،

يحاول بكافة الطرق إعطاء أنطباع بأن إيران قوة محصنة ضد الهزيمة أمام أمريكا ، وطبقاً لذلك فأن أمريكا لن تحارب إيران نهائياً ، والجزء الأخير من قول ريتر صحيح : أمريكا لن تحارب إيران نهائياً ، وهو ما قلناه وكررناه طوال أكثر من 40 عاماً ، ولكنه عندما يفسر السبب نرى التزييف والتضليل المتعمدين ، فهو يقول بأن أمريكا تخشى من هجوم إيراني على قواعدها في الشرق الأوسط وبصواريخ دقيقة جداً ، وهذا الادعاء معروف لكل أبناء العراق بأنه كذبة كبرى ، فكلنا نعلم مثلاً أن الهجوم الإيراني ردا على اغتيال قاسم سليماني تم بعد اتصال مباشر مع الإدارة الأمريكية من قبل طهران وأبلغتها بأنها مضطرة لحفظ ماء الوجه لشن هجوم لن يلحق ضرراً بالقوات الأمريكية ،

ولم يصب أمريكي واحد بالجراح في قاعدة عين الأسد ، وهذه حقيقة ثابتة لنا جميعاً ونعرفها ، وتكرر ذلك في هجوم نيسان الماضي على إسرائيل رداً على الهجوم الإسرائيلي على إيران ، وأيضاً استبقت إيران الهجوم بإبلاغ أمريكا وإسرائيل عبر أكثر من وسيط كلهم أحياء بأنها مضطرة للرد وأنه لن يلحق أضراراً كبيرة بإسرائيل .

أما الجانب الأهم الذي يكشف حقيقة دعواه لعدم شن الحرب على إيران مهما فعلت ، فهو الموقف الأمريكي من العراق ، فالعراق هو الذي دحر إيران ومرغ أنف خميني بالوحل ، وهو الذي جعل قادة إيران يبكون كالأطفال ، فهل كانت أمريكا غير قادرة على شن حرب على العراق خوفاً من أن يرد بضرب قواعدها في الشرق الأوسط ؟
نعم كان العراق يستطيع أن يفعل ذلك ، ولكن السؤال المركزي هنا هو التالي : إذا ضربت القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط بأي سلاح ومهما كانت الأضرار فادحة ، فهل هذا يعني هزيمة أمريكا ؟

إن مهاجمة القوات الأمريكية في المنطقة رغبة أمريكية عندما يتعلق الأمر بالأعداء الحقيقيين لها ، فهذا الهجوم ستستغله لاستخدام كل قوتها لضرب أعدائها بلا رحمة ، وهي قادرة أن تفعل على ذلك بدون إرسال جيش ، فالصواريخ والطائرات كافية لتدمير بلد مثل إيران ، وهذه حقيقة يعرفها الجميع .

لقد شنت أمريكا الحرب على العراق في عام 1991 ومعها 40 دولة تحت شعار إخراجه من الكويت ، وكانت قوة العراق في ذروتها آنذاك وهي القوة التي ألحقت هزيمة ما حقة بإيران ،

فلم يرهب ذلك أمريكا لأنها تدرك إن ما لديها من أسلحة متقدمة ومن قوات مدربة تدريباً عالياً يكفي في الحرب النظامية لإلحاق الهزيمة بأي جيش في العالم لا يملك سلاحاً نووياً ، وبالفعل فإن أمريكا وكما يعلم الجميع شنت حرب إبادة تجاوزت حدود هدف إخراج العراق من الكويت وكانت مجزرة طريق الموت للقوات العراقية العائدة إلى العراق بعد وقف إطلاق النار هي الشاهد على الهدف الأمريكي من شن الحرب على العراق ، وأعقب ذلك حصار شامل لم يشهد له مثيل حتى هذه اللحظة لم يستثنى منه حتى الدواء والغذاء وأقلام الرصاص ، بينما الحصار المفروض على إيران مخرم ويسمح بدخول البعران والفيلة ، ومن هذه الفيلة الثغرة التي سمحت بها أمريكا رسمياً للحكومة في بغداد التابعة لها بأن تشتري الغاز الإيراني والسلع الزراعية والصناعية وغيرها ، وكان ذلك أكبر دعم للاقتصاد الإيراني الذي انتعش به ومكنه من دعم المخططات الاستعمارية الإيرانية وتواصل إرهابي الإقليمي ، وهو ما تريده أمريكا .

ثم استمرت عملية استنزاف العراق حتى غزوه ، وكان الغزو بحد ذاته دليلاً ساطعاً على أن القوى العظمى عندما تقرر احتلال بلد غير نووي تستطيع ذلك مهما كانت التكاليف باهظة .

إذن ما الذي جعل سكوت ريتر في كثير من مقابلاته الأخيرة يدعي أن أمريكا لن تستطيع شن الحرب على إيران ؟

إن خلط ريتر بين الحقائق وبين الأكاذيب يدفعنا إلى طرح السؤال المهم السابق والإجابة عليه ، وهذا يدفعنا أيضاً إلى التذكير بحقيقة معروفة ، وهي أن بعض ضباط المخابرات الأمريكية حينما يتقاعدون لا تنتهي صلتهم بالمخابرات الأمريكية بل يبدأون بالعمل بصيغة أخرى مختلفة .

إننا نذكر ذلك كي نصل إلى الغاية التي يريد سكوت ريتر الوصول إليها في مقابلاته النارية التي يهاجم فيها إسرائيل ونتنياهو بعنف ، وهذا هو مكمن الإغراء لبعض الوطنيين كي يصدقوه ، ولكنه بنفس الوقت يطرح فكرة عجز أمريكا عن محاربة إيران وميليشاتها !

وهنا تتضح اللعبة ، فإذا كانت أمريكا لا تستطيع محاربة إيران ، فما هو دور السلاح النووي التكتيكي على الأقل ؟
وما دور أكثر طائرات الحرب تطوراً وخطورة التي تملكها أمريكا ؟

وما دور الصواريخ العابرة للقارات والتي تحمل رؤوساً ذرية وعادية ؟ .

هذه الأسلحة وحدها كافية لأن تدمر إيران من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها ، مقابل ذلك فإن الجيش الإيراني والحرس الثوري مهلهلان الآن ولا يستطيعان القتال بصورة تجعلهما يواجهان قوة إقليمية ودولية ، وهذا معروف لأبناء العراق والأمة العربية حيث أن التفوق الإيراني لم يسمح لها بالانتصار على العراق في القادسية الثانية .

ولأمريكا أسلحة أخرى ، فهناك مجاهدو خلق مثلاً والذين لديهم جيشاً مدرباً تدريباً عالياً ومستعدون للدخول إلى إيران لمحاربة النظام ،

وفي الانتفاضات الثلاث التي حدثت في إيران كان النظام على وشك السقوط في كل تلك الانتفاضات ، ولكن الذي أجهضها ليس قوة النظام الذي تهاوى وتراجع وتفكك أمام الانتفاضات ، بل عدم التدخل الأمريكي ورفض استخدام ما لدى أمريكا من احتياطات سياسية وبشرية لإسقاط النظام ، ومنها دعم مجاهدي خلق وكذلك دعم القوميات المنتفضة ضد النظام الإيراني والتي استعمرت طوال عقود مضت مثل العرب في الأحواز والأكراد والبلوش والأذريين وغيرهم ، فلو أن أمريكا دعمت هذه القوميات لسقط النظام بكل سهولة .

إن سكوت ريتر يريد أن ينسينا كل تلك الحقائق ويكرر الادعاء وبصورة انفعالية فيها تمثيل واضح لرجل مخابرات مجرب ويعرف ما يطرح وما يقول ، بأن أمريكا لا تستطيع الحاق الهزيمة بإيران أو محاربتها ، والهدف الذي يريد الوصول إليه هو إقناع الرأي العام الأمريكي قبل غيره بأنه ليس من مصلحة أمريكا محاربة إيران لقوة إيران وإمكانية أن تتعرض أمريكا إلى مآسي وكوارث من جراء هذه الحرب ،

ثم يريد في الخارج إقناع أعداء إيران وهم ضحاياها في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيره بأن إيران قوية ومحصنة وأمريكا لا تستطيع قهرها وبالتالي فعلى خصوم إيران التراجع وقبول الحلول التي تخدم إيران في النهاية ، والأهم أنه يريد إبقاء معنويات ميليشيات إيران في لبنان والعراق واليمن قوية كي تستمر الكوارث وصولاً لمحو العروبة !
وهذا الذي يفعله سكوت ريتر هو جوهر سياسة الرئيس ” باراك أوباما ” والذي جسده بصورة دقيقة وصريحة الموقف الأمريكي اتجاه إيران منذ وصول الخميني إلى الحكم حتى الآن

فلم توصل أمريكا وإسرائيل وبريطانيا خميني إلى الحكم بعد إسقاط الشاه من قبل المخابرات الأمريكية لكي ينفلت ويعمل ضد المصالح الأمريكية ، بل بالعكس كل ما قام به نظام خميني وبعده خامنئي كان خدمة المصالح الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية ،

ومن أبرزها غزوه لأربعة أقطار عربية وتدميرها ، وهذا هدف أمريكي إسرائيلي معروف وقديم ، وكذلك نشرها للفتن الطائفية وهو هدف جوهري أمريكي إسرائيلي قديم أيضاً لم تستطع قوى الاستعمار التقليدي مثل فرنسا وبريطانيا تحقيقه ولا أمريكا وإسرائيل ، والذي نجح فيه هو نظام خميني ، وهذا هو الذي جعل ” زبيجنيو بريجنسكي ” يراهن على إسقاط الشاه وتنصيب أنظمة تستخدم الدين لمحاربة الشيوعية وحركات التحرر .

النظام الإيراني في النظرة الاستراتيجية العظمى هو الذخيرة الأساسية للولايات المتحدة في منطقتنا ولا يمكن التخلي عنه خصوصاً وأن دوره لم ينتهي بعد ، وحتى موقفه من طوفان الأقصى جزء من المخطط الأمريكي العام لأنه يمهد لصفقة إقليمية تكون إيران طرفاً أساسياً فيها ، مع اسرائيل .

وفي ضوء ما تقدم فإن سكوت ريتر ضابط المخابرات الأمريكية المتقاعد ما زال يمارس دور ضابط المخابرات وإن كان بصيغة أخرى .

إنه مد حبل لإنقاذ إيران وتعظيم معنويات أنصارها كي يواصلوا تخريب الأقطار العربية ، فهو مثلما يمجد إيران يمجد الحوثيين ويمجد حزب الله ( لقوتهما غير القابلة للهزيمة ) !

وهذا كلام سخيف يعرفه أي مواطن عربي في اليمن وفي لبنان وفي المنطقة ، فإيران تستمد قوتها ودورها من الغطاء الأمريكي لها ، تذكروا أن أمريكا هي التي جاءت بإيران إلى العراق وهي التي سلمتها العراق في عام 2011 ، وهي التي مولت الحشد الشعبي بالرواتب والمال ، وهي التي سمحت للميليشيات الإيرانية في العراق وفي سورية بتدمير الدولة والمجتمع ونشر الفساد والشذوذ والمخدرات في كلا القطرين !

وحتى هذه اللحظة أمريكا ترفض إسقاط العملية السياسية في العراق والتي تخدم إيران مباشرة وتؤكد في كل مواقفها على أن المطلوب في العراق

هو تحسين العملية السياسية وتطويرها وليس إسقاطها .
إن مؤشرات دور سكوت ريتر الإعلامي تقول بأنه انتقل من دور إلى آخر حسب تكليف حكومته له ، والآن يمارس دور دعم إيران بإعطائها صورة بطولية لا تقهر هي والحوثيين وحزب الله في لبنان


٨

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد