تخطى إلى المحتوى

6 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الجمعة

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
1العراق باق بإرادة دولية

 

فاروق يوسف

 

العرب
الأكراد يعرفون أن سنة العراق يعارضون الانفصال إيمانا منهم بالعراق الموحد، أما شيعة الحكم فإنهم ينتظرون بلهفة انفصال كردستان لكي يلتحقوا بإيران.

يريد الزعماء الأكراد أن يثبتوا أن عملية لصق حدثت في العقد الثاني من القرن العشرين وتشكلت إثرها دولة العراق قد انتهت إلى الفشل بعد مئة عام من وقوعها.

 

بالعودة إلى واقع العراق اليوم يبدو ذلك القول صحيحا، غير أنه لا يمثل الحقيقة التاريخية والسياسية بل يتعارض معها. فعراق اليوم هو وليد الاحتلال الأميركي وما سبقه من عمليات محو لأسباب الحياة في بلد عصت قيادته السياسية على عمليات الاحتواء الأميركي فحل به غضب المجتمع الدولي متمثلا بالولايات المتحدة وحلفائها وهم سادة الاقتصاد العالمي.

 

العراق العاجز عن لملمة مكوناته هو الدولة الفاشلة التي لم يضع بناتها الأميركان في أذهانهم أن تقوم لها قائمة إلا على الورق. واليوم يهدد الأكراد باستعمال المقص لتمزيق ذلك الورق. لن يغير انفصال الجزء الشمالي من العراق شيئا في المعادلة.

 

فذلك الجزء هو في حقيقته منفصل ومنذ ربع قرن من غير أن يمتلك المقومات التي تؤهله لإنشاء دولة مستقلة. ما يُسمى بالإعمار في كردستان هو عبارة عن أسواق ضخمة وفنادق راقية ومزار لمخابرات الدول الصديقة والعدوة وأرصدة مالية حاز عليها الإقطاعيون بطرق غير نزيهة، أما البنية التحتية فهي تنافس سميتها في الجزء العربي من العراق. ناهيك عن أن كردستان نفسها تتوزع بين محميتين. الأولى في أربيل ويحكمها مسعود البارزاني وعائلته الثانية في السليمانية ويحكمها جلال الطالباني وعائلته، وما من أمل في أن يتفقا إلا على شيء واحد هو نهب المال العام.

 

لن تكون دولة الأكراد أقل فشلا من تلك الدولة التي كُلف حزب الدعوة بإنشائها في بغداد. وهو ما يجعلني على يقين من أن حزب الدعوة الذي يظهر زعيمه نوري المالكي غضبه من مسألة الاستفتاء الكردي يميل في السر إلى تشجيع الأكراد على المضي في مسألة الانفصال لكي يرى في فشل الآخرين ما يحرره من عقدة فشله.

 

غير أن الإنصاف يوجب علينا أن نذكر هنا أن الفشل الذي جُيّر باسم شيعة الحكم من خلال حزب الدعوة الحاكم كانت للأكراد حصة كبيرة فيه.

 

ففي وضع مزدوج غريب من نوعه لم يقع إلا في العراق كان الأكراد يحكمون إقليمهم المستقل بأنفسهم، وفي الوقت نفسه يديرون مواقع حساسة في بغداد بدءا من رئاسة الجمهورية، وانتهاء بمواقع متقدمة في الجسد الحكومي، مرورا بإدارة عدد من الوزارات السيادية والثانوية. لهم برلمانهم المغلق على كرديته وهم أعضاء مؤثرون في السلطة التشريعية ببغداد.

 

لقد كانوا دائما شهود زور على كل المجازر الطائفية التي ارتكبها شيعة الحكم في حق السنة، ولم يكن يعنيهم أن يباد الآلاف من البشر وتمحى مدن وتعصف الكارثة بمستقبل المجتمع العراقي.

 

لم يقل الزعماء الأكراد كلمة واحدة احتجاجا على ما شهدته المناطق ذات الأغلبية السنية من كوارث وجرائم ضد الإنسانية، بل إن القيادة الكردية هي التي آوت قادة الجيش العراقي الذين سلموا الموصل لتنظيم داعش في العام 2014 من غير قتال وساهمت بذلك في طمس حقيقة ما جرى.

 

هل كان الأكراد يخططون لدورهم في إعاقة قيام دولة قوية في العراق؟

 

أعتقد أن مَن وضع نصب عينيه الانفصال عن العراق هدفا نهائيا لا بد أن يعمل على عدم قيام ذلك العراق. وهذا ما فعله الأكراد عن وعي وهو ما وجد صدى إيجابيا لدى الزعماء الشيعة الذين لا يملكون مشروعا وطنيا.

 

لقد انصب همّ حزب الدعوة وهو الذي يحكم العراق منذ أكثر من عشر سنوات على تحويل سنة العراق إلى نوع من الهنود الحمر، وهو ما تم إنجازه من الفلوجة إلى الموصل وسط صمت عالمي. غير أن الصمت الكردي كان له معنى آخر.

 

انتظر الأكراد اللحظة التي يُزال فيها آخر معلم من معالم الوجود السني المؤثر في العراق ليعلنوا عن رغبتهم في الانفصال الرسمي. ذلك لأنهم يعرفون أن سنة العراق هم الذين يعارضون ذلك الانفصال إيماناً منهم بالعراق الموحد، أما شيعة الحكم فإنهم ينتظرون بلهفة انفصال كردستان لكي يلتحقوا بإيران.

 

غير أن المحيط الإقليمي والدولي لا يزال غير مشجع. وهو ما يحبط مسعى الطرفين لإزالة العراق من الخريطة. شيء مؤسف أن لا يقوى العراقيون على الحفاظ على وحدة وطنهم إلا من خلال الاعتماد على الإرادة الدولية.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتبمكان النشر
2مسعود البارزاني ينتحر سياسيا دون أن ينتبههارون محمد

 

 العرب
 

ليس هناك اعتراض من عرب العراق، على الاستفتاء الكردي وحق تقرير المصير وإنشاء دولة مستقلة، إذا قامت في المناطق الكردية المعروفة بحدودها الإدارية قبل 9 أبريل 2003 بلا قضم مدن وبلدات عربية وتركمانية ومسيحية ويزيدية.

كان خطأ سياسيا فادحا عندما أقدمت حكومة حزب البعث برئاسة أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين في عام 1970، على توقيع بيان 11 مارس الذي منح أكراد العراق الحكم الذاتي، مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الملا مصطفى بارزاني، في إجراء غير مدروس، كان من نتائجه أن عزز مكانة الأخير، وحوله من شيخ عشيرة صغيرة محشورة في قرية بارزان الجبلية، ورئيس حزب كان يشهد انشقاقات متلاحقة في هيئاته القيادية، إلى شريك سياسي فاعل، وقائد كردي أوحد، مختزلا كل الأكراد وقضاياهم وتطلعاتهم في شخصه وأسرته وعشيرته والمقربين منه.

 

ولم يكن الملا مصطفى رحمه الله وغفر ذنوبه، يحلم بأن تهبط بركات البعث عليه دفعة واحدة، وكان كل ما يطمح إليه من السلطات الحكومية يومها، أن توقف هجمات الجيش العراقي على قواعده العسكرية المتناثرة في قمم الجبال المعزولة، والكف عن مطاردة عناصره المختفية في الكهوف أو المختبئة في القرى الإيرانية خلف الحدود، وإعادة الملتحقين به من موظفين وجنود وشرطة إلى أعمالهم ودوائرهم السابقة، وتحجيم دور خصمه العنيد جلال الطالباني، وكان يقود جناحا حزبيا هو الأكبر والأنشط والمتحالف مع بغداد، وله وزيران في الحكومة المركزية وقتئذ.

 

وقيل يومها إن صدام حسين، الذي وصفه البارزاني وأتباعه حتى عام 1975، بأنه مهندس بيان مارس ونصير الأكراد، أراد أن يسجل لنفسه دورا تاريخيا في توقيع البيان نيابة عن الحكومة العراقية، في مواجهة عسكر الحزب وفي مقدمتهم حردان التكريتي وصالح مهدي عماش، وكانا من دعاة الحسم العسكري لتمرد الملا مصطفى، وقد اكتشف صدام خطأه في مارس 1974، عندما اجتمع مع ولدي الملا الشابين إدريس ومسعود، للبحث في استكمال إجراءات الانتخابات العامة في المحافظات الكردية (أربيل والسليمانية ودهوك) وإنشاء المجلسين التشريعي والتنفيذي للحكم الذاتي.

 

كما نص عليهما بيان مارس 1970، وأدرك متأخرا أن زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني وأولاده، لا يريدون مؤسسات شعبية كردية ولا تشريعات قانونية منظمة ولا مجالس تشريعية وتنفيذية، وإنما إبقاء الوضع في شمال العراق على حاله واستمرار الملا على زعامته، حتى وصل الأمر بالأخير إلى رفض تعيين أحد أنجاله، نائبا لرئيس الجمهورية، استنكافا بالمنصب، ورشح أحد مساعديه من الفيليين بدلا منهما هو حبيب محمد كريم، الذي انشق هو الآخر عنه في عام 1977 وعاد من طهران إلى بغداد نادما، وعين مفتشا عاما لمؤسسة ضريبة الدخل العراقية.

 

لقد ترتب على خطأ الحكومة العراقية في توقيع بيان مارس مع الملا مصطفى، أن الأخير استغل البيان ونجح خلال السنوات 1970 – 1974 في تثبيت قدميه كزعيم كردي وحيد تتعامل معه بغداد المركز، وبات يتصرف في المنطقة الكردية بتفرد ودكتاتورية، يطارد خصومه السياسيين ويهجر العشائر الكردية التي ترفض الانصياع له، ويطور علاقاته مع شاه إيران والموساد الإسرائيلي، ويخزن الأسلحة والمعدات العسكرية.

 

ويستقدم خبراء ومدربين أجانب لتأهيل قوات البيشمركة التابعة له، إضافة إلى تلقيه ملايين الدنانير من قيادة الحزب والثورة، كمساعدات ومنح، أيام كان الدينار العراقي يساوي أكثر من ثلاثة دولارات، وقد كشف سامي عبدالرحمن ورفيقه الدكتور محمود عثمان، وهما قطبان في حزب البارزاني قبل أن ينشقا عنه عام 1976 عن حجم الأموال التي استحوذ عليها الملا وأولاده، في كراس أصدراه ووثقا فيه تفاصيل ذلك.

 

لقد آلت زعامة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى مسعود البارزاني بالوراثة بعد رحيل والده في الولايات المتحدة الأميركية مريضا ومحبطا عام 1979، ووفاة شقيقه إدريس في منتصف ثمانينات القرن الماضي في إيران، وعرف بأنه من دعاة التفاهم مع بغداد وله تصريحات موثقة عقب لقائه مع صدام حسين في سبتمبر 1991 ببغداد، أشاد فيها بموقف الحكومة العراقية في دعم الأكراد، مؤكدا أنها مستعدة لمنحهم نظاما سياسيا، أعلى من الحكم الذاتي ويلامس النظام الفيدرالي، معترفا في الوقت نفسه بأن واشنطن رفضت العرض الحكومي “الجيد” حسب وصفه، بتحريض من جلال الطالباني.

 

كما أننا نتذكر استغاثته بالجيش العراقي لتحرير أربيل من احتلال الإيرانيين وأتباع الطالباني في 31 أغسطس 1996 وكيف تصرف الفريق سلطان هاشم وزير الدفاع والفريق عبدالواحد شنان آل رباط رئيس أركان الجيش حينذاك في بسط الأمن وإعادة الاستقرار إلى المدينة الكردية، وسلماها بالحفظ والصون إلى مسعود، بعد أن حافظا على حياة أفراد عائلة الطالباني وقيادات حزبه فيها، ومن ضمنهم رئيس الجمهورية الحالي فؤاد معصوم، الذي كان يشغل رئاسة حكومة أربيل المحلية، ووفرا لهم الحماية وعدم المساس بهم من خصومهم “البارتيين” (أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني).

 

ومن المفارقات أن يتشدد مسعود البارزاني هذه الأيام ويطالب بإجراء استفتاء كردي والانفصال عن العراق، وهو إلى سنوات قليلة مضت كان ينادي بأن خيار الأكراد الأحسن والأفضل أن يبقوا تحت خيمة العراق، كإقليم له خصوصيته وحقوقه، ومع ذلك فليس هناك اعتراض من عرب العراق، على الاستفتاء الكردي وحق تقرير المصير وإنشاء دولة مستقلة، إذا قامت في المناطق الكردية المعروفة بحدودها الإدارية قبل 9 أبريل 2003 بلا قضم مدن وبلدات عربية وتركمانية ومسيحية ويزيدية في كركوك والموصل وصلاح الدين وديالى، وإلا فإن حربا ستنشب لا شك في وقوعها، ستكون أشد وأقسى من معارك الأربعينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، وسيكون ضحيتها الأكراد قبل غيرهم، وهم محصورون في جيب لا منافذ له ولا مخارج، وبدون دعم من الجوار والخارج.

 

وأكثر ما نخشاه أن تتحق نبوءة جلال الطالباني التي أطلقها إبان حرب أم الكمارك مع البارزاني عام 1995 عندما قال: سيأتي يوم لا يستطيع مسعود أن يرى أربيل حتى في الأحلام.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
3  العبادي ووحدة العراق

 

 عبد الزهرة الركابي  القبس الكويتية
 

 

في جلسته المنعقدة في الثاني عشر من الشهر الجاري، ألزم البرلمان العراقي رئيس الوزراء حيدر العبادي باتخاذ كل التدابير التي تحفظ وحدة العراق وسيادته مع فتح حوار جاد لحل المشاكل بين المركز وإقليم كردستان.

جاء ذلك في البيان الصادر عن البرلمان العراقي، في أعقاب تصويته في الجلسة المذكورة، التي انسحب منها البرلمانيون الأكراد، على رفض استفتاء انفصال كردستان عن العراق رفضاً مطلقاً، مشيراً إلى أن هنالك حالات يتم الاستفتاء بشأنها، وإن استفتاء انفصال كردستان ليس من بينها، كما أن إقحام المناطق المتنازع عليها في هذا الاستفتاء يخالف الدستور العراقي أيضاً، حسبما جاء في البيان آنف الذكر.

وفي هذا السياق، وبعدما انفضت جلسة البرلمان العراقي على النحو المذكور وفي نفس اليوم، بحث رئيس البرلمان سليم الجبوري مع السفير الأميركي في العراق دوغلاس سيليمان أبرز التطورات السياسية والأمنية المحلية والإقليمية ومسألة الاستفتاء في إقليم كردستان، وفي الجانب الأخير اعتبر السفير الأميركي أن وحدة العراق في مواجهة «داعش» الإرهابي خطوة مهمة نحو إعادة الاستقرار والأمن في جميع مناطق البلاد، وفقاً لما ورد في بيان عن هذا الاجتماع، الذي حددت مصادر مطلعة مكانه في مقر السفارة الأميركية.

وعلى هذا المنحى، وصل قائد فيلق القدس الإيراني للعمليات الخارجية قاسم سليماني إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان، قادماً من مدينة السليمانية التي التقى فيها مسؤولي حزب الطالباني وحركة التغيير الكردية (كوران)، للقاء مسعود البرزاني وثنيه عن إجراء استفتاء الانفصال عن العراق، في وقت عدت فيه إيران القرار مخالفاً للأطر القانونية.

هذا، وكانت إيران قد أعلنت موقفها الرافض لإجراء استفتاء انفصال كردستان عن العراق وحذّرت من خطورة ذلك، حيث أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني من أن إجراء الاستفتاء في كردستان خطوة تفتقد إلى الرصيد القانوني، وستكون لها تبعات ضد الأمن في المنطقة وفي العراق، لا سيما في إقليم كردستان!

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
4 استفتاء كردستان… هل من بديل؟

 

 عثمان ميرغني

 

 

 الشرق الاوسط السعودية   
 

مع اقتراب موعد استفتاء كردستان العراق، بدأت نواقيس الخطر تدق من كل اتجاه، ونذر المواجهات المحتملة تطل من هنا وهناك، مثيرة مخاوف جدية من المنحى الذي يمكن أن تتخذه الأمور في المرحلة المقبلة. ففي الوقت الذي كان فيه مجلس النواب العراقي يصوت برفض الاستفتاء مطالباً السلطات المختصة «باتخاذ ما يلزم لإلغائه»، كان رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني يقوم بجولة في مدينة كركوك المتنازع عليها معلناً بأن الاستفتاء سيجرى في موعده ولن يؤجل، متوعداً بأن الشعب الكردي سيواجه «حتى آخر شخص فيه» أي طرف يحاول استقطاع كركوك من كردستان. في الوقت ذاته بدأ مسلحون يتحركون في بعض النواحي الواقعة في المناطق المتنازع عليها مثل مندلي على الحدود العراقية – الإيرانية، لمنع إجراء الاستفتاء فيها متحدين قرار المجلس المحلي الذي صوت غالبية أعضائه من الأكراد على الانضمام إلى عملية الاستفتاء.

هذه التحركات هي الظاهرة على السطح، وليس مستبعداً أن هناك تحركات أخرى تجري بعيدا عن الأعين تستعد فيها الأطراف المتحفزة لاحتمال وقوع مواجهات بالسلاح. فاحتمال الصدام المسلح الذي لا يتمناه عاقل، يبقى أمراً وارداً، بل مرجحاً، في ظل تمترس الأطراف بمواقفها وعدم وجود حوار حقيقي وجاد للتوصل إلى خريطة طريق لعبور هذه الأزمة، ناهيك من التفاهم حول كيفية تلبية مطالب كل طرف وتوقعاته، فالأكراد يشعرون أن الظروف سانحة الآن لإجراء الاستفتاء، والتقدم نحو حلم دولتهم، وأنه لا مجال لإضاعة ما يرونه «فرصة تاريخية» قد لا تتكرر بسهولة، لذلك قاوموا كل الضغوط ورفضوا دعوات التأجيل من بغداد أو من دول الجوار الإقليمي أو من الأطراف الدولية المهتمة. التنازل الوحيد الذي أبدوا استعدادهم لقبوله هو أن يكون التأجيل مشروطا بموافقة الحكومة العراقية على إجرائه في موعد آخر مع التزامها بقبول نتائجه، وهو الشرط الذي رفضته بغداد من أساسه، لأنها رأت فيه مناورة لإلزامها بقبول انفصال كردستان، لأن الاستفتاء في أي موعد قريب آخر ستكون نتيجته محسومة لخيار الاستقلال، لأن غالبية الأكراد باتت معبأة في هذا الاتجاه، ومن الصعب وقف قطار الطموحات المندفع.

في ظل هذه المواقف المتباعدة، وعدم وجود استعداد لتنازلات كبرى، يبدو الصدام المسلح هو الطريق الوحيد الذي تتجه نحوه الأطراف عاجلاً أم آجلاً. صحيح أن حكومة كردستان حاولت طمأنة الأطراف الأخرى بقولها إن الاستفتاء لا يعني أن الإقليم سيعلن الاستقلال فوراً، كما أن هناك من اعتبر أن الأمر كله عبارة عن «مناورة سياسية» يريد بها الأكراد انتزاع تنازلات من بغداد للحصول على مكاسب أكبر سواء فيما يتعلق بالثروات وتقاسم الموارد، أو ما يتعلق بالحقوق في المناطق المتنازع عليها خصوصاً كركوك. شخصياً لا أجد مثل هذا الكلام مقنعاً أو منطقياً، لأن الأكراد الذين ناضلوا طويلاً وعانوا من أجل حلم الاستقلال لا يمكن أن يفكروا في الاستفتاء كمجرد مناورة للحصول على مكاسب إضافية، لأن هذه المكاسب مهما كانت فلن تعادل فرصة إعلان الاستقلال أو تبرر التفريط فيها. أضف إلى ذلك أنه لن يكون سهلاً للقيادة السياسية في كردستان، حتى لو أرادت، أن تكبح جماح التطلعات التي أطلقها الاستفتاء.

القيادات السياسية في كردستان، وهي قيادات متمرسة عركتها تجارب الماضي بكل امتحاناته ومآسيه، لا يمكن أن يغيب عنها أن الاستفتاء بقدر ما يشكل فرصة، فإنه يحمل تحديات ومخاطر حقيقية. ذلك أنه سيجرى في ظل عدم وجود توافق داخلي أو إقليمي أو دولي حوله، بل ترفضه بشدة الحكومة العراقية، وأيضاً دول الجوار الإقليمي خصوصاً تركيا وإيران وسوريا التي تتخوف من فكرة الدولة الكردية وتأثيرها على أكرادها، وبالتالي فإنها لن تتوانى عن تقويض دولة كردستان المستقلة إذا قامت في العراق.

كذلك فإن انفصال إقليم كردستان قد يكون بداية تفتيت العراق، لأن السنة العرب سيصبحون أقلية لديها مظالم وتشعر بالتهميش والقلق خصوصاً مع التصاعد في نفوذ الميليشيات الشيعية، مما قد ينمي لديهم نزعة اللجوء إلى السلاح، أو المطالبة بالانسلاخ بأقاليمهم. إلى جانب السنة هناك أقليات أخرى تشعر بالقلق، في دولة تنهشها اليوم الطائفية والتدخلات الخارجية.

في ظل أوضاع كهذه تصبح المخاطر على كردستان والعراق كبيرة إلى الحد الذي يجب أن يدفع الأطراف إلى التفكر قبل الانزلاق إلى ما لا يحمد عقباه. هناك كثيرون مثلي بالتأكيد ممن يشعرون بالتعاطف مع الأكراد، لكنهم يشعرون بالقلق عليهم وعلى العراق والمنطقة مما قد يحدث غداة استفتاء يفتقر إلى التوافق حوله، وتحيط به المخاطر الداخلية والخارجية. فما الفائدة إذا كانت كردستان المستقلة ستصبح مثل جنوب السودان جاذبة لحرب طاحنة تقضي على الأخضر واليابس، مع اختلاف الظروف بالطبع بين الحالتين؟ السودانيون يتمنون اليوم لو أنهم فكروا ولجأوا إلى خيار الكونفدرالية بدلاً من انفصال مدمر، فهل يجد الأكراد وبقية الأطراف في العراق ما يفيد في التجربة السودانية ودروسها؟

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
 5    استقلال اقليم كردستان.. جبال من الازمات.. والتأجيل وارد جدا   الاء السعودي    راي اليوم بريطانيا
  

اوقات متأزمة يمر بها الشارع الكردستاني والعراقي على حد سواء والتي ستحدد مصير احدهما بالاستقلال عن الاخرى، فمنذ ان أعلنت مجموعة أحزاب سياسية عراقية ذات الاصول الكردية اتفاقها واجماعها على الدعوة لإعلان استفتاء يطالب بانفصال إقليم كردستان عن العراق، والذي سيتم إجراؤه في 25 سبتمبر، والمواقف الدولية وردود فعل الدول الجوار اصبحت تتوالى بإعلان رفضها الشديد لاستقلال الإقليم!! وفي مقدمتها كما نعلم جميعا هي الحكومة العراقية المركزية في بغداد والتي يترأسها حيدر العبادي.

هنالك الكثيرون ممن هم لا يعرفون شيئا عن اقليم كردستان، واصبح ذلك الاسم يثير الفضول لديهم بعد الضجيج الذي قد تسبب به اعلاميا، حسنا، إقليم كردستان هو إقليم يقع في شمال العراق، حيث يبلغ عدد سكانه قرابة الست ملايين نسمة، اقليم كردستان العراق يتمتع بحكم ذاتي حيث تحده إيران من الشرق وتركيا من جهة الشمال، وسوريا إلى الغرب، ثم بقية مناطق العراق التي تقع إلى الجنوب منه، عاصمته الاقليمية هي محافظة اربيل او كما يطلق عليها الاكراد “هولير”.

يعيش في الاقليم العديد من العرب والكلدان والآشورييين والتركمان والسريان، سكان الإقليم معظمهم مسلمين وهناك أقليات دينية كالايزيدية والكاكائيين والمسيحيين والشبك، اما عن اللغات الرسمية في الاقليم فهي الكردية والعربية، أما فيما يتعلق بالعملة الرسمية فهي الدينار العراقي، ومن المعروف ان بعد الانتفاضة التي قام بها الشعب العراقي ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 1991، الامر الذي جعل الكثير من الأكراد يلوذون الى الفرار والنزوح من البلاد، مما الزم صفة اللاجئ بهم ليصبحوا لاجئين في المناطق الحدودية مع إيران وتركيا، وفي ذات العام، أنشأت في الشمال منطقة حظر الطيران بعد حرب الخليج الاولى او الحرب على الكويت مما شكل ملاذًا امنا يمثل طريقا سهلا للعودة للاجئين الأكراد، الامر الذي ترتب عليه مغادرة القوات العراقية لاقليم كردستان، واصبحت المنطقة مستقلة ذاتيًا بحكم الأمر الواقع، وبعد عام 2003 دخل الأكراد بقوة في العملية السياسية التي أعقبت الغزو الأمريكي ليبدأ حلم الاستقلال الفعلي يراودهم منذ ذلك الحين. وقد استطاع الإقليم النجاة وايجاد مخرج له من حالة الفوضى التي عصفت بالعراق عقب سقوط نظام صدام حسين عام 2003، حيث تمكنوا نوعا ما من اقامة حكم برلماني واقتصاد لا يخلو من العيوب او الازمات. لكن لا تزال المشكلات الرئيسية التي يواجهها الاقليم قائمة وسارية حتى الان، فهو منطقة مغلقة تحيط بها دول غير متعاطفة مع تطلعات وامال وطموح الأكراد، ولا يؤيدون منحهم الاستقلال بكل طرقه ووسائله!! كتركيا وإيران ودول اخرى تعيش صراعات مع ذلك ترفض امر استقلال الاقليم مثل سوريا وباقي العراق، وهناك مناطق متنازع عليها بين حكومة الإقليم وحكومة العراق المركزية من بينها كركوك المحافظة الغنية بالنفط والتي تتمتع باكتفاء ذاتي والتي يقطنها مزيج من القوميات أهمها الأكراد والتركمان والعرب.

في رايي، من المحتمل ان يكون هنالك عوائق تحول دون تنفيذ عملية الاستفتاء، والتي سيترتب عليها تاجيل الاستفتاء الى موعد لاحق وربما الى اجل غير مسمى!! فقد صرح مسؤول بالهيئة العاملة للمكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني “ملا بختيار” في تصريحات نقلتها وكالة “رويترز″ على إن أكراد العراق قد يدرسون تأجيل الاستفتاء المقرر عقده 25 سبتمبر مقابل تنازلات مادية وسياسة من الحكومة المركزية في بغداد!! في الوقت ذاته صرح المتحدث باسم الحكومة العراقية “سعد الحديثي” على إن الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، خطوة غير قانونية، وتتنافى مع الدستور العراقي، مشيرًا إلى ضرورة إجراء حوار مع أربيل لمناقشة كافة القضايا الخلافية!!

من المؤكد ان الاقليم سيمر بالعديد من المشكلات والازمات ان تم منحه الاستقلال، لعل في مقدمتها بل واكثرها صعوبة هي حرب الاقتصاد التي ستحصل، فواقع الموازنة الداخلية للإقليم يعد المحرّك الرئيس للصراع السياسي!! فمع انهيار أسعار النفط، باتت الأحزاب الكردية تتصارع على ما يمكنهم الحصول عليه، وفي الوقت عينه، تعاني حكومة الإقليم من وطأة الضغوط الشعبية إثر إخفاقها خلال السنوات التي كانت فيها إيرادات النفط مرتفعة في تطوير اقتصاد قائم على القطاع الخاص وغير نفطي، والآن مضت أشهر على تخلّف “حكومة إقليم كردستان” عن تسديد رواتب الموظفين الحكوميين لديها ما ادى إلى استياء شعبي كبير. كما تطرح الأزمة المالية التي ستترتب عن الانفصال خطرًا على قطاع النفط والغاز الكرديين، اضافة الى تأخر حكومة إقليم كردستان أكثر من مرة عن تسديد المدفوعات المستحقة إلى شركات النفط الدولية العاملة في أراضي الإقليم، حيث هدّدت بعض هذه الشركات بتعليق عملياتها أو مغادرة الإقليم بشكل كامل.

المشكلة الاخرى تتمثل بالصراعات الداخلية، فالأكراد في إقليم كردستان ليسوا على قلب رجل واحد!! كما انه هنالك اثنان من القوى الرئيسية المتنافسة والتي تسيطر على الاقليم، والتي ينافس على ارض المعركة بينهما الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني رئيس الإقليم حاليًا والذي يسيطر على اربيل عاصمة الاقليم. ويجب الاخذ بعين الاعتبار ان لكل من هاتين السلطتين في الإقليم قوة أمنية خاصة بها منفصلة تمامًا عن الأخرى!! والتي تضم الاستخبارات التي تعرف كرديا بـ”الأسايش” وقوة عسكرية تعرف بالـ”البيشمركة”.

الان ساتحدث عن ما يتعلق بصعوبات الانفصال على المستوى العراقي، والتي يقع بمقدمتها رفض الحكومة العراقية المطلق لاستقلال الإقليم. والمشكلة الاصعب والاكثر تأزما هي التنافس حول الحصول على الامتيازات التابعة لمدينة كركوك، تلك المدينة والتي تعتبر من اكثر مدن العراق ثراءا ومخزونها الهائل من النفط، والتي سيطر عليها الاكراد عسكريًا منذ عام 2014 بعد ان تم قهر الجيش العراقي وانسحابه منها خصوصا بعد سيطرة “تنظيم الدولة” او داعش على الموصل ومدن أخرى متوسط عام 2014، حيث طالب محافظ كركوك، نجم الدين كريم، بشمول المدينة باستفتاء الاستقلال، وتشكيل لجنة خاصة بالاستفتاء، كركوك التي تعيش وضعًا مترددًا منذ عام 2014 يجمع كثيرًا من الخبراء على أن الحكومة لن تتنازل عن المدينة النفطية مهما كلف الثمن!!!

المخفي اعظم، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فهناك ما يعرف عراقيًا بالمناطق المتنازع عليها في المادة 140 من الدستور العراقي، ومن هذه المناطق ما يقع خارج حدود إقليم كردستان الرسمية، لكن الأكراد يسيطرون عليها، ويقولون: إنها أراضي كردية، فما مصير هذه المناطق في حال الاستقلال؟! بالنسبة للموقف العربي اعتقد ان اقصى ماتستطيع الدول العربية ان تفعله هو اصدار بيان من الجامعة العربية يندد (بتقسيم العراق )!! لكن رغم هذا اعتقد ان عددا من الدول العربية سترحب بشكل سري باستقلال الاقليم…

 

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
 6العراق الذي نعرفه!

    

   سليمان جودة

 

    الشرق الاوسط السعودية
 

لست أجامل الكاتب الأستاذ غسان شربل، رئيس تحرير هذه الجريدة، في شيء، إذا قلت إن الامتنان له واجب، على إنه طار إلى العراق في رحلة عمل صحافية، أتاح خلالها للقارئ مادة مكتوبة راقية، من مدينة أربيل مرة، ثم من مدينة كركوك مرة ثانية، وفيما بين المدينتين، كان العراق حاضراً في كل الأوقات!

لست أجامل الرجل في شيء؛ لأنه بمثل ما أتاح للقارئ مادة من نوع ما أشرت إليه، بمثل ما جعل النوم، دون أن يقصد طبعاً، يجافي عينيه!

وإذا كان هناك من بين السادة القراء، مَنْ سوف يظن أني أبالغ، فلن أطالبه بشيء إلا أن يراجع المادة المنشورة عن الرحلة، ما بين مقال في صفحة الرأي، وحوار مُطول مع مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، وتقرير احتل ما يقرب من صفحة كاملة، في عدد الجريدة الصادر صباح الخميس الماضي، وإلى جانب المقال، والحوار، والتقرير، تناثرت أخبار بامتداد الأيام، تضع الصورة في الإقليم، وفي كركوك بصفة خاصة، أمام القارئ بشتى زواياها!

وهل يمكن للقارئ المهتم، أن يعرف طعماً لنوم، إذا أحس بأن العراق الذي عشنا نراه دولة واحدة قوية، ومتماسكة، ومتصلة الأركان، يمكن أن نستيقظ عليه في صباح السادس والعشرين من هذا الشهر، لنجده دولتين، لكل واحدة منهما عَلَم ونشيد؟!

هل يمكن لأي عربي يطالع مثل هذا المعنى مُكرراً بأكثر من صيغة، في مادة الرحلة، إلا أن يبيت ليلته وقد استبد به القلق والأرق؟!

لقد عشنا نقرأ أن مصر كانت دائماً تؤلف الكتب، وأن لبنان كان يطبع، وأن العراق كان يقرأ، فمَنْ سيقرأ بعد اليوم، إذا كان العراق يريد أن يكون عراقين؟!

لقد حدد بارزاني اليوم الخامس والعشرين من هذا الشهر، موعداً للاستفتاء على الاستقلال، وهو لا يريد أن يعيد النظر في الموعد الذي حدده، إلا بضمانات مكتوبة من بغداد ومن الولايات المتحدة، ومن الاتحاد الأوروبي، ومن أطراف أخرى، تحدد موعداً جديداً، وتقبل نتائج الاستفتاء عندما ينعقد في تاريخه الجديد!

أما حيدر العبادي، رئيس وزراء العراق، فلقد قال ولا يزال يقول، إن الذهاب إلى الاستفتاء، هو ذهاب إلى نفق مسدود، وإنه لن يؤدي إلى أي نتيجة للأكراد في كردستان، وإن على قيادات الإقليم أن تفكر طويلاً، قبل أن تقذف بأبنائه إلى المجهول!

إنني أقرأ هدا الكلام للعبادي، وأقرأ ذاك الكلام لبارزاني، وأسأل نفسي عن السبب الذي يمنع كلا الرجلين من أن يلتقيا عند نقطة ما، في منتصف الطريق. إن بارزاني يقف على شاطئ، والعبادي يقف على شاطئ آخر في المقابل، وليس مطلوباً من كليهما، في هذا الظرف الدقيق، إلا أن يقطع كل واحد منهما خطوة في اتجاه الآخر، ولو حدث هذا، ولا بديل عن حدوثه، فسوف يلتقيان عند نقطة في المنتصف، ولن يكون التقاؤهما إلا من أجل العراق، والعراق وحده، العراق الذي جئنا إلى الدنيا نراه عراقاً واحداً لا يقبل القسمة على اثنين! العراق الذي لا بد أن يأتي عليه يوم يعاود فيه القراءة، ويعاود فيه لبنان الطباعة، وتعاود فيه مصر، الكتابة والتأليف!

روى جلال طالباني، الرئيس العراقي السابق، أن طارق عزيز، وزير خارجية صدام حسين، خاطبه ذات يوم في جفاء وحزم، فقال: «ليس لكم في كركوك إلا البكاء عليها»!

وحين التقى صدام حسين، بارزاني، خاطبه فقال: «أنا لا أنكر أن كركوك كردية؛ لكننا لن نعطيكم إياها؛ لأنها قاعدة جاهزة لإعلان دولة»!

أتوقف أمام هذين الموقفين، وأنا لا أصدق أن عراقياً يمكن أن يخاطب عراقياً آخر، بصيغة لا يمكن أن تكون بين مواطنين اثنين ينتميان إلى البلد نفسه، وإلى الوطن ذاته. صحيح أن جلال طالباني في الموقف الأول، كان قيادة كردية كبيرة، وصحيح أن طارق عزيز كان وهو يخاطبه، وزير خارجية صدام، غير أن الأصح هو أن كليهما كان عراقياً في اللحظة ذاتها، وبالتالي فالمتصور أن يكون الكلام بينهما بلغة: «نحن»، لغة «نحن» التي تشير إلى انتمائهما لبلد واحد، لا لغة «أنا وأنت»، التي تقول إن هذا له انتماء في البلد، وأن ذاك له انتماء آخر!

وما يقال عن موقف طالباني مع عزيز، يقال عن موقف صدام مع بارزاني!

فالرئيس صدام لم يجد حرجاً في أن يقول: «أنا لا أنكر أن كركوك لكم»!! ولا بد أن القارئ سيقف أمام كلمة «لكم» غير مُصدّق؛ لأنها تكشف عن لغة لا يمكن تصورها في خطاب بين رئيس دولة، وبين مواطن من مواطني الدولة، ولأن كركوك مدينة عراقية قبل أن تكون كردية، وهي ليست للأكراد، بمثل ما إنها ليست للسلطة في بغداد. إنها عراقية أولاً، والمعنى أنها للعراقيين جميعاً، وأن في ثروتها نصيباً لكل عراقي، دون تمييز بينه وبين عراقي آخر!

وما ينطبق على كركوك هنا، بوصفها مدينة من مدن الشمال، ينطبق على البصرة، باعتبارها مدينة من مدن الجنوب، وإذا كانت هذه الروح قد غابت أيام صدام، وتوارت في حديثه مع بارزاني، وفي حديث عزيز مع طالباني، فذلك زمن نتخيله قد مضى بسقوط نظام صدام كله، في العام الثالث من هذه الألفية، ليأتي في مكانه زمن جديد، تعود فيه تلك الروح التي غابت لتسود!

إذا جاز في وقت صدام، أن يتكلم مع بارزاني على أساس أن بغداد كذا، وأن كركوك كيت، فهذا خطاب سياسي من زمن مضى، زمن سقط بسقوط نظامه السياسي الحاكم، زمن جاء في مكانه زمن آخر، تظل فيه بغداد، وكركوك، وغيرهما من مدن البلد، مُدناً عراقية في الأول وفي الآخر، تظل مدناً تتعامل مع كل مواطن على أساس أنه يحمل الجنسية العراقية، بصرف النظر تماماً عن كل ما عداها، الجنسية العراقية باعتبارها الهوية التي لا هوية تسبقها في ترتيب الهويات بامتداد الوطن!

ليت العبادي وبارزاني يثقان في أن العراق الموحد أقوى وأبقى، وأن التاريخ يرقب خطوات كل واحد منهما في هذه اللحظات، ليسجلها له، أو عليه!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد