب والتجارة والإعمار من أمثال: اميل بستاني وكامل عبدالرحمن وسعيد تقي الدين وحمد الفرحان وإبراهيم طوقان وسعيد خوري وزها حديد ونزيه طالب والدكتور إبراهيم السلطي والشيخ نجيب علم الدين وأنيس المقدسي والأخوين الدكتور نجيب ومنير أبو حيدر.

 

ومن المؤكد أن قائمة المجلين في كل الحقول تضيق بالصفحات المشرقة التي كتبها الآلاف ممن تفوقوا في اختصاصاتهم، والذين لا يسمح المجال بتعداد أسمائهم.

 

وما يهم الرأي العام المتابع لتفاصيل هذه القضية الشائكة، هو معيار التسوية الذي التزم به الفريقان. ذلك أن الجامعة اشترطت إلى جانب موافقتها على تسوية وزارة العدل الأميركية «أن تبقى ملتزمة تقديم أرقى وأفضل تعليم للطلاب في لبنان وخارجه». وأكدت أيضاً التزامها الوفاء لمهتمها من خلال تعليم مجتمع متنوع، من دون تفريق على أساس العرق أو الدين أو العقيدة أو أي تمييز آخر. واختتمت دورها بعد تثمين الدعم السخي الذي تقدمه «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، بقبول إجراء تدريب إضافي لأعضاء هيئة التدريس لضمان الامتثال للقانون الأميركي واللبناني!

 

وكلمة «امتثال» تعني أن حرية التعبير والتفكير التي قدمتها الجامعة الأميركية في بيروت على امتداد مئة وخمسن سنة، ستتعرض لتوجيهات صارمة بواسطة قيود معنوية تمنعها من تحقيق دورها السابق. وهذا يعني أن الإرهاب الفكري الذي قدمه مكتب الادعاء الاتحادي الأميركي كعلاج ضروري لاستمرار رسالة هذا الصرح الثقافي… سيتحول إلى حملة اضطهاد يمكن أن تنسف كل مقومات نظام التعليم السابق. وفي ظل هذا التوافق، تصبح الجامعة الأميركية في بيروت واحدة من عشرات الجامعات التي سمحت الدولة بتأسيسها.

 

وفي المرحلة الأخيرة أصابت سهام القرصنة الأميركية عدة مصارف عربية كان «البنك العربي» في قائمة المتضررين. و «البنك العربي» أنشئ على يد مؤسسه عبدالحميد شومان مع أربعة مساهمين في تموز (يوليو) 1930، في القدس. أي قبل نحو عشر سنوات من اندلاع الحرب العالمية الثانية، وقبل 18 سنة من إعلان إنشاء دولة إسرائيل.

 

وبما أن فلسطينيي الـ «دياسبورا» كانوا يستخدمون فرع نيويورك كأداة تواصل لإرسال المساعدات إلى ذويهم في الضفة الغربية بعد احتلال 1967، لذلك حرصت أجهزة «الموساد» على مصادرة كل الملفات المتضمنة قوائم الزبائن في الداخل والخارج. واستغلت «الموساد» تلك القوائم بغرض الانتقام من العائلات التي تقدم بعض الشهداء، علماً أنه ليس للبنك فيها أي ناقة أو جمل.

 

وبناء على افتراضات خيالية أنزِل العقاب بـ «البنك العربي»، بحيث غُرِّمت الإدارة الجديدة التي اشترت من عبدالحميد شومان كل الحصص المعروضة، وغرّمتها محكمة نيويورك مبلغ 23 مليون دولار كدفعة أولى. واضطرت الإدارة الجديدة برئاسة صبيح المصري إلى الحصول على شهادات قانونية من الإدارة الأميركية في واشنطن، ومن الحكومة الأردنية في عمّان، بأن «البنك العربي» لا يموّل المقاتلين ولا يفتح حسابات لأعضاء المنظمات الفلسطينية المعارضة.

 

ومع هذا كله، لم تأخذ محكمة نيويورك بشرعية هذه الشهادات، الأمر الذي اضطرها إلى القبول بمبدأ التسوية. ولكنها تسوية مجحفة كونها امتدت لمسافة زمنية طويلة جداً كان «البنك العربي» يدفع خلالها أجور المحامين والخبراء. وقد تكدست المصاريف على نحو غير مألوف.

 

في إطار الحملة الدولية على الإرهاب، لا تزال الإدارة الأميركية تتصرف وفق السياسة التي سادت في عهد جورج بوش الابن. أي السياسة الانتقامية التي مورست بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001، وموت ثلاثة آلاف نسمة.

 

يجمع المراقبون والمعلقون على القول إن قرار اجتياح العراق لم يكن مرتبطاً بحادث إزالة البرجَيْن وإحراق جناح في البنتاغون. ذلك أن المحافظين الجدد في حينه، تبنوا هذا الخيار قبل أن يحققه بوش ونائبه ديك تشيني. وكان ذلك تحت عنوان «الحرب الاستباقية والضربة الاحترازية». وهي سياسة مخالفة للقانون الدولي بسبب افتقارها إلى أدلة ثبوتية تسمح بالدفاع عن النفس. أو تسمح بتدمير بلد مثل العراق عام 2003 استناداً إلى معلومات قديمة مستقاة من عملية تدمير المفاعل النووي قرب بغداد في 7 حزيران (يونيو) 1981.

 

ومن أجل إثبات سوء النية المبيتة لدى واشنطن، لا بد من مراجعة حكاية خوسيه بستاني، أول مدير عام للوكالة الدولية للطاقة النووية (مركزها فيينا).

 

وقد اختير هذا المحامي البرازيلي (والده لبناني الأصل من أنسباء الجنرال إميل بستاني) لهذا المنصب الحساس عام 1997.

 

بعد مرور خمس سنوات، اختلف خوسيه مع إدارة بوش الابن لأنه قدم تقريراً موثقاً يجزم فيه أن عراق صدام حسين لا يملك سلاحاً نووياً.

 

عقب نشر التقرير، شن شيوخ الحزب الجمهوري حملة شعواء ضد مدير الوكالة، انتهت باتفاق الرئيس الأميركي مع صديقة توني بلير، رئيس حكومة العمال البريطانية، على إزاحته من منصبه. وهذا ما حصل بالفعل، قبل اختيار محمد البرادعي ليحل مكانه في المنصب.

 

وبما أن خوسيه بستاني ينتمي إلى حزب العمال الذي يرأسه لولا دي سيلفا، فقد انتصر له وكافأه بتعيينه سفيراً لدى بلاط سانت جيمس.

 

وفي جلسة التعارف، سألته عن لقائه بتوني بلير رئيس الحكومة الذي ساهم في طرده من الوكالة. وهز رأسه عدة مرات، قبل أن يعلق بلهجة تنمّ عن إحراج عميق، ويقول: لقد توسلت الرئيس لولا أن يعينني سفيراً في أي عاصمة أخرى غير لندن. وكنت مدركاً لحجم التحدي الذي سيثيره وجودي الديبلوماسي لدى حكومة تآمرت على طردي من وظيفتي.

 

وكان رد الرئيس البرازيلي قاطعاً، إذ قال: إذا اعتبرتك لندن شخصاً غير مرغوب فيه، فأنا لن أكون نادماً إذا بقي منصب سفيرنا شاغراً.

 

ولما سألته عن سبب اعتراض بوش وبلير على تقريره، قال: إن المعلومات التي قدمتها لا تبرر الضربة العسكرية التي كانت تعدّ لها الولايات المتحدة مع بريطانيا. والدليل أن بلير أرسل 29 رسالة إلى بوش في صيف 2002 يمهد فيها لتعاونهما حول الهجوم العسكري على العراق الذي تم تنفيذه عام 2003.

 

ويُستفاد من التحقيق الذي أجراه البريطاني السير جون تشيلكوت أن الدولتين تآمرتا على وضع خطة وهمية ساهم في إعلانها وزير الخارجية كولن باول، ولم يجد المحقق، بعد طول عناء، أي سبب شرعي يبرر افتعال الهجوم على العراق.

 

وبسبب الغباء الذي غلف تدابير الوكيل الأميركي بول بريمر، رئيس الإدارة المدنية في العراق بعد الغزو، فقد ارتكب الخطأ السياسي الكبير عندما أمر بحلّ الجيش النظامي، وصرف أكثر من مليون جندي من الخدمة.

 

وكان من نتيجة ذلك القرار التعسفي المرتجل أن اتحد الضباط والجنود المسرّحون، ليؤلفوا قوة متمردة لم تلبث أن أعلنت من الموصل ولادة «داعش»!

 

 

3  العراق: شعب بلا خبز.. وطن بلا شعب

 

 شهاب آل جنيح

 

  الراي اليوم بريطانيا
  

الصراعات القائمة الآن في العراق، بين الدولة و اللا دولة، بين الجزء والكل، بين العراق واللا عراق، بدأت تستفحل وتبرز للواجهة، كقضية أساسية، من القضايا التي تهدد الكيان العراقي، بوحدته وتاريخه وشعبه؛ فما هي أسباب هذه الظاهرة، التي جعلت من العراق بلد الحضارات السومرية والبابلية والآشورية، يعيش صراع الوجود في القرن الحادي والعشرون؟!

الإجابة عن هذا التساؤل، لن تكون كافية بهذه المقالة وبكلماتها المعدودة، بل يحتاج ذلك لمجلدات وباحثين ليدرسوا الماضي بسلبياته، والحاضر بهمجيته، والمستقبل بتحدياته، فليس سهلا ولا منطقياً، أن تكون أرض الرافدين، التي كانت في ما مضى سيدة العالم، والتي منها انبثقت القوانين والكتابة قبل آلاف السنين، مهددة اليوم بكيانها، و خالية من أمثال أو بقايا أولئك الرجال، الذين صنعوا حضارتها.

 بعيداً عن المؤامرات الدولية، والتدخلات الخارجية، التي تتبنى هدم الكيان العراقي، سنقتصر في حديثنا هذا، على جانب واحد، وهو قضية قتل الروح الوطنية لدى الفرد العراقي، ولنقف على بعض أسبابها الداخلية فقط.

باسم الوطن، خاض العراقيون حروباً متعددة، لم يجنوا منها سوى القتل والخراب والجوع، فزادت مأساة الوطن أكثر فأكثر، وخلّفت تلك الحروب أراملاً وأيتاماً وجرحى ومفقودين، لايعلم عددهم إلا الباري (عز وجل)، وكل ذلك كان باسم الوطن والوطنية، وكأننا نحن الوحيدون الذين نملك وطناً، من بين تلك الشعوب الآمنة المطمئة في أوطانها!

جيوش الفقراء والمعدومين، والأرامل والأيتام من مختلف مكونات الشعب العراقي، يمثلون جزءً كبيراً من هذا المجتمع، وربما يكونوا هم الأغلبية، فهل يكون لرغيف الخبر الذي يأتيهم باسم الطائفة أو الفئة، دور في نسيانهم لوطنيتهم ووحدتهم؟

قد يقول قائل: أن الفقراء هم الأكثر وطنية، من بين طبقات المجتمع الأخرى -وهذا صحيح فعلاً إلى حد ما- لكن عملية التجويع والإهانة باسم الوطن، ربما قتلت وستقتل كثير من الروح الوطنية لديهم، خاصة وأن هذه المرحلة التي يعيشها العراق، نرى فيها أن التعامل مع الفرد العراقي، قائم على أساس الفئة أو الطائفة أو القومية، وإلى أخره من هذه المسميات.

لحظة تأمل ربما تكون خادعة أو صادقة؛ لكنها حوت سؤالاً، ربما يكون قد خطر ببال كثير من العراقيين، وهو لِمَ نلوم الشعب؛ ولا نلوم الذي جوعهم وأذلهم وسرقهم؟ كيف نريد من الفقير الذي لايملك داراً تأويه؛ أن يكون وطنياً وينسى جوعه وألمه؟ كيف لهذا الفقير أن يتأقلم مع حر الصيف، وبرد الشتاء؟ وإذا ما خرج أطفاله حُفّات؛ فكيف نقنعهم أن الوطن الذي جفاهم وعاندهم وغيبهم؛ هو أغلى من أنفسهم؟

عندما يُكرم الإنسان، باسم طائفته أو قوميته أو حزبه، وفي قبّال ذلك انسان آخر يجوع ويهان، ويترك يصارع مصيره وأيضاً بسبب انتماءه، وخلال كل هذين الاسلوبين من التعامل مع الفرد، سواءً بالسلب أو الإيجاب، نرى غياباً تاماً للوطن، فليس من معنى يترجم هذه الانتقائية في التعامل، سوى أنها قتل لروح الدولة وكيانها، لدى الشعب أو المجتمع، وبذلك يقوم الفرد بالدفاع عن رغيف الخبر الذي يأتيه باسم طائفته، أو قوميته أوحزبه، وينسى وطنه!

نعيش اليوم أزمة ضياع الوطنية، وعلواً للحزبية والطائفية والفئوية، وإن هذا الاتجاه من العلاقة بين الوطنية وبقية الهويات الفرعية، لابد أن تكون بالعكس تماماً عن ما هي عليه الآن، أي أن تكون الوطنية هي المظلة الكبيرة، والدائرة التي تحتوي بقية الدوائر، ومهما كَبرت الفروع فلا بد للأصل أن يكون أكبر وأهم، من تلك الفروع، وكل هذا لايكون على يد رجال الصدفة والأزمة، بل يحتاج لرجال دولة، يستطيعون أن يعبروا بشعبهم وبلادهم إلى شاطئ الأمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد