1 من منطلق حرية الرأي في الدستور نقول: العراقيون.. تاريخهم لا يقبل مَذلة المَغول؟ وهذه نصيحتي الأخيرة لحيدر العبادي
د. عبد الجبار العبيدي
راي اليوم بريطانيا
كل الدول فشلت في بداية التكوين..وكل القادة فشلوا في بداية دخولهم معارك السياسة والتاريخ..والفشل ظاهرة حياتية لا معيب منها الا في حالة استمرار الفاشل بفشله دون أنتباه من تصحيح ،أو دون رادع من قانون واخلاق وضمير كما في قيادة العراق الحالية.
القانون لا يعامل الفاشل بالقسوة والعنف اذا كان عن غير قصد، لكن اذا كان عن قصد يقدمه لمحكمة القانون ،وهذا مانرغب ان نقول به و نريد.لأن المراقبة والنصيحة هما من اوجه الحضارة لاصلاح المجتمع والفاسدين،ولكن من يراقب ومن يحاسب اذا كان الكل من السارقين والفاشلين ؟
الأسود لا تأكل لحوم أخوتها عند المرض او الضعف او الجوع او المِحن ،لكن البشر يأكلون لحوم اخوتهم من البشر بغض النظر عن المستوى الحضاري المطلوب..الفرق هنا متأصل في سايكولوجية الفاعل في الوعي والرجولة والضمير.لذا قال الطبري في تاريخه :” أن اهل البيت كانوا أهيب من الأسد في صدور الناس″ فأين من يدعون بهم أنهم منهم ؟لا تصدقوهم أنهم خونة تاريخ .
وهذا ما نراه اليوم في مؤسسات الرئاسة العراقية الثلاث ،والمستمرة بالفشل وهي تدري وتدري انها تدري فاشلة بأعتراف حكامها وأعتراضات
2
المواطنين ، لكنها أصرت لمدة بلغت اكثرمن 14 عاما عليه لمنفعة لها وليس الا ، رغم اعتراضات الجماهير . فهل هي تستحق التمثيل ..؟ لا والف لا ،هم يستحقون العزل ومحاكمة التاريخ ؟
المفروض ان يفصلوا بين السنين الاولى التي اصابتها الفوضى بيد حاكم ما مارس الحكم ولا يملك اخلاص الوطن والمواطنين نرجسي النزعة طائفي الاتجاة ،سارق لعين .وبين اللاحقة بعد ان تبينت الحقائق وأنشق القمر.لوكان لديهم وعي واحساس وطني وأنساني ، لأعتذروا للشعب وارجعوا له المال الحرام واستقالوا واختفوا في غياهب الجب من عارا الزمن والمواطنين ،وهو أفضل الف مرة لديهم من ان يمدوا أيديهم ليستجدوا الأخرين..لكن الرجال على كد افعالها..كلهم خونة دون استثناء لا تنتخبوهم فبيدك ايها المواطن تقرير مصير الوطن .
على قادة الشعب العراقي المخلصين ان يدركوا المحنة التي ستواجه اجيالهم المستقبلية بعد ان تَحكمَ في بلدهم الجهلة والآميين وسخروا وطنهم لمديونية عالمية لم يكن بمقدور وطنهم مجابهتها ،خاصة اذا ما تغيرت حالة الموارد فعليهم ان يتعاونوا فيما بينهم لانجاد الغريق،بعد ان اصبحت التكنولوجيا تَخترع لنا في اليوم الواحد الف مُخترع لتبعد الأعتماد عن موارد النفط في بلدان المتقدمين .
الحاكم اليوم ليس من حقه حكم الوطن بالتدليس مسخرا مؤسسة الدين المتخلفة للتأييد في بيئة فقدت الوعي والتعليم.وليس من حقه ان يتحدى الدستور الذي وافق عليه الشعب بالتصديق.كما في المادة 18 رابعا ،وينفذ ما يرغب ويريد بقوة المنصب لا بقوة القانون.
3
لم يبق شيء للعراقي لم يشمله التدمير ،الوطن بيعت أرض حدوده للاخرين ،والنفط سجل باسم اللامنتمين، والمياه قطعت من حلفاء العراقيين من الترك والأيرانيين المتنازعين على الثروة والنفوذ في بلاد العراقيين،والزراعة والتجارة سخرت لهم دون حقوق المواطنين،والبنك المركزي جعل العراق مركز صرافة يبيع ويشتري بأمواله مثلما يرغب ويريد وبلا قوانين،كون مُحافظهُ لا يملك خبرة المحافظين .حتى رأيناهم زرافات ووحدانا يهرولون لمؤتمر المانحين، بعد ان حولوه المُذلين الى مؤتمر للأستثمار والمُقرضين.فهل اكبر من هذا الخطأ وهذه المذلة يجابهون ؟ وهل الثروة والمصير ملكهم ام ملك الجماهير ؟
فهل غدا أخي المواطن ستتجه لصناديق الانتخابات لتنتخب اسوء من يريدون ان يحكموا الوطن باسم العراقيين ، وهاهي محافظة ديالى اليوم يتخاصمون فيها السابقون المقصرون من العودة مرة اخرى ليحكمون ؟ مسئوليتك اخي المواطن هي التي ستردع كل الطامعين .واليوم عفج تنتفض عليهم ولتكن كل المحافظات من المنتفظين .هؤلاء فاقدوا ضمائر بحق الوطن فهل منهم ترجو الامل ؟
فاقد الشيء لايعطيه.
دولة أسست من قبل المحتل على الخطأ بمحاصصة ضمنت لهم المال والمنصب والقوة ولا قانون..بعد ان اصبحت القوانين يصوغونها على مقاس مصالحهم دون الاهتمام بمصالح المواطنين،مثل قوانين الرواتب والامتيازات والمنافع الاجتماعية والتقاعد ورفحة والحمايات واخير قانون العفو العام ليمهدوا لبراءة كل السارقين وعزلوا انفسهم في سجنهم الكريه الذي به يمارسون كل رذائل التاريخ وعفونة الخائنين ؟.فأين ما يدعون من
4
التزامهم بالدين والرسول(ص) وأهل البيت الذي قال زعيمهم الامام علي (ع) ::”العزلة شعبة من الضيق”. فكيف نصدقهم..وكيف بهم تؤمنون
اخي يا عبادي ثق اننا لا نكرهك ولا نريد لك وللوطن العزيز الا الخير العميم ،لكن ماذا لوفكرت قليلا وانت المنتصر على داعش الأجرام،واعلنت خروجك من حزب الدعوة الفاشل،وشكلت حزبا وطنيا لكل المناضلين
والاكفاء والمتعلمين..اما افضل لك من ان تنادي الفاشلين المكسورين الذين لا يريدون ان يواجهوا المظلومين ..فهناك في سجنهم الأصفر يقبعون. ؟
ان المعارضين هم الكثر اليوم ،لكن السلطة بيد المتجبرين ،الذين نسوا الله والقانون ،الذين يخشون حتى هفيف الريح في منطقة سجن الباستيل.لأنهم ما دروا ان السلاح ما نفع لويس السادس عشر وماري انطوانيت فكان مصيرهم مقصلة باريس التي لاترحم المقصرين .والقرآن يحذرهم بقوله:”ان الله لا يحب الخائنين”.
اخي الرئيس العبادي المحترم : كنتَ البارحة في الكويت،ألم تسمع ما فعلت حكومة الكويت للمواطنين الكويتيين يوم غزى صدام بلدهم عام 90 وكيف هيأت الدولة لهم من كرامة العيش والأمن والآمان حتى جعلت الشعب كله يعيش في فنادق الدرجة الاولى وآمنت لهم كل الرواتب والجرايات دون تفريق (كنا هناك في جامعة الكويت شهودا نراقب المخلصين)؟ هل الكويت كانت تملك اكثر مالا من عراق العراقيين أم الفرق في القيادة والاخلاص للوطن ولا غير. فماذا فعلتم أنتم للمهجرين العراقيين الذين نهب بعض المسئولين حتى حصصهم المالية واذاقوهم مر السنين ولا زالوا
5
مهجرين..اين ذهبت اموالهم ،كلها سجلت باسماء المهربين الخائنين.ولكن من وقع على احتلال وطنه مع الأجنبي لاعتب عليه.
ان اصحاب الشخصيات النبيلة هم الذين يقفون الى جانب الوطن والمظلومين على قلتهم ،لأنهم اقوياء بشخصياتهم وعدلهم وايمانهم بالحق والوطن لا يخونون،والا كم كانت الدولة الاموية مستعدة ان تعطي للحسين(ع) لو قبل منهم الاموال ا ليعرض عن حقوق وظلم المواطنين.؟
هارون الرشيد أعطى للامام الكاظم (ع) الكرخ كله لمجرد منحه شرعية حكم المواطنين فرفض وكان مصيره السُم والموت ،فقبل به معرضا عن خيانة الله والوطن والدين،فكيف تدعون بهم وتخالفون بما كانوا به يؤمنون ؟.هل تعلمون ان لا يهجر الحق الا الضعفاء الذين يخشون الرياح العاصفة ،لكنهم ما دروا ان الرياح القوية تنظف الارض من اوساخ المخربين.
واقول لنفسي وللذين اصابهم الفشل والمحن من جراء الثقة باللامخلصين ،ومن جراء عدم المعرفة بنفوس الفاسدين ،لا تيأسوا اخوة الحق،لان الحق لابد من ان ينتصر ويسقط أبن العلقمي وقانون المغول..وما دامت هناك حياة فهناك نجاح..فلا ينبغي لمن سقط من على ظهر الجواد ان يظن الارض ستبتلعه دون رحمة او رجاء. انها كبوة مرت قبلها على العراقيين..؟
نحن نحذر من الايمان المزيف بالدين او بأنسان الخيانة ومن حنَثَ اليمين لانه سوف لا يطفو الا فوق المياه الآسنة..وليكن لنا الايمان الحقيقي بالصراط المستقيم ، لانه بمثابة قارب النجاة الذي أنقذ نوح من الغرق
6
ليحمل النفوس وسط العواصف الى شاطىء الامان..هكذا قال لنا التاريخ وعلمنا الزمان والقرآن الكريم..؟
لا ياعبادي .لا تضحي بتاريخ وطنك الضارب في القدم صاحب اربع حضارات ، لتنجو انت من وعر السنين،لماذا قبلت ان يعقد المؤتمر في بلاد الاخرين- رغم صدقيتهم – واموال الوطن في بطون من يرافقوك ومن لازالوا في قصور الرئاسة يسكنون..لمَ لم تحاسبهم كما قال علي امير المؤمنين : “ان الحق القديم لا يبطله شيء والعقل مضطر لقبول الحق “.فأين رجاله الذين يدعون ؟
شعبك ونفطك ورجالك هم السند وليس الاخرين فلا تَذلُ نفسك امام العالم من اجل حفنة دراهم لن يعطوها لك الا بتمرير جبهتك والوطن بتراب الشامتين..هؤلاء ابطال العرب والمسلمين ،عبد الرحمن الغافقي وعمر بن الخطاب وعلي والحسين كانوا مثالا للمؤمنين المخلصين ،انظراليهم كيف عاشوا وماتوا،وكيف حملتهم أكف ورؤوس المواطنين الصالحين ،وكيف من مات خائنا وشيع في المنطقة الخضراء بتابوت بلا جنازة ودفن في هجيع الليل ولا زال قبره وحيدا اليه لا ينظرون..
ثق اخي المواطن المظلوم كل من خان وغدر سيموتون على شاكلته ولايشيعون. وانظرالى الأبطال وكيف تهرول الناس كلها نحوهم في كل مناسبات السنين يقدسون.أما من عاداهم أنه في اسفل سافلين ..فمتى نصحوا من سكر السنين ؟.
لا ياعبادي :
7
ان أزمتنا الحالية ..هي ان الاغلبية الذين معك جهلاء ، والنخبة أكثرهم جبناء ، اعمتهم الصفراء..التردد لا يصنع ثورة،وانما الوعي هو الذي يصنع الثورة..فأقدم وأفضح الفاسدين ان كنت منهم براء ،فكفاية (س وسوف) بالسارقين؟ فالطغاة همهم ان يجعلوك طائعا لهم،وشيوخهم ان يجعلوا وعيك غائبا عن الوطن..الوطن يناديك فما فائدة الانتخابات والتجديد ما دام هم الفاسدون سيعودون..؟
الحوادث جلل..ولتكن الرجال كبار.. فاين انت من المِحن…؟
2 العراق.. تحدي ما بعد الإرهاب
عبدالله الأيوبي
اخبار الخليج البحرينية
صحيح أن المجموعات الإرهابية وفي مقدمتها ما يعرف بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) شكلت التحدي الكبير الذي هدد مستقبل العراق وشغله عن التفرغ لبناء الدولة بعد جريمة الغزو الأمريكي في مارس من عام 2003 والتي كانت السبب الرئيسي الذي ألقى بالعراق في جحيم من الصراعات الدموية التي هددت نسيجه الاجتماعي وتسببت في قتل وتشريد مئات الآلاف من أبنائه من مدنهم وقراهم بعد أن أصبحوا مكشوفين جراء إقدام سلطات الاحتلال الأمريكي على تدمير القوى العسكرية والأمنية العراقية في إطار مخطط تدمير الدولة العراقية برمتها، لكن هذا التحدي، وإن كان كبيرا وجادا، إلا أنه لم يكن الوحيد الذي تسبب في عدم قدرة العراق على الخروج من المأزق الذي وجد نفسه فيه بعد الغزو رغم إضعاف المجموعات الإرهابية والقضاء على البنية العسكرية الرئيسية لـ«داعش».
في إطار مشروع هدم الدولة العراقية وتعقيد قدرة العراق على النهوض من وحل الصراعات التي خلفتها جريمة الغزو، تفتق عقل المحتل الأمريكي سياسيا فأوجد نظاما «توافقيا» يتولى تسيير شؤون العراق السياسية عبر منظومة سياسية عمادها الإطار الطائفي، وهي المنظومة التي رضيت بها القوى السياسية العراقية التي جاءت إلى السلطة بعد إسقاط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، هذه القوى أغرتها الزعامة والسلطة بعد سنوات من الغربة السياسية عن المشهد داخل العراق بسبب سياسة القمع السياسي التي مارسها النظام السابق ضد خصومه السياسيين والآيديولوجيين، لكن هذه القوى تتحمل مسؤولية العجز والإخفاق السياسي الذي يواجه العراق في الوقت الراهن.
القوى السياسية التي تسيطر على المشهد السياسي في العراق وتتحكم في العملية السياسية التي باشرت خوضها بعد تسليم الاحتلال مقاليد السلطة إلى هذه القوى، هي قوى ذات جذور وانتماءات دينية ذات صبغة طائفية خالصة، فأكبر وأقوى الأحزاب السياسية الدينية هي أما سنية وإما شيعية، وبالتالي فهي تنطلق في برامجها واتجاهاتها السياسية من عقيدتها المذهبية ومراجعها الدينية، بغض النظر عما تطرحه من مواقف سياسية تكون في ظاهرها أنها مواقف وطنية جامعة، وقد يكون بعض من هذه الأحزاب صادق في مواقفه إلا أنه لا يقدر من حيث القناعة الفكرية على أن يتحرر من انتماءاته المذهبية عندما تحين لحظة تحديد المواقف السياسية.
هذا الوضع السياسي الذي يعيشه العراق وهيمنة قوى الإسلام السياسي بجناحيه الشيعي والسني على الحياة السياسية في العراق، يعتبر واحدا من المخاطر الجادة التي تهدد بناء دولة المواطنة الحقيقية، فالخطر الذي يمثله هذا التحدي على مستقبل العراق لا يقل خطورة عن تهديد النزعة الانفصالية التي تتسيد مواقف القوى الفاعلة في إقليم شمال العراق (كردستان) والتي كادت مواقفها تشعل حربا أهلية داخلية بعد إصرار تلك القوى على إجراء استفتاء الانفصال في شهر سبتمبر من العام الماضي.
ما لم يتحرر العراق من هيمنة قوى الإسلام السياسي بشقيه، فإن تحدي بناء دولة المواطنة الحقيقية والصحيحة سيبقى قائما بل وسوف يتصاعد في المستقبل، ذلك أن استفحال سيطرة قوى الإسلام السياسي على المشهد وتبوُّؤَها الدائم والمستمر لزمام القيادة، وإن كان ذلك نتيجة لما تقرره صناديق الاقتراع الانتخابي، فإن الأقليات الدينية والعرقية ستشعر على المدى البعيد بالتهميش وعدم المشاركة الفعلية في تحديد مستقبل بلادها، فهذه الأقليات، وخاصة الدينية منها، سيكون من الصعب عليها الانخراط في هياكل تنظيمات قوى الإسلام السياسي، وهذا من شأنه أن يعزز من الانشطار العمودي الذي يرسم المشهد الحالي للعراق.
كيف يخرج العراق من هذا المأزق السياسي الجاد؟ بل كيف يمكن إخراجه من ذلك؟ فأحزاب الإسلام السياسي لا يمكن أن تفرط أو تتنازل على المكتسبات التي بحوزتها ذلك أن الفكر الديني بشقيه المذهبيين يسيطر على السواد الأعظم من الوعي الشعبي في العراق وفي غيره من الدول أيضا، فيما القوى السياسية ذات التوجهات العلمانية تعاني ضعفا حقيقيا نتيجة أسباب كثيرة بعضها يعود إلى ممارسات سياسية وفكرية خاطئة وبعضها يعود إلى ممارسات السلطات الحاكمة التي وجهت إليها الكثير من الضربات الموجعة والمؤثرة، ورغم صعوبة هذا الوضع والصورة السوداوية التي يرسمها، فإن المستقبل لن يكون لصالح قوى الإسلام السياسي، فهناك بالتأكيد إرهاصات سياسية وتحولية داخل المجتمع العراقي جراء هيمنة القوى الدينية على المشهد وعجزها عن إخراج البلد من مأزق الاحتلال.
العراق سيكون قادرا على الخروج من مأزقه السياسي حين ينفض أياديه من هيمنة قوى الإسلام السياسي بعد أن يكتشف أبناؤه أن هذه القوى ليست هي المؤهلة والمهيأة لبناء دولة المواطنة العصرية التي تتوق إليها جميع مكونات الشعب العراقي، لكن ذلك ليس بالأمر السهل تحقيقه في المنظور القريب ذلك أن حضور قوى الإسلام السياسي والدعم الفكري والآيديولوجي الذي تحظى به من مختلف المؤسسات الدينية ذات الثقل التاريخي في الوسط الشعبي العراقي، يجعل من تحقيق هذا الحلم أمرا في غاية الصعوبة، أو على الأقل ليس واردا في الوقت الحاضر، وهذا يعني أن هيمنة قوى الإسلام السياسي على المشهد في العراق سوف تستمر سنوات طويلة قادمة، وهذا يعني أيضا أن العراق لن ينجح في بناء دولة المواطنة الحقيقية في هذه السنوات الطويلة، والثمن سيدفعه المواطن العراقي دون غيره.
3 اسألوا حسون أبو الجبن! د. فراس الزوبعي
الوطن البحرينية
يذكر الشاعر الشعبي والصحافي المعروف الملا عبود الكرخي أنه في يوم من أيام سنة 1940 ذهب لقضاء عمل في ديوان وزارة الداخلية في المملكة العراقية آنذاك، وهناك شاهد أحد كبار المتنفذين وهو يتحدث إلى مستشار الوزارة الإنجليزي وكان الحوار يدور عن الحرب الدائرة في فلسطين فسأله المتنفذ متى تنتهي هذه الحرب؟ على اعتبار أن الإنجليز هم من ساند الصهيونية العالمية بوعد بلفور المشؤوم وأمدوا العصابات الصهيونية بالمساعدات المادية والدعم السياسي وخذلوا العرب، فأجابه المستشار الإنجليزي ساخراً: «اسألوا حسون أبو الجبن». وحسون أبو الجبن كان معروفاً في بغداد بكثرة التظاهر من أجل قضية فلسطين ويتصدر المظاهرات بالهتافات الحماسية، معنى كلام المستشار الإنجليزي أن الشعارات والمظاهرات لا تغير واقعاً وهي وسيلة للتنفيس ليس أكثر، ومع أن إجابته كانت خبيثة لكن كلامه صحيح وينطبق اليوم على الوضع العراقي، فالغربيون نقلوا للعراق وغيره ثقافة التظاهر الموجودة عندهم وبالمقابل زرعوا لهم نظاماً لا يأبه للمظاهرات ولا للمقالات وما تنشره المحطات الفضائية عن فساده ويعتبره فرصة للتنفيس عن الشعب أما إذا زادت المظاهرات أو الاعتصامات عن حدها وإن كانت سلمية، فتقمعها بدون أي تفكير بعواقبها حتى لو تسيل أنهار من الدم، كما فعل نوري المالكي رئيس الوزراء السابق في مجزرة الحويجة عندما هاجم المعتصمين سلمياً في ساحتها، لأن في الحقيقة قمعها ليس له أي عواقب على الحكومة أو النظام، فالمظاهرات والاعتصامات والصحف ومقالاتها التي يمكنها الإطاحة بالحكومات في الغرب ليس لها أي تأثير واقعي في ذلك البلد، ولن يكون ذلك ممكناً إلا بحالتين، الأولى تبقى سلمية لكن يشارك فيها كل أفراد الشعب فتتوقف الحياة وبهذا تتحول إلى ثورة وعندها تكون أمام احتمالين، الأول يتعامل النظام معها كما تعامل نظام بشار الأسد ومن ورائه إيران وهذا أقرب الاحتمالات لأن إيران موجودة هناك من الأساس، والاحتمال الثاني، يتعامل النظام معها كما تعامل زين العابدين بن علي رئيس تونس الأسبق، وهذا احتمال ضعيف، أما إذا لجأ الناس لأي عمل عنيف مسلح ضد الدولة فذاك الوقت سيرون دبابات الحكومة على الأرض وطائرات أمريكا في السماء، ولذلك أفضل طريق لتغيير الأوضاع في العراق -خصوصاً وأن عامة العراقيين اليوم يتطلعون لذلك- هو اللعب مع النظام السياسي بنفس اللعبة التي فرضتها أمريكا عندما زرعت هذا النظام، فأمريكا تعتبر الدمار الذي أحدثه «العملية السياسية الحالية»، هو أفضل إنجاز ولا بد من المحافظة عليه، فلعبة الانتخابات التي من خلالها ثبتت كل العصابات التي أدخلتها للعراق يمكن هي نفسها تقتلعهم لكن هذا يحتاج إلى وقفة واعية من الشعب نفسه.. وتبقى المقالات واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مجرد وسيلة للتوعية أما إن تعامل معها الشعب على أنها مقطوعات «يقروها» حتى تنفس عنهم فلا يتوقعوا أن يتغير شيء.
4 كندريان الإماراتي ومسكوني العراقي
رشيد الخيّون
الاتحاد الاماراتية
قُتل طعناً بالسكاكين، ببغداد- حي الغدير، الطبيب هاشم شفيق مسكوني، وزوجته الطبيبة شذى مالك دانو، ووالدتها خيرية داوُّد. كنتُ يومها (الجمعة 9/3/2018) استمع لرحلة الطبيب سامي سيروب بطرس كندريان، وهو يقصها عليَّ، من بغداد إلى أميركا ومنها إلى بغداد، حتى استقر به المطاف بأبوظبي. كنا في مجلس وزير التسامح الشَّيخ نهيان بن مبارك، وتقدم لي رجل عليه سمات الوقار وهيبة العِلم مع اللكنة الموصلية المميزة، قائلاً: أنا سامي كندريان، التقينا سوية مع الطبيب فرحان باقر (ت 2017) في معرض أبوظبي للكتاب قبل عامين. فشدني حديثه، عن قصة أحد أبرز الكفاءات.
بعد أن أنهى دراسته في كلية طب بغداد (1964)، ذهب إلى أميركا وتخصص بطب الأطفال، وتعلم وعَلم وعمل طبيباً في معاهدها. لكن الشَّوق لبغداد ظل يلح عليه، فعاد في منتصف السبعينيات، وعلى الرغم من خبرته وشهاداته رُفض تعيينه داخل بغداد، وحصل أن زار أقرباء له بأبوظبي (1976)، فوصل خبره إلى وزارة الصحة، وما أن نظر الوزير في أوراقه حتى قال له: «غداً تذهب إلى المستشفى وتجد سماعتك ومكتبك، أما معاملة التعيين فاتركها لي».
كلما أراد كندريان مغادرة الإمارات قُدمت له امتيازات تليق بمنزلته، تعرفه أبوظبي كافة، لأنه طبب أطفالاً صاروا آباءً، ثم أبناءهم، وبدأ بالأحفاد. مُنح الجنسية، بعد أن قيل له: «إلى أين تغادر وتترك أبناءك وأحفادك»! والأطفال الذين طببهم، وها هم يتسلمون المهام وزراء وأطباء. حينها تسلم دعوة مِن السفارة العراقية، طُلب منه كتابة تقارير عن معارفه، وبالتالي عن مراجعيه، فكان جوابه: «هذا ضد أخلاق الطبيب». إنه الجواب الذي واجه به الطلب نفسه المؤرخ العراقي نجدة فتحي صفوة (ت 2013)، قائلاً لمَن طلب منه ذلك بلندن: «أنا مؤرخ، استنكف» (مفردة عراقية شديدة الوقع). بقلق عراقي طُبع في الجينات، خشي كندريان مِن سيارة الشرطة تتبعه في أبوظبي، حتى وصل داره، فسألوه: أنت فلان؟! قال: خيراً ماذا فعلت؟! قالوا: «منذ استخدامك للسيارة لم ترتكب مخالفة، وعلى هذا نسلمك شهادة تكريم، تضعها في سيارتك».
كان الطَّبيب كندريان يتحدث، وأنا أعدُّ القتلى مِن الأطباء ببغداد والمهاجرين، وماذا سيكون مصير كندريان الأستاذ والطبيب لو عاد؟! وضعت مقابلة بينه ومصير الطبيبين مسكوني ودانو، وآلاف الأطباء الذين تغص بهم العواصم، وبعضهم ذُل بالعمل تحت يد مَن هو أقل شهادةً. كان مسكوني يعيش في أميركا، فألح عليه الحنين بالعودة، وماذا تعني عودة الطبيب الممارس، في ظل تدهور الطب بالعراق، حتى عرف العراقيون طريق الهند للعلاج. كان شقيق المغدور الاقتصادي همام مسكوني قد هُدد بالقتل «من قبل عصابات تجار العقارات لبيع بيته، مما أجبره على البيع بسعر بخس» (رسالته لشبكة الاقتصاديين العراقيين 11/3/2018). مع علمنا أن الأحزاب التي هيمنت على الجادرية والخضراء وأحياء كاملة من بغداد استخدمت الترغيب والتهديد، وهذا ما حدث بأحياء ومدن مسيحية، وإلا ماذا تفعل الرايات الخضراء وصور أصحاب العمائم السود عند بوابة مدينة برطلة المسيحية؟! لا يخلو الأمر من نية إفراغ العراق من سُكانه الأُصلاء، ذبح العائلة لا يُفسر بالسرقة ولا الثأر، وهي مسالمة لا تقدر على فرك نملة، يزامنه قتل شاب مسيحي بالمنطقة نفسها، وبعيداً منها يُقتل صائغ مندائي.
آل كندريان موصليون، «سروب كندريان، من العوائل المعروفة، كانوا يعملون كمقاولين، يعتمد عليهم الناس اعتماداً كبيراً» (سيار الجميل، دراسة عن الأرمن العراقيين: الجذور والأغصان)، ناهيك عن بقية الأُسر الأرمنية الماهرة في شتى المجالات. أما آل مسكوني فيكفيهم يوسف مسكوني (ت 1971)، الباحث والمحقق والمترجم، من مؤلفاته: «عبقريات نساء القرن التاسع عشر» (1946)، «الألحان والتراتيل الآرامية والعربية» (1965)، وقام بترجمة أنفس الكتب في تاريخ حضارة العراق «مُدن العِراق القديمة» لدورثي مكاي (1961)، وله مكتبة زاخرة من المطبوعات والمخطوطات، ضُمت إلى مكتبة المتحف العراقي (بصري، أعلام الأدب في العراق الحديث). أما أستاذ القانون صبيح مسكوني، فترك ثروة في العلم الحقوقي تُدرس في الجامعات منها: «تاريخ القانون العراقي القديم»(1973)، و«القانون الروماني» (1971).
بين مآلي الطبيبين كندريان، بعد التهنئة على سلامته واستقراره بين ناس أحبوه وقدروا طبَه، ومسكوني المقتول، حكاية اسمها «العراق»، وطائفة مسكونة به، منذ القرون الخوالي، وهي تُعبِّد فيه طريق المدنية، وتذكِّره بالحضارة، التي أصبح ذِكرها نفاقاً، على ألسنة الفاسدين والذَّباحين، حتى جعلوا هذه الأرض طاردة لكائناتها الجميلة، المحناة بدماء الطبيب هاشم والطبيبة شذى، فمَن يا تُرى سيمتلك دارهما، من أعضاء البرلمان القادم؟! قال حافظ جميل (ت 1984)، لمسكوني الأديب، وينشدها مرضى الطبيب الضحية لفاجعتهم به: «كنتَ الطبيب لنفسي لم تجد بدلا/ من لُطف روحكَ في تطبيب مرضاكا» (بصري، نفسه).
5 الحروب الأميركية.. ودقة الضربات الجوية
مارجريت سوليفان واشنطن بوست
أرقام صادمة، أو ينبغي أن تكون كذلك على الأقل.. فقد كان عام 2017 هو الأكثر دموية من حيث أعداد الضحايا بين المدنيين في العراق وسوريا، إذ قُتل أكثر من 6 آلاف شخص في ضربات نفذها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، حسبما أكدت منظمة «إيرورز» لحقوق الإنسان. وبالطبع، تشكل هذه الأرقام زيادة بنسبة 200 في المئة مقارنة بالعام السابق، وستكون أكبر بكثير لو أضفنا الضحايا في دول أخرى مثل أفغانستان والصومال وغيرها. وعلى رغم من ذلك، تراجع الاهتمام بالموضوع تدريجياً بعد أن كان يعتبر وصمة في إرث الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
ولم تعد وسائل الإعلام الأميركية تُعير سوى قليل من الاهتمام في الوقت الراهن للموضوع، ويبدو أنها مهووسة الآن بأحدث المستجدات في الصخب الدائر حول ترامب نتيجة التحقيق بشأن روسيا.
وأفادت «دافني إفياتار» مديرة منظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة الأميركية، بأنه «لسوء الحظ، أدت الخلافات الموجودة في البيت الأبيض ومزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية إلى تشتيت انتباه وسائل الإعلام، بدرجة جعلتها تُهمل متابعة أمور ذات أهمية كبيرة». وأضافت: «من بين تلك الأمور التوسع الكبير في استخدام الطائرات من دون طيار والضربات الجوية، ولاسيما خارج مناطق الحرب، وزيادة الخسائر بين المدنيين في هذه الأثناء».
وبالطبع، وعد ترامب أثناء حملته الانتخابية بقصف تنظيم «داعش» الإرهابي، لكن رغم إعلانه الانتصار على التنظيم الإرهابي، لا تزال عمليات القصف مستمرة. وتأسف «إفياتار» وآخرون ممن يراقبون هذه القضايا، ليس فقط على سقوط ضحايا بين المدنيين الأبرياء، ولكن أيضاً السريّة التي تفرضها الحكومة، والتي أدت إلى تفاقم الأوضاع بشكل كبير خلال العام الماضي.
وأوضحت أن وزارة الدفاع الأميركية لم تعد تكشف حتى عن إطار العمل السياسي والقانوني الذي تستخدمه الولايات المتحدة في القيام بتلك الضربات الجوية، وهو ما يجعل دور التحقيقات الاستقصائية أكثر أهمية.
وكشفت مقالة نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً أن الولايات المتحدة شنّت 8 ضربات جوية ضد تنظيم «داعش» في ليبيا لكنها لم تكشف سوى عن 4 هجمات، مشيرة إلى أن قادة عسكريين قرروا عدم الكشف عن تلك الضربات الجوية، ما لم يسأل عنها أحد الصحافيين بصورة محددة، ولدى «البنتاجون» اسم لهذه السياسة هو: «الردود على الأسئلة». وفي كثير من الأحيان لا يتم توجيه مثل تلك الأسئلة!
وقالت «ستيفاني سافيل»، المدير المشارك لمشروع «تكاليف الحرب» لدى جامعة «براون»: «إن الضربات الجوية أضحت أكثر انتشاراً في الوقت الراهن من ذي قبل، رغم قلّة الأخبار بشأنها»، مضيفة: «نعلم جميعاً أن هناك أموراً تجري ضمن الحرب على الإرهاب، لكن لم يعد هناك اهتمام بالتفاصيل».
وفي هذه الأثناء، تُسلط الصفحات الأولى للصحف والمعلقين على برامج التلفزيون والشبكات الإخبارية على التحقيق في الخلافات داخل البيت الأبيض.
وذكرت «أليجرا هاربوتليان» المحللة لدى منظمة «ريثينك ميديا»، «نظراً لأن جزءا من وظيفتي قراءة جميع المقالات التي يمكن العثور عليها بشأن الحرب بالطائرات الأميركية من دون طيار وتبعاتها، لا يسعني سوى الشعور بالخذلان»، منوّهة إلى أنه على رغم من أن التقارير الصحافية المنتقدة لخسائر الأرواح بين المدنيين وللضربات الجوية باستخدام طائرات من دون طيار نادرة نسبياً في الوقت الراهن، إلا أن ما يتم نشره يتمخض عن نتائج مذهلة.
وقد أدى تحقيق استقصائي نشره موقع «بزفيد»، على سبيل المثال، إلى تراجع الحكومة الأميركية عن مسارها والإقرار بمسؤوليتها عن وفاة 36 مدنياً في الموصل. ونشر أيضاً قصة إضافية بشأن عدم تقديم أية تعويضات لأسر الضحايا، واحتمال عدم حدوث ذلك في ضوء السياسات الراهنة.
وكشفت «نيويورك تايمز» في تحقيق نشرته في نوفمبر الماضي أن هناك مبالغة وعدم وضوح بشأن دقة الضربات الجوية الأميركية. وثمة نقاش وطني مهم لابد من إجرائه بشأن ذلك، لكن في ضوء السريّة التي تنتهجها الإدارة وضعف الاهتمام من الجمهور ووسائل الإعلام، لن يحدث ذلك النقاش قريباً، وخصوصاً بينما ينشغل الناس بأخبار «ستورمي دانيالز» على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي.
6 لا يتنكّر الكردي لنوروزه
مشرق عباس
الحياة السعودية
مرارة في عيون الكرد، ومرارة على شفاههم، فنوروز الملون تحاول ارتكابات السياسيين الذين أكلوا الثورة وأبناءها تلطيخه بالالوان الرمادية.. رزق أبنائهم وقوت عائلاتهم بات مرتهناً لمساجلات ومزايدات وألاعيب مجموعات سياسية تتقن التحايل، والأحلام الكبيرة التي كانت في نوروز الماضي سلعة رائجة لزعماء الإقطاعيات الحزبية، فقدت قدرتها على تكديس الدولارات في خزائن التجار.
ومع كل هذا لا يتنكر الكردي لنوروزه، فالنساء الرائعات صحون اليوم باكراً، تراكضن إلى دواليب الملابس اللامعة، وضعن حليهن الذهبية، وقررن بعث الحياة والانتصار على الوجوم الذي أخفى سماء كردستان لشهور، سيرقصن برغم المرارة وينشرن الروح في نفوس الرجال المحبطين، فالمرأة الكردية سطوة نوروز وعطر نرجسه ومعناه، وهي الحكيمة التي علّمت في شتاء الجبال النائية رجالها أن يستعدوا لآذار كما تستعد أشجار البلوط العظيمة لقدرها الربيعي.
والمرارة لا تكسر الكردي، فصبره صخري، لكن أسئلته كبيرة وغضبه أكبر، ومن أسئلته ان الإقطاعيين الذين قالوا له مرة إن السماء التي تشبهه وعرفها دوماً بلا حدود سيكون لها حدود، وكذبوا… وقالوا إن الأرض البنية التي حملت اسمه ودمه وحمل اسمها وصفاتها منذ مبزغ البشر، ستحصل على كرسي في الأمم المتحدة، وكذبوا… وقالوا له إن خطتنا محكمة، وإن عليه أن يتخلى عن سوار زوجته وأقراط بناته ليعيش أحفاده من بعده من دون حلبجات ولا أنفال ولا مهرجان تنكيل، وكذبوا… قالوا له إن النفط نفطك أنت، لن نسرقه لنخزن ثمنه في المصارف الأجنبية، بل سوف نشيد به أسواراً لا يطاولها الكيماوي، وكذبوا.
لكن الكردي العميق في الأودية الممتدة يعرف معنى الكلمات أيضاً، فهو الذي أجاد نطق كلماته وكلمات كل الشعوب التي جاورته، يدرك أن لكل كلمة وزناً يثقل رقبة قائلها، فلم ينجر يوماً إلى المهرجانات الخطابية، لم يغير أصالته نزق بعض مثقفيه الغائرين في دروشة العنصرية، لم يصدقهم عندما أخبروه أن العربي عدوه، وفي وقت القيظ فتح ذراعيه ومخابئ ينابيع جباله للعرب الهاربين من خناجر أبناء جلدتهم، لم يتوقف أمام بعض المزايدين الذين أخبروه أن لا يزوج بناته من أبناء الأنهار والصحارى، ولم يعبأ عندما عشق ابنه سمراء عربية وقرر تعليمها حروف كلماته.
ليس في قلب الكردي إلا ربيع نوروز، وأغانيه الضاحكة كشلال بيخال يرقص حوله نرجس السفح، يلمح من بعيد قوافل المرابين الذين يريدون له أن يدفع كل يوم ثمن أخطائهم ومغامراتهم، وفي البعيد أيضاً يرى عيون المتربصين، أؤلئك الذين أزعجهم أن يقال إن الكردي عندما سنح له تاريخ المذابح بوقت مستقطع شيّد مدناً جميلة، وشوارع نظيفة، ومدارس ومستشفيات، وحلم بغده المنتظر، ومَن غير الكردي يفعلها؟
حكومته أخبرته أن لا يحتفل هذا العام حداداً على «عفرين» المجروحة بالارتكاب التركي، منحته ربع مرتبه المستقطع منذ سنوات، وقالت له إننا نعيش فترة الاحتباس القومي. أي واهم يطلب من الكردي أن يتنكر لنوروزه؟! لم يفعلها وهو مُبعد في الأنبار والسماوة وكربلاء، يحمل معاني لغته كلقى نفيسة، ويحرص على أن تتعلم بناته خياطة القفاطين الزاهية والأردية المزركشة قبل تعلم المشي.
لا يتنكر نوروز للكرد، ولن يتنكروا، وهذا العام يحتفلون أيضاً، أشعلوا نار كاوا الحداد عند منتصف الليل، أشعلوها على قمم الجبال العالية، وتلقفت نورها النفوس الزكية من كل حدب، وصباحاً يحملون المزامير وطعام الغداء وضحكات الأطفال والأحلام الشاسعة، مستعدين بأمانة لطقس الحياة، ومصرين على إبقاء دفقها من أمسهم إلى غدهم.