ليس ببعيد عن واقعة قتل وتعنيف الطفل مويى ولاء إذ و أثارت حالة تعنيف جديدة لطفلة حديثة الولادة في مستشفى بمحافظة أربيل بإقليم كردستان، موجة من الغضب بين أوساط العراقيين.
وأظهر مقطع فيديو تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، ممرضة بجانب سرير داخل قسم الرضع، وبدت وهي منشغلة بجوالها وهي تضرب الرضيعة وتحملها لتلقيها على السرير ثانية.
فيما يسمع صوت ممرضة أخرى وهي تضغط على خدي الرضيعة وتتلفظ بعبارات كردية “برخولا برخولا”.
وأصدرت وزارة الصحة في إقليم كردستان، أمس الاحد، قراراً بمعاقبة مستشفى أربيل الدولي الأهلي، على خلفية تسريب مقطع فيديو لممرضتين تعنّفان رضيعاً حديث الولادة.
وذكرت الوزارة الصحة في بيانٍ خاص ، “أجرى فريق خاص تابع لوزارة الصحة جولةً ميدانية إلى مستشفى أربيل الدولي الأهلي بعد قرارٍ وزاري لاتخاذ الإجراءات القانونية بعد تسريب مقطع فيديو ينتهك حقوق مولود جديد في المستشفى المذكور”.
وأضاف البيان: “وفق التقرير رقم (112) بتاريخ 20/8/2023، واستناداً إلى قانون حقوق المريض رقم 4 لعام 2020، والمبادئ التوجيهية التنفيذية لوزارة الصحة رقم 4 لعام 2022، قررت لجنة المتابعة ما يأتي:
1- إبعاد الممرضتين اللتين ظهرتا في الفيديو من العمل في المستشفى وهما “ك.ع.ع” و”س.ص.م”، رغم عدم وجود تصريح عمل لهما ضمن قائمة موظفي المستشفى.
2- إيقاف وفصل الممرضتين عن العمل في المجال الطبي والصحة لمدة 6 أشهر.
3- إغلاق قسم الأطفال حديثي الولادة “الخدج” في المستشفى المذكور، لعدم توفّر الشروط الصحية، لحين إعادة التنظيم واتباع الإرشادات الصحية المناسبة.
4- إغلاق وتعليق إجراء العمليات الجراحية الخاصة بالتوليد، لحين تنفيذ قرارات البند الثالث.
5- معاقبة مدير المستشفى والمستشفى أيضاً، وفق ضوابط اختيار المخالفات.
6- إنذار مدير المستشفى بخصوص عمل الأطباء والموظفين والعاملين في المستشفى، بحسب القائمة المعتمدة من وزارة الصحة بإقليم كوردستان.
7- تحويل المخالفات وانتهاك حق المريض إلى محكمة متخصصة.
ويكاد لا يمر شهر من دون أن تستحوذ على منصات الـ”سوشيال ميديا” في العراق صور أو مقاطع فيديو لحوادث تعنيف، غالبا ما يكون ضحاياها من النساء والأطفال.
ويسجل العراق معدلات مرتفعة للاعتداءات ضد النساء أيضا. في عام 2021 وحده، سجّلت البلاد ما لا يقل عن 5 آلاف حالة.
ولا يمتلك العراق، حتى الآن، قانونا للعنف الأسري، ويعتمد على مواد قانونية تسمح للزوج والأب بـ”تأديب” الأبناء أو الزوجة ضربا “مادام لم يتجاوز حدود الشرع”.
وتقول المادة 41 من قانون العقوبات العراقي إنه “لا جريمة إذا وقع الفعل (الضرب) استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق، تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرفا”.
تزايد مقلق للعنف الأسري في العراق
تشهد حالات العنف الأسري في العراق، تزايداً مقلقاً خلال الآونة الأخيرة، وفق ما رصدته الشرطة المجتمعية، وبينما يعزو مختصون أسباب ارتفاع هذه الظاهرة الخطيرة إلى ضغوطات الحياة المختلفة، شددوا على ضرورة تشريع قوانين صارمة، ونشر ثقافة احترام الأسرة منذ الصغر، فضلاً عن زيادة وعي المجتمع للوقاية من هذه الجرائم التي تنتهي أحياناً إلى موت الضحية.
وتتصدر النساء قائمة حالات التعنيف في العراق، تليها الأطفال، وثم الرجال في الدرجة الثالثة، بحسب مدير الشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية العراقية، العميد غالب العطية، الذي تحدث لوكالة شفق نيوز.
وكشف العطية، عن تسجيل أكثر من 160 حالة تعنيف للأطفال في عموم المحافظات العراقية خلال الفترة الماضية”، لافتاً إلى أن “الحصيلة هي فقط للشرطة المجتمعية، إذ هناك مديرية حماية الأسرة والطفل، وفي بعض الأحيان تتدخل مراكز شرطة أيضاً في قضية التعنيف”.
وأشار إلى أن “المديرية تتلقى الكثير من التبليغات عن حالات التعنيف بعضها يأتي من الجيران أو من يسمع عنها، كما أن المديرية ترصد جميع المدارس وهناك تعاون مع إداراتها للإبلاغ في حال ظهور أي علامة تعنيف على جسد الأطفال”.
وأوضح العطية، أن “عمل الشرطة المجتمعية وقائي واستباقي قبل حصول الجريمة، وتم منع العشرات من حالات التعنيف وإنقاذ الكثير من الأطفال من أسرهم، وأخذ تعهدات من الأب أو الأم أو الشخص الذي يقوم بالتعنيف، وأحياناً تُساهم المديرية في سحب الحضانة من الطفل وتحويلها إلى شخص آخر في حالات انفصال الزوجين”.
حالة في مدينة الصدر
وأكد مدير الشرطة المجتمعية، أن “حالات العنف مستمرة ففي يوم أمس، تم رصد حالة تعنيف طفلة من قبل زوجة الأب في مدينة الصدر ببغداد، وتحركت الشرطة المجتمعية إلى المستشفى التي ترقد فيها الطفلة التي كانت في حالة خطيرة، وتم اتخاذ إجراءات سريعة باستدعاء الأب لإقامة الدعوى، وكذلك اصدار أمر قبض بحق زوجة الأب”.
ونشرت دائرة العلاقات العامة في مجلس القضاء الأعلى إحصائية عن معدلات العنف الأسري، فيما يخص الأطفال والنساء وكبار السن خلال عامي 2021 و2022.
وأوضحت الإحصائية أن “المحاكم سجلت 1141 دعوى عنف أسري ضد الأطفال، وكان لمحكمة استئناف بغداد الكرخ النصيب الأكبر بواقع 267 دعوى”.
ثقافة إجتماعية
في غضون ذلك، أشارت المدافعة عن حقوق الإنسان سارة جاسم، إلى “وجود عادات وأعراف تسيء للإنسان وتُساهم في ارتفاع حالات العنف الأسري في البلاد، يرافق ذلك عدم قدرة الزوج على تلبية متطلبات الحياة، مع الإنجاب غير المدروس، وقلّة مفاهيم التربية والاحترام بين أفراد الأسرة، وأيضاً حق التأديب في المادة 41 من القانون العراقي التي تعتبر حافزاً لممارسة العنف ضد النساء”.
وذكرت جاسم، خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، أنه “فضلاً على الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي، والجهل الرقمي للوقوع في مشكلات أسرية، وكذلك تعاطي المخدرات التي ازدادت في السنوات الأخيرة”.
ولخصت جاسم، أسباب تفاقم العنف إلى “نتاجات ثقافية اجتماعية، وأخرى نفسية، ففي السياق الأول، تفرض الثقافة العراقية سلطة اجتماعية مبنية على أساس العمر والقرابة، فالآباء عادة ما يمنحهم المجتمع سلطة مُطلقة على الأبناء، كما يمنح الكبار سلطة على الصغار تقل وتزداد تبعاً للنسب والقرابة الدموية”.
ووفقاً لهذا الفهم، يُصبح العنف مُبرراً لعدم ارتكاب الأطفال والصغار أخطاءً تعرض الكبار لكلف اجتماعية، وتجاوز القيم والأعراف التي توارثت من جيل لآخر، ومفهوم سلطة الرجل على المرأة التي تجعل الأغلبية يرى الحق بضرب وتعنيف المرأة كونها تابع لا إنسان له حقوق وكرامة”، وفق جاسم.
عوامل نفسية
أما السياق الثاني (النفسي)، فعزت الاختصاصيتان في الطب النفسي، الدكتورة براءة العاملي، والدكتورة بتول عيسى، أسباب العنف الأسري إلى الظروف التي تمر بها البلاد وما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة من أخبار ومشاهد عن القتل التي تزيد ميول العنف والتقليد داخل مخيلة الإنسان، بالإضافة إلى ضغوطات الحياة المختلفة أبرزها الجانب الاقتصادي ومحاولة إفراغ جميع هذه الضغوط داخل الأسرة.
ولفتت العاملي وعيسى، خلال حديثهن لوكالة شفق نيوز، إلى عامل الاضطرابات النفسية، خاصة إذا كان الشخص يعاني من فقدان الثقة بنفسه وليست لديه القدرة على مُواجهة مصاعب الحياة، لذلك يظهرها بصورة غير مباشرة بالأسرة، أو وجود توارث لهذه الحالة كأن يكون تنشئة الزوج أو الزوجة في بيئة سيئة فيها عنف أسري، بالإضافة إلى أسباب بالشخصية منها حب الأنا والذات والتملك والسيطرة.
وشددت الاختصاصيتان، على أهمية “وضع قوانين صارمة ضد المُعنّف الذي يعطى أحياناً مُبرراً لجريمته بحجة تقويم السلوك، وتشريع قانون حماية المرأة والطفل وتمكين الضحية للوصول إلى القانون، والإفصاح عن العنف لتتمكن الجهات المختصة من التدخل والمساعدة، وزيادة الوعي منذ مرحلة الطفولة على احترام الأسرة والتثقيف المبكر للزوجية، وللمجتمع والمؤسسات الدينية دور في ذلك”.
وفي السياق نفسه، رأت الناشطة رقية سلمان، أن “العنف ضد الأطفال يرجع إلى شعور معظم زوجات الأب بأن الطفل يشاركها في زوجها بالعاطفة والاهتمام والأموال، لذلك تُعنفه لاجباره على الابتعاد عن الأب، وكذلك الحال مع زوج الأم”، وفق ما قالته لوكالة شفق نيوز.
وقبل نحو أسبوع صُدم المجتمع العراقي بصور الطفل العراقي موسى ولاء البالغ من العمر 7 أعوام، الذي قتل من شدة التعذيب على يد زوجة أبيه ببغداد، وكان جسده مليئاً بالكدمات والطعنات العميقة بالسكاكين والصعق بالكهرباء.
ودفعت هذه الجريمة إلى تزايد المطالبات الحقوقية بتشريع قوانين تضع حدوداً لتلك الانتهاكات وتحمي الأطفال من العنف الأُسري.
قانون الحماية من العنف الأسري
تتيح المادة 41 من قانون العقوبات للزوج والآباء والمعلمين حق التأديب في حدود الشرع والقانون، بحسب الخبير القانوني علي التميمي، منبهاً إلى أن “نص المادة المذكورة فضفاض يُساء استخدامه ويجعل المحكمة مُقيّدة في المساءلة، وتم الطعن في هذه المادة أمام المحكمة الاتحادية لمخالفتها المواد 14 و29 و30 من الدستور لكنها ردت”.
وبين التميمي، خلال حديثه للوكالة، أن “الإنسان – كما يقول علم النفس الجنائي – يتأثر في المراحل الأولى من حياته (من 5 إلى 15 سنة)”، مؤكداً أن “مثل هذه الجرائم تُحطّم هؤلاء الصغار وتجعلهم حاقدين على المجتمع وحتى مُجرمين”.
ورأى أن “هذه الجرائم تُخالف اتفاقيات الطفل وميثاق العهد الدولي وحقوق الإنسان، لهذا أصبحت الحاجة مُلحّة لتشريع قانون الحماية من العنف الأسري، كما فعل إقليم كوردستان وشرّع هذا القانون”.
ومنذ العام 2020، أقرّ مجلس الوزراء العراقي مشروع قانون “مناهضة العنف الأسري”، وأرسله إلى البرلمان، لكن القانون لم يُقرّ حتى الآن بسبب معارضته من جهات سياسية في البرلمان، وخصوصاً تلك المنتمية إلى أحزاب دينية، رأت أن القانون فيه مخالفة شرعية، وأنّه سيؤدي إلى حدوث تفكّك أسري، ولجوء إلى القضاء من الزوجات والأطفال ضدّ ربّ الأسرة.
ومن بين أبرز الجهات المعارضة لإقرار القانون، هما حزب الدعوة وحزب الفضيلة الإسلامي، اللذان يجدان في القانون تعارضاً مع مبادئ الإسلام في تربية الزوجة والأولاد.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد حذرت من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال العراقيين، والذي يبلغ مستويات خطيرة، حيث ذكرت المنظمة في تقاريرها أن أربعة من بين كل خمسة أطفال في العراق يتعرضون للعنف والضرب.
وأكدت المنظمة الأممية أنه ما من شيء يبرر العنف ضد طفل صغير، كما أن هذه الظاهرة لا بد من منعها ووقفها، مطالبة الحكومة العراقية بتكريس آليات رصد ومتابعة مرتكبي جرائم العنف والقتل بحق الأطفال وتقديمهم إلى المحاكمة.
سنّ مشروع قانون حماية الطفل
وضع البرلمان العراقي خطواته الأولى لسنّ مشروع قانون حماية الطفل بعد تعثره خلال الدورات السابقة للحدّ من ظواهر العنف ضدّ الأطفال. لكنّه لقي بعض “الاعتراضات” لافتقاره واقعياً إلى التوازن بين تأمين الحماية من طرف والعادات والتقاليد والقيم والأعراف المُجتمعية من طرف آخر.
ويضم مشروع القانون الكثير من البنود التي تقف إلى جانب الطفل، لا سيما في ما يتعلق بتكليف الدولة مسؤولية حمايته من جميع أشكال التعنيف ورعايته بصورة كاملة اجتماعياً وتعليمياً ومادياً ومعنوياً.
غير أن بعض فقراته تصطدم بإشكاليات في تطبيقها على أرض الواقع وعدم تقبلها اجتماعياً بحسب مراقبين، خصوصاً ما يتعلق بمادتين وضعتا آليات تتيح للطفل تقديم شكوى ضد ذويه في حال تعرّضه للتعنيف أو انتهاك الحقوق.
ارتفاع معدلات العنف
لقيّ مشروع القانون بعض “الاعتراضات” من كتل سياسية خلال القراءة الأولى له الأحد الماضي، بسبب ما ورد فيه من بنود مُخالفة للأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية. وهو المصير ذاته الذي واجهه قانون مناهضة العنف الأسري، مما حال دون تشريعه ورفضه مرات عدة خلال الدورات البرلمانية السابقة.
وكان العراق من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989. لكنه شهد ارتفاعاً كبيراً في معدلات العنف ضد الأطفال بعد عام 2003، لعدم تطبيق القوانين والأزمات السياسية والأمنية التي مرّ بها البلد، مع غياب الرعاية الصحية والتعليمية والاجتماعية واستغلال الأطفال وتجنيدهم في الأعمال العسكرية والنزاعات المسلحة.
وكشفت تقارير سابقة أن نحو 90% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عام و14 عاماً يتعرّضون بشكل أو بآخر للعنف بأساليب مختلفة.
وعام 2019، سجلت 1606 دعاوى عنف ضد الأطفال بحسب بيانات مجلس القضاء الأعلى. أما عام 2021، فشهد 1141 دعوى عنف أسري ضد الأطفال، بينما سجلت خلال النصف الأول من العام الحالي 500 دعوى.
وفي وقتٍ سابق، حذرت تقارير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال ووصفته بأنه بلغ مستويات خطيرة في العراق، وذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن 80% من أطفال العراق يتعرضون للعنف.
وعالج قانون العقوبات العراقي رقم “111” لعام 1969 وقانون الأحداث لعام 1983 موضوع العنف بحق الأطفال، إذ شدّد العقوبة بحق الاعتداء على الأطفال دون سن 18 عاماً. وتدريج هذه العقوبات بحسب نوع العنف، منها أن الاغتصاب بحق الطفل تصل عقوبته إلى الإعدام والضرب المتسبب بعاهة تصل عقوبته إلى السجن أكثر من 3 سنوات.
وخلال الآونة الأخيرة، شهد العراق ارتفاعاً مُخيفاً وملحوظاً في حالات العنف والتعذيب ضد الأطفال على أيدي ذويهم بأساليب مُختلفة. أبرزها رمي أم لطفليها في نهر دجلة من أعلى جسر شمالي العاصمة بغداد. وأخرى لأب قام بإعدام أولاده الثلاثة شنقًا حتى الموت في محافظة ميسان بسبب خلافات عائلته مع زوجته.
هل يُعالج القانون ظاهرة العنف؟
يرى مراقبون ومتخصصون أن مشروع القانون سيُساهم في معالجة ظاهرة العنف ضدّ الأطفال والحدّ منها. وتقول الأكاديمية المتخصصة في العلوم النفسية والاجتماعية الدكتورة فرح غانم القريشي “تفعيل مشروع القانون يعني وجود قانون يحمي الطفل في المحاكم ويحذر الأسرة من أنه محمي قانونياً في حال فكّر شخص ما بتعنيفه”.
وفي حديثها للجزيرة نت، تقترح القريشي ضرورة أن يتضمن النظام التربوي مناهج تُساعد الطفل على التعلم كيفية الدفاع عن نفسه عند تعرّضه لأي عنف، سواء لفظياً كان أو جسدياً وداخل الأسرة أو خارجها في المدرسة مثلاً أو أي مكان آخر، من أجل زيادة الوعي وتربيته تربية صالحة.
وساهم تفشي البطالة وانتشار الآفات الاجتماعية السلبية، كالتسوّل وانتشار المخدرات والتفكك الأسري وارتفاع معدلات الفقر، في زيادة ظاهرة تعنيف الأطفال. إلا أن وجود هذا القانون -في حال إقراره- سيعمل على إنهاء كل ذلك والحدّ منها بنسبة كبيرة جداً، بحسب القريشي.
اعتراضات مُجتمعية
ومن إيجابيات مشروع القانون أنه يحظر تشغيل الأطفال تحت سن 18 عاماً أو إشراكهم بالجماعات المسلحة أو دخولهم النوادي الليلية أو صالات السينما في حال كان العرض غير مخصص لأعمارهم، وحماية الطفل من المخدرات واستغلاله جنسياً ومنع بيع الألعاب المحرضة على العنف والقتال.
هنا، يقرّ الأكاديمي والباحث الاجتماعي الدكتور وعد إبراهيم خليل بأن مشروع القانون سيحمي الأطفال من استغلال الذين يُسخّرونهم سواء في تشغيلهم بمهن غير مناسبة لأعمارهم أو استخدامهم في النزاعات المسلحة.
ومع ذلك، يُشير خليل إلى أنه يصعب على مشروع القانون مُعالجة جميع ظواهر العنف ضد أطفال العراق لأن العنف ليس ظاهرة حديثة وهو يرتبط بجذور أعمق ومُسببات كثيرة في المجتمع العراقي، ولكن بإمكانه أن يتحوّل إلى وسيلة للحدّ منها على الأقل.
والشائع في العراق أن أسلوب تأديب الطفل، من خلال ضربه أو معاقبته صورياً أو مادياً، منتشرٌ داخل المجتمع منذ قرون. لكن أن يقوم الطفل بتقديم شكوى ضدّ الأب أو الأم أو ولي أمره، هنا، يقرّ ابراهيم بـ “استحالة” أن يتقبله المجتمع، وليس بالأمر الهيّن أبداً “لأنها تُخالف التنشئة التربوية الاجتماعية”.
ويرى خليل أن المجتمع العراقي بطبيعته مجتمع ذكوري شرقي يُعطي القوة والغلبة للرجل والأب، مما يسمح له بشكل أو بآخر باستخدام العنف ضدّ الأطفال الذين يصفهم بـ “الفئة الأضعف اجتماعياً”. ويؤكد صعوبة قدرة مشروع القانون على تغير كل تلك الأعراف، لا سيما تلك المُرتبطة بالسلطة داخل الأسرة، خلال وقت قصير، وربما يحتاج الأمر إلى فترة أطول.
وفي تعليق منه على منح مشروع القانون وزير العمل والشؤون الاجتماعية حق اختيار عائلة بديلة لأي طفل تعرّض للانتهاك أو فقد أحد والديه، يوضح خليل استحالة تقبّل المجتمع العراقي هذه الفقرة حالياً لأنها تحتاج إلى وعي ويمكن حصول ذلك بعد فترات بعيدة جداً وتدريجياً.
يُذكر أن العراق شهد -خلال السنوات الأخيرة- انتشاراً واسعاً للألعاب الإلكترونية المحرّضة على العنف، لا سيما المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي والصالات و”الكافيهات” التي باتت مُتنفساً لعدد كبير من الأطفال، للتعبير عن صور العنف التي يشاهدونها يومياً، في بلد شهد أزمات وصدمات كثيرة كرّست سلوك العنف على أنه شبه طبيعي في ذاكرتهم. وهذا ما يصفه الأكاديمي خليل بـ “الخطير جدًا” لأنهم سيعتمدون على العنف كأول الحلول لمشكلاتهم.
غياب الرعاية الحكومية
من جانبها، تُشيد عضو لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية النائب سهام الموسوي بمشروع القانون، مؤكدة أنه “إيجابي” وغايته حماية الطفل ومعالجة ظاهرة العنف التي يتعرّض لها نتيجة العمالة والتسول وترك المدرسة، واستغلاله من قِبل عصابات المخدرات والاتجار بالبشر وفي قضايا “غير أخلاقية”.
وفي حديثها للجزيرة نت، تنتقد الموسوي غياب الرعاية الحكومية للأطفال وكذا الحال مع العوائل والأسر، موضحة أن مشروع القانون قد يحتاج إلى بعض التعديلات “البسيطة” بعد اعتراضات وردت على بعض بنوده.
قانون رقم 76
بدوره يوضح الخبير القانوني علي التميمي أن “الفقرة المتعلقة بإقامة شكوى ضدّ الأب أو الوصي على الطفل يستحيل تطبيقها على أرض الواقع لأسباب قانونية وأخلاقية ومجتمعية، إذ من شأن ذلك أن “يؤدي إلى التفكك الأسري وعداوات بين الطرفين”.
ويُشير التميمي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن “قانون رعاية الأحداث رقم 76 لعام 1983 لا يسمح بإقامة دعوى لمن عمره دون 9 سنوات إلا بوجود الأب أو الوصي. وهذا ما يعني صعوبة أن يقوم الطفل بتقديم شكوى ضدّ والده أو الوصي عليه إذا لم يُكمل سن البلوغ وهو 18 عاما”.
تصاعد “ملحوظ” في حالات العنف ضد ألاطفال في العراق “تقرير خاص”