تشتد المنافسة الدرامية في العالم العربي وخاصة خلال الموسم الرمضاني كل عام، ولكنها لا تقتصر على المسلسلات التليفزيونية فقط، التي تنقلها القنوات الفضائية ومنصات الإنترنت، فهناك دائماً مساحة مخصصة للدراما الإذاعية، يتم بثها عبر محطات الراديو، ويقدمها مجموعة كبيرة من نجوم الصف الأول في عالم الفن.

انتعاشة لافتة في تقديم المسلسلات الإذاعية عبر الراديو، جاء من ابرزها مسلسل “أحلام شهرزاد”، الذي يقدم بطولته الفنان الكبير يحيى الفخراني، ويُذاع يومياً عبر محطة الراديو 9090، وينافسه مسلسل “مطلوب عريس” من بطولة الفنان أحمد حلمي، والذي يُذاع عبر قنوات الإذاعة الخاصة بـ “راديو النيل”، فضلاً عن الأعمال الأخرى مثل “صلاح التلميذ” للفنان أكرم حسني، و”رأس رجاء وصالح” للفنان حسن الرداد، والفنانة إيمي سمير غانم.

مبادئ الكتابة الاذاعية

كثيرا ما يولي الصحفي الإذاعي إهتمامه لمضمون المادة التي يعمل عليها. و عندما ينتهي من كتابة النص يبدأ في التفكير في الأصوات المحتملة التي قد يلحقها بالنص.

وقد تكون هذه الأصوات مقتطفات صوتية لمتحدثين أو أصوات مجسدة للأجواء المحيطة بالموضوع كصوت القطار أو الطائرات إلخ، بينما إن أراد الصحفي أن يكتب نصا إذاعيا جيدا عليه أن يبدأ بالبحث عن الأصوات المحتملة. هذه هى الخطوة الأولى في الكتابة الاذاعية.

ومن ثم يتمحور النص على هذه الأصوات وليس العكس. والنتيجة هي نص إذاعي متكامل العناصر وليس نصا صحفيا مكتوبا للصحافة المكتوبة ولكنه مقروء. فالصوت هنا هو المعادل للصورة في التلفزيون أو في السينما. وهو ضروري لمادة إذاعية جيدة كما أن الصورة ضرورية للتلفزيون.

والقاعدة الذهبية للكتابة للراديو: إكتب للراديو كما لو كنت تكتب للتلفزيون و إبدأ بتخيل الصورة الأولى في التقرير ثم حول هذه الصورة إلى صوت.

ثانيا: تطويع اللغة

اللغة العربية لغة ثرية وقادرة على التعبير بدقة. هى ليست لغة جامدة في قوالب تقليدية متكررة غير ان تكرار إستخدام بعض التعبيرات جعل هذه التعبيرات الجامدة تبدو وكأنها ضرورية للنص الإذاعي وهو ليس بالأمر الصحيح.

من الأمثلة على هذه التعبيرات الشائعة في الكتابة الإذاعية جملة “وأضاف قائلا….”. وهو تعبير يمكن الاستغناء عنه بسهولة دون أدنى تأثير على النص، وإلغاؤه يجعل النص متحركا ويبتعد به عن القوالب الجامدة التي ملتها الأذن من كثرة تكرارها.

ويرتبط بتطويع اللغة أيضا إستخدام الجملة الإسمية بدلا من الجملة الفعلية في بعض المواضع مما يجعل اللغة أقرب إلى اللغة المحكية.

ثالثا: الحكي

عندما تكتب موضوعا للإذاعة تخيل صديقا وقد جلس أمامك وبدأت “تحكي له” ما تكتب عنه. تخيل الجملة الأولى التي عليك استخدامها لكي تجذب انتباهه.

وتذكر أن قرار الاستمرار في الاستماع إليك يتوقف على هذه الجملة. فبها يمكنك أن تجذب المستمع لكي يتابع القصة أو تفقده إلى الأبد إن وجد الجملة الأولى مملة أو عديمة الأهمية.

إبتعد عن التمهيد الذي يستهلك الوقت ويكرر ما ذكره المذيع عند تقديمه للمادة. وهو فارق رئيسي بين الكتابة للراديو والكتابة للصحافة المكتوبة.

في الراديو الثواني معدودة وثمينة ولاحاجة على الإطلاق للتمهيد. حافظ على البناء بسيطا وسلسلا قدر الأمكان مع التركيز على الزاوية التي اخترتها للمادة دون الإنزلاق الى زوايا أخرى أو جوانب إضافية للموضوع.

تذكر أنها مادة مسموعة من السهل ان تفقدها الأذن دون أن تكون هتاك فرصة للعودة إليها مرة أخرى على العكس من المادة في الصحافة المكتوبة.

مصدر إلهام

يقول الناقد الفني عماد يسري، إنّ الدراما الإذاعية لديها جمهور عريض للغاية؛ لأن المحطات الإذاعية تحاول دوماً جذب المستمعين إليها، من خلال تقديم مسلسلات إذاعية من بطولة نجوم الصف الأول، الذين يُفضلهم الجمهور في الموسم الرمضاني بشكل خاص، فقد افتقدت الشاشة التليفزيونية هذا العام تواجد الفنان الكبير يحيى الفخراني، لكن الإذاعة كان لها حظاً وفيراً في تقديمه للمسلسل الإذاعي “أحلام شهرزاد”.

الناقد الفني عماد يسري

ويتابع يسري حديثه لمنصات التواصل الاجتماعي، موضحاً أنّ: “هناك العديد من الفنانين الذي تركوا الشاشة التليفزيونية هذا العام، وتوجهوا إلى جمهور الدراما الإذاعية، مثل الفنان أحمد حلمي، والفنانة إيمي سمير غانم، والفنان حسن الرداد، الأمر الذي يدل على مكانة الدراما الإذاعية لدى المستمع المصري والعربي”.

ويشير الناقد الفني، إلى أنّ ثمة الكثير من المسلسلات الإذاعية التي تحولت إلى دراما تليفزيونية، فقد شهد الموسم الرمضاني السابق عرض مسلسل “راجعين يا هوى”، من قصة الكتاب الراحل أسامة أنور عكاشة، والذي تم بثه في البداية كمسلسل إذاعي فقط، وشهد حينها رواجاً ملحوظاً بين الجمهور، ليتحول في العام الماضي إلى مسلسل تليفزيوني من بطولة الفنان “خالد النبوي

منافسة شرسة

يعود الناقد الفني عماد يسري ليوضح أنّ المنافسة حالياً أصبحت شاقة للغاية، خاصة في عصر الفضائيات المفتوحة، وأيضاً الذكاء الاصطناعي، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت بشكل ما على انتشار الدراما الإذاعية، ففي الماضي كان ينتظر الجمهور موعد إذاعة المسلسلات عبر الراديو في وقت معين، حتى اختلف الوضع تماماّ، وأصبح من السهل متابعة الدراما الإذاعية في أي وقت عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.
ويضيف: “البودكاست أصبح منافساً قوياً للدراما الإذاعية في الآونة الأخيرة، وذلك بالإضافة إلى إذاعات مواقع التواصل الاجتماعي التي ليست لها علاقة بمحطات الراديو، لذا يجب على منتجي الدراما الإذاعية أن يطوروا من الأداء والأفكار في الوقت الحالي، ومن الضروري أيضاً الاهتمام بقوة التسويق للمسلسلات الإذاعية، مثل تصوير فيديوهات لكواليس التسجيل، وتروجيها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

 معايير قياسية

من جانبه، يوضح الشاعر والكاتب سعد القليعي، الذي يملك خبرة كبيرة في الكتابة الإذاعية، (أنتج أكثر من 54 عملاً)، أنّ الدراما الإذاعية لها من الخصائص ما لا يتوافر في أي دراما أخرى، فالنص حين يٌكتب للإذاعة، يكون لديه مخرجين بعدد مستمعيه، ما يعني أن كل مستمع لديه القدرة على تخيل ملابس الممثلين والديكورات.

الكتابة الإذاعية
الكتابة الإذاعية

ويستكمل القليعي مداخلته الخاصة : “مهما امتلكت الدراما الأخرى من تليفزيون وسينما ومسرح لقدرات تميزها من حيث الرؤية البصرية، فهي محدودة للغاية بخيال المخرج ومنفذي العمل؛ لأنهم يوفرون الديكورات والملابس حسب تصورهم، ويحكموا المشاهدين بهذا التصور.

ويضيف: “كان للإذاعة من قبل وقطاع الإنتاج وصوت القاهرة، وكافة القطاعات الحكومية، مقاييس ومعايير محكومة عالمياً من أجل تنفيذ العمل الإذاعي، كما كان لها لجان يُقدم إليها النص الإذاعي قبل إنتاجه، وبناءً على مراجعته، يتم الموافقة عليه بتقديرات مختلفة، فقد وضع هذه الشروط مجموعة كبيرة من كتاب ونقاد ورواد الفن الإذاعي”.

وينوّه القليعي إلى أنّ هناك شروط محددة لعدد الأشخاص في الحلقة الإذاعية، حيث لا يجب أن يتجاوز الـ 8 أفراد؛ لأن أكثر من ذلك العديد يصعِّب على الأذن البشرية استقباله بسهولة، فهي لا تستطيع أن تميز بين 8 أفراد في الحلقة التي تتراوح مدتها من 10 لـ 12 دقيقة بالفواصل الإعلانية، ومن الصعب أيضاً تسمية شخصيتين في العمل الإذاعي بتقارب شديد مثل (حسين وحسن)، حتى يستطيع المستمع تمييز أسامي الشخصيات جيدا

مهمة ثقيلة

يستطرد الكاتب سعد القليعي، حديثه ، مؤكداً أنّ الدراما الإذاعية تترك الفرصة لخيال المتلقي أو المستمع للمساهمة في هذا الإنتاج، ولكن ثمة أخطاء يقع فيها منتجو الإذاعة، وأبرزها عدم تواجد اللجان من الكتاب الكبار والنقاد الفنيين، لمراجعة الأعمال قبل إذاعتها، كما كان الوضع في السابق داخل الإذاعة ، حين كانت تشمل لجنة القراءة مجموعة قوية من الكتاب والنقاد، مثل محفوظ عبد الرحمن، والدكتور رفيق الصبان، وعلي أبو شادي، فاللجنة الواحدة كان يشترك فيها 10 أشخاص من الأسماء الكبيرة في عالم الدراما.

سعد القليعي
سعد القليعي

وفي ختام الحديث، وجه القليعي نصيحته لكتاب الدراما الإذاعية الذين يريدون أن يكتبوا أدباً حقيقياً يمس الإنسان، إذ يحثهم في البداية على ضرورة توافر وجهة نظر لديهم وموقف تجاه الحياة، وأيضاً امتلاكهم رسالة محددة يريدون توصيلها للجمهور، بجانب عدم التأثر بحذف المشاهد غير الضرورية، فالكتابة الجيدة هي معادل للحذف الجيد، والأهم من كُل ذلك هو القراءة الجيدة في كل شيء (الاقتصاد – التاريخ – العلوم الإنسانية – العلوم البحتة)، فالمبدع ينبغي أن يكون مؤرخاً ومحللاً نفسياً واجتماعياً، حتى يستطيع كاتب الدراما الإذاعية أن يسيطر على أبعاد العمل التاريخية والنفسية والاقتصادية.

ذو صلة : رامز نيفر إيند والضحية 22

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد