مع الارتفاع المستمر بأعداد إصابات الحمَّى النزفيَّة في البلاد متخطية حتى يوم أمس الاثنين 28 أب/ أغسطس 2023، حاجز الـ 500 بضمنها 63 وفاة، كثفت وزارة الزراعة من إجراءاتها الاحترازية الواسعة والصارمة ضد المرض، أهمها استحداث مجازر متنقلة وتشديد الرقابة على القائم منها، وتحديد مناطق معقمة لذبح الماشية.
وقال مدير قسم الوبائيات بدائرة البيطرة التابعة للوزارة ثائر صبري حسين إنَّ دائرته تبنت إجراءات احترازية واسعة وصارمة للوقاية من الحمى النزفية بالتزامن مع قرب أربعينية الإمام الحسين (ع)، إذ وجهت المستشفيات والمستوصفات البيطرية بالتنسيق مع العتبتين الحسينية والعباسية المقدستين، بمتابعة الماشية المصاحبة للمواكب برشها وتغطيسها بالمبيدات للقضاء على الوسيط الناقل وهو (القراد) وعدم ذبحها إلا بعد مرور 14 يوماً من الرش.
وأضاف أنَّ الإجراءات تضمنت أيضاً تحديد مناطق لجزر الماشية، مع المتابعة البيطرية الدقيقة للمجازر الثلاثة في كربلاء ، اثنتان منها للدواجن، وواحدة للماشية، إلى جانب استخدام مجازر متنقلة معقمة، مع تشكيل لجان من دوائر المحافظات لرش وتغطيس الماشية تباعاً.
وبشأن أعداد إصابات الحمى النزفية المسجلة في البلاد حتى يوم أمس الاثنين، بيّن حسين أنها بلغت حتى الآن 501، بينها 63 وفاة، بحسب الإحصائية الأخيرة من وزارة الصحة، تصدرت محافظة ذي قار العدد الأكبر منها بـ123 إصابة بضمنها 12 وفاة، أما بغداد فسجّلت 80 إصابة بينها 14 وفاة، فيما كانت الأنبار أقل المحافظات عدداً بالإصابات وبلغت اثنتين فقط. وأكد تواصل الدوائر البيطرية بالتعاون مع نظيرتها الصحية ببغداد ومحافظة كربلاء بحملاتها طيلة الزيارة الأربعينية من خلال تعفير وتعقيم المواكب الحسينية على طول طرق الزائرين وكابسات النفايات والحاويات، مشيراً إلى تعاون المنظمات العالمية لاسيما الصحة الحيوانية، والعتبتين الحسينية والعباسية المقدستين للسيطرة على الأمراض المشتركة والانتقالية، وفحص الماشية المعدة للذبح في المجازر لتجهيز اللحوم للزائرين، بحسب الصحيفة الرسمية.
وتابع، “لدينا 293 فرقة جوالة تضم أطباء ومنتسبين تتولى عملية الرش والتعقيم للأماكن التي تضم حظائر الحيوانات، وفرقنا تصل إلى أية بقعة في البلاد لضرب طوق حول الموقع الذي رصد فيه المرض”، مشيراً إلى أن الحمى النزفية موجودة في العراق وعدد من دول الجوار، منها تركيا وإيران والكويت وأذربيجان.
تشمل الحمى النزفية الفيروسية طيفًا من الأمراض الخفيفة إلى الشديدة نسبيًا والتي تهدد الحياة بالخطر وتتميز ببدء مفاجئ لآلام العضلات والمفاصل، وحمى، ونزيف، وصدمة بسبب فقدان الدم. وفي الحالات الشديدة، يكون النزيف من الفتحات والأعضاء الداخلية أحد أبرز الأعراض.
وفي إقليم شرق المتوسط، تتمثَّل الحميات النزفية الفيروسية الأساسية في الحمى الصفراء، وحمى الوادي المتصدع، وحمى الضنك، وحمى القرم-الكونغو النزفية، ومرض فيروس الإيبولا.
توجد طرق متعددة لانتقال عدوى الحمى النزفية الفيروسية:
من شخص لآخر من خلال المخالطة المباشرة مع المرضى الذين تظهر عليهم الأعراض، والملامسة المباشرة لسوائل جسم المرضى أو جثثهم
عدم كفاية مكافحة العدوى في المستشفيات (حمى القرم-الكونغو النزفية، حمى لاسَّا، حمى الإيبولا)
ممارسات الذبح
استهلاك اللحوم النيئة من الحيوانات المصابة أو الحليب غير المبستر (حمى القرم-الكونغو النزفية، حمى الوادي المتصدع)
التلامس المباشر مع القوارض أو استنشاق مواد ملوثة بفضلات القوارض أو ملامستها (حمى لاسَّا)
لدغات البعوض (حمى الوادي المتصدع، وحمى الضنك) أو القُراد (حمى القرم-الكونغو النزفية).
تثير الحميات النزفية الفيروسية الناشئة والمعاودة قلقًا متزايدًا في جميع أرجاء العالم. فعلى مدار العِقدين الماضيين، شهد إقليم شرق المتوسط فاشيات كبرى وحالات متقطعة من الحمى الصفراء، وحمى الوادي المتصدع، وحمى الضنك الوخيمة، وحمى القرم-الكونغو النزفية، وذلك في أكثر من 12 بلدًا.
وترتبط الحمى النزفية الفيروسية بحدوث أوبئة كبرى ذات معدلات وفيات مرتفعة بسبب عدم وجود تدابير طبية مضادة محددة مثل اللقاحات أو مضادات الفيروسات، باستثناء الحمى الصفراء. كما أن غياب التشخيص المختبري في الوقت المناسب، والاكتشاف المتأخر، والممارسات غير الملائمة لمكافحة العدوى في مرافق الرعاية الصحية، وضعف برامج مكافحة نواقل المرض، يمكن أن يؤدِّي أيضًا إلى إطالة أمد فاشيات الحمى النزفية.
كورونا والحمى النزفية
أوضح مدير عام البيطرة في وزارة الزراعة ثامر حبيب حمزة أن “تاريخ الحمى النزفية في العراق يعود لعام 1979 ومنذ ذلك الحين تقوم دوائر البيطرة برش وتعقيم الأماكن التي يوجد فيها القراد الناقل للمرض”، مشيراً إلى أنه منذ أزمة كورونا “توقفت إجراءاتنا لمدة عام ونصف العام، مما أدى إلى ازدياد إصابات القراد بشكل كبير، فضلاً عن أن زيادة نسبة التصحر وقلة الأمطار كان لهما دور في القضاء على القراد، إضافة إلى قلة الوعي الصحي للمصابين وعدم مراجعة المراكز الصحية وشراء اللحوم من المجازر العشوائية”.
ودعا حمزة إلى “ضرورة مراجعة الدوائر الصحية عند الشعور بالأعراض المتمثلة في ارتفاع درجة الحرارة وآلام المفاصل والقيء”، منوهاً بأنه “من الممكن معالجة الإنسان المصاب، بينما الحيوان لا يوجد لقاح أو علاج له”..
وتابع، “لدينا 293 فرقة جوالة تضم أطباء ومنتسبين تتولى عملية الرش والتعقيم للأماكن التي تضم حظائر الحيوانات، وفرقنا تصل إلى أية بقعة في البلاد لضرب طوق حول الموقع الذي رصد فيه المرض”، مشيراً إلى أن الحمى النزفية موجودة في العراق وعدد من دول الجوار، منها تركيا وإيران والكويت وأذربيجان.
ولفت إلى أن هناك وزارات كثيرة تشترك من أجل السيطرة على المرض منها دائرة الصحة والبيئة والأمن الوطني والبلديات لمنع الذبح العشوائي، موضحاً أنه “لا توجد مجازر كافية فعددها 48 مجزرة في عموم العراق، بينما من المفترض أن تكون 200 مجزرة، علماً أنه لم تُبنَ مجزرة واحدة مجهزة منذ 30 عاماً، أما الموجودة، فلا تضم أجهزة حديثة”.
ذي قار تتصدر الإصابات
وعزا حمزة سبب زيادة الإصابات في محافظة ذي قار لعدم السيطرة على حركة الحيوانات، فضلاً عن الجزر العشوائي، إذ إنها تصدرت عدد الإصابات بـ56 إصابة وسبع وفيات، وتشتهر المحافظة الجنوبية بتربية قطعان الجاموس، لا سيما في الأهوار، حيث تقدر أعدادها بنحو 80 ألف رأس.
بدورها تقول الطبيبة البيطرية وصال معروف عبدالمجيد إن قلة رش المبيدات في أماكن وجود المرض وتراجع الوعي أديا إلى انتشاره، مضيفة أن “الإجراءات الوقائية من قبل الدولة تراجعت مما زاد من تفشي المرض، فضلاً عن قلة الوعي لدى مربي الماشية، بخاصة أنه مرض مشترك بين الحيوان والإنسان لذلك يجب أن تكون هناك توعية للمربين وغيرهم على حد سواء”.
وتابعت، “كانت هناك موازنة كبيرة لدوائر البيطرة لشراء مواد لمكافحة المرض ونحتاج إلى المبيدات للحشرات، ويجب أن تعطى مجاناً إلى المربين وكذلك التحذير من خطورة المرض والذبح بالمجازر الحكومية من أجل محاصرة العدوى وعدم انتقالها إلى الإنسان
كردستان العراق يسجل أول حالة وفاة بالحمى النزفية
منذ مطلع العام الجاري، يتواصل تفشي مرض الحمى النزفية في عموم المحافظات العراقية بوتيرة قياسية غير معهودة، مخلفا وفيات عديدة من بين حالات الإصابة به، وفي أحدثها الإعلان عن أول حالة وفاة بالمرض في إقليم كردستان العراق.
حيث أصدرت وزارة الصحة في إقليم كردستان العراق، بيانا عن تسجيل أول حالة وفاة بالحمى النزفية في الإقليم، جاء فيه: “بعد تأكد إصابة أحد المشتبه بهم بمرض الحمى النزفية والذي يبلغ من العمر 27 عاما من قرية كورزي في ناحية خليفان بمنطقة سوران وإدخاله المستشفى، وتنويمه لتلقي العلاج، بسبب المرض توفى هذا اليوم”.
وأضافت الوزارة: “تم تسجيله كأول حالة وفاة بسبب مرض الحمى النزفية في إقليم كردستان العراق”.
وشددت وزارة الصحة في حكومةإقليم كردستان العراق، على ضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية والاحترازية لتفادي الاصابة بالمرض. فيما أعلنت وزارة الصحة العراقية، السبت، إحصائية جديدة بعدد وفيات وإصابات الحمى النزفية.
وقال المتحدث باسم الصحة العراقية سيف البدر لوكالة الأنباء العراقية، إن “الوزارة سجلت منذ بداية هذا العام 162 إصابة بمرض الحمى النزفية من بينها 27 حالة وفاة”.
وأوضح المسؤول العراقي أن: “نصف حالات الاصابة تماثلت للشفاء فيما تم تسجيل أول حالات الوفاة في أربيل”، مؤكدا “أهمية أن تكون هناك توعية للمواطنين حول هذا المرض”.
وعن الارتفاع المتواصل في تسجيل حالات الإصابة والوفاة بالحمى النزفية في العراق، قال الخبير الصحي الطبيب زامو بختيار، في لقاء مع سكاي نيوز عربية: “الحمى النزفية مرض متوطن في العراق كما هو معلوم منذ سنوات طويلة جدا، لكن تزايد وتيرة حالات الإصابة والوفيات جراءه كما نشهد طيلة الأشهر القليلة الماضية هو ناقوس خطر، سيما وأنه قد تكون هناك حالات كثيرة مثلا غير مكتشفة أو غير مشخصة بشكل صحيح، فنحن نتحدث الآن عن نحو 200 حالة بينها عدد غير قليل من الوفيات يقارب 30 حالة”.
وأضاف الخبير الصحي العراقي: “العوامل الأساسية وراء انتشار هذه الموجة، تكمن أبرزها في ضعف الوعي الصحي لدى الناس من جهة وضعف الرقابة الصحية من جهة أخرى، علاوة على انتشار ظاهرة الذبح العشوائي للمواشي في مختلف المناطق العراقية، خاصة في الأرياف وضواحي المدن والعشوائيات، وحتى داخل المدن الكبيرة، وهو ما يسهم في تهيئة البيئة المفرخة لتطور مثل هذه الموجات الوبائية الفتاكة”.
ويحذر خبراء صحيون من تفشي المرض على نطاق أوسع في العراق خلال المرحلة المقبلة، سيما في ظل ضعف وهشاشة آليات الفحص والرقابة في أسواق الماشية والدواجن وانتشار الطرق البدائية للذبح وبيع اللحوم، والتي تكون في معظمها غير خاضعة للاختبارات البيطرية لتأكيد سلامتها للاستهلاك البشري وخلوها من الأمراض والفيروسات.
يذكر أن الحمى النزفية تنتقل عادة من الحيوانات المصابة للبشر عبر الدماء الملوثة واللحوم، وبسبب غياب الرقابة وضعف الاحترازات الصحية والضوابط الوقائية في عمل الملاحم، وذبح الحيوانات المريضة دون فحص ورقابة، ينتشر المرض بشكل أوسع نطاقا.
ويحذر الخبراء من أن الفيروس قد ينتقل أيضا من إنسان لآخر، خاصة عن طريق الاتصال الجنسي، أو اللعاب ومختلف سوائل الجسم.
وتنتشر الحمى النزفية الفيروسية عن طريق مخالطة الحيوانات أو الحشرات المصابة بالعدوى، وتعيش الفيروسات التي تسبب الإصابة بالحمى النزفية الفيروسية في العديد من العوائل الحيوانية والحصرية، وتشمل في الغالب البعوض والقوارض والخفافيش.
وتشمل بعض أنواع الحمى النزفية الفيروسية؛ حمى الضنك وحمى الإيبولا وحمى لاسا وحمى ماربورغ والحمى الصفراء.
وتنتشر عادة مشاهد المواشي المذبوحة المعلقة في العديد من الأماكن والطرقات العامة العراقية وفي الأحياء، والدماء تتقاطر منها، والذباب يحوم فوقها والحشرات من حولها، حيث تباع تلك اللحوم الملوثة والمسببة لمختلف الأمراض بلا ضوابط ولا قيود.