1 العراق: جدار برلين بين السعودية وايران
مسلم عباس
الراي اليوم بريطانيا

العلاقات العراقية السعودية في تحسن متصاعد، والزيارات المتبادلة صارت شبه روتينية لتكسر حاجزا من الصراع والتوتر الذي استغرق بناؤه اكثر من ربع قرن تخلله التصعيد والوعيد وتنفيذ عمليات عسكرية بايدي اطراف ثالثة.
مشهد عدم الثقة تغير، وعمليات تهديم جدار “الكراهية” تتم في معول الرياضة وبمساعدة مادية تحت الطاولة اسفرت عن ملعب تبرعت به الرياض لبغداد تتم ترتيبات بنائه مستقبلا، فضلا عن استثمارات اقتصادية ضخمة واموال ستضخها السعودية في حال استمرت العلاقات في التحسن بنفس الوتيرة التي يريد لها ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان.
هذه الاخبار افرحت الكثير من الجمهور العراقي المتعطش لمشاهدة نشرات الاخبار خالية من اي اعتداء ارهابي يضرب المدنيين او قوات الامن والجيش والحشد، فمثلما كانوا يكرهون السعودية (سابقا) هم يكرهون الحرب ايضا، ولا يريدون استمرار الخلاف مع الرياض.
جمهور اخر ومعه تكتلات سياسية يعارض فكرة الصلح مع السعودية مطالبا اياها بتعويضات مادية ومعنوية لما لحق بالعراق من مآسي، تسببت بها الجماعات الارهابية المدعومة من السعودية، وبدلالة السيارات التي عثر عليها بلوحات تسجيل رسمية سعودية، فضلا عن الفتاوى التي تكفر الشعب العراقي وتصفه بابشع الكلمات المهينة، ويضاف الى كل هذا التحشيد الاعلامي الخليجي التسقيطي للحكومة العراقي منذ عام ٢٠٠٣ وحتى قبل اشهر قليلة.
هذا التكتل الرافض للتطبيع مع السعودية يعتبر اي خطوة في هذا الاتجاه مناقصة لبيع دماء الشهداء، وفي المقابل يراه المؤيدون للمصالحة حفظا لدماء ما تبقى من ابناء الشعب العراقي فاستمرار الحرب يعني مزيدا من القتل والتدمير وجيوشا من الارامل والايتام.
التغيير الحاصل في العراق هو نقطة تحول استراتيجية تؤثر على مستقبل البلد، ولا بد من خطوات كهذه ان تخضع للمحاكمة المنطقية والعقلية في اطار المصالح العليا للبلد، وبما يسهم في حفظ حقوق الاجيال القادمة.
السؤال يطرح هنا عن وجهة النظر الافضل التي يمكن اتباعها؟ المؤيدة للتطبيع مع السعودية ام المعارضة لها؟ وكيف يكون ذلك؟
الاجابة عن هذا السؤال لا تحتمل التأييد او الرفض لاي من وجهتي النظر، لان اغلبها نابع من مصالح سياسية خاصة لكل طرف، (وله الحق في ذلك) الا ان الواجب توضيح الاسس التي ينبغى ان تبنى عليها العلاقات العراقية الخارجية وخاصة مع السعودية.
في البداية يجدر بنا ان نستعرض السلوك السياسي السعودي في المنطقة وما هي الاسس التي يقوم عليها، فالرياض تعتمد على المال السياسي بشكل محوري لبناء علاقاتها الخارجية وتشكيل التحالفات، لتكسب بذلك حلفاء يضمنون بقاءها لاطول فترة ممكنة.
في ثمانينيات القرن الماضي اشتد الصراع على اوجه في المنطقة فدفعت السعودية وبعض العرب بصدام حسين الرئيس العراقي حينذاك بشن الحرب على ايران ودعموه بالمال والسلاح ونفخوا فيه ووصفوه بانه حامي البوابة الشرقية للعرب، وعلى هذا المنوال اغدقوا عليه بالمال والسلاح والاستثمارات لمدة ثمان سنوات انتهت بعدد مرعب من الشهداء والجرحى وبنتيجة صفر اليدين، فلا غالب ولا مغلوب.
الدعم المالي الذي حصل عليه العراق تم توثيقه كديون مالية على العراق يتم استفزازه بها متى ما حاول الانقلاب على اخوانه الذي هو حامي بوابتهم الشرقية، وحين انقلب عليهم بغزو الكويت لشعوره بالخيانة اخرجوا وثائقهم وطالبوه بالديون، والى اليوم لم تسقط السعودية وبعض الدول العربية ديونها على حاميهم السابق.
تمر المنطقة هذه الايام بتحولات استراتيجية كبرى، والصراع الاقليمي والدولي اكبر بكثير من ذلك الذي دفع بالعراق وايران لحرب الثمان سنوات، وكل طرف يسيعى ليكون هو المغناطيس للدول الاخرى، موفرا بذلك حماية لنفسه، ولكي يرعب عدوه ايضا.
الحرب في اليمن وسوريا والصراع على لبنان والبحرين والعراق، كلها تدفع بطرفي الصراع الكبار (السعودية وايران) الى استخدام كل الوسائل من اجل فرض الهيمنة، او الاستفادة من كل الادوات المتاحة.
السعودية مع ولي عهدها الشاب تريد محو اثار الماضي لكنها في الوقت ذاته لا تريد فعل ذلك مع ايران، وتبحث عن تعزيز مواقفها للايقاع بها متى ما حانت الفرصة، والعراق ساحة التنافس الاكبر، فهو جار للسعودية كما هو جار لايران، وكانه ذاك الجدار الذي يقام بين الطرفين واي منهم يستطيع اختراقه فقد هزم خصمه.
ومن الطبيعي في هكذا ظروف ان تتنافس الدولتان على كسب ود العراق، وهذا ما يجعل العراق امام فرص عظيمة لابراز نفسه كدولة ذات ثقل سياسي مؤثر، فهو يستطيع ان ياخذ من ايران ويضغط عليها من خلال ابراز ورقة الصلح مع السعودية، كبديل عن الدعم الذي كان يحصل عليه من طهران، حتى لا تطلب اكثر مما هو مسموح لها في حدود حفظ سيادة البلد.
في المقابل وبنفس الطريقة تستطيع بغداد ان تضع الورقة الايرانية كوسيلة ضغط على السعودية للحصول على المزيد من الدعم والمكاسب السياسية والاقتصادية، مع التشديد على اهمية رسم السيادة الوطنية بخط احمر واضح جدا.
اما الحديث عن علاقات غير مشروطة مع ايران، او مصالحة مفتوحة مع السعودية، فهو نوع من الغباء السياسي ونسيان لحقوق البلد وشهدائه الذي ضحوا من اجل الدفاع عن السيادة ورسم الحدود بخطوط حمراء من الدماء الطاهرة، وليس فتح الابواب من اجل مكسب انتخابي للضغط على خصم سياسي محلي، فالاولى ان يكون الخارج دعامة للجميع سواء كان سعوديا ام ايرانيا، والا سيعود الانقسام من جديد.
2 الانتفاضة المفقودة في العراق
ادهم ابراهيم

راي اليوم بريطانيا

كنت والى عهد قريب اتسائل لماذا لايثور او ينتفض الشعب العراقي ازاء
كل هذا الذي يجري عليه من فساد وفقر وقهر وافتقار لابسط الخدمات الانسانية ، وانتشار العنف في كل مناطق العراق تقريبا . ورغم ان اعدادا غير قليلة من المتعلمين والمثقفين وعمال واعين يخرجون بمظاهرات احتجاجية الا انها لاتلبث ان تخفت ويعودون ادراجهم
ان الانتفاضة فعل جمعي يقوم به الشعب عند شعوره بالظلم او المهانة . والشعب العراقي من الشعوب الحية التي لاتقبل باقل من العدالة والانسانية ، ولاينام على ضيم . وازاء ذلك فانني توقفت كثيرا لمعرفة اسباب رضوخ العراقيين وخنوعهم في هذه المرحلة الحرجة من حياتهم
وقد وجدت ان ذلك يعود الى اسباب عديدة لعل اهمها الاتي :٠
اضعاف الولاء الوطني
ان اول عمل قامت به قوات الاحتلال الامريكي للعراق هو تشكيل مجلس حكم يقوم على التقسيم الطائفي والقومي المزدوج . ويبدو ان التقسيم الطائفي لم يكن مجديا لوحده فتم الحاقه بتقسيم قومي ايضا في تشكيلة موزائيكية لاتشبه اي تقسيم منطقي . وتم تعزيز التقسيم هذا من خلال الدستور الذي اعتبر العراق مجرد مكونات . اي نفى عنه صفة الشعب الواحد وهذه اول واخطر مؤامرة جرت على الشعب العراقي . وقد استغلت الاحزاب الحاكمة هذا التقسيم فعمقته لتحصل على اكبر عدد ممكن من الاصوات بالانتخابات من خلال التحريض والاصطفاف الطائفي
فتم بذلك احلال الانتماء الطائفي محل الولاء الوطني . واستفادت من ذلك كل الاحزاب والتكتلات المشاركة في الحكم . ان غياب المشاعر الوطنية يعد من اهم الاسباب التي تبعد الشعب العراقي عن الثورة او الانتفاضة ضد حكامه المتخلفين والفاسدين ٠
شيوع عدم الثقة بالاخرين
ان هذا التقسيم الطائفي والقومي الهجين قد تسبب في انكار الاخر
وعدم الاعتراف بالتعايش المجتمعي ، وقد ادى ذلك الى تشكيك كل طرف بالاطراف الاخرى . لابل معاداته . واختلفت الاراء كثيرا حتى على الحد الادنى من الاسس التي كانت محل اعتراف الجميع بثوابت متفق عليها كمسلمات غير قابلة للنقاش . فحل التشكيك بالاخرين محل الثقة المتبادلة . وانتشر الخلاف حتى بين اوساط كثير من المثقفين ، مما ادى الى انقسام المجتمع ، وغض النظر عن المشتركات التي كانت تجمعهم ٠
احلال المفاهيم الدينية الزائفة
قامت الاحزاب والتكتلات الحاكمة باحلال الطقوس والدعوات الطائفية
البالية محل القيم الدينية العليا ، والرأي العلمي والتفكير المنطقي ، وانتشرت الخرافات والاحاديث الطائفية في كل مرفق من مرافق المجتمع ، بل اصبحت احيانا هي الشغل الشاغل لكثير من الافراد . وبنظرة واحدة الى وسائل التواصل الاجتماعي من الفيسبوك والواتساب وغيرها نجد التعصب ، والخلط الواضح بين الدين والعلم . بل اصبح العلم مشبوها وغير معترف به اذا لم تؤيده مقولة دينية زائفة قديمة او حديثة . وتعطل العقل وتم الاعتماد على مراجع دينية بعضها غير معتمدة اصلا . وتم احلال هذه المفاهيم محل الشروط الاساسية للحياة ، كما ضعف الشعور الجمعي بشكل عام تجاه الفقر والامية والحرمان من ابسط الخدمات الاساسية ولم يعد الناس يهتمون بما وصل اليه المجتمع من خراب ثقافي او علمي عدا قلة من المتخصصين . حتى الفنون بكل اشكالها اضمحلت ولم يعد احد يكترث بها او يتابعها الا الفنانين والمثقفين الحقيقيين . فتم صرف انتباه الناس عن مشاكلهم الحيوية واحتياجاتهم الانسانية الى الانشغال بالتعصب الديني والمذهبي المقيت
اشاعة الانانية واللامبالاة
نتيجة لممارسات كثير من المسؤولين في تفضيل مصالحهم الشخصية
على حساب المصلحة العامة ، نجد بعض فئات المجتمع تنحى الى نفس هذا السلوك ، ولذلك نجد ان بعض المظاهرات والاحتجاجات تقتصر على الفئات المتضررة فقط . مثل تأخر الرواتب او الفصل التعسفي ، وغيرها من المصالح الضيقة . وما ان يتم تلبية بعض مطاليبهم حتى تنتهي المظاهرات ويعودون الى السكينة والهدوء . ونجد ذلك ايضا في مظاهرات الكهرباء التي تنطلق الجموع في اوقات القيض . وما ان يتم تزويدهم بسويعات من الكهرباء حتى ينتهي الغضب ويعود المتظاهرين الى دورهم غير مبالين باخوان لهم في نفس المنطقة او مناطق اخرى مازالوا محرومين منها . . كما ان المال قد اصبح قيمة شخصية عليا لدى بعض الناس ومهما كان مصدره ، بمافيه المال الحرام . ولاتبالي هذه الفئة من الناس بالفقراء ومعدومي الدخل لتراجع المسؤولية الجماعية . وضعف الحس الانساني ٠
ترويض الشعب وتحطيم نفسيته
بدأت مهمة الترويض او التدجين هذه بعمليات الاختطاف والقتل على
الهوية . وكسر ارادة المواطن باعمال العنف المفرط والعقوبات الجماعية لمناطق متعددة والزج بكثير من الابرياء بالسجون لاسباب واهية وعمليات التعذيب الواسعة . اضافة الى قتل الصحفيين والاطباء امام اعين الناس جهارا نهارا . ونشر البطالة والمخدرات . . وتم استغلال مشاعر الخوف والقلق لسلب ارادة الانسان العراقي البسيط والسيطرة عليه بعد تحطيم نفسيته بحرب نفسية ممنهجة ومدروسة . هذا الانسان الذي كان لايسكت على ضيم وينتفض لجاره ولكل شخص مظلوم . ويصون حرمات الحرائر اصبح خائفا مسلوب الارادة يخضع للتهديد ويصدق كل مايقال له او اي اشاعة دون ان يفكر بمصدرها او الغرض منها ٠
العودة الى السلطة العشائرية
بدلا من ان يتم تمدن الريف انتقلت بعض المفاهيم البدوية والريفية الى المدن . حيث ان ضعف الدولة قد ساهم في العودة الى العشائر وتبني القيم الريفية . ان هذه القيم قد سلبت من المواطن حرية التفكير والارادة واخضعته لسلطة شيخ العشيرة او رجل الدين بحيث لايستطيع القيام باي عمل قبل موافقتهم او بامر منهم . واذا كان رئيس العشيرة او رجل الدين مرتبط بحزب او تكتل حكومي او مستفيد منه ، فانه سوف يكبح جماح اي تمرد او اعتراض على الحكومة . فتم اسكات الاصوات الحرة المنادية بالاصلاح الحقيقي ٠
انحسار دور المرأة
بالرغم من تخصيص كوته للمرأة في مجلس النواب العراقي الا ان غالبية
الاحزاب الدينية المشاركة في الحكم قد عملت باتجاه تقليل دور المراة في الادارة والمجتمع ، ويتبدى ذلك من الاحصائيات التي تثبت ازدياد معدلات الامية الى نسب عالية تتجاوز التسعين بالمئة . اضافة الى ارتفاع نسب الجرائم تجاه المرأة واضطهادها والنظرة الدونية لها مما سهل الاعتداء عليها بالضرب او الاغتصاب وعدم السماح لها بمزاولة اي نشاط سياسي او اجتماعي . حتى اصبحت ظلا للرجل لاتستطيع العمل او الخروج الا بموافقته او بما يمليه عليها . اضافة الى لبس عباءة مزدوجة مع الحجاب في احيانا كثيرة . . وبذلك تم اعادة المرأة الى فترة العشرينات من القرن الماضي . في حين كانت المرأة شريكة للرجل في ادارة الدولة وفي مختلف النشاطات الاجتماعية والفنية . وكان لها دور مؤثر في الاسرة والمجتمع ٠
الاعلام المضلل
ان انتشار الفضائيات العراقية قد رافقها عمليات تضليل واسعة النطاق
وقد غذى الفساد السياسي والاداري هذه الفضائيات وجعلها توجه المواطن العراقي الى محتوى لايمس واقعه الفعلي . . وتركز على تعميق الخلافات بين شرائح المجتمع المختلفة . وتحريف الاخبار عن طريق استخدام الوسائل المتطورة للاعلام في خداع الناس ونشر الصور والفديوهات الكاذبة . . وبدلا من ان يهتم المواطن بمستواه المعاشي والخدمي اخذ يتحدث بمواضيع متخلفة وخرافات ماانزل الله بها من سلطان كل ذلك من اجل صرف انتباهه عن الفساد المستشري وسوء الادارة وتخريب القطاع الصناعي والزراعي والبطالة ، والهائه عن التفكير بمستقبله ومستقبل اولاده . وتحويل الصراع بينه وبين حكامه الغاصبين الى صراع ديني وطائفي او اثني مع اخوة له في الوطن الواحد
الادعاء بمكافحة الفساد
للتخلص من تهمة الفساد الذي اصبح ظاهرة مخربة لاتقل عن الارهاب
يدعي اغلب السياسيين محاربتهم له والقصاص من المفسدين في مسرحية كوميدية لابعاد التهمة عنهم ولامتصاص نقمة الجماهير التي كثيرا ماتخرج في مظاهرات لمحاسبة الفاسدين . . ولما كان اغلب السياسيين متورطين بالفساد وقسم منهم يديرون مافيات مسلحة لحمايتهم في عمليات السطو على اموال واملاك الدولة . فان هناك حملة يديرها هؤلاء الفاسدون للتبرؤ من هذه التهمة وقطع الطريق على من يحاول اتهامهم بها . من خلال كثرة تصريحاتهم عن مكافحة الفساد حتى اصبح الحديث عنها مملا ولايقدم اي جديد في هذه الظاهرة الخطرة
فقدان القيادة والتنظيم
ان اي انتفاضة او احتجاجات واسعة لابد لها من تنظيم يحدد اهدافها واساليب عملها والتدرج بها صعودا حتى تحقيق المطالب . ان المظاهرات العفوية اذا لم تتمخض عنها قيادة فاعلة وتنظيم تصبح مجرد غضب جماهيري ناتج عن ردة فعل ولايمكن ان تستمر ، واذا ما استمرت دون توجيه وتنظيم دقيق فان المتربصين بها يعملون على تشويه اهدافها لتسهيل ضربها والقضاء عليها حتى لو كانت سلمية . ان من اكبر مشاكل الشعب في الوقت الحاضر هو عدم وجود تنظيم يحدد اهداف التظاهر او الانتفاضة . اضافة الى فقدان القيادة الواعية التي تسطيع ادارة هذه الحركات او التفاوض باسمها لتحقيق طموحات الشعب المشروعة
كل هذه الاسباب ادت الى اضعاف ايمان الشعب بقضيته الوطنية ومبادئه الساميةوقيمه العليا والتشكيك بقدرته على التغيير او المقاومة وزعزعة الامل بالنصر او الخروج من المأزق الذي اوقعوه فيه
مالعمل اذن
لقد ثبت بما لايقبل الشك فشل الاسلام السياسي على مستوى الدولة وعلى المستوى الشعبي وانه فقد مقومات بقائه كما فقد ماكان يدعيه من قدسية مزيفة
ولم تعد اطروحاته النظرية تنطلي الا على الاميين واصحاب الاجندات الطائفية
اننا اذا اردنا الخروج من هذه الفوضى التي وضعونا فيها فان علينا
ايجاد نوع من التنظيم او التجمع ونتفق على الاهداف المطلوبة للعمل من اجلها ومن ثم الضغط على القادة السياسيين باحتجاجات ومضاهرات تتصاعد حتى تحقيق المطاليب او الاهداف المرسومة . وهذه ليست امنيات انما هي ضرورة
يجب على كل المخلصين والوطنيين العمل لانجازها حتى نحقق التغيير المنشود ٠
اننا عندما نتحدث عن المظاهرات والاحتجاجات فاننا لانشجع اعمال العنف
او تخريب مؤسسات الدولة والمجتمع . ولكننا نهدف الى التغيير الجذري بطرق سلمية وانسانية متحضرة لتصحيح مسار العملية السياسية المشوهة لبناء دولة عصرية تليق بالعراق الذي كان مشعلا للحضارة الانسانية على مدى التاريخ كله
3 ضحايا «داعش»: زوجات وسبايا
خليل علي حيدر
الاتحاد الاماراتية

لم يحطم «داعش» المدن والقرى ويدمر آثار العراق وسوريا الرائعة، أو ينهبها ويبيعها فحسب، ولم يتسبب في قتل المئات والآلاف وجرح وتشويه وضياع أثر أعداد أكبر من ذلك، بل وترك كذلك عدداً هائلاً من الأطفال والأرامل، ونساء سوريات وعراقيات ومغربيات وأوروبيات محطمات يندبن حظهن، لا يعرفن مصير الأزواج والأولاد بل ومصيرهن، بعد انهيار دولة «داعش» الدموية، وسقوط خلافته المزعومة.. على رؤوس من بنوها!

الشابة التونسية «خديجة» كانت بين الهاربات من مدينة «الرقة» السورية تحدثت مع كثيرات أخريات إلى «قناة موسكو» في يوليو الماضي، حول الحياة والمعاناة كزوجات داعشيات، وتجربتهن القاسية. فبعد أن قُتل زوج «خديجة» طلبت منها والدتها العودة إلى «تونس»، إلا أن السكان المحليين في «الرقة» بسوريا اقترحوا عليها أن تتزوج ثانية، وعرضوا عليها رجلاً مقعداً، فوافقت. تقول خديجة إنه لم يكن أمامها خيار آخر، لأنها كانت ستُقتل لو حاولت العودة إلى تونس على يد عناصر «داعش». «نور الهدى» زوجة لبنانية من «طرابلس»، زوجها ضمن المجموعة المتطرفة من أعضاء «داعش»، وقد اقتنع الزوجة بتلك الأفكار وأخذ يقنع زوجته بأنه لاشيء سيء في هذا الأمر، ثم لحقت به في سوريا ثم إلى تركيا، وهناك تعرفت على حياة النساء في كنف «داعش».

تقول لنفس القناة الروسية، «يقوم مقاتلو داعش» بقتل الرجال ويوزعون النساء على عدة أماكن للإقامة، ويقومون بفصل المتزوجات عن العازبات وعن السبايا». وذكرت نور الهدى في المقابلة أن مغربية اسمها «أم آدم»، كانت مسؤولة عن السكن النسائي، وكانت شديدة قاسية تحبس النساء لأي خطأ في حجرة دون نوافذ، مع فتحة أسفل الباب لإدخال الطعام وأخذ الأواني».

وسلطت كل من خديجة ونور الهدى الضوء على سلوك الدواعش مع الزوجات و«السبايا»، اللواتي يشتروهن من السوق! وتقول خديجة، «تعيش الزوجة في مكان مستقل عن المرأة الأخرى – أي العبدة أو السبية – ويُمضي الرجل يوماً مع زوجته ويوماً مع السبية». وتقول «نور الهدى» أن «المقاتلين كانوا يُظهرون حرصاً على السبايا، يشترون لهن المواد التجميلية لبيعهن لاحقاً بمبلغ 15 ألف دولار، وإذا كانت السبية بكراً يصل ثمنها حتى 30 ألف دولار». إلى جانب هذا تضيف: «كانت هناك حالات بيع قتيات صغيرات، وهناك فتاة لم تتجاوز 10 سنوات كانوا يريدون بيعها مقابل عشرة آلاف دولار».

وروت ثلاث سوريات للصحيفة نفسها قصص زواجهن ب«دواعش» أجانب، إحداهن «سعاد» المنحدرة من «حمص»، التي تزوجت من زوجها الثاني المغربي الجنسية بعد سفرها إلى الرقة بداية عام 2015، حيث كان عنصراً في تنظيم «داعش». سعاد في العشرينات وكانت تحلم أن تكون مدرسة لغة انجليزية بعد أن درست الأدب الإنجليزي ونالت شهادة الدبلوم في الترجمة في حمص، وتزوجت عام 2010 من شاب حمصي قٍتل عندما كان ذاهباً لشراء الخبز برصاصة قناص. وبعد فترة قررت السفر إلى الرقة. «عندما وصلت إلى كراج الرقة، منعني عناصر الحسبة – أي الشرطة الدينية – من إكمال طريقي إلى تركيا أو العودة نحو دمشق لأنه لم يكن معي مرافق مَحرَم، وقالوا إنني مسلمة ويجب أن أعيش في ظل الخلافة».

أما الزوجة «نور»، 22 سنة، فقد انتقلت عائلتها إلى الرقة قبل الأحداث لأن والدها كان يعمل في التجارة، فانتقلت الأسرة من حلب إلى هذه المدينة، حيث تعرفت على «عنصر ماليزي» تعرف على شقيقها عام 2014، وطلب يدها ورفضت ثم وافقت «لأنه كان متديناً ورجلاً ملتزماً ويتحدث اللغة العربية الفصحى، تزوجنا وأنجبت منه طفلين». وتقول «الخنساء»، «إن والدها كان مع «داعش» فانتقلوا من مدينة «حماة» إلى الرقة، وطلبني عنصر تونسي، ووافق أبي عليه وكأنه فارس الأحلام! أما أمي فوقفت لجانبي لكنها كانت عاجزة مثلي». وبعد عام قُتل زوجها في مايو 2016 لتتزوج من تونسي آخر على صلة بزوجها الأول.

وتضيف الخنساء: «الجنس والنساء هاجسان رئيسيان في حياة أي مقاتل أجنبي منتسب للتنظيم، غالباً ما يتخذ المقاتل أكثر من زوجة واحدة ويبحث عن السبايا، ثم يُطلقون بعد شهر أو شهرين».

وتحدثت الخنساء عن عنف داعش وجرائمه وإسراف مسلحيه في الذبح والإعدامات الجماعية، وكان المدنيون يخشون من أحكامه المتشددة وعقوباته التي كان أبسطها بتر الأطراف أو الَجلْد.

واتفق زوج «نور» الماليزي مع مهرب لإيصالهم إلى مناطق «قوات سوريا الديمقراطية»، ودفع مبلغ 2000 دولار، و«عندما وصلنا للحاجز رفعنا علماً أبيض، عرّف زوجي عن نفسه وأنه كان مقاتلاً سابقاً في التنظيم، اقتادوه إلى سجن مدينة عين العرب، على أمل الإفراج عنه بعد انتهاء التحقيق». وبالفعل أطلق سراحه وحاولوا الهرب ثانية، «ولكن عندما تحدث زوجي اللكنة التونسية كُشف أمره.. وأخذوه إلى السجن ومنذ 45 يوماً لا أعلم عنه أي شيء».

ومما كشفت عنه الخنساء أن زوجها كان ينقل إليها تذمره لأن التنظيم كان يرسل الأجانب إلى الخطوط الأمامية، «أما المقاتلون المحليون فكانوا إما أمراء أو قادة أو مسؤولين أمنيين»!

وفي بيت صغير على مبعدة 50 كيلومتراً شمال غربي الرقة، في مخيم «عين عيسى»، كتب المحرر «كمال شيخون» للشرق الأوسط، عن مكان مخصص لاحتجاز نساء مقاتلي داعش: «كانت إحداهن من بلجيكا، بالإضافة إلى ثلاث نسوة من روسيا، واثنتين من الشيشان، وفرنسيات من أصول مغاربية، وإسبانية وهولندية وأذربيجانية، وعربيات من تونس والمغرب وليبيا وغيرهن كثيرات».

«نعم، فرحت كثيراً عندما قُتل زوجي، لم أصدق أنني تخلّصت منه ومن ظلمه». بهذه الكلمات، تقول الصحيفة، روت «حبيبة عفيف» – 33 سنة – وهي سيدة إسبانية من أصول مغربية، التحق زوجها ب«داعش» فتركوا إسبانيا إلى سوريا، للالتحاق ب«جبهة النصرة»، الفرع السوري لتنظيم «القاعدة»، ليبايع الزوج لاحقاً تنظيم «داعش». وتقول «حبيبة» إنها رفضت بشدة، لكن زوجها، تقول: «هددني بحرماني من فلذات كبدي، وبأنه سيأخذهم بالقوة، ووافقت تحت الضغط والضرب».

ومن نساء أو زوجات «عين عيسى» بالقرب من الرقة، الفتاة الأذربيجانية، «ديلبر آرتور»، 18 عاماً. وقد بدأت قصتها عام 2014 عندما سيطر «داعش» على الرقة، وقرر والدها السفر برفقة أطفاله إلى تركيا، ثم إلى سوريا بعد عبور الحدود. كان والد «ديلبر» مقاتلاً تولى مناصب قيادية في معارك «داعش» بحلب، ثم انتقلت العائلة للسكن في مدينة الرقة، لكنهم لم يحتملوا مشاهد القتل والإعدامات الجماعية التي صدمت حتى الأب الذي خطط للفرار. لكن قبض عليه وقتل مع ثلاثة آخرين من «أذربيجان» بتهمة أنهم «خوارج»!

وتابعت «ديلبر»: «لم أشعر بطفولتي، أجبرت على الزواج من مقاتل تركي عندما كان عمري 15 سنة بسبب ضغوطات التنظيم، وأنجبت منه طفلاً، قُتل زوجي لاحقاً بضربة طيران»، حيث زادت مسؤوليتها وهي بهذا السن المبكرة لترعى إخوتها إلى جانب طفلها الصغير، وتضيف: «تزوجت مرة ثانية من تركي أيضاً، وقتل هو الآخر بعد أشهر في مدنية المنصورة العراقية، وقتها قررت الفرار من قبضة التنظيم».
4 انتخابات أم مزاد علني للبيع والشراء؟
حميد الكفائي

الحياة السعودية

الارتباك الذي تعانيه الساحة السياسية العراقية حالياً له مبرراته، فالطبقة السياسية لديها ما يبرر خوفها وارتباكها من نتائج الانتخابات المقبلة، ليس خوفاً من فقدان المناصب والامتيازات فحسب بل من الملاحقة القانونية على ما ارتكبته من مخالفات في حال تولي حكومة من لون سياسي آخر الحكم.

وقد بدأ هذا الهلع يدب في الجسد السياسي العراقي منذ ٢٠١٧، عندما انهار «المجلس الأعلى» وتخلى عنه حتى رئيسه، عمار الحكيم، وهي حالة فريدة في التاريخ السياسي، فالانشقاقات عادة ما يقودها متذمرون من القائد، ولم يحصل أن انشق قائد عن حزبه وأسس حزباً جديداً باسم عائلته! وتبع انشقاق الحكيم هروب محافظ البصرة، ماجد النصراوي، المنتمي إلى «المجلس الأعلى» والمقرب من الحكيم، بعد اتهامه بالفساد خلال حكمه أغنى المحافظات العراقية، ثم اتهام محافظ بغداد السابق، صلاح عبد الرزاق، بالفساد وفصله من حزب الدعوة.

«المجلس الأعلى» (ومشتقاته) ما زال مرتبكاً هلِعاً، فقد انضم أعضاؤه المؤسسون إلى قائمة «الفتح» التي يقودها حليفهم السابق هادي العامري، زعيم «منظمة بدر» («فيلق بدر» سابقاً). ولأن العامري يعتمد على سجله في محاربة «داعش» فهو يحظى ببعض التأييد، فهناك كثيرون يعزون النصر إلى «الحشد الشعبي» الذي قاده العامري، على رغم أن الجيش هو الذي حقق النصر الفعلي بينما كان دور الحشد سانداً.

أما «تيار الحكمة» فما زال يتخبط فهو لم يفلح في التحالف مع قائمة «النصر» بقيادة حيدر العبادي الذي رفض إعطاءه مواقع قيادية خشية أن يتضرر انتخابياً.

«حزب الدعوة» هو الآخر يتخبط بزعيمين لم يتمكنا من الاتفاق حتى على خوض الانتخابات بقائمة واحدة، إذ أصر المالكي على البقاء زعيماً للحزب والقائمة، بينما أصر الآخرون على قيادة العبادي لهما، فاضطر الحزب لأن يدخل في قائمتين يدعي المالكي أنهما «ليستا مختلفتين سياسياً» لكنه «إجراء انتخابي لكسب الأصوات»! والسؤال المطروح هو إن كانت القائمتان متفقتين ولا فرق بينهما، فلماذا لا تتوحدان؟ ثم ما المقصود بـ «الإجراء الانتخابي»؟ هل هو لخداع الناخب بأن هناك قائمتين منفصلتين لكنهما في الحقيقة قائمة واحدة؟ أم أن هناك اختلافات جوهرية مؤجلة بين القائمتين لا يرغب الطرفان الإفصاح عنها كي لا يتضررا انتخابياً؟

ستتمكن القائمتان من «التوحد» لاحقاً بالاستعانة بفتوى المحكمة الاتحادية لعام ٢٠١٠ بجواز عقد التحالفات السياسية بعد الانتخابات، وهو رأي مخالف لمقاصد الانتخابات، لكنه سوف يمكّن الخصوم من احتكار رئاسة الوزراء بينهم.

ما زال هناك مؤيدون للخط السياسي الذي يمثله إياد علاوي، على رغم الجمود الفكري والسياسي الذي يتميز به حزبه، فلا أفكار أو وجوه جديدة، باستثناء انضمام سارة علاوي إلى حزب أبيها وهو تطور مثير للإعجاب، فسارة شابة ذكية وطموحة، لكنها تحتاج إلى الانخراط في المجتمع أولاً كي تبرهن على قدراتها وجدارتها السياسية. لكن الأوساط العلمانية والقومية التي يمثلها علاوي ما زالت تستهجن تحالفه مع الإسلامي سليم الجبوري وتعتبره تخبطاً سياسياً أو امتثالاً لإرادة خارجية.

ويمتد التخبط إلى كردستان إذ لا توجد قائمة متماسكة معبرة حقاً عن تطلعات الشعب الكردي. فبعد فشل برزاني في تحقيق طموحه بإقامة الدولة، الذي مزق الوحدة الكردية، تفتت حزب «يكتي» ولم يعد لاعباً أساسياً كما كان أيام مؤسسه جلال طالباني… وحتى حركة «گوران» لم تعد متماسكة إذ رشحت إحدى أبرز نوابها، سروة عبد الواحد، مع قائمة «النصر» عن بغداد، لكنها عادت وانسحبت منها لسبب غير معلن.

لم ترتق قائمة «النصر» إلى طموح مؤيدي العبادي وداعميه إذ خلت تماماً من الأسماء المعروفة سياسياً أو ثقافياً، أو حتى أصحاب السجل في محاربة الفساد الذي رفع العبادي لواء مكافحته منذ توليه السلطة. ولا يكاد المرء يتعرف إلى أحد من الأسماء باستثناء عباس البياتي الذي ترك كركوك هارباً إلى بغداد والذي اجترح سابقاً فكرة «استنساخ المالكي» باعتباره شخصية فذة لا يجود التاريخ بمثلها. وآخر «إبداعاته» أنه شبّه القوائم الشيعية الخمس بـ «أصحاب الكساء» وهم النبي وآل بيته!

أما وجود محمود الحسن في قائمة العبادي فهو مثلبة تؤاخذ عليها، فهذا الرجل لا يتمتع بأي صدقية أو شعبية في الشارع ولم يصل البرلمان بالانتخاب بل عبر «إهداء» المالكي مقعداً تعويضياً له. وفي انتخابات ٢٠١٤ وزع الحسن سندات عقارية مجانية على الفقراء في البصرة، مشترطاً تصويتهم للمالكي، وقد دانته مفوضية الانتخابات «المستقلة» وغرمته على فعلته تلك، المخالفة للقانون والذوق والأخلاق، وكان عليها أن تمنعه من الترشح كلياً وتحيله إلى القضاء.

أما الوزراء «التكنوقراط» فبرهن بعضهم على أنه سياسي في الخفاء وليس تكنوقراطاً حقيقياً، إذ أخذ «يتسوق» بين القوائم الانتخابية علّه يظفر بمقعد برلماني يقيه الملاحقة القانونية التي قد تطاوله لسوء أدائه وانصياعه لأوامر زعيم الكتلة الذي أتى به إلى المنصب. يستثنى منهم وزيرا الموارد المائية، حسن الجنابي، والتعليم العالي والبحث العلمي، عبد الرزاق العيسى، اللذان صمدا أمام إغراءات السياسة وحافظا على نقاء المهمة التي جاءا إلى الحكومة من أجلها وهي الإصلاح بعيداً من الانحياز الحزبي. الوزير الذي انضم إلى الحكومة كتكنوقراط لكنه رشح في الانتخابات لا يستحق التأييد لأنه خدع الناس بإخفائه انحيازه السياسي.

الملاحظ في هذه الانتخابات هروب السياسيين من مناطقهم إلى بغداد علّهم يظفرون ببعض الأصوات في ساحة بغداد المليونية! وتخلي هؤلاء عن مناطقهم هو اعتراف منهم بالفشل، إذ أدركوا أن ناخبيهم الأصليين لن يصوتوا لهم فلجأوا إلى بغداد التي تضم ٨ ملايين نسمة. لكن هذه الحيلة لن تنطلي على معظم البغداديين الذين بدأوا يتساءلون: لماذا تخلى المالكي عن كربلاء ووائل عبد اللطيف عن البصرة وعبد الحسين عبطان عن النجف وهادي العامري عن الكوت وعباس البياتي عن كركوك؟! من يرشح عن بغداد يجب أن يكون منسجماً مع ثقافتها ومزاجها، لا أن يسعى إلى تغيير ملامحها بفرض ثقافة غريبة عليها.

وبدلاً من أن تتحول القوائم الانتخابية إلى مجالات للتنافس على خدمة الناس عبر برامج سياسية واقتصادية مدروسة أصبحت مزادات علنية يدخل إليها المرشحون وسرعان ما يتخلون عنها منتقلين إلى قوائم أخرى منافسة لها.
5 «مرارات» الغزو.. تشعلها قرارات (الإعمار)؟!!
د.عبدالله مناع الجزيرة السعودية

في بادرة (قومية) عزَّ نظيرها هذه الأيام.. استضافت دولة (الكويت) فوق أراضيها بين الثاني عشر إلى الرابع عشر من شهر فبراير الماضي: (مؤتمراً دولياً) لـ (إعمار العراق) !! وهي التي تم احتلالها (عراقياً) في الثاني من شهر أغسطس من عام 1990 م – أيام الرئيس العراقي السابق صدام حسين – ولم يتم تحريرها من (جيشه) إلا في نهاية يناير من عام 1992م.. بقوات تحالف دولي قادته الولايات المتحدة الأمريكية أيام الرئيس (جورج بوش الأب).. ومع ذلك لم تحقد على (العراق)، ولم تتمن له أسوأ العواقب أو تتربص به الدوائر.. بل استضافت هذا (المؤتمر) الدولي لـ (إعماره) مؤكدة ما قاله الشاعر العربي القديم:

اذا احتربت يوماً وسالت دماؤها

تذكرت (القربى) فسال دمعها

(وقد ضم سبعين دولة وثلاثين منظمة دولية وخمس وعشرين منظمة عراقية، وخمس عشرة منظمة كويتية وأكثر من ألفي شخصية تمثل ألفاً وثمانمائة وخمسين شركة دولية.. ليبلغ إجمالي مساهمات هذا الحشد الدولي لـ (إعمار) العراق ثلاثين ملياراً من الدولارات.. كما ذكرت المصادر الكويتية في اليوم الأول من أيام المؤتمر، بينما ذكر وزير التخطيط العراقى «سليمان الجميلي» في ثاني أيام المؤتمر: إن «فاتورة» الإعمار.. هي (ثمانية وثمانين) ملياراً من الدولارات إلى جانب حاجة مليوني ونصف المليون نازح عراقي.. شتتهم الغزو الأمريكي في شهر مارس من عام 2003م في براري العراق والدول المجاورة له.. إلى منازل تأويهم، وتعويضات (نقدية) يبدؤون بها حياتهم من جديد، وهو ما يعني أن فاتورة (الإعمار) ستزيد حتماً عن الـ (88 ملياراً) من الدولارات..؟!

وقد اتضح من بيان المساهمات.. أن بريطانيا هي أكثر الدول إسهاماً في هذه الـ(88 ملياراً) بـ(عشرة) مليارات من الدولارات.. يليها البنك الدولي بـ(4.7 مليار دولار)، يليها دولة الإمارات بـ(6 مليارات دولار).. فـ(الكويت) بملياري دولار، فـ (المملكة) بـ (مليار ونصف) المليار دولار.. فـ(قطر) بمليار دولار.. فـ(ألمانيا) بـ(350 مليون دولار) فـ (اليابان) بـ(100 مليون دولار).. فـ(تركيا) التي قدمت (قروضاً) بخمسة مليارات ولم تقدم أي مساهمة أخرى.

أما (الولايات المتحدة الأمريكية).. صاحبة فكرة (الغزو) ومرتكبته.. خدمة لـ(مشروعها الإمبراطوري) في أن تكون (أقوى) قوة في العالم، وفي الطريق إليه.. تتم إزالة جيش صدام (المليوني)، الذي يهدد أمن «إسرائيل» نظرياً بـ(حجمه).. دون أن يقاتلها فعلياً إلا عندما احتل الجيش العراقي الكويت.. فكان أن تم قذف (تل أبيب) بعدد من صواريخ (الاسكود) بهدف (تحذيرها) من التدخل لصالح (الكويت) بـ(إيعاز) من الولايات المتحدة، التي لم تقدم أي مساهمة أو قروض لـ(تعمير) العراق.. كما فعلت (إسبانيا) ، التي أيدت الغزو الأمريكي لـ(العراق).. للقضاء على الرئيس صدام وأسلحة (الدمار الشامل) التي يملكها، وعجز كل المفتشين الأمميين عن العثور عليها.. لأنها -لسبب بسيط- لم تكن موجودة أصلاً إلا في خيال الرئيس بوش الابن الذى كان يتمتع بـ(طفولة) سياسية نادرة تجعله يقسم (العالم) إلى قسمين: قسم (الأخيار).. الذين يتبعون سياسات الولايات المتحدة الأمريكية ويؤيدونها، وقسم (الأشرار) الذين يعارضون الولايات المتحدة وسياساتها، وفي مقدمتهم الرئيس صدام، و(القذافي) والرئيس الكوبي، والرئيس الفنزويلي، والرئيس الكوري الشمالي.. وأحياناً يضع معهم الرئيس السوداني عمر البشير والرئيس اليمني علي عبدالله صالح..!؟

ورغم أن (مؤتمر الإعمار) هذا.. كان لخير العراق ولخير حاضره ومستقبله، وكان بحق تعبيراً صادقاً عن لحمة العروبة.. إلا أنه أثار بعض المرارات أو الكثير منها في نفوس العراقيين، الذين أخذوا يتذكرون تلك الأيام السوداء من شهر مارس من عام 2003م، والطيران الأمريكي يقصف (بغداد) عاصمة الرشيد على مدار ساعات الليل والنهار في مشاهد استعراض (تلفزيونية) أمريكية حقيرة لـ (القوة).. بينما العالم كله المعارض للحرب – باستثناء دولتي: بريطانيا بلير، وإسبانيا ايثنار – يتفرج دون أن يفعل شيئاً..كـ(سلاح الجو) العراقي الممنوع من الطيران.. والمحروم من قطع الغيار منذ سنوات.. حتى أصبح خردة على الأرض!! وإلى أن سقطت المقاومة العراقية بعد خمسة عشر يوماً من الفداء والبطولات.. ليدخل المشاة الأمريكيون إلى (بغداد) وشوارعها، وقد انقسموا إلى ثلاث فرق: فرقة.. تذهب إلى (وزارة البترول العراقية).. للاستيلاء عليها وعلى وثائقها وعقودها وكل موجوداتها، وفرقة تذهب إلى (المتحف العراقي).. لنهبه وترحيل كل موجوداته إلى خارج العراق، والفرقة الأمريكية الثالثة لتعيث في (بغداد) وما حولها: تقتيلاً للعراقيين.. وتدميراً لبنيتهم التحتية.. إلى أن قيل في وقت من الأوقات: إن العراق.. قد عاد.. بعد قدوم «الحرية» و(الديموقراطية) الأمريكيتين إلى ضفاف نهريه: (دجلة والفرات) إلى القرن الثامن عشر.. تخلفاً.

ومضت سنوات (جورج بوش الابن).. الثماني دون أن يثأر العراقيون لأنفسهم.. إلى أن جاء الرئيس جورج بوش الابن مودعاً بغداد.. في الرابع عشر من ديسمبر من عام 2008م، وقبل سبعة وثلاثين يوماً من مغادرته النهائية لـ (البيت الأبيض)، ليعقد مؤتمراً صحفياً يلقي خلاله كلمة وداع- لم يطلبها منه أحد – ليفاجأ بـ (فردتي) حذاء مراسل قناة البغدادية: منتظري الزايدي.. وهو يقذفهما تباعاً في وجه الرئيس جورج دبليو بوش الابن.. مصحوبتين على (الميكرفون) بكلمة: (كلب)..؟!

وقد ألقي عليه القبض بتهمة إهانة الرئيس.. وحُكم عليه بعدد من السنين.. أيام الرئيس (نوري المالكي).. أحسب أنه ملا يزال يمضى بقيتها في السجون العراقية، إلا أنه كتب – بما فعل – سطراً شجاعاً فريداً.. في كرامة الشعوب وحقها في الدفاع عن الحياة التي دمرها الغزو البربري الأمريكي..!!

على أية حال.. كان الغياب الأمريكي عن حضور مؤتمر الكويت الدولي لـ(إعمار العراق) يضع عشرات الأسئلة على ألسنة الدبلوماسيين والإعلاميين وأصحاب القنوات الفضائية، وهم يتساءلون عن أسبابه.. وعن دوافعه ومعناه ؟! وقد كان الكثيرون منهم يتوقعون حضوراً أمريكياً تعويضياً كثيفاً.. إلى جانب مساهمات أمريكية ضخمة، وقروض أضخم.. تُنَسِّي العراقيين سنوات الاحتلال الأمريكي وذله، وسجن (أبوغريب) وفضائحه.. بينما ذهب بعض أصحاب الرأي إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ رأوا أن (منطق العدل) يقضي أن تتقاسم دول العدوان الثلاث – الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا – فاتورة إعمار العراق.. إزاء ما اقترفوه من جرائم ضد العراق وأرضه وشعبه، بينما يرى بعض الأمريكيين أن ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في مارس من عام 2003م كان إنجازاً تاريخياً يستحق (الغنم) لا (الغرم).. إذ خلصت به العالم من (صدام) وشروره!! و(العراق) من ديكتاتوريته وجبروته.. وجاءته بـ (الحرية) والديموقراطية (والتعددية).. بينما يرى العراقيون أنفسهم أن ما حدث في شهر مارس من عام 2003م.. كان نكبة حقيقية لم يتخلص العراقيون منها إلى اليوم!!

6 البصيرة السعودية.. والبصرة العراقية ! صالح الفهيد
عكاظ السعودية

وإذ تخلي كرة الدم مكانها لكرة الهواء و… الهوى!

والهوى العراقي طاعن بالعروبة.. ضارب بتاريخها.. وها هو يعود رويداً رويداً بسلام وهدوء إلى حضنه العربي الدافئ الذي اشتاق إليه كثيراً وكثيراً جدّاً.. يعود إلى المستقبل بعد أن وعدت وتعهدت المملكة العربية السعودية بإعادة العراق إلى أمته عبر حزمة كبيرة من القرارات والإجراءات والخطوات.. وعبر طيف واسع من المبادرات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية وغيرها..

ونقول يعود العراق إلى أمته لأنه عندما يفتح بيت العرب «الرياض» أبوابه لأحد فإن أبواب الخليج ومصر والمغرب العربي وكل أرض عربية ستفتح له أيضاً.. هكذا يقول التاريخ.. والتاريخ علمنا أن بغداد كانت وستبقى أقرب إلى الرياض والقاهرة وعمان منها إلى طهران.. أجل، العراق لنا.. بغداد لنا.. البصرة لنا.. الموصل لنا.. ورغم كل ما حدث لا شيء يحد من عروبتها.

وعندما صدر قرار الفيفا التاريخي كان العراقيون لا يزالون يتحدثون عن الاتصال الهاتفي الذي جرى يوم أمس الأول بين خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- وحيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي، وعن هدية خادم الحرمين الشريفين للشعب العراقي وهي ملعب كرة قدم سيكون الأكبر في بلاد الرافدين على الإطلاق يقام في العاصمة بغداد.

وكان شاب سعودي عروبي يدعى تركي آل الشيخ قد قال بلسان صريح فصيح.. ومن موقع صانع القرار: «سنرفع الحظر عن العراق» ثم ذهبنا للبصرة لا من أجل «اللعب» وحسب، بل من أجل «العمل» على تحقيق الوعد.. جئنا إليهم بألحاننا السامرية.. وقهوتنا العربية، فاستقبلونا بخضرة وارفة.. ومحبة جارفة.. وأخذ الفيفا علماً بالأمر.. ثم أخذ العراق وملاعبه بعين الاعتبار.

والنتيجة كما تشاهدون.. ها هي ملاعب العراق تعود إلى العمل، وها هي تظهر من جديد على خارطة كرة القدم الدولية بقرار رسمي.. وها هي عادت.. قد عادت من أوسع ملاعبها.. من جذع الوطن.. من جذع النخلة.. من البصرة.. من غابة النخيل.. والمواويل!

كانت مباراة «البصرة» هي المقدمة للقرار.. وقبلها كانت «البصيرة» التي قرر بها تركي آل الشيخ إطلاق التحركات السعودية والعربية والقارية لدعم القرار الذي كان حلماً عراقياً ظن كثير من العراقيين أنه بعيد المنال حتى جاء من يقول لهم: بل قريباً.. وقريباً جدّاً.. وما بين «البصيرة» في السعودية و«البصرة» في العراق قصة عشق وأشياء كثيرة مشتركة.. ووعد وإنجاز!

لم تحبط رجل الرياضة العربية القوي تجربته السابقة مع الكويت عندما سرق بعضهم جهده وجيره بقدرة «غادر» للدويلة الصغيرة التي هبطت بالباراشوت على منصة الحفل لتدعي زوراً وبهتاناً أنها من رفع الحظر عن الكرة الكويتية!

ومن المؤكد أن هذا القرار سيكون جسراً ستعبر من خلاله الكرة العراقية إلى محطات واعدة بالإنجازات الكروية على المستويات كافة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد