تخطى إلى المحتوى

اعتماد البعض على اليد اليسرى !

اعتماد البعض على اليد اليسرى؟

 

يتقاسم نحو 10% من البشر سمة واحدة، هي استخدام اليد اليسرى، فيما ركزت دراسة حديثة على السبب الذي يجعل الإنسان أعسر.

وتُلقي دراسة جديدة الضوء على المكون الوراثي المسؤول عن استخدام بعض الأشخاص اليد اليسرى.

وحدد باحثون طفرات نادرة من جين له دور في تحديد شكل الخلايا، ووجدوا أنها أكثر شيوعا بنحو 2.7 مرة في الذين يستخدمون اليد اليسرى، بحسب وكالة “رويترز”.

وفي حين أن هذه الطفرات الجينية لا تمثل سوى جزء صغير، ربما 0.1%، من الأسباب المسؤولة عن استخدام اليد اليسرى، قال الباحثون إن الدراسة تظهر أن هذا الجين المسمى (تي.يو.بي.بي4بي) قد يلعب دورا في تطور ما يُعرف بعدم تناظر الدماغ، وهو الأمر المسؤول عن تحديد اليد المهيمنة.

عدم تناظر الدماغ

ويكون لشطري الدماغ عند معظم البشر تركيب تشريحي متباين قليلا، وهما مسؤولان عن وظائف مختلفة.

وقال كلايد فرانكس، العالِم المتخصص في علم الأعصاب الحيوي بمعهد ماكس بلانك لعلم النفس اللغوي في هولندا، ومن المعدين الرئيسيين للدراسة التي نشرت الثلاثاء الماضي في دورية نيتشر كوميونيكيشنز: “على سبيل المثال، يهيمن الفص الأيسر من الدماغ على اللغة عند معظم البشر، بينما يتولى الفص الأيمن المهام التي تتطلب توجيه الاهتمام البصري إلى مكان ما”.

وأضاف: “عند معظم الناس أيضا، يتحكم نصف الدماغ الأيسر في اليد اليمنى المهيمنة. وتعبر الألياف العصبية ذات الصلة من اليسار إلى اليمين في الجزء السفلي من الدماغ. وفي الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى، يتحكم النصف الأيمن في اليد المسيطرة”.

والسؤال: ما الذي يجعل عدم تناظر الدماغ يتطور بشكل مختلف عند مستخدمي اليد اليسرى؟”.

ويتحكم الجين (تي.يو.بي.بي4بي) في بروتين يندمج في خيوط تسمى الأنابيب الدقيقة، توفر البنية الداخلية للخلايا.

وقال فرانكس إن تحديد الطفرات النادرة في هذا الجين، التي تكون أكثر شيوعا في أصحاب اليد اليسرى، يشير إلى أن الأنابيب الدقيقة تشارك في تكوين عدم التناظر الطبيعي للدماغ.

طفرات جينية نادرة

يبدأ نصفا الدماغ التطور بشكل مختلف في الأجنة، ولكن تبقى آلية تطورهما غير واضحة.

وأضاف فرانكس: “يمكن للطفرات الجينية النادرة لدى عدد قليل من الأشخاص تحديد الجينات الدالة على آليات تطور عدم تناظر الدماغ لدى جميع البشر. ويمكن أن يكون الجين (تي.يو.بي.بي.فور.بي) مثالا جيدا على ذلك”.

واستندت النتائج إلى بيانات وراثية تغطي أكثر من 350 ألف شخص في منتصف العمر وكبار السن في بريطانيا، 11% منهم عُسْر.

وقد يكون تحديد اليد المهيمنة عند معظم الأشخاص نتيجة الصدفة.

وقال فرانكس: “نعتقد أن معظم حالات العُسر تحدث ببساطة نتيجة الاختلاف العشوائي في أثناء نمو دماغ الجنين، من دون تأثيرات وراثية أو تأثر بالمجتمع المحيط. على سبيل المثال، التقلبات العشوائية في تركيزات جزيئات معينة خلال المراحل الرئيسية لتكوين الدماغ”.

واستخفت ثقافات على مر القرون بالعُسر، وحاولت إجبار مستخدمي اليد اليسرى على استخدام أيديهم اليمنى.

وفي اللغة الإنجليزية، كلمة “يمين (رايت)” تعني أيضا “صحيح” أو “مناسب”، وكلمة “شرير” مشتقة من كلمة لاتينية تعني “على الجانب الأيسر”.

التأثيرات الثقافية والنفسية

وذكر فرانكس أن انتشار استخدام اليد اليسرى يختلف في أجزاء متباينة من العالم، مع انخفاض المعدلات في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط مقارنة بأوروبا وأمريكا الشمالية.

وأضاف: “يعكس هذا على الأرجح قمع استخدام اليد اليسرى في بعض الثقافات؛ ما يجعل الأطفال الذين يستخدمون اليد اليسرى يتحولون إلى استخدام اليمنى، وهو ما كان يحدث أيضا في أوروبا وأمريكا الشمالية”.

وقد تكون للنتائج الجديدة استخدامات في مجال الطب النفسي.

وقال فرانكس إنه “في حين أن الغالبية العظمى من العُسر لا يعانون من مشكلات نفسية، فإن المصابين بالفصام هم أكثر عرضة بنحو الضعف لأن يستخدموا اليد اليسرى أو يجيدون استخدام كلتا اليدين، كما أن المصابين بالتوحد هم أكثر عرضة بثلاث مرات تقريبا”.

وأضاف فرانكس: “بعض الجينات التي لها دور في تطور الدماغ خلال المراحل المبكرة قد يكون لها دور في عدم تناظره وفي السمات النفسية. وجدت دراستنا أدلة توحي بذلك، وقد رأينا ذلك أيضا في دراسات سابقة، إذ نظرنا إلى الطفرات الجينية الأكثر شيوعا”.

 حقائق مثيرة حول الشخص الأعسر

حقائق مثيرة حول الشخص الأعسر
حقائق مثيرة حول الشخص الأعسر

ذكرت صحيفة “إلموندو” الإسبانية أن البيانات المتوافرة إلى الآن لم تحدد السبب الرئيسي الذي يجعل الإنسان يفضل استخدام اليد اليسرى أو اليمنى، إلا أن نسبة الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى (العُسر) تتقلص بشكل ملحوظ، حيث بلغت نسبة الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى 90%.

وتشير أبحاث إلى أن هذه المسألة تعود إلى مجموعة من الأسباب ذات طبيعة تطورية وفيزيائية وجينية، ولعل امتزاج كل هذه العوامل هو ما يحدد أي يد يستخدمها الإنسان.

الحبل الشوكي

خلص فريق من العلماء من ألمانيا وهولندا وجنوب أفريقيا مؤخرا إلى أن أوجه التفاوت الوظيفي بين جانبي الدماغ الأيمن والأيسر يتم تحديدها عبر النخاع الشوكي، لا عبر الدماغ.

الحبل الشوكي
الحبل الشوكي

كما أكد هؤلاء العلماء أنه على الرغم من أن “القشرة الحركية هي المسؤولة عن حركات الذراع واليد”، فإن هذا الجزء من الدماغ “يكون غير متصل بالنخاع الشوكي حين تبدأ الحركات الأولى للبراعة اليدوية في الظهور”، بحسب الصحيفة الإسبانية.

الجينات الوراثية

وأوردت الصحيفة أن العامل الوراثي يحتل المكانة الأولى في تحديد مسألة استخدام الإنسان لليد اليمنى أو اليسرى. وقد تمكن العلماء من تحديد مكونات سلسلة الحمض النووي المرتبطة بهذه الظاهرة.

ومع ذلك، لا يمكن اعتماد الجينات بمفردها لتحديد عوامل ميل الإنسان إلى استخدام اليد اليسرى أو اليمنى.

كما نشرت مجلة “علم النفس العصبي” بحثا بعنوان “التأثيرات الوراثية على طور السكون”، حدد أن النسبة المئوية التي تؤثر فيها الوراثة على هذا الجانب تقدر بنحو 25%.

أشياء مثيرة للفضول

تتفاوت درجات الميل إلى استخدام اليد اليسرى من طفل إلى آخر، وتتسم بعض الجوانب في هذه المسألة بالوضوح، في حين يكتنف الغموض جوانب أخرى.

فعلى سبيل المثال، يمكن أن يختار البعض اليد اليسرى للكتابة واليمنى عند رمي الكرة أو اختيار العين للنظر عبر التلسكوب.

نسبة الذكور أكبر

تبلغ نسبة الأطفال الذكور الذين يستخدمون اليد اليسرى 11%، في حين لا تتجاوز نسبة الإناث 9%.

التوائم

رغم تشابه التوائم المتطابقة في الكثير من الأشياء فإنه من النادر جدا أن نجد توأمين أعسرين، وهو ما من شأنه أن يعزز فكرة أن العامل الوراثي ليس حاسما للغاية.

الحيوانات واليد اليسرى

تميل بعض أنواع الحيوانات -تماما مثل الإنسان- إلى استخدام أعضاء نصف واحد من الجسم أكثر من النصف الآخر. ولعل الأمر الذي يثير الغرابة أن نسب استخدام اليد اليسرى بين صفوف الحيوانات متساوية بين الجنسين نوعا ما، على عكس الإنسان.

معالجة المعلومات

يدافع بعض العلماء عن الفرضية القائلة بأن العُسر يعالجون المعلومات بشكل أفضل، وذلك استنادا إلى حقيقة أنهم يستخدمون النصف الأيمن للدماغ أكثر من النصف الأيسر.

معالجة المعلومات
معالجة المعلومات

في المقابل، يرى الباحثون في علم الأعصاب الإدراكي مثل إيما كارلسون أنه لا يمكن التأكيد على هذه المعلومة بشكل قاطع، وينبغي أن نتذكر أن “القسمين الفرعيين للمخ لا ينفصلان عن بعضهما البعض، ولكن هناك مجموعة سميكة من الألياف العصبية تسمى الجسم الثفني، تبقيهما على اتصال”.

‪الشخص الأعسر عاطفي وحساس وأكثر خجلا من الآخرين (بيكسابي)‬ الشخص الأعسر عاطفي وحساس وأكثر خجلا من الآخرين (بيكسابي)
‪الشخص الأعسر عاطفي وحساس وأكثر خجلا من الآخرين (بيكسابي)‬ الشخص الأعسر عاطفي وحساس وأكثر خجلا من الآخرين (بيكسابي)
عاطفيون
تشير العديد من التجارب إلى أن الطفل الأعسر يواجه مشكلة عدم الاستقرار العاطفي، على الرغم من أن هذه المسألة لا تبدو دائما واضحة.

وقد خلص متخصصون من جامعة “الملكة مارغريت” إلى أن علامات الإجهاد بعد الصدمة عقب عرض فيلم “صمت الحملان”، بدت أقل حدة بين صفوف مستخدمي اليد اليمنى مقارنة بالعُسر.

كما أكد بحث أجرته جامعة ألبرتا أن “الشخص الأعسر أكثر خجلا من غيره، كما أنه يشعر بإحراج كبير عند التوبيخ”.

عدد مستخدمي اليد اليسرى أقل عمَّن يستخدمون اليُمنى؟

لا يزال الغموض يكتنف السبب الذي يجعل عدد من يستخدمون يُسراهم بشكل أساسي يقل نسبياً عن من يستخدمون اليد اليمني.

رغم ذلك فإن الدراسة العلمية لظاهرة “الإعسار”، وهو تفضيل استخدام اليد اليسرى أكثر من اليمنى، تكشف عن حقائق مشوقة عن الإنسان؛ بدءاً من كيف يمكن أن يغير ذلك من الطريقة التي يفكر بها، وصولاً إلى حقيقة أن هناك بيننا من يمكن أن يكونوا “عُسراناً” ولكن في حاسة السمع هذه المرة، وليس في اليد.

تتكشف هوية المرء فيما يتعلق بما إذا كان أعسر اليد أم لا منذ الطفولة. بالتحديد منذ تلك اللحظة التي يبدأ فيها – وهو طفل صغير – في الإمساك بقلم تلوينٍ مكتنز للشخبطة به على الأوراق.

ولكن ما الذي يجعل ليدٍ ما الغلبة على الأخرى، ولماذا يكون مستخدمو اليد اليسرى هم الأقلية؟

قررنا – أنا وآدم رذرفورد – تقصي أسباب هذا الأمر علمياً وتاريخياً للتعرف على مزيدٍ من المعلومات بشأنه، وذلك لكي يبث ذلك في إطار سلسلة “الوقائع الغريبة التي يبحثها رذرفورد وفراي” التي تُذاع على محطة “بي بي سي راديو فور” الإذاعية.

وسرعان ما أدركنا أن التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع أكثر مما كنا نحسب. فلم أكن أدرك من قبل – مثلاً – أن اعتماد المرء على يدٍ بشكل أكبر من الأخرى، هو نموذج يمتد كذلك إلى أعضاء أخرى، من بينها العينان على سبيل المثال.

ويمكن لكلٍ منّا التعرف على ما إذا كان “أعسر” العين، أم لا من خلال التجربة التالية:

مد إحدى ذراعيك، وأرفع الإبهام أمامك. بعد ذلك، انظر له بكلتا عينيّك ثم بكل عينٍ على حدة مع تغطية العين الأخرى. وهكذا فستكون عينك الأكثر قوة، هي تلك التي تُمكِنُكَ من رؤية الأصبع وهو أقرب ما يكون إلى صورته الأصلية.

وبوسعك بالمثل اختبار أذنيّك؛ لتحديد أيهما تستخدمها تلقائياً عند الرد على اتصال هاتفي؟ أو للتنصت بها – سراً – على حديث يدور خلف جدار؟

ومن الطريف أن يرصد المرء مثل هذه الأمور وهي تحدث بالفعل في حياته الواقعية. ففي كثيرٍ من الأحيان، أجد نفسي وقد حملت الهاتف بيدي اليسرى ووضعته – على نحو أخرق بالأحرى – على أذني اليمنى، وذلك بينما أخط كلماتٍ على عجل بيدي اليمنى.

يمكن هنا القول إن مثل هذا الوضع الغريب لم يكن ليحدث من الأصل، إذا ما كانت الراحة هي الاعتبار الأهم لديّ في هذه الحالة. لكن الأمر يتعلق في هذا الشأن – على ما يبدو – بالسعي لاستغلال كل مكامن القوة الطبيعية لدينا.

بالإجمال، هناك 40 في المئة منّا يعتمدون في السمع على الأذن اليسرى أكثر، و30 في المئة يرون أفضل بالعين اليسرى، فيما ينعم 20 في المئة بقدم يسرى أكثر قوة من اليمنى.

الغريب أن النسبة تقل كثيراً إذا ما كان الأمر يتعلق بمن هم “عُسراناً”، إذ إن نسبتهم لا تتجاوز 10 في المئة من البشر. فما السبب في ذلك؟ ولِمَ يشكلون أقلية بيننا؟

في غابر الأزمان، كان هؤلاء يُطردون من بين صفوف التلاميذ بشكل مدوٍ وعلى نحو يصمهم بالخزي والعار، باعتبارهم منحرفين عن الصراط القويم. بل إن الدلالات السلبية المرتبطة على نحو غريب بالشخص الأعسر لا تزال باقية في بعض اللغات.

فمفردة “أيسر” أو left باللغة الإنجليزية مُشتقة من أصل لغوي أنغلو-ساكسوني كان يُكتب على هذه الشاكلة lyft ومعناه “ضعيف”. أما الكلمة المناقضة لـ”أيسر” في اللغة اللاتينية فهي dexter، وتعني “أيمن” وكانت ترتبط بالمهارة والاستقامة والورع والإنصاف.

إذن، ما الذي يحدد ما إذا كان شخصٌ ما سيصبح أعسرا أم لا؟ إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية نظرية التطور، سنجد أنه من الملائم أكثر أن يركز المرء على استخدام يدٍ واحدة أكثر من الأخرى. فقردة الشمبانزي تميل إلى أن تُسند إلى “إحدى يديها” مهاماً بعينها.

ولنضرب مثالا هنا بصيد هذه القردة للنمل الأبيض. إذ يختار الشمبانزي “اليد” التي يجدها أكثر ملائمة من بين أطرافه، ليدسها في التل الذي تعيش فيه تلك الحشرات، إذ توفر له حاسة اللمس الكثير من المعلومات بشأن عمق التل وعرضه ومدى اكتظاظه بالنمل الأبيض اللذيذ بالنسبة لهذا النوع من القردة.

بعد ذلك يسحب الشمبانزي “يده” بخفة، ليكشف عن فرائسه التي تحاول أن تُعمِل فكوكها بقوة في ذاك الحيوان الدخيل، دون أن تدرك أن ذاك الغازي الذي يتضور جوعاً على وشك التهامها.

ومن شأن استخدام الشمبانزي “اليد” نفسها في أداء تلك المهمة في كل مرة؛ جعله أكثر إتقاناً فيها وتمكينه من التهام عدد أكبر من النمل خلالها كذلك.

لكن دراسة العلماء المتخصصين في رتبة “الرئيسيات” لقردة الشمبانزي التي تعيش في البرية، أشارت إلى أن نمط استخدامها لأطرافها يختلف عنّا تماماً.

ففي كل مهمة من المهام التي درسها الباحثون وتقوم بها الشمبانزي، تبين أن نصف هذه القردة تستخدم لأدائها “يداً يمنى”، بينما يلجأ النصف الآخر لليسرى، أي بنسبة 50 في المئة إلى 50 في المئة، وهو ما يجعلنا نتساءل: في أي مرحلة من مراحل تطورنا إذاً ظهرت غلبة من يستخدمون اليد اليمنى بشكل رئيسي على أقرانهم العُسران، حتى أصبح هناك شخص واحد من بين كل عشرة أشخاص يستخدم اليد اليسرى؟

تشكل أسنان الإنسان البدائي، أو ما يُعرف بـ”إنسان نياندرتال”، مؤشراً مهماً في هذا الصدد. فقد تبين أن هذا الإنسان البدائي كان ذكياً وأخرق في الوقت نفسه.

فأسلافنا هؤلاء استخدموا أسنانهم لتثبيت شرائح من اللحم حتى يتسنى لهم تقطيعها بسكينٍ يحملونها في اليد التي ينزعون لاستخدامها أكثر من اليد الأخرى.

وكان ذلك يُحدِثُ آثاراً في أسنانٍ تُعرف باسم “القواطع الأمامية”، وتسنى للعلماء عبر فحص هذه الآثار تحديدُ أي اليدين كانت تحمل السكين وأيهما كانت تمسك باللحم. ومن المذهل أن هذا الفحص كشف عن أن نسبة “العُسران” إلى من يستخدمون اليد اليمنى بين المنتمين لهذا النوع البدائي من البشر، كان مماثلاً لنسبته السائدة بيننا حاليا؛ أي واحد إلى عشرة.

على أي حال، من المعروف أن ثمة أصلاً جينياً لمسألة تفضيل استخدام يدٍ عن الأخرى. ولكن العلماء في هذا المضمار لا يزالون يحاولون تحديد الأجزاء المسؤولة عن ذلك بالتحديد في الحمض النووي، في ظل اعتقادٍ بأن عدد الجينات التي تلعب دوراً في هذا الصدد قد يصل إلى 40 جِيناً مختلفاً.

وفي ظل المعطيات الحالية، ليس بوسعنا التعرف على السبب المحدد لنزوع البعض لاستخدام يدٍ بشكل أكبر من الأخرى، كما أنه ما من تفسيرٍ لدينا لكون “العُسران” هم الأقلية، ولذا تبقى الإجابة عن أي سؤال في هذا الصدد “ليس لدينا علم بذلك”، وبصوتٍ مدوٍ.

ولكن هل كون المرء أعسر اليد يخلّف أيَ تأثيرٍ على حياته، بخلاف معاناته – ولو قليلاً – في العثور على مقصٍ مُعد بشكل ملائم لاستخدامه بيده اليسرى، أو سحاب سروال لا يضنيه إغلاقه، أو قلم حبر مريح بالنسبة له؟

لطالما دار جدال حول ما إذا كان نزوع المرء لاستخدام اليد اليسرى يؤثر بأي شكل على دماغه أم لا. فالجانب الأيمن من الدماغ يتحكم في اليد اليسرى والعكس بالعكس. ولذا فقد يؤدي كون المرء أعسر اليد إلى ترك آثارٍ غير مباشرة – ولكن لا مفر منها – على الشاكلة التي يُنسق بها عمل الدماغ.

وفي هذا السياق، يقول عالم النفس كريس ماكمانس من كلية لندن الجامعية، وهو مؤلف كتاب “يد يمنى.. يد يسرى”: “إن الطريقة التي ينتظم بها دماغ الشخص الأعسر تتسم بتغير وتنوع كبيرين”.

ويضيف ماكمانس قائلاً: “حدسي الشخصي يفيد بأن الأعسر ينعم بموهبة أكبر، ويعاني من أوجه قصور أكثر أيضا. فإذا ما كنت كذلك، فقد تجد نفسك إزاء طريقة مختلفة قليلاً فيما يتعلق بالشكل الذي يُنظم دماغك على أساسه، وهو ما قد يهبك مهاراتٍ لا ينعم بها أشخاص آخرون”.

لكن هناك من لا يتفقون مع هذا الرأي. من بينهم، دوروثي بيشوب، أستاذة علم النفس العصبي التطوّري في جامعة أكسفورد. ولدى هذه السيدة اهتمامٌ شخصيٌ بالأمر، فهي عسراء أيضاً، وهو ما جعلها تتساءل دائماً – كما تقول – عن السبب الذي جعلها مختلفة عن سواها.

وتستطرد بيشوب بالقول: “على مدار سنوات، ثارت ضروبٌ شتى من المزاعم التي تربط كون المرء أعسر اليد بالمعاناة من حالات عجزٍ مثل عسر القراءة، أو التوحد. في المقابل، كان هناك ربطٌ (لهذا الأمر) بسمات إيجابية، إذ يُقال إن المهندسين المعماريين والموسيقيين غالباً ما يكونون من العُسران”.

لكن أقاويل من هذا القبيل بدت غير مقنعة لبيشوب، وذلك بعدما أطلعت على البيانات والإحصائيات ذات الصلة بذلك. وتقول في هذا الصدد إن الكثير من تلك الافتراضات نتجت عما سمته بـ”تحيزٍ في تسجيل بيانات بعينها دون سواها”.

وتضرب هنا مثلاً بالقول: إذا كان باحثٌ يجري دراسة ما عن الاتصاف بروح ابتكارية، مثلاً، وأورد فيها سؤالاً عن العلاقة بين متغيريّ “الإعسار”، والابتكار؛ فسيشعر بالحماسة إذا ما وجد حالةً تثبت وجود مثل هذه العلاقة، دون أن يتطرق لذكر الحالات الأخرى التي لم تثبت أي صلة بين هذين المتغيرين.

ولكن بيشوب تستدرك بالقول إن النظر عن كثب لأعداد المصابين بأمراض غير شائعة مثل متلازمة “داون” والصرع، والشلل الدماغي، يكشف عن أن نسبة من يصابون بهذه الأمراض من مستخدمي اليد اليسرى يقترب تقريباً من عدد من يعانون منها ممن ينزعون لاستخدام يدهم اليمنى، أي أن النسبة بينهما في هذا الشأن لا تأخذ ذاك الشكل النمطي المعتاد، المتمثل في 10:1 لصالح من يفضلون يُمناهم.

وتعتبر بيشوب أن كون المرء أعسرا ربما يكون عرضاً لا سبباً في حد ذاته. وتوضح قائلة: “الإعسار نفسه لا يخلق مشكلات، بل إنه قد يكون عرضاً لحالةٍ كامنة”. وتشير إلى أن النزوع لاستخدام اليد اليسرى “لا يؤثر على الإطلاق على التطور المعرفي الفكري بالنسبة لغالبية الناس”.

على أي حال، لا يزال النقاش محتدما في هذا الشأن، وما زلنا بحاجة للتعرف على الكثير من المعلومات الخاصة بطبيعة دماغ الشخص الأعسر.

ويتمثل جانبٌ من هذه المشكلة في أن علماء الأعصاب، الذين يبحثون جوانب متنوعة من السلوك البشري، لا يجرون الدراسات التي يستخدمون فيها تقنية تصوير الدماغ باستخدام الرنين المغناطيسي، إلا على من ينزعون لاستخدام اليد اليمنى بشكل أكبر، وذلك في مسعى منهم لتقليص الفوارق بقدر الإمكان بين الخاضعين للدراسة.

وهكذا لا يُفسح المجال أمام الشخص الأعسر لكي يكون خاضعاً لدراسة علمية ما، إلا إذا كانت هذه الدراسة تتناول الإعسار من الأصل.

أما بالنسبة لي، فيبدو مثيراً – وأنا في الشهر السابع من الحمل – أن أفكر في أن جنيني، وهي أنثى بالمناسبة، قد اختارت بالفعل ما إذا كانت ستصبح عسراء أم لا.

وقد تسنى لي ولسواي العلم بمثل هذا الأمر بفضل دراسات رائعة أجراها بيتر هَبَر، الباحث بجامعة “كوينز” في بلفاست، لفحص حركة الجنين داخل الرحم باستخدام الموجات فوق الصوتية.

فقد كشفت هذه الدراسات عن أن تسعة من كل عشرة أجنة، يفضلون مص إبهام اليد اليمنى، وهو ما يماثل نسبة من ينزعون لاستخدام ذات اليد بين السكان عموماً. وعندما تابع الباحث حالة هؤلاء الأجنة بعد سنوات عديدة من ولادتهم، وجد أن من كانوا منهم يمصون إبهام يُمناهم بداخل الرحم أصبحوا يفضلون استخدام اليد نفسها خلال حياتهم خارجه، أما من آثروا مص إبهام يُسراهم فقد باتوا عُسراناً.

لذا، فرغم أن مولودتي المرتقبة قد اختارت بالفعل اليد التي تعتزم الاعتماد عليها في المستقبل، فلا أريد أن أعلم شيئاً عن هذا الأمر الآن، وأفضل الانتظار إلى تلك اللحظة التي أراها فيها تفعل ذلك أمامي، حينما تقرر للمرة الأولى الإمساك بقلم التلوين المكتنز، والشروع في الشخبطة على الأوراق.

10% فقط من سكان العالم يستخدمون اليد اليسرى

10% فقط من سكان العالم يستخدمون اليد اليسرى
10% فقط من سكان العالم يستخدمون اليد اليسرى

تفيد الإحصاءات بأن 10% فقط من سكان العالم يستخدمون اليد اليسرى، وهو ما يجعل العلماء يبحثون باستمرار حول سبب ندرة وجود العسر لدى البشر.

وعلى الرغم من عدم تمكن أي شخص من شرح سبب هذا بشكل قاطع، إلا أن هناك الكثير من الفرضيات التي تم بناؤها لأكثر من قرن تحاول تقديم تفسير لهيمنة اليد اليسرى في عدد ضئيل من سكان العالم.

ويحتفل العالم باليوم العالمي للعُسر سنويا في 13 أغسطس تكريما لأولئك الذين يستخدمون يدهم اليسرى في حياتهم اليومية، وبهدف تثقيف الناس حول الصفات التي يتميز بها الشخص الأعسر.

وتعرض العُسر عبر التاريخ للتمييز الجائر، وعلى الرغم من أن النظريات الخاطئة حول مستخدمي اليد اليسرى تلاشت بمرور الوقت، إلا أن اختلافهم عن بقية سكان العالم ما يزال يطرح العديد من الأسئلة المحيرة حول هذه الميزة.

وبحثت العديد من الدراسات حول الأسباب الكامنة وراء هيمنة اليد اليسرى في عدد قليل من سكان العالم، وتقترح بعضها أن الأمر يتعلق بطريقة ترتيب الدماغ في نصفي الكرة المخية، حيث يتحكم النصف الأيسر منه عادة في الجانب الأيمن من الجسم، ويتحكم النصف الأيمن في الجانب الأيسر من الجسم، بينما يعتمد الشخص الأعسر على الدوام على النصف الأيمن.

ويتحكم نصف الدماغ الأيسر في الكلام واللغة والكتابة والمنطق والرياضيات والعلوم، بينما يتحكم الجانب الأيمن بالموسيقى والفن والإبداع والإدراك والعواطف والعبقرية، ولذلك فإن الشخص الأعسر غالبا ما يكون مبدعا أو مفكرا.

وفي تقرير نشرته شبكة “بي بي سي” عام 2016، قال الباحثون إن اعتماد المرء على يد بشكل أكبر من الأخرى، هو نموذج يمتد إلى أعضاء أخرى من الجسم أيضا، مثل العينين والأذنين، حيث يمكن أن تهيمن إحداهما على الأخرى تماما كما يحدث مع اليدين أو القدمين.

وفي الواقع، إحدى الفرضيات الأكثر غرابة لشرح ندرة استخدام اليد اليسرى هي أن طفرة جينية تتسبب في هيمنة اليد اليسرى، وفقا لشرح ألاسدير ويلكينز في موقع io9 في عام 2011.

وعلى الرغم من أن الجينات تلعب دورا كبيرا في تحديد هيمنة يد على أخرى، فربما لا تقدم الإجابة الكاملة لتفسير العلاقة، حيث أن هناك مجموعة من الأشخاص يفضلون استخدام اليد اليسرى عن اليمنى بحكم التعود والاكتساب.

ومن المرجح أن يكون للوالدين العسر أطفال عسر مقارنة بالآباء الذين يستخدمون اليد اليمنى، وهو تفضيل يمكن رؤيته في الرحم، لكنهم ما زالوا يميلون إلى إنجاب أطفال يستخدمون اليد اليمنى بشكل عام.

وكافح الباحثون لتحديد الجينات المسؤولة بالضبط عن زيادة فرص أن يصبح الشخص أعسر.

وفي عام 2019، كشف تحليل 400 ألف سجل فردي عن المناطق الجينية المرتبطة باستبداد اليدين، وعلى وجه الدقة، وجدوا أربع مناطق من الجينوم ترتبط عموما بسيطرة اليد اليسرى، وشاركت ثلاث من هذه المناطق الأربع في نمو الدماغ وبنيته.

ولكن تشير أبحاث أخرى إلى أن هناك على الأرجح عشرات الجينات التي تلعب دورا في تحديد ما إذا كان سينتهي بنا المطاف بالكتابة بيدنا اليسرى أو اليمنى.

وعلاوة على ذلك، ربطت دراسات أخرى عوامل مثل مستويات هرمون الإستروجين ووضعية الولادة بمستويات متفاوتة من استخدام اليد اليسرى واليمنى.

وباختصار، يبدو أن هناك الكثير من الاعتبارات قيد التنفيذ، ويواجه الباحثون صعوبة في ربطهم جميعا معا. وهذا يعني أننا لا نستطيع أن نخبرك بالضبط عن سبب ولادتك أعسر أو تستخدم يدك اليمنى، ولكن من الواضح أن العلماء يعملون بجد للعثور على إجابة.

اكتشافات علمية كبرى ساعد بها كسوف الشمس

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد