في مثل هذا اليوم من عام 1989، أصبح كولن بأول أول أمريكي من أصل إفريقي يرأس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، ويواصل فيما بعد صعوده نحو القمة إلى أن يصبح “رمزا للأكاذيب الأمريكية”.

قدر الكذاب كولن باول، وهو ابن مهاجرين من جامايكا، أن يتقدم أبناء جلدته في مناسبة أخرى بتعيينه في 16 ديسمبر 2000 في منصب وزير الخارجية الأمريكي، للمرة الأولى لأمريكي من أصول إفريقية، وكان ذلك في عهد الرئيس جورج بوش الابن، في حين كان عين في السابقة الأولى في عهد الرئيس جورج بوش الأب.

حين توفى كولن بأول وكان يبلغ من العمر 84 عاما في 18 أكتوبر 2021 بمضاعفات الفيروس التاجي، نعته عائلته بالقول: “فقدنا زوجا رائعا ومحبا وأبا وجدا وأمريكيا عظيما”.

وسائل الإعلام الأمريكية وجدت في حادثة وفاته فرصة لامتداح مزاياه ووصفت كولن بأول بأنه “جندي محترف” و”دبلوماسي عمل في عصر مضطرب”.

أما وزير الدفاع الأمريكي الحالي لويد أوستن فقد رثاه قائلا إن “العالم فقد واحدا من أعظم القادة الذين رأيناهم على الإطلاق. أول أمريكي من أصل أفريقي يرأس هيئة الأركان المشتركة، أول وزير خارجية أمريكي من أصل أفريقي، رجل يحظى بالاحترام في جميع أنحاء العالم. بصراحة، لا يمكن تعويض كولن بأول”.

بالعودة إلى بدايات حياة كولن بأول الذي كان ولد في 5 ابريل عام 1937، نجد أنه عاش في كنف أسرة فقيرة من جاميكا، وأن والدته كانت تعمل في الخياطة، فيما كان يبيع والده الملابس، وحين بلغ كولن من العمر 4 سنوات، حقق والداه بعض النجاح وتمكنا من الانتقال من حي هارلم في نيويورك إلى جنوب حي ذا برونكس.

وكان كولن بأول منذ صغره مولعا بالجيش وكان يحلم بأن يصبح عسكريا وقائدا مظفرا. برز في خدمته العسكرية وسرعان ما أصبح مدربا عسكريا وقائدا لكتيبة تدريب، وعمل لاحقا في وحدة أمريكية متمركزة في ألمانيا.

وأرسل كولن بأول إلى فيتنام مرتين، أولها في عام 1962، وعمل حينها مستشارا في وحدة عسكرية تابعة للحكومة الموالية للولايات المتحدة في جنوب فيتنام، ويوصف بأنه في تلك الفترة كان من المتحمسين لتلك الحرب الدموية وكان يعتقد بأن القتال “من أجل النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء العالم يجب أن يكون أكثر عنادا”.

وعمل في البنتاغون، وشارك وهو في منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة في التخطيط لغزو بنما في عام 1990، والحرب ضد العراق في عام 1991، وحين أصبح رئيسا للدبلوماسية الأمريكية وقعت هجمات 11 سبتمبر 2001 .

وفي خضم التحضير لغزو العراق، أظهر كولن بأول في جلسة لمجلس الأمن في 5 فبراير 2003، أنبوب اختبار به مسحوق أبيض، واستعرض ما أكد أنها أدلة قاطعة على امتلاك صدام حسين أسلحة بيولوجية.

وبعد شهر من ذلك بدأت عملية غزو العراق وتدمير مقدراته لاحقا وإدخاله في دوامة من الفوضى والعنف قتل خلالها مئات الآلاف من أبنائه.

وبعد عام من إمساكه في مجلس الأمن بأنبوب المسحوق الأبيض، اعترف كولن بأول بأنه كان مخطئا، وأنه “حين قدمت التقرير في فبراير 2003، اعتمدت على أفضل المعلومات التي وقدمتها لي وكالة الاستخبارات المركزية. لقد درسنا ذلك بدقة وفحصنا مصادر البيانات المتعلقة بالمختبرات المتنقلة لإنتاج أسلحة الدمار الشامل على أساس الشاحنات والقطارات. لسوء الحظ، مع مرور الوقت اتضح أن المصادر كانت غير دقيقة وغير صحيحة، وفي بعض الحالات مضللة عمدا”.

وفي مقابلة مع شبكة “إن بي سي” أجريت معه في عام 2004، صرّح بأول قائلا: “أشعر بخيبة أمل شديدة وأندم على ذلك”.

اللافت أن باول من حيث المبدأ لم يكن مؤيدا للغزو العسكري للعراق، ويقال إنه اقترح بدلا من ذلك سياسة لردع صدام حسين، إلا أن كل ذلك لا يفيد، وهو بالطبع لن يعيد الحياة للضحايا العراقيين ولن يمسح بمعجزة الخراب الهائل الذي ألحق بهذا البلد، فالتاريخ كما هو معروف، يحاسب على النتائج لا النوايا.

تلك الأنبوبة التي وضعتها الاستخبارات المركزية في يده وهو على رأس خارجية بلاده، أصبحت نقطة كالحة في سيرة كولن بأول، ترسخت إثرها صورته في مشهد يعد نموذجا للأكاذيب الامريكية الرسمية.

كولن باول: “أحزن على العراق قبل أن أعامله كبطل”

كولن باول: “أحزن على العراق قبل أن أعامله كبطل”

نبدأ عرض الصحف البريطانية من حيث أنهى الكاتب أحمد تويج مقاله في الإندبندنت، إذ انتقد نمط الاحتفاء بمسيرة وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول، الذي توفي إثر مضاعفات إصابته بفيروس كورونا.

وقال تويج في المقطع الأخير “كعراقي، من المحبط أن أرى أن الكثير من التركيز المحيط بوفاة باول مرتبط بتطعيمه ضد كوفيد. المأساة الحقيقية في وفاة كولن باول هي أن ملايين العراقيين الذين ما زالوا يعانون من أفعاله الماضية لن يروا العدالة أبدا.”

واستطرد مضيفا: “الأرواح التي يجب أن نحزن عليها هي مئات الآلاف من العراقيين الذين لقوا حتفهم نتيجة لأفعال باول. وقبل فوات الأوان، يجب أن نحاسب جورج دبليو بوش وديك تشيني والمهندسين الآخرين للكارثة التي يعاني منها العراق حتى يومنا هذا”.

ويرى الكاتب في المقال، الذي نشر تحت عنوان “كعراقي، سأحزن على بلدي قبل أن أعامل كولن باول كبطل”، أن “ما يسمى بكرامة باول كانت مفقودة عندما خدع عن عمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في فبراير/شباط 2003 في محاولته للدفع نحو حرب العراق”.

وأضاف “علنا، تحدث باول عن ‘عدم وجود شك لديه’ في وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وأعلن أمام المجلس أن ‘كل بيان أدلي به اليوم مدعوم بمصادر، ومصادر راسخة. هذه ليست تأكيدات. ما نقدمه لكم هو حقائق واستنتاجات تستند إلى معلومات استخبارية قوية’. ولكن في السر، وفقا لرئيس أركانه السابق، لاري ويلكرسون، تساءل باول ‘كيف سنشعر جميعا إذا وضعنا نصف مليون جندي في العراق وسرنا من طرف إلى آخر في البلاد ولم نجد شيئا؟'”.

ويشير الكاتب إلى أن “الغزو الأمريكي عام 2003 لم يكن تدخل باول الوحيد في العراق. في الواقع، كان سجله قد تلطخ في السابق. فبعد أن دمرت الغارات الجوية الأمريكية مصنع حليب الأطفال الوحيد في العراق في حرب الخليج عام 1991، أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك، كولن باول، دون دليل ‘أنه ليس مصنعا لحليب الأطفال. لقد كانت منشأة أسلحة بيولوجية، ونحن على يقين من ذلك”.

كما يشير الكاتب إلى أنه “في الفترة التي سبقت حرب الخليج الأولى… دعا باول إلى الاستخدام الأقصى للقوة بمجرد تلبية بعض الامتيازات للتدخل العسكري. وشهدت مثل هذه السياسة في نهاية المطاف إبادة الجنود العراقيين المنسحبين، الذين لم يشكلوا أي تهديد للأمن القومي الأمريكي، في ما يشار إليه الآن باسم طريق الموت”.

ويلفت الكاتب إلى أنه “لم يقتصر تورط باول المثير للجدل في الحرب في الشرق الأوسط. فبعد مذبحة ماي لاي، التي راح ضحيتها ما يصل إلى 500 مدني فيتنامي غير مسلح، تم إرسال باول، الذي كان حينها رائدا في الجيش الأمريكي، للتحقيق في شائعات عن الفظائع التي ارتكبها زملاؤه. وقد اتهم منذ ذلك الحين بالتقليل من دور الولايات المتحدة في جريمة الحرب المحتملة، وبدلا من ذلك ذكر أن العلاقات بين الجنود الأمريكيين والشعب الفيتنامي ممتازة”.

“التمييز” العراقية تنقض حكم الإعدام في اغتيال هشام الهاشمي

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد