أنّ ملف ألغام العراق سوف يُغلق عام 2028، لتُعلَن البلاد خالية من الألغام والمخلّفات الحربية الأخرى و الذي لا يزال أكثر من 2000 كيلومتر من الأراضي العراقية ملوثة بالألغام، فيما ذكرت الحكومة العراقية
ناطق عسكري عراقي
يستضيف برنامج “حديث اليوم” ، ضمن تغطيتنا للذكرى العاشرة لغزو العراق، اللواء الركن حازم الراوي الناطق العسكري باسم الجيش العراقي سابقاً، والباحث الاستراتيجي . ويدور الحديث عن الاستعدادات الامريكية لشن الحرب والذرائع المعلنة لها ومراحلها الاعلامية والاقتصادية والعسكرية والقدرات المتوفرة لدى الجيش العراقي لمواجهتها وخسائر الجانبين في هذه الحرب وحقيقة المزاعم حول وجود”القاعدة” في العراق.
س – دكتور في هذا اللقاء أود أن أبدأ من اللحظة التي بدأت فيها تقرع طبول الحرب. وتحديداً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وقد بدا واضحاً أن العراق بات هدفاً عسكرياً للولايات المتحدة الأمريكية. ماهي الخطط العسكرية التي بدأ العمل عليها في العراق لمواجهة هذا الغزو؟
-بسم الله الرحمن الرحيم.. أولاً، شكراً لفضائية “روسيا اليوم” على هذه الاستضافة. وتحياتي لجميع مشاهدي هذه الفضائية في كل مكان. وأبدأ بالإجابة عن سؤالك هذا في أن التخطيط لإحتلال العراق لم يكن حقيقة وليد المرحلة التاريخية القريبة من الحدث،
حدث الاحتلال نفسه. يمكن العودة إلى التاريخ القديم والتاريخ المتوسط، إن صح التعبير، والتاريخ القريب. وإذا ما ألقينا نظرة بسيطة على هذه المراحل التاريخية بشكل موجز وسريع نجد أن التخطيط لاحتلال العراق قديم جداً. ويبدو أنه حتى الحقد الصهيوني القديم على ما قام به القائد العراقي التاريخي نبوخذ نصر في السبي البابلي
ظل عالقاً في الفكر الصهيوني لنظرية الانتقام. وإذا ما عدنا إلى مبدأ هرتزل فيما قاله أن “حدودك يا اسرائيل من الفرات إلى النيل” وما جسده الفكر الصهيوني في أن الخط الأزرق الأعلى هو للفرات والخط الازرق الأسفل هو للنيل وما بينهما اللون الابيض خالص لليهود، ونجمة داود تمثل هيكل سليمان المزعوم على أساس أن المسجد الاقصى يجب أن يهدم. منذ ذلك الحين
كانت هناك خطة لإحتلال العراق .. هذا على مدى الزمن القديم.. وعلى سبيل المثال، فانه في السبعينيات من القرن الماضي، في عام 1973 جرت مناورات عسكرية كبرى في الصحراء الامريكية وكان العدو الرمزي لهذه المناورات يرتدي الزي العسكري العراقي. وهذا جاء بعد حوالي ثمانية شهور من تأميم النفط في العراق في 1 حزيران/ يونيو 1972. يعني في شتاء شباط 1973 جرت هذه المناورات أي كانت هناك خطة قديمة حتى قبل فبراير/شباط. أما ما بعد الحرب العراقية الايرانية، قد بدأت الخطة بالتوضح.
وما تحدثت عنه حضرتك عن 11 سبتمبر، فقد كان ذلك لاتخاذ الاجراءات الاخيرة للاحتلال. الاجراءات الاخيرة للتخطيط والتنفيذ. يعني على سبيل المثال إذا أخذنا الحرب العراقية الايرانية، حال انتهائها يوم 8-8-1988 تمكن الجيش العراقي من سحق القوات الايرانية وتحقيق النصر الحاسم، وفرض على ايران تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598. وبعدها بيوم واحد فقط،
نرى أن الولايات المتحدة الامريكية حاولت أن تخلق أزمة اقتصادية في العراق عندما رفضت صفقة الحبوب. منعت صفقة الحبوب الاستراتيجية الكبرى للعراق. وكان متفقا عليها ومدفوعا ثمنها من قبل العراق. وبريطانيا حاولت أن تسبب أزمة سياسية، عندما أرسلت جاسوسها المعروف بازوفت، والذي هو من أصل ايراني ، للتجسس على مصانع التصنيع الحربي العراقية. الكويت قامت باليوم الثاني اي في 9-8-1988 بمحاولة اغراق السوق النفطية العالمية بانتاج كميات هائلة من النفط خارج سقف الاوبك.
و بذات الوقت بدأت تسرق النفط بأساليب فنية بأنابيب مائلة من حقول الرميلة. وبنفس الوقت بدأت تطالب بترسيم الحدود. وتطالب حتى بديون العراق والعراق خارج مثقل من الحرب. ثم إن الحرب العراقية الايرانية أنتجت مليون مقاتل عراقي مدرب ومجرب في أخطر المعارك الشرسة والمعارك الحديثة. وهذا دق ناقوس الخطر عند اسرائيل عند الكيان الصهيوني، وعند اميركا. وهو أن هذا الجيش يمكن أن يسبب مشاكل بالنسبة لهم وهم كانوا يخططون لتدمير هذا الجيش. وذلك حتى في الجانب الآخر، ليس فقط في الجانب العسكري،أي في الجانب التكنولوجي. إذا كنت تذكر حضرتك في عام 1989 تمكن العراق من اطلاق صاروخ العابد. وهذا الصاروخ اجتاز الغلاف الجوي، على أساس أن يحمل أول قمر صناعي عربي وهو القمر الصناعي العراقي. وهذا اعتبروه ناقوس خطر جداً، أن العراق سينتقل إلى خارج العالم الثالث. ولذلك بدأ التخطيط. أما في 11 سبتمبر.. فهنا صدر القرار النهائي في موضوع احتلال العراق. وأعلنه بوش بشكل معلن وصريح وواضح.
س: كيف واجهتم هذا القرار، بما أنه اتخذ قرار غزو العراق عسكرياً؟
-هو ليس فقط الجانب العسكري. هم اتخذوا اجراءات استحضارية أو تمهيدية في مجالات متنوعة. يعني هنالك الحرب الاعلامية، هنالك الحرب النفسية، هنالك الحرب الاقتصادية، وهنالك الحرب العسكرية. وبدأوا هم بمرحلة الحرب الاعلامية. وطبعاً بالمناسبة استاذ عمر هذه المراحل متداخلة.
يعني لو أخذنا الحرب الاعلامية، نجد أنه منذ عام 1990 عندما دخلت القوات العراقية إلى الكويت، وطبعاً هذا أيضاً سأتحدث عنه بشكل معين، ومبدئياً أقول لك أنه وقع خطأ استراتيجي خطير قصم ظهر العراق عندما دخلت القوات العراقية إلى الكويت. لكن مرحلة الحرب الاعلامية بدأت بشكل خطير. يعني بدأ مجموع ساعات التوجه المضاد الاعلامي في البث الفضائي والبث التلفزيوني والبث الاذاعي وحتى في الصحافة ما يعادل 200 ساعة بث باليوم الواحد. وبدأت الأمور تأخذ منحى جديدا. فمثلاً رئيس الوزراء البريطاني بلير قال في أحد مؤتمراته الصحفية أن العراق ليس فقط يمتلك أسلحة الدمار الشامل وإنما قادر على استخدامها خلال 45 دقيقة. ومثلاً ظهر كولن باول رئيس هيئة الاركان في مؤتمر صحفي على شاشة التلفاز وهو يحمل قنينة فيها مادة بيضاء بلورية ويقول أنها الجمرة الخبيثة، ويقول بالحرف الواحد أن هذه قادرة على تدمير نصف الصنف البشري على المعمورة. يعني تزييف وتغليف وتحريف للحقائق بشكل خطير في الجانب الاعلامي. وخرج رامسفيلد يقول أن الرئيس صدام حسين يمتلك أحد قصوره …هو أكبر من مساحة واشنطن برمتها. بدأ الاعلام يأخذ منحى كبيرا ومثيرا ومؤثرا في الحملات التضليلية ولذلك الحرب الاعلامية كانت كبيرة. وبالمقابل بدأوا يضربون مصادر البث التلفزيوني العراقي. ومصادر البث الاذاعي. بحيث يوجهوا الرأي العام باتجاه جانب واحد دون الجانب الآخر. الحرب النفسية أيضاً بدأت بعد دخول القوات العراقية إلى الكويت. الذي عملوه هو أن الولايات المتحدة العراقية راحت تجمع أكثر من ثلاثين دولة وتهجم على القوات العراقية في الكويت ومن ثم على البنية التحتية، وليس فقط على البنية التحتية ، وإنما على كل مناحي الحياة. وإذا كنت تذكر حضرتك والمشاهدين الكرام، تجد أن كل مناحي الحياة دمرت في العراق عام 1991.
س: بما أنك تناولت الحرب الاعلامية، هل كان لهذه الحرب الإعلامية تأثير على المستوى الشعبي. على العراقيين أو الشعب العراقي؟
– مؤكد، نعم. الشعب يتأثر. الإعلام مؤثر وخاصة الإعلام الحديث، الإعلام التكنولوجي، الإعلام المسيطر، الإعلام الديكتاتوري. هو إعلام ديكتاتوري، يعني اعلام الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها. هم كلهم لديهم سيناريو معين ولديهم رسم لاستراتيجية اعلامية معينة. وطبعاً الجانب الآخر فقير، أو ضعيف في المجابهة الإعلامية، مهما يكن فإمكانيته محدودة. فأكيد سيؤثر ..التأثير انعكاسي سلبي ..ولكن ليس بالدرجة الخطيرة . فهنالك تماسك شعبي، هنالك خلفية قوية، هناك نوع من الصمود، نوع من التصور، نوع من المعرفة أن هناك مخططا وهناك مؤامرة. ولكن بكل الاحوال هو مؤثر.
س: حسناً، هذا على المستوى الشعبي. ماذا عن المستوى العسكري.. وأنت كما أتصور.. كنت المسؤول عن التوجيه في الجيش؟
– ان القوات المسلحة العراقية مبنية بناء مهنيا كبيرا وقديما. يعني منذ 6 كانون الثاني 1921 مشهود للجيش العراقي بأنه جيش حرفي، جيش مهني، جيش ذو عقيدة عسكرية وطنية وقومية… وليس فقط وطنية.
لاحظ أن الجيش العراقي في كل معارك فلسطين شارك، في 48 والـ 67 والـ 73… وتواصل في أن يكون مستجيبا لمتطلبات الامة العربية كلها. الجيش العراقي مبني بناء حرفيا ومهنيا ولديه تسليح ممتاز. وتدريبه كان تدريبا راقيا. كما ان انضباطه العسكري الذي يمثل العمود الفقري للقوات المسلحة عالي جداً. يعني لا توجد مشاكل في بناء القوات المسلحة
قبل الاحتلال اطلاقاً. الجندي العراقي جندي باسل، جندي مدرب، جندي مجرب، جندي ذو خبرة، ذو تجربة، ذو فكر، ذو معلومات. لاتوجد مشاكل في هذا الموضوع فهويحمل روح معنوية عالية. وسأوضح لك الصورة بعد الاحتلال . ولكن احب أن أكمل لك الرؤية الكاملة لانماط الحرب التي استخدموها ضد العراق قبل الحرب العسكرية، أو قبل الهجوم العسكري.
بعد الحرب الاعلامية وبعد الحرب النفسية بدأت الحرب الاقتصادية. عام 1991 صدر القرار بمحاصرة العراق حصارا مطلقا ومطبقا. فرض حصار شامل وكامل في كل مناحي الحياة. وإن كنت تذكر حضرتك اللجنة الدولية 661 التي شكلت على اساس النفط مقابل الغذاء. حتى قلم الرصاص الذي نعلم به الاطفال كانوا يمنعونه، ويقولون أنه يمكن للقيادة العراقية أن تحوله إلى يورانيوم منضب. فهذا سبب مشكلة خطيرة على المستوى المعاشي للمواطن البسيط. ولذلك أصبح المواطن خلال 13 سنة، وليس يوم ويومين…
13 سنة من الحصار الكامل لكل أشكال الحياة، تكنولوجيا وثقافة وفكر وتسليح ودراسة وتعليم. كل مناحي الحياة عليها حصار خطير. وهذه كانت حرب اقتصادية فتتت وشتتت كثيرا من المجالات ..حتى المواد الاحتياطية البسيطة لأبسط متطلبات الحياة. وضمن ذلك المعدات الاساسية للأسلحة العسكرية الرئيسية فقدت من العراق. مثلاً كانت لدينا دبابة تي-72 الروسية والتي كان يمتلكها العراق عام 1990 ومرت 13 سنة من الحصار! ما الذي كان يجري في الغرب من تطور تكنولوجي؟ أصبح لدينا فجوة كبيرة. بينما توقفت الحياة لدينا منذ 1990 ليس لدينا أي تطور وأي تحديث. نفس الدبابة ونفس الطائرة وليس لدينا أدوات احتياطية لتطويرها وليس لدينا امكانيات. وهم يطوّرون أنفسهم. فأصبح الفارق هائل وهذا سيأتي بالتأثير السلبي على الحرب العسكرية التي دخلوها. ثم بعد ذلك بدأوا بالاستحضارات العسكرية، وليس الحرب العسكرية، قبل الحرب. ما الذي جرى؟ أصدروا قانونا –ولاحظ أنه ليس قرارا- اسمه قانون تحرير العراق، يعني قانون احتلال العراق..
صدر في عام 1998. هذا القانون سنه الكونغرس الامريكي ووقعه الرئيس. عند ذاك علمت القيادة العراقية أن الأمريكيين قادمون لامحالة. لأنه صدر قانون، قانون احتلال العراق. وانطلاقا من الجوانب السياسية والدبلوماسية اسموه “تحرير العراق”. هذه المسألة الاولى. المسألة الثانية، اتخذوا القرار بدون موافقة أو غطاء من مجلس الأمن الدولي. حظر الطيران في خط 32 وخط 36 ثم ضيقوه إلى خط 36 وخط 33 وسيطروا على السماء العراقية وسيطروا على الأرض العراقية من خلال طائرات التورنادور البريطانية وطائرات الـ أف-16 الامريكية،
بشكل يومي جابت سماء العراق تحت خط 32 وفوق خط 36 بحجة حماية الاكراد في الشمال وحماية الشيعة في الجنوب وحجج واهية ومزيفة.. واتخذوا اجراءات عسكرية كثيرة في مجال التضييق على القوات المسلحة العراقية وجعل العراق لقمة سائغة عندما يهاجموا. وأنا فقط ختاما لهذا الموضوع أقول أنه في المصطلحات العسكرية المعروفة هنالك مصطلح اسمه القصف التمهيدي. يعني قبل الدخول العسكري يحدث قصف بالمدفعية أو الطائرات لمدة ساعتين أو ثلاث أو ليوم كامل، أطول قصف استراتيجي، عندما شن العدوان الثلاثيني على العراق دام القصف التمهيدي 45 يوما . استمر القصف 45 يوماً بالقوات الجوية ثم هجموا بالجانب الأرضي. القصف التمهيدي بالمعركة الأخيرة عندما حدث الاحتلال عام 2003 استمر القصف التمهيدي 13 سنة ولم يشهد التاريخ الانساني مثل هذا القصف التمهيدي.
س: من الأسباب التي أدت إلى غزو العراق والتي رفعتها الولايات المتحدة الامريكية هي منع العراق من امتلاك أسلحة الدمار الشامل. هل فعلاً كان لدى العراق برنامج معين لامتلاك أسلحة من هذا النوع؟
– سأكون صريحا مع حضرتك فيما لدي من معلومات. أنا أذكر بأن الكيان الصهيوني قام بقواته الجوية في يوم 7 يونيو /حزيران 1981 بضرب مفاعل تموز النووي الذي هو في منطقة سلمان باك بضواحي بغداد. وكان يوجد في العراق برنامج لامتلاك سلاح كيمياوي. هذه حقيقة. وأيضاً كانت هناك برامج بدائية لامتلاك أسلحة جرثومية أو أسلحة بيولوجية. أما على مستوى السلاح النووي لا. أي لم يكن هناك برنامج حيوي وحقيقي وكامل لأن يكون هناك برنامج نووي للأغراض العسكرية. لأنه دمر المشروع النووي العراقي في حزيران 81. قد تكون هناك أفكار أو مبادرات، أما على مستوى الجانب التطبيقي.. لا. والاستخبارات الامريكية عارفة بهذا الموضوع لكنها سوقت التزييف والتغليف والكذب.