أعلنت الشرطة والجمارك الإسبانيتان، اليوم الجمعة، ضبط ما يقرب من 9,5 أطنان من الكوكايين كانت مخبأة في صناديق موز واردة من الإكوادور، في أكبر عملية ضبط من نوعها في تاريخ البلاد.

وقالت السلطات، في بيان، إن “عملية الضبط حصلت الأربعاء في ميناء الجزيرة الخضراء (ألخثيراس) في جنوب البلاد، وتشكل “أكبر شحنة من الكوكايين المخبّأ في إسبانيا حتى الآن”، وهي عبارة عن 9436 كيلوغراما كانت مخبأة في صناديق للموز في حاوية مبردة”.

وتشكل هذه العملية: “ضربة غير مسبوقة لأحد أهم التنظيمات الإجرامية على المستوى العالمي، في توزيع الكوكايين والذي يتعامل مع أهم الشبكات الإجرامية في أوروبا”، وفق ما أشار البيان، من دون تحديد هوية هذه المنظمة.

وكُشف في هذه العملية عن شعارات أكثر من 30 منظمة إجرامية أوروبية كانت ستتلقى محتويات الشحنة.

ويمكن للمنظمة المسؤولة عن عملية النقل هذه أن ترسل ما يصل إلى 40 حاوية شهريا إلى أوروبا، و”لديها شبكة تجارية واسعة لشحن الحاويات من الإكوادور إلى إسبانيا”، باستخدام ميناء فيغو أيضاً، في شمال غرب إسبانيا.

 عمليات تهريب مشابهة 

أعلنت الشرطة الإيطالية، الجمعة، أن السلطات الإيطالية قامت بأكبر عملية ضبط للكوكايين على الإطلاق في أراضيها قبالة الساحل الجنوبي لجزيرة صقلية.

وقالت شرطة الحدود في غوارديا دي فينانزا في بيان إن القوة بدأت في مراقبة سفينة “أم” مشبوهة كانت تحتفظ بموقع خارج المياه الإقليمية الإيطالية في مضيق صقلية.

في وقت مبكر من يوم الأربعاء، التقطت الشرطة صوراً للعديد من الطرود على سطح السفينة، والتي تم إلقاؤها بعد ذلك في البحر ليجمعها قارب صيد منتظر.

وصادرت شرطة الحدود الإيطالية قارب الصيد وعثرت على إجمالي 5.3 أطنان من الكوكايين تقدر قيمتها بنحو 850 مليون يورو (946 مليون دولار).

الجزائر 

نجحت الأجهزة الأمنية الجزائرية في إحباط واحدة من أكبر عمليات تهريب المخدرات في تاريخ الجزائر والمتعلقة بأكثر من 79 كجم من مادة الكوكايين، والقبض على 16 شخصا مشتبها به، وينحدرون من الجزائر العاصمة وولاية البليدة غربي الجزائر.

ضبط كمية قياسية من الكوكايين في اسبانيا

وأوضحت المديرية العامة للأمن الجزائري – في بيان اليوم – أن تلك العملية جاءت استنادا إلى التحريات التي دامت أكثر من ثلاثة أشهر، مشيرة إلى أن التحقيقات أفضت إلى كشف خيوط تنظيم إجرامي عابر للحدود، يقوده واحد من أكبر تجار المخدرات (الهارب بفرنسا)، والذي خطط لتحويل هذه الكمية المعتبرة من مادة الكوكايين من ولاية تمنراست بأقصى جنوب الجزائر نحو الجزائر العاصمة.

وأضاف البيان أنه تم تحديد هوية عناصر هذه الشبكة الإجرامية الخطيرة، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة.

موربتانيا 

تمكن جهاز الأمن الموريتاني من إحباط محاولة تهريب أكثر من طن من الكوكايين، كانت على متن باخرة تعبر المياه الإقليمية.

وقالت النيابة العامة في نواكشوط في بيان إن وزن شحنة الكوكايين وتغليفها يصل إلى 1218 كيلوجرامًا.

وأضافت النيابة أنه “بناء على معلومات استخباراتية، وإثر عمليات رصد وتتبع استمرت تمكنت البحرية الموريتانية من كشف واعتراض وتوقيف باخرة أجنبية في المياه الإقليمية، يشتبه في وجود شحنة من المخدرات ذات الخطر البالغ على متنها“.

وأوضحت أنه “بعد اقتياد الباخرة إلى رصيف أحد الموانئ الوطنية وتفتيشها، تم التحقق من وجود شحنة مخدرات يبلغ وزنها بتغليفها 1218 كيلوجرامًا من الكوكايين، فتم حجز الباخرة وحمولتها“.

موريتانيا
موريتانيا

وأوضحت بيان النيابة الموريتانية أنه جرى تتبع الباخرة وتوقيفها وتم مباشرة التحقيقات القضائية في الحادث.

وأكدت النيابة أنه “في قضية متصلة، وفي إطار التحقيق، أحبطت قوات الحرس الوطني محاولة كانت تحضر لها خلية دعم، حاول عناصرها من خلالها تقديم مساعدة في عملية التهريب المعترضة“.

وأوضحت أنه “تم حتى الآن توقيف أشخاص من جنسيات أجنبية، كانوا على متن الباخرة، بمن فيهم طاقمها، كما تم توقيف أشخاص آخرين من جنسيات أجنبية وموريتانية في نواكشوط يشتبه بصلتهم بالقضية“.

سويسرا 

استقل كلاوديو بوزو، كبير مسؤولي عمليات “إم إس سي ميدتيرنيان شيبينغ” (MSC Mediterranean Shipping)، طائرة من جنيف إلى واشنطن في صيف 2019 بإيعاز من مالكها الملياردير الثمانيني المتحفظ جيانلويجي أبونتي. قطع 6500 كيلومتر جواً ليجتمع مع إدارة الجمارك وحماية الحدود الأميركية سعياً لاحتواء أزمة.

فقد داهم أكثر من 100 عميل من الإدارة قبل بضعة أشهر سفينة “غايان” (Gayane) التابعة للشركة لدى مرورها بميناء فيلادلفيا، لما كان يفترض أن يكون وقفة قصيرة قبل إكمال رحلتها نحو روتردام. اكتشف العملاء نحو 20 طن كوكايين تقدّر قيمتها بمليار دولار مخبأة تحت سطح السفينة داخل حاويات نبيذ ومكسرات.

أظهر التحقيق أن أكثر من ثلث الطاقم، وجميعهم موظفون لدى الشركة، ساعدوا بنقل كميات كوكايين ضخمة من زوارق سريعة إلى السفينة تحت جنح الظلام فيما كانت مبحرة قبالة سواحل أميركا الجنوبية. كانت تلك أكبر عملية ضبط مخدرات آتية بحراً في التاريخ الأميركي.

اعتُبرت الجريمة ضخمة وجريئة جداً لدرجة أن السلطات اتخذت قراراً استثنائياً بأن لا تكتفي بمصادرة الكوكايين، فصادرت السفينة “غايان” نفسها، وهي بطول 300 متر ويُقدّر ثمنها بأكثر من 100 مليون دولار.

خلال الاجتماع مع إدارة الجمارك وحماية الحدود في مبنى رونالد ريغان المشيّد من الحجر الجيري، اعتذر بوزو عن الحادثة وقال إن تصرفات الطاقم كانت مفاجئة للشركة، حسب ما نقل شخص مطلع على الأحداث. كما استفاض في الحديث عن نموّ الشركة منذ انطلاقتها المتواضعة لتصبح أكبر شركة شحنفي العالم. سعى لإقناع المسؤولين بمدى الجدية التي توليها عائلة أبونتي لإدارة الأسطول الذي يضمّ نحو خُمس إجمالي سفن قطاع الحاويات البحرية في العالم.

لم يقتنع المسؤولون الأميركيون بادعاء الشركة عدم علمها بما يحصل. قبل سنوات من مداهمة “غايان”، كانت سلطات إنفاذ القانون في دول عدّة تراقب حركة سفن الشركة، حسب تحقيق من بلومبرغ بزنيسويك.

رغم أن السلطات الأميركية لم تكن تراقب “غايان” قبل فترة طويلة من دخولها مياهها الإقليمية، إلا أنها كانت قد داهمت سفناً عديدة أخرى تابعة للشركة وفتشتها في إطار تحقيقات أوسع حول شبكة دولية لتجارة الكوكايين اخترقت شركة الشحن.

استندت السلطات إلى أدلة جمعتها من مداهمات سابقة ومعلومات استخبارية من أوروبا الشرقية، وخلصت إلى أن كارتيل البلقان صاحب النفوذ الواسع هو العقل المدبر لهذه الشحنات الضخمة. كما اكتشفت السلطات الأميركية والأوروبية أن شبكة الجريمة المنظمة هذه، التي تسيطر على أكثر من نصف الكوكايين المتدفق إلى أوروبا، اخترقت طواقم “ميدتيرنيان شيبينغ” على مرّ عقد، مستغلة عمّالها وسفنها لتبني امبراطورية لتهريب الكوكايين.

تعليقاً على ذلك، قال وليام ماكسوين، المدعي العام السابق لمقاطعة شرق بنسلفانيا الذي ترأس التحقيق في قضية “غايان” حتى تركه لمنصبه في يناير 2021: “قطعاً لم نر (ميدتيرنيان شيبينغ) كضحية في كلّ ذلك”.

هدف جذاب
تخوض شركة “ميدتيرنيان شيبينغ” اليوم معركة قضائية ضد الحكومة الأميركية جلّها وراء أبواب مغلقة. إذ يضغط مسؤولو الجمارك على الشركة لدفع غرامات تفوق 700 مليون دولار، حسب عدة أشخاص في أجهزة إنفاذ القانون طلبوا عدم كشف أسمائهم لأن الإجراءات الإدارية لم تُعلن.

في غضون ذلك، يُعدّ مدّعون في مكتب المدعي العام الأميركي لشرق بنسلفانيا قضية مدنية يعتبرون فيها “ميدتيرنيان شيبينغ”، بصفتها مشغّلة “غايان”، مسؤولة عن تهريب المخدرات ويترتب عليها التنازل عن السفينة أو عن جزء كبير من قيمتها.

فيما تقرّ الشركة بالعثور على كميات قياسية من الكوكايين على متن سفينتها، إلا أنها تعترض على أجزاء أساسية من رؤية الحكومة للأحداث وتقول إنها كانت ضحية للمهربين وليست متآمرة معهم.

قال جايلز بروم، المتحدث باسم “ميدتيرنيان شيبينغ”، إن الشركة لطالما أخذت مسألة الاتجار بالمخدرات على محمل الجدّ، إلا أن “حادثة (غايان) أظهرت مستوى جديداً من التهديد الأمني لم نكن جاهزين له، ولم يكن قطاع الشحن البحري برمته جاهزاً له على حدّ علمنا”.

أضاف أنه يُنظر إلى “ميدتيرنيان شيبينغ” اليوم على أنها “رائدة لحدّ بعيد في جهود مكافحة التهريب في القطاع”، مع ذلك “ثمة حدود لما يمكن توقعه من شركة وأشخاص مدنيين يؤدون عملهم. نحن لسنا جهازاً لإنفاذ القانون، ولا نملك الصلاحية ولا الموارد ولا التدريب لمواجهة مجموعات الجريمة المنظمة الخطرة”.

يستند تحقيق بزنس ويك إلى مقابلات مع أكثر من 100 شخص في نحو 12 دولة بينهم مسؤولي إنفاذ قانون حاليين وسابقين وأناس مطلعين على أعمال الشركة، إضافة لمراجعة قضايا تجارة المخدرات في عدّة دول. لقد طلب عديد من المصادر عدم كشف هوياتهم لكونهم يتناولون تفاصيل سرية تتعلق بتحقيقات حالية وسابقة.

كلّ شركات الشحن التي تسيّر خطوطاً بحرية بين أميركا الجنوبية وأوروبا عرضة لاستغلال تجار الكوكايين، إلا أن “ميدتيرنيان شيبينغ” كانت هدفاً جذاباً أكثر من سواها، حسب ما قال مسؤولون، فهي تهيمن على الخطوط البحرية التي تُعدّ في الوقت نفسه طرقات فائقة السرعة لنقل الكوكايين، بالأخص تلك المستخدمة لنقل الفاكهة والخضار الطازجة من أميركا الجنوبية إلى شمال أوروبا.

كما أن الشركة تشغّل أكبر عدد من البحارة المتحدرين من مونتينيغرو، أحد معاقل كارتيل البلقان. كان مسؤولو شرطة أوروبيين قد حذّروا الشركة من تعرّض طاقمها للاختراق قبل سنوات من ضبط “غايان”. إلا أن مسؤولين على ضفتي الأطلسي قالوا إن التدابير التي اتخذها مديروها لمعالجة المشكلة لم تكن بالمستوى المرجو.

“كريدي سويس” يواجه اتهامات بمساعدة مهربي كوكايين بلغار في غسيل أموال

أغضب هذا أجهزة إنفاذ القانون والمسؤولين الجمركيين بعدما غمرت كميات من الكوكايين الموانئ العالمية، خاصة في أوروبا. لا يتهم المسؤولون الأميركيون قيادة “ميدتيرنيان شيبينغ” بالتورط أو الاستفادة من تجارة الكوكايين، إلا أنهم يحاولون اكتشاف مزيد عن خلل آليات التوظيف والأمن في الشركة، حسب مسؤولين كبار على صلة بالتحقيق.

قال محققون في الولايات المتحدة وأوروبا إن تحقيقاتهم تعيدهم دوماً إلى سؤال محوري: لماذا تمكنت منظمات إجرامية من التحكم ببعض العمليات الرئيسية في بعض سفن الشركة لفترة طويلة؟ قال روبرت بيريز، نائب مفوّض إدارة الجمارك وحماية الحدود بين 2018 ويوليو 2021″ “بلا أدنى شكّ كان مدى سطوة مهربي المخدرات ضمن هذه الشركة أمراً مهماً جداً للحكومة الأميركية منذ اليوم الأول”.

غموض العمليات الداخلية

نادراً ما تخضع شركات الشحن لعقوبات قاسية حين العثور على مخدرات في سفنها، وحين فرض غرامات في الولايات المتحدة، غالباً ما تسمح الجهات الناظمة لشركة الشحن بالتفاوض لتخفيضها، أما في أوروبا فيندر أن تُفرض أي غرامات.

رغم وجود بعض الشروط الأمنية الدولية التي يتعين على شركات الشحن التزامها، إلا أن مسؤولي الجمارك وأجهزة إنفاذ القانون ليس لهم نفوذ كافٍ ليحاسبوها. مكّن كل ذلك شركات الشحن، التي تُعدّ المحرك الرئيسي للعولمة، من تجنب عواقب وخيمة فيما تداخلت أكثر فأكثر مع تجارة المخدرات.

كان ذلك الحال حتى أبحرت “غايان” إلى فيلادلفيا في صيف 2019.

رغم اسمها، يقع مقرّ شركة “ميدتيرنيان شيبينغ” بعيداً عن البحر في حيّ هادئ في جنيف. يُعرف قطاع الشحن بخصوصيته، لكن فكّ لغز العمليات الداخلية لهذه الشركة بالذات صعب جداً. هي إحدى شركات الشحن الكبرى القليلة غير المدرجة في البورصة، وفيما تشغّل خطّ سفن سياحية يعلن نتائجه السنوية، إلا أنها لا تنشر أي بيانات مالية حول نشاطها في مجال الشحن. كما يملك أبونتي مجموعة واسعة من شركات متصلة ومتداخلة تشرف على مشغلي عبّارات وصانعي زوارق سريعة ومحطات شحن، حتى أنه يملك جزيرة في الباهاما.

يترأس أبونتيو، وهو رجل أشيب ضئيل الجسد عيناه ثاقبتان، مجلس إدارة الشركة، ويرأس ابنه دييغو الشركة التي تتولى ابنته ألكسندرا رئاسة مسؤوليها الماليين. منذ عامين وبعد ضبط “غايان” عيّن أبونتي سورين توفت، تنفيذي مخضرم لدى المنافسة “أي بي مولر- ميرسك” (AP Moller-Maersk)، رئيساً تنفيذياً لأعمال الشحن، وهي أول مرة يشغل فيها شخص من الخارج هذا المنصب.

تتفاخر العائلة بالقول إن مياه البحر تجري في عروقها وتباهي بوثائق شحن تعود إلى القرن السابع عشر تحمل اسمها. ولد أبونتي في سانت أنيلو على خليج نابولي، وكانت عائلته تعمل بنقل السلع والركاب عبر مياهه. كما عمل بحاراً وتدرب كقبطان وخدم تحت إدارة أخيلي لاورو، عمدة نابولي السابق وأحد أقطاب قطاع الشحن. أبحر أبونتي على زوارق فابوريتي التي تقلّ السياح الأثرياء إلى الجزر السياحية المجاورة مثل كابري وإسكيا، والتقى زوجته رافاييلا ديامانت، وهي ابنة مصرفي سويسري، في رحلة من تلك.

نموذج أعمال ذكي

اشترى أبونتي في 1970 سفينة نقل بضائع سائبة ألمانية وأسس “ميدتيرنيان شيبينغ”. في العام التالي اشترى سفينة سماها باسم زوجته ثمّ طفق يشتري سفن حاويات. حين دخل أبونتي قطاع الشحن، كانت تهيمن عليه شركات عريقة مثل “ميرسك” (Maersk) و”هاباغ لويد” (Hapag-Lloyd)، اللتين ترجع بداياتهما إلى القرن التاسع عشر.

تمكّن من صنع مكانة خاصة لنفسه عبر تسيير رحلات على خطوط بحرية لم تكن تغطيتها كافية. كما طوّر نموذج أعمال ذكي بشراء سفن حاويات مستعملة بعضها كان في ساحات الخردة ثمّ أعاد تأهيلها لتبحر مجدداً. تميزت “ميدتيرنيان شيبينغ” أيضاً بتركيزها على السعر أكثر من سرعة التوصيل.

قال لارس جينسن، مؤسس الشركة الاستشارية “فيسبوتشي ماريتيم” (Vespucci Maritime) والمدير التنفيذي السابق في “ميرسك” إنه في السنوات الأولى “كانت هناك دعابة في القطاع تتندر بأن معنى اختصار اسم الشركة (MSC) هو: السفينة قد تأتي… ستصل شحنتك في النهاية لكنك لا تعرف متى بالضبط”.

مكّنت هذه الاستراتيجيات أبونتي من توسيع إمبراطورتيه بشكل شبه عضوي بدل الاستحواذ كما فعل معظم منافسيه. أضافت “ميدتيرنيان شيبينغ” خطوطاً إضافية في آسيا والولايات المتحدة وأميركا الجنوبية وبحلول الألفية الثالثة بات شعارها “اليابسة تغطي ثلث الأرض ونحن نغطي الباقي”. لكن فيما كان أبونتي يبني “إم إس سي ميدتيرنيان شيبينغ”، كانت منظمة إجرامية متنفذة تبني أعمالها البحرية.

بعد منتصف ليل 30 مايو 2010، كانت سفينة “أوريان” من أسطول “ميدتيرنيان شيبينغ” تبحر في القنال الإنجليزي نحو أنتويرب في بلجيكا حين بدأ زورق صيد محار يحمل اسم “غالواد واي مور” (Galwad-Y-Mor) يقوم بمناورات غريبة قربها، فيتقدم السفينة العملاقة تارة ويعود ليبحر خلفها تارةً أخرى.

قال مدعون بريطانيون إنه حين اقتربت “أوريان” من القارب رمى طاقمها نحو 11 كيساً مقاوماً للبلل من السفينة وفيها 255 كيلوغراماً من الكوكايين يُقدّر سعره بـ 80 مليون دولار.

بعد جمع الأكياس توجّه البحارة الأربعة الذين كانوا على متن القارب وبينهم واحد من مونتينيغرو إلى خليج فريش ووتر المجاور حيث استخدموا أثقالاً معدنية لإغراق المخدرات وربطوها بعوامة ليأتي المهربون ليأخذوها لاحقاً.

لكن ذلك لم يحصل، فقد كانت شرطة مكافحة المخدرات البريطانية تراقب العملية وقبضت على طاقم القارب إضافة لشخص متآمر معهم. حكم على الخمسة بالسجن لفترات طويلة خلال العام التالي، لكنهم ما يزالوا مصرين على براءتهم بعد مرور أكثر من عقد على القضية.

كارتيل البلقان

أدت الحادثة لفتح تحقيق في أوروبا حول اختراق شبكات الجريمة المنظمة لشركات الشحن، حسب شخص مطلع على المسألة. بعد مراجعة الشرطة في إسبانيا وبلجيكا وهولندا، اكتشفت السلطات البريطانية أن ما حصل على متن “أوريان” لم يكن حادثاً فردياً، فقد رصدت كلّ من هذه الدول نقل كوكايين عبر المحيط الأطلسي على متن حاويات شحن تملكها شركات مختلفة، حُمّلت بعدها على متن قوارب أصغر قبل أن تبلغ الشحنات الموانئ.

تمكّن هذه المناورات المعروفة باسم “التوصيل” المهربين من تفادي الموانئ الرسمية حيث ترتفع مخاطر ضبط الحمولات، لكنها تعني أيضاً اضطرارهم لتجنيد بحارة سفن الشحن التجارية ودفع أموال لهم كي يرموا المخدرات عن ظهر السفينة.

أحالت السلطات البريطانية القضية إلى يوروبول، التي تنسق التحقيقات الإجرامية عبر الحدود بين الدول الأوروبية. عقد عملاء من بريطانيا وإسبانيا وبلجيكا ونيوزيلندا اجتماعاً في 2012 واتفقوا على جمع كلّ ما لديهم من معلومات حول عمليات توصيل المخدرات وإدخال تفاصيل القضايا في قاعدة مشتركة للمعلومات الاستخبارية تتبع يوروبول. ظهر أنه رغم استخدام عديد من الشركات الكبرى، إلا أن الاسم الأكثر تكرراً كان “ميدتيرنيان شيبينغ”.

يستخدم عديد من منظمات التهريب الأوروبية التوصيل بحراً، لكن معروف أن كارتيل البلقان متخصص بها، وهو قوة صاعدة في مجال تجارة الكوكايين دولياً تضمّ ثلة عصائب في خمس دول تربطها لغة مشتركة هي الصربية-الكرواتية.

بدأ كثير من هذه العصابات كمجموعات عسكرية خلال حرب البلقان في التسعينات ثمّ تحولت للاتجار بالسلاح وتهريب السجائر وسرقة السيارات وغسل الأموال، وهي تضمّ في صفوفها عناصر شرطة سابقين وعملاء استخبارات.

تتعاون الفصائل المختلفة التي تشكل هذه العصابات، لكنها تتنافس أيضاً. اكتسب بعضها سمعة سيئة لوحشيته، فقد عثرت الشرطة في مداهمة بأحد ضواحي بلغراد العام الماضي على فرّامة لحوم بها آثار حمض نووي بشري.

فيما ينشط الكارتيل في كافة أنواع الجرائم، قال محققون أميركيون إن إيراداته تأتي بشكل أساسي من الكوكايين. تتسم هذه العصابات أيضاً بقدرتها على الابتكار، ففي بداية الألفية شرعت تبني شبكة لوجستية تمتد بين ضفتي الأطلسي.

زرعت عناصرها في صفوف المنتجين في أميركا الجنوبية وبنت شبكة واسعة من العلاقات معهم، تصل حتى المعامل الفردية في أعماق الأدغال، كما بنت شبكات توزيع للمخدرات بالجملة في أوروبا.

أمّنت العصابات شبكة إمدادها في البداية عبر سفنها الخاصة، التي كانت في كثير من الأحيان تنقل حمولات مباحة مثل الصويا وغيرها من البضائع السائبة، ولدى نقل حمولات غير مشروعة، كان المهربون يستعينون بقبطان وطاقم فاسدين.

ثمّ بدأ كارتيل البلقان يضاعف اعتماده على ما يسمّيه مسؤولو إنفاذ القانون الحاليون والسابقون ميزتها التنافسية الأساسية: بحارة من البلقان. يتحدر عديد من أولئك البحارة من مونتينغرو، وهي دولة صغيرة في البحر الأدرياتيكي صاحبة تاريخ بحري عريق يمتد لقرون وتضمّ عديداً من المدارس لتدريب بحارة معتمدين. حتى أن مدارسها الثانوية تُعدّ الطلاب لمهن بحرية. أسهم كلّ ذلك بجعل البلاد وجهة تجنيد جذابة للعصابات الإجرامية، التي تسعى لاستغلال المياه الدولية في التهريب.

ارتفاع كمية الكوكايين المهربة
ارتفاع كمية الكوكايين المهربة

مع تفاقم ارتفاع كمية الكوكايين المهربة إلى أوروبا لمستوى أزمة، عرض مسؤولون أوروبيون مشاركة مزيد من المعلومات حول ضبط المخدرات مع نظرائهم الأميركيين، وسرعان ما برزت حقيقة واحدة: بعض السفن التي عُلم بنقلها كوكايين إلى أوروبا توقفت في موانئ أميركية برهةً، وكانت بعضها سفن من “ميدتيرنيان شيبينغ” أبحرت عبر فيلادلفيا.

بدأ ذراع التحقيق الرئيسي التابع لوزارة الأمن الداخلي الأميركية، المعروف بجهاز تحقيقات الأمن الداخلي، بالعمل مع شركائه الأوروبيين لتحليل أكبر عمليات ضبط الكوكايين، بالأخص في أنتويرب وروتردام.

اطلع عملاء جهاز تحقيقات الأمن الداخلي على الأدلة التي جمعتها سلطات الجمارك بشأن بيانات الشحن وتحركات السفن في أميركا الجنوبية، واكتشفوا أنه فيما كانت معظم كميات الكوكايين المتجهة إلى أوروبا تأتي سابقاً من ساحل أميركا الجنوبية الشرقي، بالأخص البرازيل، إلا أن هذا بدأ يتغير في السنوات الماضية فأصبح معظمه يأتي من موانئ السواحل الغربية أو جوارها، مثل ميناء كاياو في بيرو وغواياكيل في الإكوادور.

اعتقد المحققون في البداية أن المخدرات تُهرّب بأساليب تقليدية، مثل تخبئتها إلى جانب شحنات مباحة تُعبأ في المستودعات أو المزارع، أو عبر اختراق متآمرين للحاويات وإخفاء الكوكايين داخلها. كرّس جهاز تحقيقات الأمن الداخلي منذ 2017 أشهراً لاكتشاف التقنيات التي يستخدمها المهربون، أولاً في كولومبيا ثمّ في بنما، حسب شخصين مطلعين على التحقيقات. مع ذلك، ظلّ العملاء يصطدمون بطريق مسدود.

بدأ عملاء جهاز تحقيقات الأمن الداخلي إلى جانب عملاء الجمارك الأميركيين بمداهمة سفن الشحن لدى اقترابها من فيلادلفيا وتفتيش أجنحة طواقمها وغرف المحركات، ختى أنهم فتشوا عمود عنفة إحدى السفن ذات مرة. لم يعثروا على شيء في معظم الحالات، إلا أن البحث مكنهم من الاستفراد بأفراد طواقم سفن سعياً لتجنيدهم لصالح أجهزة الإنفاذ، حسب مسؤولي أميركي كبير سابق.

استخلص المحققون بحلول 2018 أن المهربين ما عادوا يستخدمون طرق التهريب التقليدية وأنهم يستخدمون بحارة متحدرين من البلقان في سفن الشحن التابعة لشركة “ميدتيرنيان شيبينغ” لتحميل المخدرات فيما تكون السفن في عرض البحر.

بذل المحققون كلّ جهد ممكن لاختراق هذه الشبكة عبر التنصت على الاتصالات وزرع مخبرين، وأخيراً سنحت لهم الفرصة التي كانوا ينتظرونها.

 إحباط تهريب كمية من مادتي الحشيشة والكوكايين إلى دولة أوروبية

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد