تباينت هذا الأسبوع المواقف الحكومية في العراق، فيما يخص الهجمات الأميركية والإيرانية على منشآت داخل البلاد، وهو ما ربطه خبراء بتباين مصالح القوى السياسية العراقية، وانعكاس هذا على السياسة الخارجية.
ويرصد محللون سياسيون عراقيون حجم الضغوط التي تواجهها الحكومة العراقية، وعلاقاتها بارتباطات فصائل مسلحة بطهران من ناحية، والالتزامات الأمنية والسياسية بين بغداد وواشنطن من ناحية أخرى.
مواقف بغداد من هجمات طهران وواشنطن
الثلاثاء 16 يناير: أعلنت وزارة الخارجية العراقية تقديم شكوى ضد إيران إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، تتعلق بما وصفته في بيان بـ”العدوان الصاروخي الإيراني” على أربيل بإقليم كردستان شمالي العراق.
الأربعاء 24 يناير: نفّذت القوات الأميركية ضربات استهدفت منشآت تابعة لكتائب حزب الله وجماعات أخرى مدعومة من إيران، في جرف الصخر جنوب بغداد، وفي منطقة القائم على الحدود مع سوريا، وذلك بعد يوم من استهداف فصائل عراقية قاعدة عين الأسد، في غرب العراق، التي توجد بها قوات للتحالف الدولي لمكافحة “داعش”، بالطائرات المسيّرة.
ردا على ذلك، جدّد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، دعوته لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق.
اعتبر مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، أن الضربات الأميركية الأخيرة “لا تساعد على التهدئة”.
في ذات اليوم، حذف المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، هشام الركابي، تغريدة على منصة “إكس”، عن اعتزام الحكومة تقديم شكوى لمجلس الأمن بشأن الضربات الأميركية.
نفت وزارة الخارجية العراقية اعتزامها تقديم شكوى إلى مجلس الأمن بشأن هذه الضربات.
في اليوم نفسه، قال رئيس مجلس الأمن الدولي، نيكولا دي ريفيير، إنه لم يتلقَّ أي طلب من الحكومة العراقية بشأن الهجوم الإيراني الأخير على إقليم كردستان.
الخميس 25 يناير: أعلنت وزارة الخارجية الاتفاق مع واشنطن على تشكيل “مجاميع عمل” لصياغة جدول زمني بشأن مدة وجود مستشاري التحالف الدولي.
إحراج الحكومة
يعلّق المحلل السياسي العراقي، مهند الجنابي، على هذه المواقف، بأن كلا مِن الهجمات التي تشنّها الفصائل المسلحة على القوات الأميركية، والهجمات التي تشنّها القوات الأميركية على هذه الفصائل، يضع الحكومة العراقية “في حرج”.
ويوضّح الجنابي أنّ هذه الضربات والضربات المتبادلة تشير إلى عدم قدرة المؤسسات العراقية على الوفاء بالتزاماتها بحفظ أمن قوات التحالف، ما يعطي المبرّر لواشنطن لضرب الفصائل المسلحة.
أما نفي الخارجية العراقية تقديم شكوى لمجلس الأمن، فيضعه الجنابي في إطار “تجنّب الحكومة أي تصعيد مع واشنطن، ولا تريد السير في الاتجاه التصعيدي للفصائل المسلحة”.
وفيما يتعلق بالإعلان عن تقديم شكوى لمجلس الأمن بشأن الضربات الإيرانية على أربيل، قال إنه أمر “للاستهلاك الداخلي، والشعب العراقي فوجئ بأن المجلس لم يتلقّ رسالة بهذا الخصوص، وهو ما يشير إلى حالة فوضى في الخطاب الدبلوماسي، وغياب وحدة الخطاب”.
تأثير الفصائل
يربط المحلل الأمني، علي البيدر، عدم رغبة بغداد التصعيد مع واشنطن إلى وجود “التزامات أمنية وسياسية بين الجانبين، كما أن النفوذ الأميركي لا يمكن إنكاره”.
واستبعد البيدر أن يكون للجماعات المسلحة والقوى السياسية المناهضة للوجود الأميركي تأثير على الحكومة في السياسة الخارجية للعراق “إلا أنها يمكن أن تسعى إلى هذا عبر صنع رأي عام، وحالة إرباك، تضغط على الدولة لتحقيق أهدافها”.
غير أن مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي السكوتي، يربط بين وجود تأثير للفصائل المسلحة على الحكومة وبين التناقض في البيانات الحكومية.
ويخص السكوتي بالذِّكر أحزابا تابعة لـ”الإطار التنسيقي” (تحالف من القوى الشيعية وله الغالبية في البرلمان)، خاصة أنها لها مواقفها المعلنة ضد واشنطن.
ويتوقع أن تتحوّل علاقات بغداد مع التحالف الدولي لمحاربة “داعش” من علاقة مع تحالف إلى علاقات ثنائية مع الدول الأعضاء داخل التحالف، وذلك فيما يخص التعاون العسكري والتدريب والتسليح وتطوير القدرات الدفاعية للقوات العراقية، خاصة القوات الجوية والدفاع الجوي.
نزاع المركز والإقليم
أمر آخر يلفت إليه الباحث المتخصص في شؤون الأمن القومي الإيراني، فراس إلياس، وراء ما يعتبره عدم وضوح في الرؤية في البلاد، وهو مشكلة “التنازع المستمر بين المركز والإقليم”، في إشارة للحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان المدار بنظام الحكم الذاتي.
وانعكاس هذه “المشكلة” يراه في أنه سمح لطهران بتصدير أزماتها للداخل العراقي، “وبالتالي فإن بغداد وأربيل تدفعان الثمن”.
وعن المشهد السياسي الحالي في البلاد، يقول إلياس: “لم تعد حدود الصراع في العراق واضحة، فكل شيء أصبح واردا، لا قواعد اشتباك، ولا خطوط حمراء يتم الوقوف عندها”.
العلاقة بين التحالف والعراق
بشأن مستقبل علاقة بغداد بالتحالف الدولي، وما تردد عن تشكيل لجنة لوضع جدول زمني لانسحاب قواته، يقول المحلل السياسي العراقي، ياسين عزيز، إن “حكومة السوداني بين المطرقة والسندان في هذا الموضوع؛ حيث تدرك جيدا تأثير إيران على الجماعات صاحبة النفوذ في الداخل من جهة، ومن جهة أخرى تدرك أهمية أن يتم الاتفاق مع واشنطن بشأن قوات التحالف بعيدا عن العواطف والشعارات (الخاصة بتلك الجماعات)”.
ولذا “أعتقد أن الأمر يحتاج الى وقت طويل لكي تتضح الصورة النهائية لحقيقة ما يتم تداوله في الغرف المظلمة بين اللجان المختصة بين بغداد واشنطن”.
وتنشر واشنطن 2500 عسكري في العراق ونحو 900 آخرين في سوريا، وذلك في إطار التحالف الدولي لمكافحة “داعش” الذي تأسّس من 28 دولة عام 2014.