تخطى إلى المحتوى

العراقيون يستذكرون معركة تحرير الفاو عام 1988

الفاو

 

معركة تحرير الفاو عملية عسكرية نفذها الجيش العراقي في 17 نيسان 1988 خلال حرب القادسية الثانية/حرب الخليج الأولى لإخراج الجيش الإيراني من المثلث الجنوبي لشبه جزيرة الفاو بعد احتلال إيران للمنطقة لمدة عامين. أطلق على العملية اسم رمضان مبارك لتوافق العملية يومها مع أول أيام شهر رمضان.

شملت العملية العسكرية التي نفذها الجيش العراقي في الفاو قبل شروق شمس يوم 17 نيسان ثلاثة مراحل استطاعت القوات العراقية من خلالها تحرير كامل شبه جزيرة الفاو في حوالي 35 ساعة وتكبيد الجيش الإيراني خسائر كبيرة ما بين قتيل وأسير بالإضافة إلى الاستيلاء على معداتهِ.

وكانت إيران قد حصنت الفاو بخنادق وحقول ألغام كما شقت القوات الإيرانية قنوات مائية لمنع الدبابات والمركبات المجنزرة من الحركة بينها، قال الضابط العراقي اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس إن الجيش الإيراني “حفروا قناة عريضة تربط بين شط العرب من ناحية والخليج العربي من الناحية الثانية وبعرض حوالي 300 إلى كيلومتر واحد وحولوا شبه جزيرة الفاو إلى جزيرة الفاو تمهيداً لاقتطاعها وعدّها جزءاً من إيران وكما أعلنوا هم أنفسهم ذلك”.

ميدان المعركة
في النصف الثاني من شهر شباط تمكن الجيش الإيراني من احتلال مثلث الفاو بعد معارك استمرت 45 يوماً حيث وصلَ احتلال الجيش الإيراني إلى الحافات الشمالية من منطقة المملحة، بعمق 22 كيلومتراً بعد خسائر للجيش الإيراني قدّرها الجيشُ العراقي أنها 120 ألف إصابة وتمكن الجيش العراقي من إيقاف زحف الاحتلال الإيراني في مثلث الفاو في مساحة 235 كيلومتراً مربعاً.

التخطيط

أدركت الاستخبارات العراقية إن الجانب الإيراني قد تمكن من اختراق جهاز لاسلكي بعيد المدى في المنطقة الوسطى، يعود للقوة الجوية، واستطاعت القوات الإيرانية التجسس والتقاط كل الرسائل المتداولة في الجانب العراقي. فاقترحت الاستخبارات العراقية على الرئيس الموافقة على أن تتولى الإشراف المباشر على هذا الجهاز، ومواصلة بث معلومات صحيحة وأخرى مضللة، عبر هذا الجهاز. وتولى مسؤول ملف إيران هذهِ المهمة شخصيا، وبذلت جهود كبيرة، ليس للمحافظة على ثقة الإيرانيين بهذا الجهاز فحسب،

بل لزيادة الاهتمام بهِ. ولقد وضعت الاستخبارات العراقية خطة مخادعة طويلة ودقيقة في الجوانب التكتيكية والاستراتيجية، وكان الجهاز اللاسلكي أهم وسائل تمرير هذه المواد المخادعة إلى القيادة الإيرانية مباشرة وبسرعة، ومن أروع ما يمكن تسجيله هو أن الاختراقات العراقية في مفاصل أخرى كانت تتابع اهتمام القيادات الإيرانية بالمعلومات والرسائل والمحادثات، التي تجري من خلال هذا الجهاز.

وكانت تتأكد بين حين وآخر من سلامة الإجراءات وأمن الخطط والعمليات. أما الفكرة العامة فصممت على أساس أن القيادة العراقية مصممة على سحق الهجوم في المنطقة الشمالية، وسحب التشكيلات المتضررة وإرسالها إلى منطقة الفاو، ولإبدالها بتشكيلات منتعشة لإرسالها إلى الشمال، وهو ما دفع القوات الإيرانية إلى نقل المزيد من قوات الفاو إلى الشمال. كان الهجوم مقررا ليتم من خلال قوات الحرس الجمهوري العراقية (القوة الضاربة في الجيش العراقي) والتي كان يشرف عليها آنذاك حسين كامل، بقيادة الفريق الركن إياد فتيح الراوي ورئاسة أركان اللواء الركن إبراهيم الآغا، بالتعاون مع الفيلق السابع من الجيش العراقي بقيادة الفريق الركن ماهر عبد الرشيد، وقيادة القوة الجوية، والقوة البحرية وطيران الجيش. لقد كانت مسؤولية تحرير الجزء الغربي من شبه جزيرة الفاو من مهمة فرقة المدينة المنورة في الحرس الجمهوري، أما مسؤولية فرقة بغداد من الحرس الجمهوري فكانت من الطريق الإستراتيجي الذي يحد قاطع الفيلق السابع إلى الحدود الفاصلة مع فرقة المدينة المنورة في الحرس الجمهوري، وبالدخول إلى العمق إلى نهاية منطقة المملحة، بحيث تكون الصفحة الأولى لقوات الحرس الجمهوري هي احتلال قاطع المملحة المعقد (أرض ملحية). أما مهمة فرقة حمورابي في الحرس الجمهوري فكانت الصفحة الثانية؛ وهي تحرير مدينة الفاو بالتعاون مع جهد قوات الفيلق السابع وصولاً إلى منطقة رأس البيشة (المثلث البري العراقي المطل على الخليج العربي) وتكون فرقة نبوخذنصر في الحرس الجمهوري فرقة الاحتياط.

الهجوم

كان الاحتلال الإيراني لمثلث الفاو في الجزء الجنوبي من شبه جزيرة الفاو في ليلة الهجوم، حضر القائد العام للقوات المسلحة صدام حسين ونائب القائد العام الفريق أول ركن عدنان خير الله وزير الدفاع، إلى مقر الحرس الجمهوري، في الساعة 04:30 فجر 17 نيسان 1988 أطلقت أكثر من ألف فوهة نيران القصف التمهيدي المركز، وفي الساعة 06:00 شاركت الدبابات في تدمير النقاط الحصينة الأمامية، وقد شاركت الزوارق الحربية والقوة الجوية في مرحلة القصف، وفي الساعة 06:30 انطلقت قطعات الصولة لكسر الحاجز النفسي، وحاجز منظومة الموانع، وفي الساعة 12:00 من يوم 18 نيسان 1988 دخلت كتيبة دبابات الفارس بأمرة المقدم الركن سالم حافظ التكريتي التابعة للواء المدرع 17 حرس جمهوري مدينة الفاو ورفعت العلم العراقي فيها

ومع ساعات الهجوم الأولى، حققت قوات الحرس الجمهوري تقدما سريعا جدا، وفرضت تفوقا ساحقا، أدى إلى استعادة الفاو، والإخلال بالتوازن الاستراتيجي للقوات الإيرانية على طول الجبهة، فاضطرت القيادة الإيرانية فيما بعد إلى القبول بوقف إطلاق النار. وأتهمت إيران الكويت بالسماح للعراقين باستخدام جزيرة بوبيان.

النتائج

مثلت الفاو نقطة تحول لحرب القادسية الثانية/حرب الخليج ودفعت هي وباقي الانتصارات التي حققها العراق بعد معركة الفاو لإعلان آية الله الخميني، مرشد الثورة الإيرانية، في 5 تموز 1988، قبول إيران وقف إطلاق النار، كما أنها منحت العراق منفذه المائي على البحر الذي حُرم منه سنتين.

يذكر بعض من الخبراء العسكريين أن العراق تلقّى نصائح خارجية للإعداد والتخطيط للمعركة بينما اتهمت إيران دولة الكويت بالسماح للعراقيين باستخدام جزيرة بوبيان كمعبر لعبور قوات الجيش العراقي.

يوم استعاد العراق شبه جزيرة الفاو من قبضة القوات الإيرانية

يوم استعاد العراق شبه جزيرة الفاو من قبضة القوات الإيرانية
يوم استعاد العراق شبه جزيرة الفاو من قبضة القوات الإيرانية

كان الإيرانيون استولوا على الفاو في 11 فبراير/شباط 1986، في واحدة من أقسى المعارك التي خاضها البلدان وأشدها، حيث استغرق العراق أكثر من عامين بعدها لإعادتها مع سقوط آلاف الجنود من الطرفين.

الساعات الأولى من الحرب

في ليلة يوم 17 أبريل 1988 حضر صدام حسين القائد العام للقوات المسلحة العراقية لمقر قوات الحرس الجمهوري، وأعطى أوامره ببدء القتال تمام الساعة الرابعة والنصف مع أول ضوء، كانت حوالي أكثر من ألف دانة مدفع عراقية تقوم بعملية التمهيد النيراني والقصف المركز، لتمهيد أرض المعركة لدخول المشاة والأسلحة الثقيلة.

وفي الساعة السادسة صباحا، شاركت الدبابات العراقية في تدمير النقاط الحصينة الأمامية، وفي الساعة السادسة والنصف انطلقت قطعات الصولة لكسر الحاجز النفسي، وحاجز منظومة الموانع، وفي الثانية عشرة ظهرا نجحت كتيبة دبابات الفارس التابعة للواء المدرع 17 حرس جمهوري فى احتلال مدينة الفاو ورفعت العلم العراقي عليها.

مع التفوق الساحق للقوات العراقية وخاصة قوات الحرس الجمهوري التي حققت تقدما سريعا في سير المعركة، اضطرت القيادة الايرانية للقبول بوقف إطلاق النار، بسبب كثرة الخسائر وإخلال التوازن الاستراتيجي لقواتها الذي تسببت به القوات العراقية.

سقوط الفاو

العراقيون يستذكرون معركة تحرير الفاو عام 1988
تعرف مدينة الفاو التابعة لمحافظة البصرة بأنها منطقة ساحلية (شبه جزيرة) وتمثل المركز الإداري لقضاء الفاو، تقع في الجنوب الشرقي من محافظة البصرة، وتمثل أقصى نقطة في جنوب العراق وتطل على الخليج العربي وعلى ضفاف شط العرب، وتبعد المدينة عن مركز البصرة 90 كيلومترا.

ويصف رئيس أركان الجيش العراقي السابق الفريق الأول الركن نزار الخزرجي في كتابه (الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 مذكرات مقاتل) أرض الفاو بأنها رخوة وسبخة وذات مستوى مياه جوفية عالية، إذ تصبح عند تساقط الأمطار أشبه بالمستنقعات، وتغمر المياه الضحلة أجزاء كبيرة منها، عدا المناطق المحاذية لشطّ العرب حيث تمتد بساتين النخيل على شريط طويل، يتراوح عرضه بين كيلومتر وكيلومترين.

تعد سيطرة إيران على الفاو من الأشد الأحداث وقعا على العراقيين طيلة الحرب بين البلدين، حيث تعرضت القيادة العسكرية العراقية لخدعة من القوات الإيرانية، بحسب ماجد القيسي مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز صنع السياسات للدراسات الدولية والإستراتيجية.

ويضيف القيسي -وهو الذي عمل قبل 2003 ضابطا برتبة لواء ركن- أن إيران عمدت إلى التحشّد في منطقتين، الأولى في قاطع القرنة شرق البصرة وهو المخادع، وآخر تجاه الفاو وهو ما كانت الاستخبارات العسكرية العراقية قد أشارت إليه على أنه الهدف الإيراني الحقيقي.

ويرى الخزرجي في كتابه أن الاستيلاء على الفاو والاحتفاظ بها كان يهدف لعزل العراق عن الخليج العربي وتشكيل قاعدة رئيسية لإيران لشن هجماتها شمالا للاستيلاء على مدينة البصرة وعلى حقول نفط المنطقة الجنوبية، فضلا عن عزل العراق وقطع مواصلاته مع الكويت.

وعن الكيفية التي استولى بها الإيرانيون على الفاو، يعود القيسي ليؤكد في إفادة حصرية للجزيرة نت أنهم استطاعوا صناعة جسر عسكري على الأراضي الإيرانية ثم عمدوا إلى جره بالآليات العسكرية والزوارق باتجاه شط العرب واستخدامه في عبور المشاة والآليات تجاه الفاو، في وقت كانت القوات العراقية المرابطة في المكان آنذاك قليلة وغير قادرة عسكريا على رد الهجوم.

وأشار إلى أن الجسر كان شبه غاطس وغير واضح للقوة الجوية العراقية.

أما قائد فيلق الحرس الجمهوري الثاني العراقي الفريق الركن رعد الحمداني فيشير في كتابه “قبل أن يغادرنا التاريخ” إلى أنه وبعد ترقب عسكري استمر شهرا كاملا وفي تمام الساعة 10 من مساء يوم التاسع من فبراير/شباط 1986 شن الإيرانيون هجوما واسعا من منطقة كشك البصري شمالا حتى ميناء الفاو جنوبا، حيث قدرت أعداد القوات المهاجمة بنحو 50 ألف جندي إيراني.

ورغم كل ما حدث فإن القيادة العسكرية العراقية العليا ظنت أن الهجوم على الفاو كان للخداع فقط، بحسب الحمداني، مما أدى في نهاية المطاف وفي ليلة 12-13 فبراير/شباط إلى سقوط مقر الفرقة 26 للجيش العراقي التي كانت متمركزة في منطقة المملحة بالفاو

أما الخبير العسكري الضابط في الجيش العراقي السابق مؤيد سالم الجحيشي فيشير من جانبه إلى أن إيران استغلت قناعة العراق بأن القوات الإيرانية كانت ترمي الاندفاع نحو الوسط العراقي، حيث إن العاصمة بغداد كانت تبعد عن الحدود العراقية الإيرانية قرابة 140 كيلومترا، انطلاقا من محور محافظة واسط المسمى عراقيا ببدرة وجصان.

ويضيف أن العراق اعتقد أن الفاو جغرافيا لم تكن تسمح للإيرانيين باستهدافها بسبب الفاصل الطبيعي المتمثل بشط العرب، فضلا عن أن الفاو لم تكن ضمن خط المعارك بين الجانبين طيلة السنوات السابقة لاحتلالها.

وفي شهادته التي أوردها الخزرجي في كتابه يقول “هكذا ضاعت الفاو، ورغم أن المخادعة هي مبدأ من مبادئ الحرب، فإن المخادعة التي تعرضت لها قواتنا في الفاو كانت من العيار الثقيل ونُفذت على مستوى دولي، ساهمت معلومات وخرائط الاستخبارات الأميركية المسربة في تحقيقها، لكن كان بالإمكان إجهاض هذه المخادعة الكبرى لو تحرر ذهن هيئتي الاستخبارات والعمليات في الأركان العامة من القناعات المسبقة”.

معاقبة الأرض

أما اللواء الركن ماجد القيسي فأطلق من جانبه على عملية استعادة العراق للفاو بأنها “معاقبة الأرض”، إذ إن العراق استخدم خطة مدفعية غاية في الدقة وغير مسبوقة، وشملت إطلاق عشرات آلاف المقذوفات تجاهها، فبعد استعادة الفاو لم يسلم متر مربع واحد في الفاو من قذيفة أو صاروخ أو قذيفة هاون، وهي الخطة ذاتها التي استخدمت في استعادة جزيرة مجنون جنوبي العراق فيما بعد.

أما الجحيشي فيرى أن معركة استعادة الفاو شكّلت بداية نهاية الحرب العراقية الإيرانية، فمنذ عام 1986 بدأ العراق استيراد أسلحة متطورة من الدبابات وناقلات الجنود المدرعة، وكانت جميع الهجمات الإيرانية على العراق بعد احتلال الفاو مسيطرا عليها.

ونتيجة لاستعادة الفاو، استطاع العراق -بحسب الجحيشي- استغلال النصر في الفاو نفسيا وعسكريا واندفع لتخليص جميع الأراضي العراقية الأخرى التي كانت تسيطر عليها إيران، مثل منطقة نهر جاسم وجزيرة مجنون ومن ثم حلبجة في السليمانية (شمال).

ورغم أن القيسي أكد أن الضحايا العراقيين في الفاو كانوا كثرا دون تحديد، فإن الحمداني في كتابه أشار إلى أن التضحيات العراقية ما بين سقوط الفاو واسترجاعها كلفت العراق قرابة 53 ألف قتيل في الفاو وحدها.

في نهاية المقال نقول رحم الله شهداء العراق الذين سقطوا في معركة تحرير الفاو و الرحمة و الغفران للمراسل الحربي علاء لفتة موسى رحمه الله ومن معه 

معركة تحرير الفاو المعجزة..كيف نجح جيش صدام بدحر جيش خميني في 35 ساعة!؟

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد