تخطى إلى المحتوى

اربع مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم الاربعاء

1كما في مانشستر… للضحايا في بلادنا اسماء ايضا !

 

هيفاء زنكنةالقدس العربي
 

 

لاحظنا، منذ الدقائق الاولى التالية لتفجير « مانشستر» الارهابي ، وما تلاه من أيام، الاهتمام الاعلامي المكثف، الرسمي والخاص، بذكر اسماء الضحايا واعمارهم، ومدارسهم، ووظائفهم، والاستشهاد باهاليهم، بالاضافة فيما بعد الى نشر صورهم واجراء مقابلات مع اصدقائهم وأقاربهم. أي كل ما يساعد على غرز وجودهم، وما حدث لهم، بالكلمة والصورة، في الذاكرة الجماعية للشعب البريطاني والعالم. هذه التغطية الاعلامية تدفع المتابعين على التماهي مع ضحايا التفجير ال22 ، وبينهم أطفال، كحضور انساني بريء مضاد لفعل ارهابي بشع. وهذا ما يجب ان يكون في جميع انحاء العالم حين تكون قيمة حياة الانسان هي الأعلى وتحمل مفهوما عالميا للجميع.

مقابل ذلك، يتعرض أهلنا من العراق الى غزة، ومن سوريا الى ليبيا الى اليمن، على مدى سنوات تمتد الى عقود ، الى التفجيرات والقصف الجوي بأنواعه ، بأسلحة متطورة ( طائرات بلا طيار في غزة واليمن) وأخرى أقل تطورا وأشد فتكا (اليورانيوم المنضب والفسفور الابيض في العراق وغزة) وأخرى بدائية كالبراميل المتفجرة ( سوريا والعراق). ويبقى الضحايا نكرات، بلا اسم أو هوية. مجرد ارقام واحصائيات وجداول بيانية لاتعني شيئا. فما الذي يعنيه الجدول البياني، حتى لو كان لازدياد عدد ضحايا القصف الجوي ، مثلا، لقارئ خبر في صحيفة ؟ أنه لا يزيد عن كونه خبرا آخر، عن ضحايا مجهولين ، في بلد ما. ومن السهل جدا نسيان مجهولي الهوية وبالتالي محوهم من الذاكرة كأنهم لم يكونوا. هذا هو حال ضحايا الحرب الجوية ، في بلادنا، حيث يسقط مئات الضحايا ، يوميا، في سباق تخوض فيه قوات دول، بقيادة أمريكا، ما تسميه ب» الحرب على الارهاب» بالتحالف مع انظمة عربية، همها الاول حماية مصالحها على حساب الشعوب ونضالاتها، بحيث بات كل من يتجرأ على الاشارة الى عري الامبراطور مهددا بتهمة الارهاب الجاهزة.

أخبرتنا صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، منذ أيام، إن 3100 مدني على الأقل لقوا مصرعهم إثر الغارات الجوية لـ»التحالف الأمريكي» على العراق وسوريا، منذ صيف 2014. مصدر الرقم هو منظمة « حروب جوية» التي ترصد ضحايا الغارات الجوية مستندة بذلك الى المصادر الرسمية. تحاجج المنظمة تصريح الجيش الامريكي بأن غاراته أسفرت عن مقتل 352 مدنيا فقط قائلة ان «عدد القتلى المدنيين هو ثمانية أضعاف ما تؤكده الولايات المتحدة» وان عدد الضحايا في تزايد مستمر، حيث ازداد ، حاليا، الى 100 شخص، يوميا، جراء ما يقارب 13 ألف غارة على العراق و 9 آلاف على سوريا. وذكرت المنظمة انها رصدت الغارات الروسية في جداول منفصلة.

هذه الارقام ، مهمة ومن الضروري توثيقها. ولكن، من الذي سيتذكرها بعد مرور فترة من الزمن ، وربما بعد أيام، باستثناء قلة من الباحثين؟ ما الذي تعنيه هذه الارقام بالنسبة الينا، كأفراد عاديين، والى العالم الذي لا يريد معرفتها، أساسا، أما خشية تحميله مسؤوليتها أو لانشغاله بمشاكله الخاصة بعيدا عن مشاكل « الآخرين»؟

في الاسبوع، ذاته، اعترفت قيادة الجيش الامريكي ، بعد انكار وتنصل، بان أحدى غاراتها على مدينة الموصل، في 17 آذار/ مارس سببت، فعلا، مقتل 105 مدنيين. تؤكد منظمات رصد حقوقية عراقية وشهود عيان ان عدد الضحايا أضعاف ذلك. وهي مجزرة، بكل المقاييس الانسانية وقوانين الحرب، تستوجب المساءلة واخضاع مرتكبيها للعقاب ، فيما لو تم تطبيق القوانين الدولية والانسانية ، وهذا ما لن يحدث ما لم يتغير ميزان القوى الدولي، وما لم توجد في العراق حكومة وطنية مهمتها الاولى تمثيل مصلحة مواطنيها. الى ان يتم ذلك ، تواجهنا اسئلة عدة : ما الذي يتوجب علينا عمله لئلا نكرس استرخاص الحياة الانسانية ، لئلا تتم مقايضتها في سوق المصالح، وان نحافظ عليها كقيمة مطلقة لا تقبل المساومة؟ وكيف الاستفادة من الاحصائيات والارقام؟

الخطوة الاولى هي ضرورة توثيق الحدث بتفاصيله كاسم الضحية والعمر ووقت الاصابة وكيف. الخطوة الثانية اعلامية. ليكن الخبر ، بقدر الامكان، معززا بذكر اسماء الضحايا وجوانب من حياتهم. لا يصح تكويم الضحايا في قبور جماعية ، بأخبار وعناوين على غرار : « مقتل 20 مدنيا في قصف جوي على سوق شعبي غرب الموصل» و « 395 قتيلا و580 مصابا ضحايا الهجوم الأمريكي في النجف والكوفة « و « في قصف جوي .. مقتل تسعة مدنيين بينهم خمسة من اسرة واحدة في الموصل» ، دون ان يشار في أي من الاخبار، على اختلاف مصادرها، اسم أي من الضحايا.

ان لكل ضحية اسما وعمرا وجنسا ومهنة وعائلة وأقارب، الكبار منهم والاطفال، « فلاطفال العراق احلامهم/ انهم ليسوا بلا احلام/ لأطفال العراق قلوب تنبض/ انهم ليسوا احصائيات حرب/ لأطفال العراق اسماء/ اسماؤهم ليست ضحايا ثانويين « كما يقول الشاعر الامريكي ديفيد كريغر، والعبور الى العالم الآخر لا يطمس هذه الحقائق، بل كل ما في الامر انها ستتحول الى مخزون في ذاكرة الاحياء، تتناقله من جيل الى آخر لا للانتقام بل لئلا تتكرر الجرائم.

وهذا ما فعلته اجهزة الاعلام لضحايا تفجير مدينة مانشستر، وهذا ما يتوجب علينا عمله تجاه ضحايانا الذين لن يلتفت اليهم احد، ما لم نبادر بالعمل على تحويل استشهادهم الى احتفاء بحياتهم. اما افضل طريقة لتقريب الارقام والاحصائيات من اذهان الناس وابقائها حية فتتم عبر تضمينها سردية الاحداث التي يتعرض لها الضحايا لتصبح ، كما يذكر موقع « احصاء القتلى العراقيين» ( ترجمة غير حرفية لبادي كاونت)، وسيلة أخرى ، ايضا، لاثبات الحقيقة عبر التفاصيل المتعلقة بالافراد ، وجعلها ملكا للجميع مثل نصب تذكاري يؤمه الكل ، خاصة ذوي الضحايا ، حفاظا على ذاكرتنا وكرامتنا، في آن واحد.

2صمود يقرب الفراتين من بعضهما

 

 

افتتاحية

 الوطن العمانية
 

 

الترابط بين القضية الفلسطينية والأزمة السورية والأزمة العراقية قد لا يكون واضحًا بالقدر الذي تتكشف فصوله الآن على خلفية حالة الانكشاف لحقيقة الصراع الدائرة رحاه على الحدود السورية ـ العراقية ـ الأردنية، حيث التقاسم الواضح في الأهداف بين الأطراف المعادية لسوريا، فلم يعد مخطط تحطيم سوريا وتحويلها إلى دولة أطلال، وإخراجها من معادلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي مرتبطًا فقط لجهة وضع حد للدور المشرف الذي لعبته سوريا ولا تزال تجاه القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني، واعتبارها عقبة أمام تصفية القضية التي تتم في إطار مسمى تسوية الصراع، وإنما لجهة إنجاز مخطط العزل والفصل والتقسيم، من خلال العبث بالجغرافيا التي تلتقي فيها الدول الثلاث (سوريا، العراق، فلسطين).

ويحتدم هذا الصراع اليوم على الحدود بهدف إحكام القبضة عليها من قبل من يصل إليها أولًا، وسط إعادة الحديث القديم المتجدد عن إقامة ما يسمى “مناطق آمنة” في جنوب سوريا، عبر مفاوضات أميركية ـ روسية. وبالنظر إلى الشكل والمضمون إلى طبيعة ما يسمى “المناطق الآمنة” نجد أنها لا تحقق الهدف/الشعار المعلن من ورائها، وإنما تمثل انتهاكًا صارخًا وخرقًا واضحًا للقانون الدولي بانتهاك سيادة الدولة السورية، والتعدي على قرارها السيادي، والتدخل في شأنها الداخلي بذريعة “حماية المدنيين من خطر الإرهاب، وتأمين الحدود من عودة الإرهابيين” وغير ذلك من الذرائع الواهية، وبالنتيجة تخدم الأهداف المرادة من مخطط التآمر على سوريا، إذ أن من شأن هذه “المناطق الآمنة” أن تكون مقدمة لتقسيم سوريا، وإقامة إقليم حكم ذاتي عليها وفقًا لتلك الذرائع الآنفة الذكر، على غرار سيناريو كردستان العراق، وفي المجمل لا تخدم مثل هذه المخططات سوى طرف واحد وهو كيان الاحتلال الإسرائيلي الطرف الأصيل في مخطط التآمر على سوريا.

مع التبلور الواضح لمسارات التدخل في سوريا ومخطط إسقاط حكومتها، يزداد الشعبان السوري والعراقي وعيًا بالحقيقة التي عمل المتآمرون على تمويهها بشعارات خادعة وزائفة، ولعل استهداف القوة الحقيقية التي تحارب الإرهاب على الأرض السورية ونعني به تحديدًا الجيش العربي السوري من قبل طيران التحالف الستيني الذي يغطي سماء سوريا وسماء العراق وجوارهما، في حين تسرح قطعان الإرهاب وتمرح في الصحراء المكشوفة بين العراق وسوريا، وفي المدن والأرياف السورية والعراقية، وتدعم بالسلاح النوعي والعتاد العسكري بما فيها طائرات بدون طيار، كفيل بمضاعفة الوعي بحقيقة ما يدور.

إن في الحياة ثوابت لا قيمة للإنسان بدون التفاعل معها, كل حسب وعيه ودرجة استطاعته. وفي الزمان الصعب فإن للإنسان مواقفه التي تتمدد وتنفصل وتتمايز على معيار الإيمان بالقيم العليا وحمل رسالة الوطن وطرح العنوان الأكبر في الزمن الأصعب، ويحدث أن تتقارب الثوابت في الحياة مع مواقف الإنسان في لحظة الخطر، وإن شاب ذلك مظاهر الانفصال بين الثوابت والمواقف عند بعضنا، وفي هذه المرحلة التي تعد هي الأصعب تتجسد المعالم الكبرى في قصة الثوابت والمواقف على الجانبين السوري والعراقي، عبر ما يقدمه الجيشان السوري والعراقي والقوات الحليفة والرديفة من تضحيات جسيمة لحماية تراب وطنهما، حيث أخذت هذه الثوابت الوطنية تعلو على كل الخطوط الحمراء التي وضعها الأعداء المتآمرون، وهي التي تحمل أقدام الجيشين العربيين وعتادهما على جناح السرعة لإحكام القبضة على تراب وطنهما من الحدود إلى الحدود، استشعارًا وتيقنًا من لحظة غادرة قادمة ينقض فيها العدو على طهارة تراب الوطن .. إنها لحظة تاريخية بكل تجلياتها أن يشهد الشعبان السوري والعراقي تضحيات جيشيهما الجسيمة لتكامل الحضارتين في سوريا والعراق والتقاء فراتهما.

3  أسباب تمنع الأكراد من الانفصال عن العراق

 

 د. فاضل البدراني

 

  الراي اليوم بريطنيا
 

يكثف الأكراد أو الكرد في الإقليم الشمالي من العراق هذه الأيام من الحديث في الانفصال عن العراق والبدء بحملة إعلامية وسياسية دبلوماسية مع دول عدة لتهيئة الاجواء للانفصال، وهذا النشاط يقتصر تحديدا على الحزب الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه السيد مسعود البارزاني رئيس الإقليم.

وشخصيا فإني أعتز بالكرد ضمن الهوية العراقية لأسباب عدة منها ارتباطهم التاريخي بهذا الوطن الذي يتشاركون فيه مع العرب والتركمان والأيزديين والكلدان والآشوريين والصابئة وغيرهم، فضلا عن روابط الأخوة والمصاهرة والصداقة وأيام الدراسة التي تركت أثرا طيبا وعمقا نفسيا واعتزازا بين جميع العراقيين وفق هذه الرابطة الانتمائية بقيمها الاجتماعية – النفسية.. والقائمة تطول في ما يحلل أسباب الاعتزاز.

والكرد برغم هذا الزخم الدعائي للانفصال واعلان هيئة عليا للاستفتاء أسندت رئاستها إلى وزير الخارجية العراقي السابق هوشيار زيباري الذي يتمتع بسمعة دولية طيبة ومحبة العراقيين، لكن من الواضح انهم يبدون عملية سياسية استعراضية جزء منها فيه الرغبة والطموح باعلان دولة كردية وجزء آخر يصدم أحلامهم بصعوبة تحقيق الحلم، وجوابا على تساؤل مباشر لماذا لم ولن يتمكن الكرد من إعلان الدولة الكردية بشمال العراق مع ان الاستفتاء سيتحقق وستكون نتيجته على طريقة استفتاء الرؤساء الشرقيين عالية جدا قد لا يفصلها عن الـ(100%) سوى كسر أو أعشار الدرجة، ومن وجهة نظر فيها كثير من الاستشراف المستقبلي بالاستناد إلى حقائق ملموسة حاليا مبنية على ثوابت تاريخية، أن الكرد سيبقون على هذه الشاكلة ضمن إقليم يتمتع بصلاحيات واسعة، والأسباب تتلخص فيما يأتي:

 

البعد الاستراتيجي للنفط والغاز وهو العامل الوحيد الذي يفتح شهية الكرد للانفصال لن يكون من حصة الكرد لعوامل جزئية أخرى تتعلق بخلافات كردية بارزانية- طالبانية- نشيروانية تثير حالة اللااطمئنان بين هذه الاطراف.. وكذلك ان الشراكة العربية التركمانية والأطراف الخارجية المساندة لها لن تجعل هذه الثروة من حصة الكرد.

الرفض القاطع من اطراف إقليمية لا تزال تلعب دورا فاعلا في الواقع الجيوستراتيجي لإعلان دولة كردية شمال العراق مثل تركيا وإيران، لكي لا يتكرر في بلدانها مثل هذا التشظي.

العناد الذي تتميز به الشخصية الكردية ضمن البعد السيكولوجي يجعل من قياداتها الحزبية ترفض وبشدة تداول السلطة والتنازل للآخر لتولي رئاسة مقترح الدولة، وبالتالي فإنهم يدركون اعلان الدولة يعني ركوب موجة الحرب الأهلية، واستهداف السلم المجتمعي وبالطبع فالعلاقات ليست طيبة بين الاحزاب الثلاثة الكبيرة. وبقناعتي ما رددته النائبة آلا الطالباني عندما رفع محافظ كركوك علم كردستان في 21 مارس2017 بكركوك.. وبصوت عال ولأكثر من مرة هذه مدينة جلال طالباني، وبالطبع فإنه لا يروق للبارزانيين.

في حال اعلان الدولة الكردية سيحصل تصادم مخيف بين اكراد العراق وعددهم 5 ملايين نسمة تقريبا بأكراد تركيا وعددهم تقريبا 15 مليون نسمة الذين يطالبون بان يكون عبدالله أوجلان رئيسا للدولة الكردية، وهذا لا يقبله أكراد العراق وحتى إيران مطلقا.

موارد الإقليم الكردي ما عدا النفط ضعيفة جدا وغير مؤهلة لتلبية استحقاقات إعلان دولة، والدليل ان الإقليم منذ ثلاث سنوات لا يتمكن من دفع رواتب موظفيه بشكل منتظم وكامل رغم المساعدات من بلدان غربية.

القيادات الكردية لديها حنكة سياسية جيدة وقراءة جيدة للواقع، وهذه ستجعلها تضع مثل هذه التحديات امامها عند التفكير الجدي بإعلان الدولة الكردية، ناهيك عن تجربة اعلان دولة جنوب السودان كنموذج قريب للواقع أدخل شعبها في أتون حروب داخلية وافلاس مالي مخيف جعل شعبها يطالب بإعادتهم ضمن دولة السودان وعاصمتها الخرطوم.

رؤية الدول العظمى البقاء على الكرد ضمن هيكلية الدولة العراقية أفضل لهم من الانفصال ضمن دولة لن يكون لها مستقبل في البناء والرخاء التنموي بسبب مخاوف من حروب بين أصحاب النفوذ والبحث عن الزعامة من القيادات الحزبية الكردية.

ارتباط جماعة السيد مسعود البارزاني بتركيا وبلدان الخليج العربي يقابله ارتباط جماعة السيد جلال الطالباني بإيران يجعل الكرد في حالة انقسام وخلاف مبطن بتركيبة كردية معقدة لا يمكن ان تجمع بينهما دولة كردية ضمن حدود واحدة.

لن يغيب عن ذهنية قادة الدول العظمي في حال القبول بنظرية أكراد العراق إعلان دولة لهم، فإن عليهم أن يفكروا مليا بأن هذا سيفتح الباب أمام أكراد تركيا وإيران وسوريا لإعلان دويلات لهم، بينما الوضع الدولي غير مهيأ لمثل هذه الأزمة. والأمر هذا قد يحتاج إلى حرب عالمية ثالثة تنتج تشظيا في البنية الدولية حتى تتبدل الحدود والجغرافيا الحالية.

 

وفي اطار هذه المؤشرات، فإن الكرد يدركون ان اعلان الدولة سيدخلهم في أتون حروب ونزاعات طويلة لا نهاية لها، وإعادة إنتاج ثارات الماضي والبناء عليها من جديد. ولذلك فإن ما يجعلهم يضغطون باتجاه اعلان دولة كردية، هو من أجل لفت انتباه العالم إلى حجم الإقليم ومحاولة الضغط على الحكومة العراقية ببغداد لتقديم مزيد من الدعم للعدول عن خيار الانفصال عن الدولة العراقية. والامر لا يبتعد ايضا عن الهروب من مشكلات وأزمات داخلية سياسية واقتصادية تواجه حكومة الإقليم ومنها أيضا تحقيق هدف تحويل الانظار عن السباق المحموم على رئاسة الإقليم.

4 الأقليات دُرر العراق وكُنوزه!

 

 جاسم الشمري

 

الغد الاردنية
 

 

التنوع العرقي والديني والمذهبي في العراق هو جزء من الفسيفساء التي تميزت بها بلاد وادي الرافدين منذ مئات السنين، وربما هذا التنوع من أسرار ارتباط العقول والقلوب ببلاد ما بين النهرين، بلاد التعايش والتلاحم الإنساني دون النظر للأديان أو القوميات أو الكثافة السكانية.

في العراق تتفاوت النسب السكانية لمكونات المجتمع المتنوعة، فهنالك مكونات كبيرة –  وهم في الغالب من العرب والكرد المسلمين- وهنالك مكونات يطلق عليهم مصطلح “الأقليات”- ومنهم  التركمان والكلدانيون والآشوريون واليزيدية والصابئة المندائية وغيرهم- ونحن لا نحبذ استخدام مصطلح “الأقليات” لأنهم في الواقع ليسوا “أقلية”، بل نحن “أقلية” بدونهم، وهم أكثرية بنا، ولا نريد  الخوض في هذا التمايز العددي لأننا تعايشنا مع كافة هذه المكونات بحب وسلام ووئام وكرم وتسامح وصدق وطيبة منذ مئات السنين دون النظر لأعدادهم.

ونحن هنا لن نتحدث عن الموقف من العملية السياسية، أو السياسات التي ناصرت طائفة ضد أخرى، أو بعض المواقف “غير البريئة” التي اتخذها طرف ما خلال مراحل الفتن المتعددة في العراق، بل نتحدث عن مجمل الحالة الإنسانية الاجتماعية العراقية التي كانت – وما تزال، ولو بدرجات اقل بعض الشيء- حالة مثالية مليئة بالتعايش والتلاحم ونبل العلاقات الإنسانية.

الحديث عن حقوق التركمان على سبيل المثال- وهم القومية الثالثة في العراق، ويزيد تعدادهم على المليونين ونصف المليون مواطن، وينتشرون في مناطق كركوك وتلعفر وديالى وصلاح الدين وقرب بغداد ونينوى- دفع الجبهة التركمانية لعقد مؤتمرها في بغداد للفترة من 16-17 أيار 2017.

رئيس الجبهة التركمانية، أرشد الصالحي سبق وأن أكد أن “التركمان فُهِموا بالخطأ على أنهم ورثة العثمانيين. التركمان موجودون في العراق منذ آلاف السنين، ووجدوا قبل العثمانيين، والتاريخ يشهد على ذلك”.

وهنالك من يقول – ومنهم قحطان عبوش التلعفري، في كتابه (ثورة تلعفر)، ص:60: ” إن قسماً من أهالي تلعفر هم من أصول تركمانية، والقسم الباقي هم من أصول عربية. وجميع أهالي تلعفر يتكلمون اللغة التركية ومنذ زمن بعيد”.

ويذكر بعض المؤرخين التركمان أن “الذاكرة التركمانية تحتفظ باعتزاز خاص لدورها في مقاومة الاحتلال البريطاني للعراق، إذ كانت انطلاقة الشرارة الأولى لثورة (1920م) من تلعفر، ثم انتشرت لسائر المدن العراقية”.

وحسب بيان الجبهة التركمانية فقد ناقش المؤتمرون ببغداد “مستقبل التركمان السياسي ضمن العراق الموحد، والحفاظ على تطلعات التركمان، وحماية هويتهم القومية من الضياع، وضرورة إيجاد الحلول لمشاكلهم، ومنها قضية كركوك، وتلعفر، وطوز خورماتو، ومعالجة قضية المهجرين، واعمار المناطق التركمانية المهدمة”.

حقوق التركمان والمسيحيين وغيرهم من العراقيين ينبغي أن تُمنح لهم بطيب نفس،  وبلا مِنّة من أحد، بل تُمنح بفخر واحترام وتقدير لأننا نتحدث عن مكونات ساهمت – وما تزال- في بناء حضارة العراق، وهم يفتخرون بوطنيتهم ولم يتنازلوا عن عراقيتهم رغم كل المؤامرات التي حِيكَت ضدهم، وكل هذه المواقف تؤكد أصالتهم ومعدنهم النقي، وأنهم أكثرية – وليسوا أقلية- بتمسكهم بتربة العراق.

حقوق كافة الأقليات في العراق واجب لا يمكن تجاهله، وهو من الواجبات الوطنية والإنسانية لشريحة مهمة وحيوية من العراقيين ذلك لأننا نتحدث عن مواطنين عانوا مثلما عانى غالبية العراقيين، ولهم مكانة مميزة في ذاكرة الوطن، ولا يحق لأي حكومة التغاضي عن حقوقهم، أو استخدامهم كورقة ضغط سياسي، وهم لبنة مهمة من لبنات بناء الدولة العراقية، وجزء حَيَوِيّ وجَوْهَرِيّ في تاريخها، وهضم حقوقهم نكران لتاريخهم الناصع في عراق الحضارات.

الضمانة الأكيدة لحقوق كافة العراقيين – سواء أكانوا أكثرية، أم أقلية- هو بالاصطفاف مع الوطن، والسعي لتحقيق دولة المواطنة، والابتعاد عن الاصطفافات الدموية والإرهابية والتخندقات الضيقة التي لا تخدم البلد الجريح لكونها سياسات تقسيمية ضاربة للتعايش المجتمعي.

الأقليات دُرر العراق وكُنوزه، ومكانتهم لا تُنكر في لوحة العراق الجامع الذي نتمنى أن يعود كما كان عراقاً لجميع المكونات بغض النظر عن دينهم أو قوميتهم، أو نسبتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد