8 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

1 كنت مطلعا على الاستعدادات لغزو امريكا للعراق.. وهذه فصول عملية من تجربة شخصية مع قناة “العربية”
د. وائل عواد
راي اليوم بريطانيا

من خلال متابعتي للأحداث في الشرق الأوسط ، كنت على علم مسبق بالاستعدادات الأمريكية- البريطانية لغزو العراق وكلفت بمهمة الذهاب للكويت للتحضير وتدريب كوادر في مكتب قناة الام بي سي مع انطلاق قناة العربية قبل الغزو الأمريكي للعراق بأيام . كان اول لقاء لي على الهواء من الكويت مع انطلاقة قناة العربية وبدأنا بنقل الوقائع والاستعدادات واتذكر السبق الصحفي الاول كان بكشف النقاب عن صفقة وقعتها شركة هاليبرتون الأمريكية مع بعض المسؤولين بقيمة ملياري دولار امريكي ، تتعلق بالعراق للدعم اللوجستي للقوات الأمريكية وإيصال المؤن للعراق خلال ثلاثة أسابيع أي قبل العاشر من نيسان 2003 إلى العاصمة بغداد .استدعيت من قبل جهة أمنية لمعرفة مصدر الخبر.
رفضت اعطاء المصدر وطلبت من المسؤول ان ينفي الخبر على شاشتنا اذا كان يعتقد ذلك غير صحيح لكنه امتنع. وعدت ادراجي للمكتب استعدادا” للتغطية حيث بدأ الصحفيون والعسكريون بالتوارد إلى مدينة الكويت التي تحولت لقاعدة للبنتاغون وبدأ المسؤول من وزارة الدفاع الامريكية بإصدار الهويات الخاصة والتصريحات باذن الدخول ومرافقة القوات الامريكية-البريطانية إلى العراق .
خمسة عشر عاما” ومازال شبح الحرب يعيش في مخيلتي اعيش أحداثه واصحو في منتصف الليل من الكوابيس. أكملنا الاستعدادات للدخول فريقنا إلى العراق عبر الكويت مع القوات الأمريكية . وشارك الفريق في المعسكر لمدة اسبوع مع القوات المارينز بالقرب من الحدود الكويتية -العراقية حيث بدأت القوات الأمريكي بإزالة الحواجز ومد الجسور المتحركة للزحف ومعنا المخطط الأمريكي لغزو العراق الذي وضع بدقة مدعوما” بالتفوق التكنولوجي واستخدام الاسلحة الذكية .تم توزيع الادوار على الجيشين الامريكي والبريطاني حيث يتوجه الاول إلى بغداد عبر الناصرية بينما تتقدم القوات البريطانية إلى البصرة جنوبي العراق عبر أم القصر وجزر الفاو .
لم يكن امامي خيار آخر لمرافقة القوات الامريكية ، بعد ان دبّ الرعب في نفس زميلتي ناديا التي انسحبت ورفضت الدخول إلى العراق مع القوات الامريكية وتغطية الحرب بحجة أن الرئيس الراحل صدام حسين سوف يستخدم السلاح الكيمياوي وهي أرملة ولديها طفلتان يتيمتان تبكيان على فراقها وبحاجة لها ! كان الفريق الوحيد الذي سيسمح له بالدخول مع المارينز من الكويت بعد أن وزعت جميع الطواقم لتغطية الحدث من دول الجوار للعراق .
دخلنا مجموعة من ثلاثة أشخاص ،ضمت المصور طلال والمهندس علي . اصطحبنا معنا اجهزة البث المباشر بسيارة من طراز رانج روفر أتينا بها جديد من السعودية وسمحت لنا القوات الأمريكية بادخالها بعد طليها باللون الرمادي ورفع علم التحالف وتعطيل المزمار والاضاءة وتحصّنا بدروع مضادة للرصاص ولباس للحماية من الغازات الكيماوية وبدأنا بالدخول مع القوات الامريكية في عتم الظلام ونحن نلبس المنظار الليلي مع الرتل من القوات العسكرية الأمريكية المارينز الامامية مدججة بالعتاد والأسلحة الفتاكة وطائرات الاباتشي الحربية الحديثة تلوح فوق رؤوسنا .
كنا محرومون من إعطاء معلومات عن اماكن تواجدنا او اظهار جرحى من الجنود الأمريكيين وغيرها من الشروط التي اجبرنا على التوقيع عليها للسماح لنا بمرافقة الجنود المارينز في ظاهرة إعلامية جديدة كصحفيين مصطحبين ( (embedded journalist لاعلاقة لها بحرية الاعلام ونقل الحقائق كما تحدث . عادة هذا النوع من الصحفيين يرافقون قوات بلادهم الغازية وينقلون انتصارات جيوشهم وكانت واشنطن حريصة على عدم اظهار القتلى وسط جنودها وحلفائها لما يتركه من اثر سلبي على الراي العام الأمريكي الرافض لهذه الخطوة الاحادية من قبل الرئيس جورج بوش الابن والمحافظين الجدد بتحريض من شركات النفط الأمريكية الكبرى وعلى رأسها شركة هاليبرتون العملاقة .الحديث مكرر من قبل جميع القادة العسكريين الأمريكيين الذين التقينا معهم وهي صدام حسين مجرم ديكتاتور يقتل شعبه ويملك اسلحة دمار شامل والجيش الأمريكي جاء ليحرر الشعب العراقي من السفاح وينشر الديمقراطية والحريات إلى ما هنالك من الأكاذيب والتهم لتبرير غزو العراق والتي اعترف القادة الأمريكيين ذاتهم والبريطانيين لاحقا” بتضليل الرأي العام العالمي وشعوبهم وكانت جميع الادعاءات لشن الحرب باطلة وان الهدف الرئيسي كان ومازال احتلال العراق و السيطرة على خيراته وتقسيم وتفتيت هذا البلد .
كانت القوات الامريكية متاكدة من سقوط بغداد قبل العاشر من نيسان والخطط العسكرية وضعت بدقة بعد تجريد العراق من أسلحته الاستراتيجية والتأكد وتقدير قدرات قواته على الصمود بما تبقى من الاسلحة التقليدية والذخيرة . طبعا” التغطية كانت على الهواء مباشرة وانفردت بنقل الوقائع بحرية نوعا” لأن الحديث باللغة العربية الذي ابعد الشبهات عني وصعوبة حصوله على الترجمة بسرعة لما اقوله على الهواء .كان ذلك خلال الثماني وأربعين ساعة من بداية الغزو وكانت القوات الامريكية قد تقدمت بشكل ملحوظ داخل العمق العراقي حيث كانت في طريقها إلى بغداد بينما القوات البريطانية تقوم بمحاصرة المدن العراقية على الطريق . لم يرق لزملائي في الاستديو في مدينة دبي بما اقوله عن المدة المرتقبة للحرب الامريكية حتى اسقاط بغداد لأني كنت املك مخطط سير القوات الامريكية وهم يقولون لي: كيف يمكن لهم التقدم والانتصار ومازال الصمود ظاهرا” وشرسا” في ام القصر ضد القوات البريطانية ؟ وأن الشارع العربي متعاطف مع العراق وعلّي مراعاة ذلك لكني رفضت إلا نقل ما يحدث ولهذا أنا في الميدان .
صحيت بعدها لأجد فريقنا قد تغير مكان تواجده و مرافقته للقوات الأمامية وعندما سألت القائد الجديد للفرقة قال لي انه تم نقلكم إلى فرقة الصيانة والمعالجة لأنك من” قناة عربية” ونريد أن تظهر الدور الإنساني للقوات الامريكية في معالجة الجرحى العراقيين وتقديم خدمات انسانية .هنا جن جنوني وصرخت بوجهه قائلا: ” أنا صحفي محترف ولا أمثل شبكة دعاية ، لدي معّدات الكترونية بمئات الآلاف من الدولارات واخاطر بحياتي لنقل الحقائق للمشاهد العربي وليس لتلميع صورتك. أرجعني إلى مكاني الأول وإلا سأعلن ذلك على الهواء مباشرة وسوف اضطر إلى مغادرتكم والذهاب دون مرافقتكم وأنتم المسؤولون عن حياتنا”. كان لكلامي هذا وقع شديد على قائد الفرقة الذي بدأ يتصل على الهاتف بعصبية ويتحدث بسرعة مع قادته . وجاء خلال نصف ساعة يعتذر يصطحبنا فريق من قواته إلى قوات المارينز الأمامية حيث كنا .واستقبلني القائد هناك الذي اعتذر بدوره ومن هنا بدأت مراقبتنا وتقييد مهمتنا .
كنت اجري اللقاءات مع الاسرى العراقيين من الضباط وأتذكر ما قاله لي عقيد عراقي :كيف تريدنا ان نواجه الاباتشي والاسلحة الفتاكة بكاتيوشا؟ لقم قمت بتسليم نفسي كي أحمي جنودي على النقطة (29 جنديا” ) الذين خلعوا بزاتهم العسكرية ولبسوا اللباس المدني وانخرطوا بين العامة ! وقال لي والدموع بعينه بدون تصوير : لقد كانت هناك فرق من 100000 جندي عراقي ولا ادري لماذا تم سحب الجنود قبل الغزو وهو يّسب قادته… واستغرب لماذا وضعه الامريكيون تحت اشعة الشمس مقيدا” وهو الذي سلّم نفسه.سارعت بالذهاب إلى قائد الوحدة الأمريكي وجادلته أن ذلك مخالفا” للأعراف الدولية واتفاقية جنيف في التعامل مع الأسرى وطلبت منه نقله إلى مكان آخر وفك يديه من طوق من البلاستيك ترك آثارا وورم على رسغه. وشاهدت الاسرى العراقيين مجمعين والتقيت معهم وكنت اشرح لهم كيفية تناول الوجبة التي وزعت عليهم من القوات الأمريكية وكيفية تسخينها بالفحم داخل الكيس بعد أن كانوا يشكون من عدم قدرتهم على تناولها لأنها نيّية أي غير مطبوخة .وهنا حققت شعبية وسط الاسرى حيث ترجمت للقوات الامريكية ماذا يريدون وما يشكون من سوء المعاملة. وعلمت لاحقا” بعد ان تعرضنا لكمين اعتقلنا في الزبير، بان المسؤولين العراقيين شاهدوا أشرطة الفيديو مشاجرتي مع القوات الامريكية لصالح الأسرى العراقيين وقال لي أمين فرع حزب البعث أبو فواز (الذي اغتيل لاحقا”) بأن هذه الاشرطة انقذتنا من الإعدام أنا والطاقم .
لم تدم تغطيتي طويلا” للحرب وربما كنا طعما” ليتم التخلص منا لأسباب عديدة سوف اسردها فيما بعد ، وضلل بنا للوقوع في كمين للثوار العراقيين وتم اعتقالنا من قبل القوات الحكومة العراقية باعتبار أننا دخلنا مع قوات غازية ودون موافقة الحكومة العراقية وتنقلنا من مخبأ إلى آخر إلى ان تم حجزنا في منزل رئيس بلدية الزبير وكنت اشاهد التلفاز العراقي ونستمع للأحاديث عن سير المعارك وعلمت أن 18 جنديا” بريطانيا” قتلوا في الزبير في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير يدلي بتصريحات امام البرلمان عن مقتل جنديين بريطانيين. توسلت للمسؤولين العراقيين السماح لي بتصوير جثث القتلى من الجنود وهذا يدحض الادعاءات ويدعم الحكومة العراقية وقد تسبب باستقالة بلير لكن المسؤول العراقي رفض باعتبار أننا معتقلين ومحكومين بالاعدام .
بقينا قيد الاعتقال إلى حين بدأت الدفاعات العراقية بالسقوط ودخلت القوات البريطانية المدن العراقية وهرب الثوار العراقيون وساعدنا رئيس البلدية بالهروب من منزله بعد أن رفض تسليمنا إلى عناصر من الاستخبارات العراقية . وتم وضعنا داخل سيارته البيك أب باللباس العراقي التقليدي ووجهنا ملثم بالعقال العراقي. اتذكر جيدا” عندما نبهني واصّر رئيس البلدية أبو مهدي أن اخفي عيني الزرقاوين لأن ذلك سيثير الشبهات أثناء مرور عربته وسط الأسواق والمارة في الطريق قبل الوصول إلى نقطة تفتيش بريطانية ليسلمنا ويهرب إلى البراري مع عائلته خوفا” من انتقام المسؤول عن الجنوب القائد علي حسن المجيد “الكيماوي” لعدم انصياعه للأوامر .
لن ادخل بالتفاصيل هنا حول الأسباب والدوافع لابعادنا عن النقل المباشر للغزو الأمريكي –البريطاني والتخلص مننا مبكرا” لأن ذلك يحتاج لكتاب .لكننا تابعنا سير المعارك وسقوط بغداد ولم تكن حربا” بمعنى الكلمة باعتبار ان الولايات المتحدة وبريطانيا استعدادا لحرب من طرف واحد لاسقاط النظام العراقي والتخلص من الرئيس صدام حسين لكتابة صفحة دموية جديدة في تاريخ الاستعمار بدأت بسقوط بغداد ومازالت تداعياتها على معظم دول الجوار والحبل على الجرار حيث سيصل الدمار معظم الدول العربية ضمن خطة محكمة وضعها المحافظون الجدد والاستخبارات البريطانية والاسرائيلية لضمان عدم قيام هذه الأمة العربية وتفتيتها وتقسيمها وإبقائها ضعيفة تقاتل بعضها البعض .
اعتمدت الاستخبارات الامريكية والبريطانية على التكنلوجيا الحديثة والاسلحة الذكية في إلحاق الدمار والحرب النفسية بالاضافة إلى العملاء والخونة في تحديد الأهداف العسكرية والأمنية لإسقاط بغداد. وبدأت بقصف المدن العراقية بصواريخ كروز المطّورة من طراز توماهوك و ألقت الطائرات الحربية الضخمة قنابل”ذكية” لتدمير التحصينات والملاجئ ومنها قنابل حرارية انشطارية تزيد عن 2000 طن وقنابل هوائية للتدمير الشامل ، ضد أهداف عراقية ودمرت العديد من المنشآت والبنى التحتية
أدت إلى سقوط مئات الالاف من العراقيين العسكريين والمدنيين.العراق الجريح الذي مازال يلملم شتاته ويعاني من ويلات الحرب والإرهاب يحاول إيجاد هوية توّحد العراقيين من جديد بعيدا” عن الطائفية والعرقية والاثنية بمساعدة ذات الدول المسؤولة عن تمزيق وتشتيت شعبه ونهب خيراته.
لقد نجحت الولايات المتحدة وحلفائها في تنفيذ خطتها التي رسمتها مجموعة من أقطاب المحافظين الجدد (Clean Break 1996) انتصرت في حربها ومازال العرب يدفعون الثمن سلفا” لهذه الحروب مثل ليبيا وسورية واليمن ونحن على ابواب لحروب اخرى بعد ان اصبح حلف الناتو قابل للايجار في الحروب المدفوعة ثمنها والامثلة حية والقادم اسوأ.
تحية إلى روح الشهداء العراقيين الشرفاء
2 العراق سيعود افضل مما كان
محمد توفيق علاوي

راي اليوم بريطانيا

كان العراق الدولة الاولى في الشرق الاسط وسيعود كما كان بل افضل مما كان
تناولنا في الحلقة الأولى من موضوع (دور الشباب في أصلاح العملية السياسية) واقع الطبقة السياسية الحاكمة؛ لمن يريد الاطلاع يمكنه على الرابط: https://mohammedallawi.com/2018/02/24/3220/
وفي هذا المقال نتناول الحلقة الثانية وهي أن العراق كان الدولة الأولى في الشرق الأوسط وانه سيرجع كما كان، وإن البدائل عن الجهلة والفاسدين من الطبقة السياسية الحاكمة هم من الشباب ومن غيرهم من المخلصين لبلدهم ومن الأكفاء، وأحب أن أؤكد على حقيقة انه ليس المطلوب ازاحة كل الطبقة الحاكمة، بل الفاسدين والجهلة منهم، كما انه ليس المطلوب أن يتولى الشباب حكم البلد بالكامل؛ ولكن الشباب يمكن أن يكونوا هم المبادرين في اتخاذ الخطوات الفعلية واللازمة للتغيير، فالشباب أكثر حيوية وأكثر اندفاعاً وأغلب المبادرات الاجتماعية هي من الشباب.
إن العراق كان ولا زال يزخر بالكثير من الطاقات، ولا ارغب في أن أكون منحازاً إلى عراقيتي، ولكن أظهر تقييم لدرجة الذكاء في العالم في موقع “targetmap”
ونشر في اغلب وسائل الأعلام العالمية عام 2013 من قبل الباحثين البريطاني “ريتشارد لين” والفنلندي “تاتو فانهانين” الى أن الشعب العراقي مع تدهور مستوى التعليم عام 2013 هو أذكى شعب عربي، وكان تصنيف ذكاء العراقيين عالمياً يأتي بالدرجة (20)؛ ولو اجري هذا التقييم في أواسط ثمانينات القرن الماضي، حيث كان التعليم على جميع مراحله في أوجه، لكان الشعب العراقي ضمن أذكى ثلاث شعوب في العالم، لان مقياس ومؤشر الذكاء (IQ) في متوسط العمر يتأثر بالمستوى الدراسي والعلمي للشخص.
والسبب لهذه الدرجة العالية من الذكاء هو تاريخ البلد منذ القدم، فالعراق مهد الحضارات، بل مهد تلاقح الحضارات، قامت فيه مجتمعات متحضرة في علاقاتها الاجتماعية، حيث قامت فيه الحضارة السومرية أول حضارة على وجه الأرض، ثم تلاهم الحضارات الاكدية والبابلية والآشورية والكلدانية؛ أول ما اخترعت الكتابة في بلاد وادي الرافدين في الألفية السادسة قبل الميلاد باستخدام الخط المسماري؛ لقد كان فن تشريع القوانين متطوراً في العراق وأوضح دليل مسلة حمورابي التي دون فيها أهم وأوسع شريعة متكاملة في ذلك الوقت. ثم جاء الاسلام فاستقطب العراق خلال العصر الأول للإسلام اغلب العلماء من كافة بلدان العالم الإسلامي، لقد ترجمت الكثير من الكتب الى العربية من كافة أنحاء العالم في ذلك الوقت في دار الحكمة في بغداد ، ومنها على سبيل المثال كتب الفلاسفة الإغريق حيث غدت بغداد مركزاً لكافة العلوم التي انتشرت في كافة أنحاء العالم الإسلامي، فالخوارزمي مؤسس علم الجبر في بغداد، وجابر بن حيان مؤسس علم الكيمياء التجريبي في الكوفة، والكندي في بغداد والفارابي بين بغداد والشام وابن الهيثم في البصرة الذين أبدعوا في الكثير من العلوم كالطب والصيدلة والفلسفة والفلك والجغرافيا والرياضيات والبصريات، لقد انتقلت الفلسفة الإغريقية التي اندثرت في نفس بلاد الإغريق في عصر الكنيسة (عصر الظلمات في أوربا) وكذلك علوم الجبر والكيمياء والطب والصيدلة والفلك والجغرافيا والبصريات والرياضيات بما فيها الصفر والأرقام العربية من بغداد عن طريق الجامعات العربية والإسلامية في الأندلس وصقلية ثم الى أوربا قبل حوالي الثمانمائة عام.
(يمكن مراجعة الرابط التالي للتعرف أكثر على ماضي حضارات وادي الرافدين: https://mohammedallawi.com/2018/03/04/ )
نعم تراجع العراق منذ الغزو المغولي قبل حوالي سبعة قرون واستمر هذا الوضع خلال فترة الحكم العثماني المتخلف، ولكن نهض العراق نهضة متميزة بجهود أبنائه بعد الحرب العالمية الأولى، لقد كان العراق درة المشرق العربي بعد الحرب العالمية الأولى وحتى ثمانينات القرن السابق، وكانت السعودية وجميع دول الخليج متأخرة عن العراق بمراحل كبيرة، لقد كان النظام التعليمي في سبعينات وثمانينات القرن السابق كنظام حكومي مجاني هو الأول في دول المنطقة حسب تقييم منظمة اليونسكو، وأعطي العراق في نهاية السبعينات خمسة جوائز من اليونسكو لمنهجه المتطور في القضاء على الأمية حيث بلغ معدل الالتحاق الإجمالي بالدراسة حوالي 100٪، والنظام الصحي في تلك الفترة كان متميزاً أيضا، حيث كان النظام الصحي في العراق هو الأول في الشرق الأوسط ويتقدم على النظام الصحي لتركيا وإيران بمراحل، ثم جاءت تسعينات القرن الماضي حيث تعرض العراق الى حصار ظالم بسبب السياسات المتهورة لصدام حسين وتقهقر البلد على أثر ذلك بشكل كبير.
ولكن مع ذلك لعب العراقيون دوراً علمياً وحضارياً مهماً داخل وخارج العراق وتركوا اثراً متميزاً في العراق وخارجه، للأسف استخدم صدام تلك القدرات داخل العراق لبناء ترسانته العسكرية من منظومات الصواريخ والبرنامج النووي والأسلحة الكيمياوية والبيولوجية والمدفع العملاق من اجل سياساته الهوجاء التي أوصلتنا الى هذا الحال.
كما توجد طاقات عراقية على درجة عالية من الكفائة من غير المجال العسكري، فقد تبنت مؤسسة ماركيز(Marquis) العالمية شخصيتين عراقيتين من داخل العراق ضمن إصدارهم السنوي لعام 2016(Who’s Who) وهما العالم الدكتور حسام علي رئيس قسم هندسة النفط والعالم الدكتور حسين طوكان رئيس قسم هندسة الطب الحياتي وكلاهما من جامعة ذي قار وكلاهما نشرا الكثير من البحوث العلمية المتقدمة، الأول في مجال تكرير النفط والصناعات النفطية والثاني في أبحاث تكنولوجيا الناتو كما إن البروفسور الدكتور داخل حسن جريو رئيس الأكاديمية العراقية لديه أبحاث متميزة في مجال هندسة النظم والكومبيوتر .
كما أن العالم جليل الخفاجى الأستاذ في جامعة بابل له أبحاث كيميائية وكيميائية طبية على مستوى واسع في عدة مجالات منها في الوقاية من السرطان وأجرى أبحاثا ناجحة في جامعة كاليفورنيا بهذا الشأن، كما يطلب منه دائماً ألقاء محاضرات على مستوى عالمي في كاليابان والصين فضلاً عن أميركا وأوربا، وله أبحاث في أيجاد مصادر الطاقة من الماء وصناعات الحديد والصلب، وحاولت الكثير من الشركات الأمريكية إبقاؤه في أميركا ولكنه رفض ذلك؛ ومع تميزه ولكنه عاجز مالياً عن طبع موسوعته الفريدة من نوعها بشأن (الغازات) حيث له نظريته الخاصة بهذا الشأن والتي يمكن أن تكون مرجعاً عالمياً في علوم الغازات مع العلم أن كلفة طباعتها لا تتجاوز الأربعين ألف دولار، السبب في ذلك أن اغلب الحكام هم من الجهلة ولا يفقهون قيمة انجازاته العلمية.
أما خارج العراق فأن الكوادر العراقية المنتشرة في العالم لها انجازات عظيمة فنسبة عدد المثقفين وحاملي الشهادات العليا في بريطانيا على سبيل المثال من الأصول العراقية أكثر من ضعف أمثالهم من الجاليات الأخرى كالجاليات الهندية والباكستانية على سبيل المثال مع العلم أن هجرتهم كانت قبل هجرة العراقيين وان وضعهم أكثر استقراراً من وضع العراقيين. إن عدد الأطباء العراقيين على سبيل المثال في الساحة البريطانية أكثر من أربعة آلاف طبيب، الكثير منهم على درجة عالية من التميز والعلم والإبداع.
فهناك عشرات النماذج الكفوءة وبدرجة عالية جداً خارج البلد، للأسف تبين أن أغلب من رجع إلى البلد من العراقيين هم من العاطلين عن العمل وللأسف الكثير منهم من الفاسدين، وبقي الكثير من الكفوئين خارج العراق وقرروا عدم الرجوع للبلد بعد اكتشافهم للدرجة العالية من الفساد المستشري في البلد وعمليات الاغتيال المبرمج للكفاءات في ذلك الوقت، ولهذا أخذت فكرة سيئة عن مزدوجي الجنسية ممن رجع الى العراق، حيث كان أكثرهم من الجهلة ومن الفاسدين، أما الجيدين منهم فلا يرغب الغرب بالتخلي عنهم ولا يرغب برجوعهم الى بلدهم، حيث أخبرني الدكتور إبراهيم الجعفري عندما كان رئيساً للوزراء أن رئيس الوزراء البريطاني السابق (توني بلير) طلب منه أن لا يسعى لإرجاع الأطباء العراقيين في انكلترا الى العراق لان بريطانيا كانت بحاجة ماسة إليهم.
وهناك شخصيات علمية خارج العراق لعبت دوراً رائداً في المجال العلمي كالدكتور محمد الحسني الرائد في مجال الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) حيث قامت وكالة الفضاء الأمريكية (NASA) بتبني برنامجه المتطور لإصلاح العطلات في ال(Space Shuttle) المركبة الفضائية (Colombia) في ثمانينات القرن الماضي، والدكتور عبد المجيد سلماسي الطبيب الذي يصنف ضمن الفريق الأول في بريطانيا في أبحاث الأجهزة الطبية لفحص القلب (Doppler Ultrasound)، لديه أربعة كتب في أمراض القلب تدرس في أغلب الجامعات البريطانية، والبروفسور الدكتور حامد الرويشدي الأستاذ في جامعة برونيل (Brunel) البريطانية في مجال الاتصالات الذي تخرج على يديه مئات الطلاب من كافة أنحاء العالم في أقسام الدراسات العليا في جامعة برونيل، والطبيب العراقي في استراليا الدكتور منجد المدرس والذي لديه انجاز عالمي متميز تفتخر به استراليا حيث يتجه إليه المرضى المعاقين من مختلف أنحاء العالم لتركيب الإطراف الصناعية بحيث تكون فعالية الطرف الصناعي مقاربة جداً للطرف الطبيعي؛ والعالم كله يعرف المهندسة المعمارية العراقية الموهوبة المرحومة زهاء حديد حيث كانت تعتبر قبل وفاتها عام 2016 أنها المهندسة الأولى في العالم في هندسة العمارة ومشاريعها تغطي كافة أنحاء العالم، ومهندس النفط والاقتصادي فاروق القاسم الذي تبنت النروج أطروحته الاقتصادية ويعتبر باني الاقتصاد النرويجي المعاصر وبالذات استغلال موارد النفط بالطريقة المثلى وقلده ملك النروج وسام الفارس من الدرجة الأولى وهو أعلى وسام يمنح في النروج؛ ووزير الصحة في بريطانيا الدكتور آرا درزي العراقي الجنسية والمولد والارمني الجذور الذي حصل على لقب سير من ملكة بريطانيا عام 2002 لإنجازاته في الطب والجراحة ولقب لورد عام 2007 حيث وضع ارقى واهم تعديل جذري للنظام الصحي البريطاني؛ يمكن الاطلاع على العشرات من النماذج المماثلة من المتميزين العراقيين على الرابط : https://www.facebook.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%81%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-794983790707829/
لقد ساهم العراقيون بدور فاعل في النهضة العمرانية والحضارية المتميزة في بلدان الخليج منذ ستينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا؛ لقد اطلعت واطلع الكثير من القراء على أحد البرامج التلفزيونية العربية حيث اثبتوا فيه أن الشعب العراقي هو أكثر الشعوب العربية كرماً وجوداً وسخاءً؛ هؤلاء هم العراقيون الحقيقيون، لا استطيع أن أتخيل أن العراق الذي أنتج كل هذه النماذج الجبارة وإذا بنا نكتشف أن الكثير ممن تصدوا لموقع المسؤولية هم في قمة الجهل، بل الانكى من ذلك لا زال العراق في آخر السلم في مستوى الفساد، واخرج العراق عام 2017 من التصنيف العالمي لجودة التعليم على مستوى المدارس والجامعات حسب تقييم المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس؛
ونتساءل هل يمكن أن يأخذ العراق وضعه الطبيعي كما كان في خمسينات وستينات وسبعينات وجزأً من ثمانينات القرن الماضي؟
وأجيب: هذا ممكن وممكن جداً ولكنه لا يتحقق إلا بإزاحة الجهلة والفاسدين من الطبقة السياسية الحاكمة واستبدالهم بالكفوئين والمخلصين من أبناء بلدنا، وهذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة أن شاء الله……
3 أفريقيا.. وجهة لـ«الدواعش»
د. محمد البشاري
الاتحاد الاماراتية

منذ سقوط دولة الخلافة المزعومة لتنظيم «داعش» الإرهابي في العراق وسوريا والجميع يتساءل إلى أين ستكون وجهة عناصر ذلك التنظيم الإرهابي الأشرس في العالم؟ ومن أين سيعاود نشاطه مرة أخرى؟ وكيف ستكون طبيعة المواجهة القادمة بينه وبين البشرية جمعاء؟ ومن يقف وراء إمداده مجدداً بإكسير الحياة ليبقى تهديداً قائماً لدول بعينها؟ وهل سيبقى «داعش» تهديداً قائماً في الشرق الأوسط فحسب أم ستكون له وجهات أخرى يصنع منها بؤراً جديدة للصراع العالمي بعدما كاد أن يُقضى عليه في العراق وسوريا؟

والجواب يبدو مُستغرباً من قبل البعض، وغير متوقع من قبل البعض الآخر. لكن طبيعة الأزمات المتلاحقة تضع سيناريوهات جديدة للتعامل مع الإرهاب وتنظيماته الدولية التي تبدو للعيان أنها رغم ما تمثله من تهديد للعالم، فإن ثمة دولاً كبرى تقف وراء تمويله ورعايته وإمداده الدائم بما يكفيه للبقاء كتهديدٍ يُوظف لخدمة أغراضها ومصالحها في إبقاء أزمات المنطقة مشتعلة، وربما تتداخل تلك المصالح مع تقاسم الثروات الطبيعية والنفوذ السياسي والسيطرة على مصائر الشعوب.

وليس بخافٍ على المتتبعين أن أفريقيا وبخاصة دول «الساحل والصحراء» تمثل مطمعاً لدول كبرى، ما جعل منها بؤرة صراع عالمي مرشحةً للتعاظم خلال السنوات المقبلة، وهو كذلك ما رشحها وجهةً للتنظيمات الإرهابية المفضلة خلال السنوات المقبلة كملاذ أكثر هدوءً، وأرض معركة بكر ترسم ملامحها من جديد على أيدى فلول «داعش» الفارين من نيران المواجهة القوية والساخنة في كل من دولتهم المزعومة في سوريا والعراق، خاصة بعدما أغلق الجيش المصري الباسل أبواب سيناء في وجوههم، وصار من يدخلها وإن ساندته دول كبرى تستهدف أمن مصر والنيل منها، يواجه حروباً ضروساً بلا هوادة مع أقوى جيش في المنطقة.

إن وجهة عناصر «داعش» بعد هزيمتهم المنكرة في سوريا والعراق تتمثل في أفغانستان وليبيا وغرب أفريقيا وباكستان وآسيا الوسطى (انظر الإصدار المرئي الجديد الذي نشره تنظيم «داعش» الإرهابي بتاريخ 4 مارس 2018م، تحت عنوان «أرض الله واسعة»)، مما دفع بمفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي «إسماعيل شرقي» إلى إطلاق تحذيرات من إمكانية عودة نحو 6 آلاف مقاتل أفريقي قاتلوا في صفوف «داعش» إلى القارة السمراء، داعياً الدول الأفريقية إلى التأهب للتعامل القوي معهم، وهو الأمر الذي يثير مخاوف من أن يتكرر ما حدث في الجزائر عقب عودة مقاتليه من أفغانستان، حيث أنشأوا في حينها جماعات مسلحة (الجماعة الإسلامية المسلحة)، وحصدوا أكثر من 200 ألف روح بريئة.

منطقة «الساحل والصحراء» تمثل خطورة كبيرة على القارة الأفريقية، وعلى أمن واستقرار الدول، وهو ما يستوجب تعاوناً بينها وتبادل المسلحين بالشكل الكافي لمنع تسربهم لشرايين القارة السمراء، فضلاً عن أنه صار لـ«داعش» ثلاث ولايات في الأراضي الليبية هي طرابلس، وبرقة، وفزان، ومن ثم جعل التنظيم من ليبيا خلال عامي 2015/ 2016 ليبيا مركزاً لتنفيذ عملياته الإجرامية في شمال أفريقيا، كما استولى «داعش» على سرت في 2015 قبل أن يستردها الجيش الليبي لتبقى مشكلة الخلايا «الداعشية» المتناثرة في الصحراء الليبية تحدياً قائماً، وهو الأمر الذي أكده تصريح للبنتاجون في 2016 بوجود نحو 6500 مقاتل «داعشي»، فيما خرجت إحصاءات أخرى ترجح زيادة العدد عن سبعة آلاف مقاتل «داعشي»، كما جرى الحديث عن دخول نحو 400 سنغالي لصحراء ليبيا من الجنوب، وكل ذلك يرنو إلى تحويل ليبيا لمركز لانتشار الإرهاب شمالاً إلى أوروبا وجنوباً إلى مناطق الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، فضلاً عن تهديد أمن دول الجوار الليبي وفي مقدمتها مصر.

ومن أجل جعل ليبيا منطلقاً داعشياً للتوسع نحو منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، نجد تحالف «داعش» مع «بوكو حرام»، التي تنشر الرعب في نيجيريا ومناطق بحيرة تشاد وجنوب النيجر وشمال الكاميرون، وفي تلك المنطقة نجد ما أُعلن عنه من تشكيل ما سُمي «جيش الصحراء»، الذي يقوده شخص ليبي سمى نفسه «أبو البركات»، إلى جانب تواجد قادة آخرين مثل أبومعاذ في درنة، وهو قائد لما سمي بلواء صلاح الدين، «الداعشي»، وهاشم السدراتي خبيب، وهو يطلق عليه لقب وزير الحدود، وبتواجد هؤلاء القادة ووجود الجغرافيا الحدودية المهترئة تسمح بامتدادات لا محدودة، وخاصة أن الجديد في أفريقيا وجود تحالف ما بين رافدي الإرهاب العالميين الآن «داعش» و«القاعدة» بخلاف ما حدث من صراع في سوريا، وهو الأمر الذي فضحه تصريح لأبو وليد الصحراوي الـ«داعشي» بالتعاون مع جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التي تنتمي لـ«القاعدة»، وهو ما يعني استراتيجية تحالف التنظيمات الإرهابية من جديد.

مما أكده كذلك الصحفي السويدي، في مقال نشر في صحيفة «سفينسكا داجبلاديت»، في هذا الصدد، بأنه تم خلال السنوات الأخيرة «تشكيل تنظيم القاعدة في شمال غرب أفريقيا تحت مسمى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، مؤكداً أن «الحركة تورطت بقوة في الهجمات الإرهابية واحتلال شمال مالي لمدة سنتين»، وأن «تقارير ترد أكثر فأكثر حول تزايد التعاون بين «البوليساريو» وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وبالالتفات لقضايا تمويل الإرهاب ورعايته لا يمكننا أن نغفل تلك الزيارات المتلاحقة لكل من أمير قطر والرئيس التركي إلى المنطقة، فالأخير زار كل من السودان وتشاد وتونس، أمير قطر زار السودان ودول غرب أفريقيا في تناسق للأدوار، ما يعكس أن التركيز في المرحلة المقبلة سيكون على هذه المنطقة، وليس بخاف من قبل إعلان السلطات المصرية ضبطها لطائرات قطرية محملة بالأسلحة للجماعات الإرهابية في ليبيا، وضبط السلطات القبرصية باخرة تركية مُحملة بأسلحة كانت مُتجهة إلى مصراته الليبية، فالأمر صار مفضوحاً.

زيارة أردوغان الأولى والثانية لأفريقيا، وزيارة أمير قطر لغرب أفريقيا والمؤشرات المالية على بداية حشد وتجميع للجماعات الإرهابية في منطقة الساحل وتسهيل وصول المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى ليبيا، المعركة تنتقل من الشرق الأوسط إلى أفريقيا، وقد يتم استعمال هذه الجماعات خدمةً للمشروع الصفوي-التركي-الإخواني، ضد أمن دول المغرب العربي ودول عربية خليجية.

وخلاصة القول إن دول «الساحل والصحراء» وغرب أفريقيا وليبيا دول مرشحة بقوة لأن تصبح إحدى وجهات الصراع العالمي على تقاسم ثرواتها الطبيعية، وكذلك مركزاً لتقاسم النفوذ بين دول كبرى، وبالتبعية مركزا لانتشار الجماعات الإرهابية، وربما هذا ما رجحته تصريحات للظواهري من دعوة لقتال فرنسا في دول «الساحل والصحراء»، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلاً جديداً.. هل بعد انتهاء مهمة «داعش» في المنطقة ستعود القاعدة لقيادة الإرهاب العالمي من جديد؟
4 العراق: جيش طائفي

عائشة المري
الاتحاد الاماراتية

وقع رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، أمراً ديوانياً خاصاً بمساواة رواتب منتسبي «الحشد» مع الجيش العراقي، وبذلك يصبح «الحشد الشعبي» جزءاً من القوات المسلحة العراقية وكان البرلمان العراقي قد أقر قانون إدماج «الحشد الشعبي» ضمن الجيش العراقي عام 2016 وربطه بسلطة القائد العام للقوات المسلحة، إلا أن توقيت وخطوة العبادي تثير تساؤلات حول أهدافه ومآلاته المستقبلية خاصة في ظل حقيقة أن قوات «الحشد الشعبي» تتكون من الشيعة مما سيؤثر بالضرورة على تركيبة الجيش العراقي، إضافة إلى تصاعد الاتهامات الموجهة لـ«الحشد الشعبي» من المنظمات الحقوقية الدولية بارتكاب انتهاكات خطيرة بحقّ المدنيين السنة، يُضاف إلى ذلك الارتباط الواضح للمرسوم بأهداف العبادي السياسة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في مايو القادم بهدف استمالة الأوساط الشيعية، ولكن الأخطر من كل ذلك شرعنة الدور الإيراني في العراق بما أن طهران تدعم وبشكل علني قوات «الحشد الشعبي» الطائفية، وقد دافع حيدر العبادي عن قانون إدماج «الحشد الشعبي» قائلاً نظراً لـ«التضحيات التي قدمها هؤلاء المقاتلين الأبطال من شباب وكبار السن» وأنه «أقلّ ما يمكن أن تقدمه الدولة إليهم».

ينص الدستور العراقي في المادة(9) على (تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي بما يوازي وتماثلها دون تمييز وإقصاء…) لكن الواقع اليوم يشير إلى أن معظم أفراد القوات المسلحة من مكون واحد وطائفة واحدة «الشيعة»، كما منع الدستور تشكيل ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة في المادة (9) لكن الواقع في العراق يشهد عشرات التشكيلات والميليشيات المسلحة وخارج إطار القوات المسلحة العراقية. فقوات الحشد الشعبي تشكلت عام 2014 إثر فتوى أطلقها المرجع الديني الشيعي الأعلى علي السيستاني تدعو كل من يستطيع حمل السلاح إلى التطوع في القوات الأمنية لقتال مسلحي تنظيم «داعش» وتجيز التعبئة الشعبية لدرء خطر هذا التنظيم، وهو ما وصف فقهيا بـ «الجهاد الكفائي». فاستجاب للفتوى عشرات الآلاف من شباب الشيعة العراقيين، الموزعين على الكثير من الفصائل التي حملت السلاح دعماً للجيش العراقي لطرد تنظيم «داعش» من المناطق التي سيطر عليها وأسست إثر ذلك لجنة لـ «وحدات الحشد الشعبي» انبثقت عن مكتب رئيس الوزراء لإضفاء الطابع المؤسساتي على التعبئة الشعبية ومنحها صفة رسمية مقبولة كظهير للقوات الأمنية العراقية. وانتهى القتال فعلياً في نهاية عام 2017 عندما أُعلن رسمياً عن دحض «داعش»، لكن قوات الحشد الشعبي لم يتم تفكيكها، ولكن تم شرعنتها، وأُضفيت الصفة الرسمية عليها، وكما صرح مصدر قانوني في وزارة الدفاع. «إن هذا الأمر الديواني أصبح بموجبه المعمم خريج الابتدائية راتبه يساوي راتب لواء ركن ماجستير علوم عسكرية… هذا القرار هو فساد بحد ذاته لمن يدعي مكافحة الفساد مع احترامنا للتضحيات ولكن ليس بهذه الطريقة».

يبلغ عدد قوات الحشد الشعبي حوالى 130 ألف مقاتل، يشكلون 45 فصيلًا وتضم قوات الحشد الشعبي عدة فصائل مسلحة من بينها فصائل سُنية وأخرى مسيحية، ويضم «الحشد» كما تعلن الحكومة العراقية حوالى 30 ألف مقاتل سُني، والبرلماني السابق والقيادي في تحالف اتحاد القوى العراقية محمد الخالدي يصف تمثيل السُنة داخل الحشد بـ «الفضائيين». و«الفضائيون» هو مصطلح ذاع صيته في العراق وهو يعني أن العسكري اسم وهمي، أو فقط اسم على ورق فحسب الخالدي، فإن عددهم مجرد رقم غير دقيق وغير حقيقي «هناك أسماء وأرقام لا وجود فعلي لها داخل قوات الحشد».

ويرى البعض بأن قرار إدماج «الحشد الشعبي» يهدف إلى «تبييض» صفحة «الحشد» في انتهاكات حقوق الإنسان وكانت منظمة العفو الدولية قد نشرت تقريراً يوثق انتهاكات «الحشد» استندت فيه إلى بحوث وتحقيقات ميدانية دامت لعامين ونصف العام، إذ يقوم خبراء تابعون لها باستجواب معتقلين سابقين، وعائلات الضحايا من الذين قتلوا أثناء المعارك أو المختطفين، والناجين من المعارك، وركز تقرير المنظمة على أربع مجموعات مسلحة تتلقى كلها الدعم من إيران، وهي «منظمة بدر»، و«عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«سرايا السلام» وقالت المنظمة «إن أسلحة وذخيرة صُنعت في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، استخدمت في جرائم حرب وانتهاكات من قبل ميليشيات مسلحة تحارب إلى جانب الجيش العراقي، وأضافت أن «الميليشيات الشيعية التي تعرف بالحشد الشعبي استخدمت أسلحة تابعة للجيش العراقي في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، مثل التعذيب والاختفاء القسري، والإعدامات خارج إطار القانون».

سينعكس القرار على تجذير الخلل الطائفي في قوات الجيش العراقي في مخالفة صريحة لنص المادة التاسعة من الدستور المذكورة مسبقاً كما لايخفي ارتباط فصائل «الحشد» بإيران، فاللقاءات مستمرة وعلنية بين قادة فصائل «الحشد» وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، وكذلك الإشادة المستمرة لقياديي «الحشد» بالدعم الإيراني فولاءات تلك الجماعات الطائفية المسلحة والمؤدلجة لإيران مؤدياً بالنتيجة إلى ترسيخ الانقسام الطائفي في المؤسسة العسكرية العراقية، وهو ما يمثل خطورة على مستقبل الدولة العراقية.
5
كلنا العراق
محمد الجوكر البيان الاماراتية

ما زال قرار رفع الحظر على الكرة العراقية، يلقى صدى واسعاً محلياً وإقليمياً ودولياً، وقد زارني صديق عراقي، وهو رجل أكاديمي، معروف له عدة مؤلفات رياضية أولمبية، وتعجبني جلساته، لأنها كلها مرتبطة بالرياضة والعلم والذكريات الحلوة أيام زمان، وبعد أن أعلن (الفيفا)، قرار رفع الحظر عن استضافة المباريات الدولية في العراق، بعد الجهود الخيرة التي بذلت، وبعد أعوام عجاف مضت على الرياضة العراقية، وكانت للمباراة الودية التي جمعت أسود الرافدين مع الأشقاء السعوديين في البصرة، الأثر الكبير في الأوساط الرياضية عامة، بل إن أبناء الرافدين، سيتقدمون بدعوة رسمية لمنتخبنا الوطني، للعب هناك.

وأتذكر، أن فريق الخليج بالشارقة، قبل اندماجه مع العروبة، وهو الشارقة الحالي، قد لعب في الملاعب العراقية، في مدينة السليمانية، كأول فريق إماراتي لعب هناك عام 1970، في جولة كروية، شملت سوريا والعراق ولبنان، فالعلاقة قوية بيننا، وتربطنا بالأحبة علاقات تاريخية مصيرية، فدائماً تقيم الفرق العراقية معسكراتها في الدولة، ولنا مع نجومها الذكريات التي لا تنسى، وهناك عشرات المدربين العراقيين، دربوا فرقنا، وحققوا معها العديد من المكاسب، ليس فقط على مستوى الكرة، وإنما في كافة الرياضات الأخرى، فنشعر بهم، فهم إخوة أعزاء لنا، يتمتعون بكفاءات علمية إدارية عالية، وآخر هذه الكفاءات، هو مدرب نادي الطلبة ومنتخب العراق، د. جمال صالح، والذي أصبح مديراً فنياً لنادي الشارقة، فالرجل أكاديمي، يتمتع بحسن التعامل والكفاءة العملية، والاختيار صادف أهله، بعودته إلى النادي.

وكان من ثمار لقاء البصرة التاريخي، أن تبرع خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، بتشييد ملعب دولي جديد، وهذا لقي ترحيباً شعبياً كبيراً، لما له من أثر معنوي، قبل أن يكون مادياً، وذلك لعودة العلاقات الأخوية بين الأشقاء إلى سابق عهدها، وجاءت هذه المكرمة، نتيجة حفاوة الاستقبال والترحيب الشعبي الفني والرياضي من أبناء البصرة خاصة، والعراقيين كافة، لإخوانهم السعوديين، الذي طال انتظار اللقاء بهم، ولا شك أن عودة العراق للحضن العربي، الذي لا غنى عنه، أدخل الفرحة في قلوب العرب جميعاً، وأغاظ الأعداء، وهنا، علق صديقي وضيفي قائلاً باللغة العامية، التي يطلق عليها في جنوب العراق (بالحسجة)، «إجونا 90 دقيقة وأطونا ملعب وأكو ناس صار لهم 15 سنة، مقشمرينا باللبن الحامض، ويا ريت على اللبن المنتهي الصلاحية فقط»!!، وهذا يدل على أن الرياضة لغة الشعوب، شعارها المحبة والسلام، وصدق من قال «إن الرياضة تجمع، والسياسة تفرق».

والعراق صاحب تاريخ حافل في المجال الكروي، وله صولات وجولات، في كل الدورات القارية والدولية التي وجد فيها، ونحن فخورون بهم، على اعتبار أن كرة القدم، هي رسالة إنسانية إلى شعوب العالم، وبالتالي، العراقيون إخوتنا، ونتمنى أن تسجل الكرة العراقية عودة موفقة، وتعيد لنا ذكرياتها الجميلة، يوم كانت تصول وتجول، وليقول الجميع بصوت واحد «كلنا العراق».. والله من وراء القصد.

6 إسلاميّو العراق يرفعون الراية الرمادية
عدنان حسين
الشرق الاوسط السعودية

لأول مرة منذ 2005، وهو العام الذي بدأت فيه الانتخابات التشريعية في العراق في عهد ما بعد صدام، امتنع الحزبان الإسلاميان الرئيسيان والتاريخيان في العراق عن خوض الانتخابات البرلمانية الجديدة التي ستجري في مايو (أيار) المقبل باسميهما الصريحين.
ليس من المحتمل أن يكون هذا القرار متوافقاً عليه بين الحزبين اللذين لم يكونا أبداً على وفاق، على رغم اشتراكهما في السلطة منذ 2003 (مجلس الحكم والحكومات المنتخبة التالية)، فحزب الدعوة الإسلامية (الشيعي) الذي يرجع تاريخه إلى العام 1957 والحزب الإسلامي العراقي (السنّي، فرع جماعة الإخوان المسلمين) الذي يعود تاريخه إلى العام 1960، كانا على الدوام طرفين رئيسين متقابلين في العنف الطائفي الذي شهده العراق في عهده الجديد، وتطوّر في فترة ما، (2006 – 2007)، إلى حرب أهلية دموية انخرط فيها الحزبان وسواهما من جماعات الإسلام السياسي على نحو مباشر عبر الميليشيات، أو غير مباشر بالتحريض وإشاعة خطاب الكراهية الطائفي.
مؤكد أن القرار بعدم خوض الانتخابات الوشيكة مباشرة اتّخذته قيادتا الحزبين على نحو مستقلّ. الظرف الملموس هو الذي فرض على كل منهما عدم تشكيل قائمة انتخابية أو الانضمام إلى قائمة انتخابية باسمه، فتركا لأعضائهما حرية الترشّح في القوائم والائتلافات التي يختارونها، فالحزبان واجها في الحقبة الماضية وضعاً تراجعت فيه شعبيتهما، بل جعلهما على المحكّ بسبب فشل تجربتهما، وعموم تجربة الإسلام السياسي، في الحكم، وهي تجربة تميّزت بتفشّي الفساد الإداري والمالي وتدهور نظام الخدمات العامة وانهيار الأمن.
فيما يتعلّق بحزب الدعوة، فإنه واجه أزمة حادّة منذ تشكيل حكومة القيادي فيه حيدر العبادي بعد انتخابات 2014، في ذلك الوقت أصرّ زعيم الحزب ورئيس الحكومة السابق نوري المالكي على ترؤس الحكومة من جديد في ولاية ثالثة، وهو ما لقي معارضة شديدة من سائر القوى العراقية، بما فيها قوى في كتلة «الائتلاف الوطني» الشيعية ذات الأغلبية في البرلمان. بسبب ذلك الموقف تأجّل تشكيل الحكومة طويلاً فكان أن توافقت القوى المختلفة، بدعم من قوى إقليمية ودولية، على تكليف شخصية من حزب الدعوة نفسه (العبادي) لترؤس الحكومة كحلّ وسط للخروج من أزمة تشكيل الحكومة، لم يقبل به المالكي لكنّه فُرض عليه فرضاً.
تحضيراً للانتخابات الوشيكة لم يشأ المالكي الموافقة على ولاية ثانية لغريمه العبادي… أراد هو أن يختار بنفسه مرشّح الحزب وائتلاف «دولة القانون» لرئاسة الحكومة الجديدة. في المقابل لم يرضَ العبادي بهذا، فكان الحلّ الوسط أن يخوض كلّ منهما الانتخابات في قائمة مختلفة، على ألّا يُعلن أي منهما أنه يمثّل حزب الدعوة. ولم يكن الخلاف غير القابل للتسوية بين المالكي والعبادي العامل الوحيد في هذا الحل، فتجربة قيادة «الدعوة» للحكومة لم تكن مما يمكن المفاخرة به. كانت في الواقع عنواناً صارخاً لتفشي الفساد الإداري والمالي وتردّي الأحوال المعيشية والخدمات العامة، وأخيراً وقوع ثلث العراق تحت قبضة تنظيم داعش الإرهابي، مع كل ما رافق ذلك من مِحن كابدها نحو 6 ملايين نسمة، وتوجيه موارد البلاد لمحاربة «داعش» ومكافحة الإرهاب المنفلت.
من جهته، الحزب الإسلامي يتّهمه جمهوره في المحافظات الغربية (السنية) التي اجتاحها تنظيم داعش في يونيو (حزيران) 2014 بالخيانة، خصوصاً أن جمهور هذه المحافظات لم يلمس من الحزب، وسائر الجماعات الإسلامية السنية الممثّلة في الحكومة والبرلمان، دوراً في التخفيف من محنة الملايين الستة الذين نزحوا من مدنهم ومناطقهم، وواجهوا ظروف عيش مأساوية في المخيمات، بل ثمة اتّهامات متبادلة بين قيادات الأحزاب السنية باستغلال محنة النازحين والتصرّف بالمعونات المقدّمة إليهم. ولا بد أن قيادة الحزب الإسلامي أدركت أن خوضها الانتخابات في قائمة صريحة لن يعود عليها الآن إلا بأدنى النتائج، ما يعني مواجهة الانحلال أو الحلّ، فآثرت الانسحاب والتواري هذه المرّة.
تنظيم إسلامي رئيس ثالث لم يشأ أن يخوض الانتخابات باسمه أيضاً، هو التيار الصدري الذي يمثّل الفئات المسحوقة والمهمّشة في المدن والمناطق الشيعية، وشكّل منذ 2005 كتلة مُقرّرة داخل «التحالف الوطني» الشيعي، فزعيم التيّار مقتدى الصدر تنبّه، فيما يبدو، قبل غيره من الإسلاميين إلى فشل التعويل على الهوية الطائفية، والدينية عموماً، في بلد متعدّد الأديان والطوائف والقوميات والعقائد السياسية، وإلى انخراط قيادات أحزاب الإسلام السياسي، بما فيها قيادات من تيّاره، في عمليات الفساد الإداري والمالي التي أخزتْ جماعات الإسلام السياسي كلّها، فاتّخذ أواخر العام الماضي قراراً بتجميد عمل الكتلة السياسية التي يخوض الانتخابات بها (الأحرار) لأربع سنوات مقبلة، واختار أن يقف وراء تشكيل تنظيم سياسي لا يحمل صفة «الإسلامي» (الاستقامة الوطني) من عناصر مقرّبة من تياره أو مستقلة (تكنوقراط)، ليخوض الانتخابات بها بالتحالف مع قوى مدنية (الحزب الشيوعي ومجموعات علمانية أخرى).
ولم يكن الصدر وحيداً في اختيار صفة «الوطني» أو «المدني» أو «الديمقراطي» لتنظيمه الجديد… معظم جماعات الإسلام السياسي نحتْ هذا المنحى، ومنها الكتلة المنشقة من «المجلس الأعلى الإسلامي» الشيعي التي أعادت تشكيل نفسها تحت مسمّى «تيار الحكمة الوطني» بزعامة عمار الحكيم.
مجمل القول، إن الإسلام السياسي العراقي الذي وجد نفسه مع الانتخابات الوشيكة في مواجهة ساعة الحقيقة، أي ساعة تسديد حساب فشله، اختار أن يرفع الراية الرمادية، مراهناً على الزمن في سبيل عدم مواجهة الساعة التي يتعيّن عليه فيها رفع الراية البيضاء إقراراً بفشله.

7 ماذا تخبئ السعودية للعراق؟
فيصل العساف
الحياة السعودية

لم يكن للسعودية من خيار في العراق سوى الوقوف متفرجة أمام كم التجاذبات داخلها، فـ «بصلة» الاحتلال الأميركي و «قشرتها» من الساسة العراقيين الطائفيين، لم يشأ السعوديون الدخول بينهما على الإطلاق. هل تغير العراق اليوم؟ ليس تماماً، ولكن الدلائل تشير إلى تبدُّل المزاج الشعبي، الذي أزكمت رائحة الاستقطابات الكريهة أنفه.

إلى وقت قريب، كانت الصورة التي ترسمها وسائل التواصل الاجتماعي لدى السعوديين عن العراق والعراقيين، قاتمة جداً، تملأها محاضر الاتهام والادعاءات الباطلة، حتى أتت تلك اللقطات من ملعب البصرة، لجماهير عراقية من مختلف الأجناس والطوائف. كانت «فطرة» الأخوّة عنوان هتافاتها على مدار شوطي اللقاء الذي جمع الفريقين السعودي ونظيره العراقي، لتمثل صعقة كهربائية على صدر العلاقة التي كانت في حال احتضار. عاد العراقيون معها مجدداً إلى اعتلاء عرش المودة في صدور السعوديين، بلا مقابل أو رجاء شيء على الإطلاق، سوى أن تستعيد بلادهم عروبتها وهيبتها من براثن إيران وأتباعها فيها.

لنكن أكثر واقعية، ونتحدث عن أسباب الجفوة- المفتعلة- بين البلدين الجارين.

في الحقيقة، ليس لدى السعودية ثأر مع أحد في العراق، وإن كان هنالك من «ضغينة» فالواجب أن تكون ضد النظام الذي ضرب عاصمتها ومدنها بالصواريخ، وكلف خزانتها بلايين الريالات بغزو الكويت، لكن هذا الفاعل المفترض كان الراحل الملك عبدالله قد نقضه من أساسه، عندما قدّم عربون نسيان السعوديين للماضي على طبق من محبة إلى العراقيين، بعناقه الحار وعلى رؤوس الأشهاد لنائب الرئيس العراقي- يومها- عزت إبراهيم، في القمة العربية التي انعقدت أعمالها في بيروت 2002. أما ادعاء دعم الجماعات الإرهابية المتطرفة، تلك الحجة التي يدندن حولها «مصاصو» دماء العراقيين، فإن الرد على هذا الاتهام الباطل لا يتطلب من «أحرار» العراق سوى الرجوع إلى محرك البحث غوغل، حتى يتأكدوا أن السعودية سبقتهم بسنوات في استهداف تلك المجاميع الإجرامية لها، وليس ذنب السعوديين أن يتخذ أرباب الفكر الضال من بعض الفتاوى منصة انطلاق تبرر طغيانهم، تماماً مثلما أن الشيعي العراقي البسيط الذي يعاني الأمرين اليوم، لا يتحمل أوزار الفتاوى الطائفية التي تتناقلها ركبان شذاذ الآفاق، الذين اتخذوا من العمامة بيدقاً في مشروع تمكين إيران من خيرات أرضهم، في مقابل حظوظ السلطة، وفتات المال!

السعودية التي تبني، ليس لديها طموح في الزعامة على حساب أحد من أشقائها، وإلا ما كانت لتتحدى رغبة «الحليف» الأميركي في مصر، وتدعم بكامل ثقلها ثورة الشعب في 30 يونيو المجيد. أرجو أن يفهم ذلك من لا يزال في قلبه شيء من بواقي الحشد ضد هدفها الوحيد والأهم وهو استقرار منطقتنا الملتهبة، خصوصاً الأخوة في بلاد الرافدين، الذين عليهم أن يستوعبوا جيدا أن الطموح السعودي النهضوي ليس له أن يستقيم، في ظل تهميش العراق العريق.

العراق ليس إيران، مهما حاول «البعض» أن يجعل منه باحة خلفية أو أمامية للمشروع الإيراني الهدام، العراق منا نحن العرب رغماً عن تلك الأهداف الأحادية البغيضة في قالبها الطائفي الهش الذي فنّدته انتماءات العراقيين الأصيلة، أما السعودية فإنها ليست تلك «الدويلة» الصغيرة الهامشية التي تحمل طموحات الزعامة الكذابة. السعوديون أيها السادة لا يقومون على أنقاض غيرهم، وإنما إلى جانبه. السعوديون الذين خاطروا بأرواح أبنائهم من اللاعبين والإعلاميين، لأجل بث الروح في رياضة العراق من جديد، على استعداد تام أن يبذلوا كل إمكاناتهم في سبيل استعادة العراق لدوره المحوري في المنطقة، راعياً للعلم والأدب ونشر الحياة.

8 محاولت اختراق قادة الجيش العراقي
وليد الزبيدي
الوطن الكويتية

انطوت صفحات كثيرة من ايام الحرب الأميركية – البريطانية على العراق، بسبب ما افضت إليه الحرب من طوي صفحة كاملة واستبدالها بأخرى، وأن القوات الغازية قد تولت الأمر في كل شيء، وبالتأكيد ثمة اسرار كثيرة ذهبت دون توثيق وتسجيل، في حين تحتفظ قوات الاحتلال الأميركية بالكثير منها، ومن بين تلك الاسرار محاولات اختراق قادة الجيش العراقي قبل بدء الغزو واثناء الحرب.
في ساعات الصباح الأولى من يوم الخميس العشرين من مارس/آذار، رن جرس الهاتف (الخط المدني)، أي التلفون الأرضي، الذي يرتبط بالبدالة المدنية، ويختلف هذا الخط عن الهاتف العسكري، الذي يعمل على بدالة سرية خاصة تربط قادة الجيش بالقيادة العليا للقوات المسلحة وبوزير الدفاع وهيئة الأركان، رن هذا الهاتف في وقت واحد، عند غالبية قيادات الحرس الجمهوري، ابتداءً من مركز القيادة، الذي تمركز في محيط بغداد، واتخذ عدة أماكن للطوارئ، وانتهاءً بجميع القيادات (قادة الفيالق، وقادة الفرق، وأمراء الألوية وقادة الميدان)، من الذين يمتلكون مثل هذا الخط الهاتفي، وفوجئ الجميع عندما سمعوا أن الذي يتحدث على الطرف الثاني، هو من القوات الأميركية وربما من وكالة المخابرات المركزية، وقد عرف بنفسه بلغة عربية، واستمع البعض إلى كلام المتحدث، في حين سارع الكثيرون إلى إغلاق سماعة الهاتف، إذ لم يتوقع أي قائد في قوات الحرس الجمهوري، أن يتحدث إليه شخص أميركي عبر الهاتف، وسارع القادة إلى إبلاغ مراجعهم العليا بأسرع ما يمكن، لأنهم يعلمون تماما إن التأخير في نقل هكذا معلومة، تضعهم في خانة المحاسبة القانونية، بعد أن جرى اتصال من طرف قوات العدو، الذي دخل البلد في حرب عنيفة وشرسة، وازدادت المفاجأة، عندما علم هؤلاء القادة، بأن الاتصال شمل القيادات العليا، إضافة إلى القادة والآمرين في مواقع القيادة، وفي مناطق مختلفة من العراق، وسرعان ما شعر كبار قادة الحرس الجمهوري بالارتياح، عندما علموا بذلك، وأدركوا إن الأمر قد شمل الجميع، ومن جهتها سارعت الجهات المسؤولة في الاستخبارات التابعة للحرس الجمهوري، وبالتباحث مع الاستخبارات العامة، ومن خلال اتصالات سريعة مع مسؤولين ومختصين في جهاز المخابرات، لمناقشة هذا الأمر، الذي قال البعض أنه يُعد خرقا أمنيا خطيرا، وبينما اقترح مسؤولون في الاستخبارات، إجراء تحقيقات موسعة، حول هذا الخرق، توصل مسؤولون آخرون إلى أنه لا يجوز إعطاء الموضوع اهتماما كبيرا، لأن الخرق استنادا إلى قناعاتهم، لم يحصل من خلال أي من الضباط أو المسؤولين في الحرس الجمهوري أو الحرس الخاص، وإنما من خلال جهات أخرى، ويقول أحد ضباط الحرس الجمهوري، إنه قد تم حسم هذا الموضوع بسرعة فائقة، واقتنع الجميع، بأن أرقام هواتف قادة الحرس الجمهوري، قد وصلت إلى وكالة المخابرات الأميركية وإلى دوائر الاستخبارات، من خلال لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة، التي أصر مسؤولوها على زيارة مواقع قوات الحرس الجمهوري، وحصلوا على موافقات الأمم المتحدة للدخول إلى جميع الأماكن، ومن بينها البدالات العسكرية والمدنية، وكانت معلومات قد تسربت، تؤكد أن هناك منظومات تنصت واتصالات على مستويات متطورة جدا، قد وضعت في فندق القناة، الذي يقع في جانب الرصافة من بغداد، وتتخذه لجان التفتيش في ذلك الوقت مقرا لها، قبل أن تغادره قبل ثلاثين ساعة من بداية الحرب.