1 حلف بغداد للإرهاب الإيراني
حامد الكيلاني العرب بريطانيا
الحقيقة تكمن في سياسة تعميق الاستخفاف بمصادر الوعي المتبقية من أجل أن تبدو التطبيقات الإيرانية ضمن المتوقع بعد سيادة خطاب التجهيل وفرض العقاب كدرس في جدول الدروس اليومية التي جربها العراقيون.
مَن يحق له الثورة على طبيب الأطفال هو شعب العراق المذبوح من الوريد إلى الوريد
قفزت بعض القوى السياسية في العراق إلى الظلام والمجهول مع احتمال وارد جداً أنها دخلت في مرحلة هذيان مشروعة، بعد أن صفعها طبيب الأطفال علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، على وجهها بعد عملية استغرقت حتى الآن 15 سنة من الاحتلالين الأميركي والإيراني. قفزت تلك القوى في محاولة للعودة إلى رشدها بعد هذا الإغماء الطويل المبرر بالتخدير في مكـاسب السلطة، أو الأمل بتجريب الحكم ولو بالدخول من باب الخدم والسلالم الخلفية.
السفارة الإيرانية، لمن يعرف بغداد، تقع على مقربة أمتار من بوابة المنطقة الخضراء التي تقبع فيها أكبر سفارة أميركية في العالم وتحت ظلها تتمطّى وتتململ حكومة العراق وبرلمان العراق وبيوتات العملاء من شدة الشبع والترهل والتخمة إلى حدّ رفس نعمة أولياء أمورهم الذين جاؤوا بهم على الدبابات وأنزلوهم بطائرات التشينوك في كرادة مريم؛ مريم تلك السيدة المبتلاة بموقع سفارتي الاحتلالين.
الولايات المتحدة الأميركية تدرك أن إيران على مقربة منها وتتساكن معها في شارع واحد، لكن المشكلة تكمنُ في توجه غالبية سكان منطقة السفارة الأميركية نحو منزل الحبيب الأول في السفارة الإيرانية التي انتقلت بكامل وعيها وإرادتها وبمباركة المخلصين لها من واجبات رعاية الشؤون الدبلوماسية، إلى مقر لجبهة محور المقاومة والممانعة لدول العراق وسوريا ولبنان؛ دون أن نذكر إيران لأن الدول الثلاث تقاتل باسم العروبة والمقدسات تحت راية تنظيم الدولة الإيرانية.
الحقيقة تكمن في سياسة تعميق الاستخفاف بمصادر الوعي المتبقية من أجل أن تبدو التطبيقات الإيرانية ضمن المتوقع بعد سيادة خطاب التجهيل وفرض العقاب كدرس في جدول الدروس اليومية التي جربها العراقيون، وتفاوتت فيها مناسيب التعلم والترويض مع حجم الكوارث والخسائر وما توزع منها وتنوع باختلاف الغايات.
جبهة الإرهاب الإيراني في سفارة إيران ببغداد كثيرا ما تلتقي بزوار الليل من الروس أيضا، وزيارة علي أكبر ولايتي تأتي بعد سلسلة لقاءات تشاورية تم تتويجها على طريقة الملالي في تلقين طلبتهم مناهج المرشد في التحفيظ وقراءة المشروع الإيراني وترديده عن ظهر قلب، خاصة في ذروة التنافس على مقاعد البرلمان وقرب الانتخابات في العراق لتخريج برلمان وحكومة السنوات الأربع المقبلة.
ولايتي استخدم عبارة تهديد فاضحة عندما قال إن إيران “لن تسمح” بعودة الشيوعيين والليبراليين إلى الحكم. وهو حتماً على معرفة أن الشيوعيين لم يحكموا العراق سابقا قبل الاحتلال الأميركي، ولم يحكموه بعد الاحتلال رغم حزب العام 2003 الشيوعي الذي ارتضى لتاريخه مهادنة المحتل الأميركي ومغازلة الأحزاب الطائفية في نسختها الإيرانية المصابة بمتلازمة تنظيم الدولة، لكنه عندما أراد الاستفاقة من المخدر أضاع الخطى نحو عباءة أخرى وفي ظنه أنها ستمنحه مقاعد برلمانية تضاف إلى مقاعد صمت الحملان في الدورات الانتخابية الماضية.
ما يثير الغضب الباهت والساطع على تهديد ولايتي للقوى السياسية في العراق، وحرصه على ترشيد الانتخابات بمصالح الأحزاب الإيرانية، هي ردود الأفعال من شخصيات متعددة التوجهات بما يشبه الانتفاضة على طبيب الأطفال الذي انتهك “حرمة دستور العراق ونظامه الديمقراطي التعددي”.
لماذا تثير ردود الأفعال الغضب أكثر من فصاحة المشروع الإيراني في العراق والمنطقة والصادر من أرض سفارة إيران في بغداد
لماذا تثير ردود الأفعال الغضب أكثر من فصاحة المشروع الإيراني في العراق والمنطقة والصادر من أرض سفارة إيران في بغداد؟ ذلك لأن ردود الأفعال تتعكز على رفض التدخل في الشأن العراقي الداخلي، بل إن عددا من البرلمانيين ذهب إلى استهجان ما قاله ولايتي حدّ الشتيمة.
عندما يقول علي أكبر ولايتي “إن بلاده لن تسمح” فهو صادق في ما يقول، ومن يثني على صدقه هو واقع الحال في العراق إنْ في السياسة أو في الاقتصاد أو في المدن المدمرة، وكذلك الدور الميليشياوي للحرس الثوري في الانتخابات المقبلة بعد دوره في الانتهاكات وتنفيذ أوامر المرشد باعتبار العراق ودماء شعبه -دون استثناء- جبهة متقدمة للدفاع عن الأمن الإيراني.
لكن كيف نتعامل مع الساسة الذين يصرخون بوجه مستشار المرشد “إننا لن نسمح” رغم أنهم سمحوا طيلة سنوات الاحتلال للعملية السياسية والمحاصصة الطائفية والقوانين الشائنة أن تمرّ كما لو كانت سرفات دبابات فوق ماضي وحاضر ومستقبل العراق، وارتضوا على أنفسهم تمرير الدستور بإخفاقاته ولو على جثة الشعب، ومنحوا صك الجرائم والإبادات والتهجير والتغيير الديموغرافي على بياض، ولم ينتصروا بكلمة حق واحدة تجاه التخادم بين إرهاب تنظيم الدولة وإرهاب تنظيم الدولة الإيرانية، ولم يتوقفوا عند مافيات الخطف والقتل والسبي، وما يخدش الحياء وتتمنع اللياقة عن ذكر حقيقته وهي تجري تحت غطاء الولاءات الحزبية والميليشياوية والطائفية.
مَن يحق له الثورة على طبيب الأطفال هو شعب العراق المذبوح من الوريد إلى الوريد بأحزاب أبريل 2003 وأحزاب حملت السلاح قبل الاحتلال ومازالت ضد العراقيين، لأنها تنتصر للمذهب والطائفة والحزب والمرجع ونظام الملالي على حساب المواطن صاحب قضية الشرف المهدور والمغدور منذ الاحتلال الأميركي واستيلاء عملاء وجواسيس إيران على كرسي السلطة في العراق.
لا يحق لمن تعاون مع سلطة الاحتلالين أن ينتفض على تصريحات ولايتي. والأدهى أن يتباكى هؤلاء على الدستور أو على أحزاب العراق والاستقلال والسيادة. معنى ذلك أنهم مصابون بالإغماء، لأنهم بمعنى آخر يباركون استقلال وسيادة العراق في الـ15 سنة الماضية رغم علمهم بتبعية الحكومات لإرادة الأجنبي ومخططات استباحة الإرهاب للعراق وخطاب الكراهية المعلن من قادة المشروع الإيراني في العراق.
من يريد أن يهاجم تصريحات علي أكبر ولايتي عليه أن يكون بمستوى صرخة، على الأقل، الشعب الإيراني بوجه المرشد خامنئي. الصرخة التي وصفته بالدكتاتور القاتل وطالبته بالانصراف إلى هموم الناس وفقرهم وجوعهم، ولا نقول الشعب العراقي المغلوب على أمره، حتى إن أحدهم أراد أن يدافع عن خامنئي ونظامه، وذلك بالهجوم على ولايتي والنيل منه بعدم تأثيره على القرار السياسي في إيران.
الصفقات طويلة الأمد التي أشار إليها يحيى صفوي المستشار العسكري لخامنئي، وعلى حاكم سوريا الإذعان لها مقابل الإبقاء عليه في السلطة، هي ما يجب أن ينتفض عليه الغيارى من أبناء العراق ضد مشروع جبهة الدفاع عن إيران بالدم العربي، فالقادم من أيام العراق لن تنفع معه مزايدات الوطنية لدى الأحزاب والكتل السياسية المجربة بما جرّته من مناقصاتها طيلة فترة تخاذلها في استجداء القرب من مجرمي الصف الأول في الحكم.
سقوط الساقطين لا جديد فيه، وسكوتهم في حضور جبهة علي أكبر ولايتي، هو سكوت ينسجم من جهة مع حيائهم من طروحات ولاية فقيههم، ومن جهة أخرى يتوافق مع فجورهم بحق العراق. لكن ما يبعث على الحيرة هو لماذا تجرأ المهرولون خلف عربة العملية السياسية، من الذين فاتتهم فرص الصعود إليها وحتى فرص التوسل “بالعربنجي”، على قذف حجارتهم في الظلام نحو المجهول؟ وهم أول العارفين أن الدنيا لا تبقى على حالها ومن طبعها أن تدور.
2 قريباً.. “الناتو” في العراق
د. فراس الزوبعي
الوطن البحرينية
بعد ضغط من الولايات المتحدة الأمريكية بواسطة وزير دفاعها جيمس ماتيس، حلف شمال الأطلسي «الناتو» يستعد لنشر قواته في العراق بعد موافقة وزراء دفاع دول الحلف يوم الخميس الماضي، المهم في هذ الأمر أن نشر القوات هذا سيكون طويل الأمد أو على شكل بعثة دائمية أو شبه دائمية، أما عن مهمة قوات الحلف فأعلن أن المهمات هي تطوير عقيدة عسكرية لوزارة الدفاع العراقية، وتدريب القوات العراقية على نزع المتفجرات وصيانة المركبات العسكرية، والطب العسكري واللوجستيات والمساعدة في بناء أكاديميات عسكرية، والحيلولة دون أعمال تمرد إرهابية جديدة، وقد استبعد رئيس الحلف أن تكون للقوات مهمات قتالية، أما عن عديد القوات فلم يصرح عنه، وبخصوص مدة البقاء الطويلة قال رئيس الحلف إن التجارب السابقة في العراق وأفغانستان تشير إلى ضرورة البقاء طويلاً بما يكفي، صحيح أنه لم يحدد المراد بقصده طويلاً لكنه ربطها بقوله بعد أن نتأكد أننا لن نجبر على العودة مرة أخرى للعراق في عمليات قتالية، أما وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس فقد صرح في مؤتمر صحافي بقوله: «سوف نذهب لتنفيذ مهمة محكمة في العراق»، كما ذكر أن من بين مهامهم تدريب القوات العراقية على حماية الشعب من صعود نوع آخر من المنظمات الإرهابية، أما عن بداية المهمة فستكون في شهر يوليو المقبل.
وهنا يريد سؤال إذا كانت مهمة «الناتو» تنحصر في التدريب والخبرات فلم ضغطت أمريكا على «الناتو» لتكون له بعثة دائمة مع أن أمريكا من سنوات تدرب وتقدم هذه الخبرات؟ الواقع أن «الناتو» ملزم بنقطة جوهرية في الحلف تعود لتأسيسه في العام 1949 وهي المادتان الخامسة والسادسة اللتان تعيقان دوره القتالي في أي منطقة خارج منطقة الأطلسي وضد أي دولة لها سيادة لم تعتد على دولة من دول الحلف، لكن أمريكا طرحت مفهوماً جديداً في إعادة بناء الهيكلية العسكرية للناتو وهو «المجموعة المسلحة المتعددة الجنسيات GFIM» والتي تقضي بإمكانية الانتشار خارج الإقليم، بعبارة أخرى أمريكا لا تريد أن تكون وحدها في العراق في مواجهة أي تهديد محتمل.
معرفة التهديد الذي تتوقعه أمريكا لا يحتاج إلى التأمل والتحليل للوصول إليه، فبمجرد النظر إلى الرافضين لوجود «الناتو» الدائم أو شبه الدائم يمكننا معرفته، وإذ لم تنتظر إيران طويلاً لتبدي رأيها على لسان علي أكبر ولايتي مستشار الولي الفقيه خامنئي الذي زار بغداد مؤخراً وصرح منها أنه من غير الممكن أن يكون لأمريكا حضور في شرق الفرات وأن إيران من خلال ميليشياتها في العراق لن تسمح بوجود قاعدة للناتو، مؤكداً من جديد على أن العراق تحت الوصاية الإيرانية ولا سيادة له، وبذلك يمكن القول إنه إذا كانت هناك ثمة أعمال عسكرية في العراق مع جماعات مسلحة فستكون مع الميليشيات المدعومة من إيران.
إدخال أمريكا «الناتو» للعراق يحقق لها فوائد كبيرة، منها لا يجعلها تنفرد في أعمال عسكرية لها تبعاتها، ومنها أيضاً إشراك تركيا التي تتقارب مع إيران في أمور كثيرة.
3 إعادة إعمار العروبة العراقية فاطمة عبدالله خليل
الوطن البحرينية
هل يكفي إعمار العراق مالياً؟! سؤال بات يفرض نفسه بعد انعقاد مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق، ولربما الإجابة على هذا السؤال تجعل من الإنصاف القول إن البعد الاقتصادي واحداً من أهم مرتكزات الإعمار في العراق وغيرها، ولكن ثمة ما أصبح من المهم علينا خليجياً الالتفات إلى عوامل أخرى لا تقل أهمية يمكن اختزالها في مفهوم العروبة، فالعراق قد أصبح في الآونة الأخيرة لإعادة إعمار عروبته أكثر من إعادة إعمار بنيته، وإن ذلك لن يتأتي للدول الخليجية الإسهام فيه أو الاضطلاع بتنفيذ دورها الرئيس فيه إلا من خلال الدخول في العمق العراقي لإعادته للحضن الخليجي من خلال مجموعة من الأبعاد أهمها، الاجتماعي والسياسي والإعلامي.
ولعل من المهم الوقوف على خبر طالعتنا به بعض وسائل الإعلام بشأن تقديم الرياض 10 ملايين دولار لدعم محطة تلفزيونية عراقية شيعية، وأشارت بعض المصادر إلى أنها قناة الفرات الفضائية. وبغض الطرف عما إذا كان الخبر صحيحاً إذ أشار إلى محادثات سرية سابقة بشأن دعم القناة بين السعودية وإقليم كردستان العراق، إلا أن تبني الفكرة في حال تم العمل عليها فعلياً أو لم يتم هو الأهم، فلعل احتواء الإعلام العراقي وإعادته لعروبته -من خلال ما تحمله تلك العروبة من انتماء وقيم وثقافة سيفضي إلى مزيد من الاستقرار بالداخل العراقي وإلى إنجاح الجهد الكويتي في إعمار العراق ومكافحة الفساد، فضلاً عن أنه سيلقي بظلاله على استقرار عموم المنطقة بلا أدنى شك.
يضاف إلى ذلك أنه بالإمكان إشراك النخب الثقافية العراقية المؤثرة والفاعلة في الاجتماعات الخليجية النخبوية والمؤتمرات المتنوعة، ورغم المشاركة العراقية التي لم تنقطع في كثير من المؤتمرات الخليجية إلا أننا أصبحنا بحاجة لجهد منظم في هذا السياق، وتبادل الزيارات النخبوية من خلال الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الشعبية على السواء. إن إعادة العراق للحضن الخليجي قد بات أولوية خليجية ننشد من خلالها كخليجيين استقرار المنطقة ورأب الصدوع بين الأنظمة والشعوب، تلك الأنظمة التي أفرزتها النكبات المتتالية في تاريخ العراق الحديث والراهن، والتحولات الخطيرة في عموم المنطقة.
* اختلاج النبض
إن الحديث عن إعادة إعمار العروبة العراقية لا يجرد العراقيون عروبتهم، فعروبتهم أصيلة ولا يمكن انتزاعهم منها، ولكن ثمة عوامل اجتماعية وطائفية ومعيشية جعلت من العروبة أولوية تتراجع لدى العراقيين بينما كانوا دعاتها في وقت تمتعت فيه العرق بنهضتها، ما يعني أننا بحاجة إلى إعادة العراق إلى مرحلة النهضة السابقة ليستعيد بعدها ثقافته وألقته وعروبته الناضجة.
4 داعش» وخرائب الموصل
خليل علي حيدر
الايام البحرينية
هذه ليست بغداد، مدينة السلام، كما وصفها المؤرخون بأسى بعد أن دمرها التتار، بل هي «الموصل»، أم الربيعين، التي جعل تنظيم «دولة خلافة داعش»، عالي المدينة سافلها!
تتصاعد رائحة الموت لتزكم الأنوف من الشطر الغربي من الموصل الذي تمتلئ أركانه بالركام والخراب والسيارات المفخخة والبيوت المهجورة، ولا تزال آلاف الجثث ملقاة في العراء في شوارع كثيرة لمتطرفين في التنظيم ممن تراجعوا إلى المباني المتلاصقة في الحي القديم، لكن السكان والمسؤولين المحليين يؤكدون أن جثث آلاف من المدنيين لم تُنتشل بعد من الأنقاض، الأمر الذي تنفيه الحكومة العراقية»، وتقول الحكومة «إنها جمعت جثث 2585 مدنيًا، لكن هناك أكثر من 9000 مفقود في الحي القديم، ومن المفترض أنهم دفنوا تحت الركام».
العديد من الإعلاميين والمحللين العسكريين يتساءلون: أين جثث الدواعش؟ لماذا لم نرَ صورهم قتلى أو يستسلمون بأعداد كبيرة؟ الحكومة العراقية قد تنظم لهم جميعًا «رحلة تفقدية».. بين خرائب المدينة وجسورها المحطمة.
تقول مصادر لجريدة «الشرق الأوسط»، «إن المدينة القديمة مدينة أشباح، ولا ملمح فيها للحياة. وهناك 72 جسرًا في عموم المحافظة محطمة، من بينها خمسة جسور على نهر دجلة تربط بين جانبي المدينة، ومن الخمسة يعمل واحد متضرر جدًا، لكن أُعيد إصلاحه بشكل مؤقت يسمح بعبور الناس.. وأغلب عمليات الإعمار المدعومة من دولة مانحة توقفت بسبب حالات الفساد».
مؤتمر إعمار العراق الذي يعقد في الكويت خلال هذا الأسبوع وسط زخم دولي وتمويل هائل، يجد نفسه في وضع لا يُحسد عليه، بين حجم خراب المدن العراقية، وبخاصة الموصل، وبين فساد الساسة.. ولكن لا بد من عودة الحياة إلى دولة بأهمية العراق!
تحمل العراقيون من الموت والإرهاب خلال 15 عامًا ما لم يره شعب. وخاض الجيش العراقي معركة «في الموصل نادرة المثال، لإنزال الهزيمة بأعتى تنظيم إرهابي معاصر كانت له نفس سمعة جيش هولاكو التي «لا تقهر». ولكن البعض يقارن ظروف العراق القاسية المتوالية، وتوالد الحركات الإرهابية وتعثر الحظ فيها، بدمية «ماتريوشكا» الروسية، التي كلما رفعتها وجدت تحتها دمية مثلها، غير أنها في العراق قد تكون أكبر من سابقتها! بعض المحللين كالكاتب اللبناني «حازم الأمين» حذّر العراقيين المنتصرين في الموصل.. من الخلايا النائمة التي تقدرها الجهات الأمنية بألف خلية!
«داعش»، يحذر «الأمين» ليس مجرد تنظيم. «إنه امتداد لشيء في المدينة وفي محيطها. امتداد لهزيمة ولشعور بالهزيمة، وامتداد لبعث قديم، ولجيش منحل، ولعشائر لم يتم إخضاعها». وهكذا، فالمشهد الحالي ينذر بمولود جديد. فالتنظيم الحالي الذي ترأسه أبو بكر البغدادي، وُلد من خراب أقل مما تعيشه الموصل اليوم، والهزائم التي تتالت على المدينة لم تكن ساحقة على نحو ما هي ساحقة هزيمة اليوم».
وحذر الكاتب من إعطاء أي بعد طائفي للنصر العسكري. ذلك أن «البعث وضباطه قماشة التنظيم الأولى، وهؤلاء لم يمضِ زمنهم، وما النصر المذهبي سوى فرصة جديدة لهم».
وأضاف أن «مقاتلي داعش وأهلهم تبخروا بين السكان وفي مخيمات النازحين وفي الصحراء. وهم لم يفعلوا ذلك لأن زمن الهزيمة تطلب هذه الخطوة، بل لأن الحرب مستمرة. إنهم أنفسهم فدائيو صدام يوم تحولوا إلى «فصائل المقاومة» ثم إلى تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين»، ومن بعدها بايعوا البغدادي».
ولكن هل سيستأنف «داعش» عمله قريبًا، كما يتوقع «الأمين»، أو ربما «الأرجح أنه استأنفه؟» هذه متروكة للأشهر والسنوات القادمة، ولكن معظم الأدلة تشير في مختلف مدن غربي العراق إلى عكسه!
هزيمة «داعش» في العراق – والموصل خاصة – هزيمة كبرى للتنظيم في كل مكان، وبخاصة أوروبا وروسيا وغيرهما، التي تقاطر آلاف الشباب المسلم المخدوع منهما، وهؤلاء اليوم جثث متعفنة بين خرائب الموصل.. بعد زوال خلافتهم!
ولا يعجب المرء فحسب من الميتة البشعة التي عرضوا أنفسهم وزوجاتهم لها، بل وحرص الدولة والتنظيم على ارتكاب كل ما ينفر الناس منهم داخل مناطق نفوذ «داعش» وخارجها. وفي الموصل خاصة، أشارت تقارير المراقبين في يوليو 2017، أن جثث المتطرفين «غالبيتها من الأجانب»، وهم الذين كانوا يحاربون في الأشهر الأخيرة، وبخاصة «من أصول روسية وشيشانية ومن جمهوريات سوفييتية سابقة، إضافة إلى العرب. ويأتي بعدهم مسلمون من آسيا، أفغان وباكستانيون وإيجور صينيون – أتراك الصين، ثم أوروبيون، فرنسيون وألمان وبلجيكيون وبريطانيون، ثم أمريكيون». ويُبين عميد في قوى الرد السريع في الجيش العراقي أن غالبية حملة الجنسية الفرنسية من القتلى «من دول مثل الجزائر أو المغرب أو تونس». وقال الفارون من سكان الموصل «إن المقاتلين الأجانب أجبروهم بشكل وحشي على البقاء في المنازل التي تعرضت غالبيتها للقصف، أو كانوا يقتلون المدنيين الذين يحاولون الفرار».أشارت التقارير كذلك إلى أن عددًا كبيرًا من المتطرفين العراقيين هربوا بعد تسللهم بين المدنيين النازحين عن المدينة القديمة. ويؤكد الجيش العراقي توقيف الكثير منهم وربما تمكن المئات من الفرار. ولا يستطيع الأجانب الفرار والاندساس بنفس السهولة بسبب مشاكل اللغة واللهجة. وربما لهذا «لا يستسلمون أبدًا»، ولا خيار أمامهم سوى القتال حتى الموت. ولهذا كان المسؤولون العراقيون يتوقعون «أن الموصل القديمة ستكون مقبرتهم».
5 «ولايتي» والمواطن الإيراني محمد خلفان الصوافي الاتحاد الاماراتية
لا يمكن تفسير تصريحات علي أكبر ولايتي، المستشار السياسي للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، التي تعددت مؤخراً منها: ما هدد فيها الولايات المتحدة بالمواجهة لمنع قواتها من الانتشار في العراق وقبلها بأسبوعين تقريباً قال فيها: إن قيادة بلاده لا تعتزم تقليص نفوذها في منطقة الشرق الأوسط إلا في أمرين اثنين إما أن نظام ولاية الفقيه، الذي ينتمي له «ولايتي»، لا يزال يعيش «ذهنياً» في فترة ما قبل عصر العولمة التي أعلنت فيها تغير أدوات التأثير والسيطرة على الشعوب التي عرفها الناس من خلال كتابات الروائي البريطاني جورج أورويل الذي كان يستعرض فيها طبيعة النظم التسلطية وفق نظرية «الأخ الأكبر».
والتفسير الآخر أن أكبر ولايتي يتجاهل عمداً وقاصداً مطالب الشعب الإيراني عموماً التي أعلنها في احتجاجه الأخير بعدم دعم «حلفائه» في المنطقة التي تستنزف الكثير من أمواله عندما حمل شعاره اتركونا من فلسطين ولبنان وسوريا وفكروا فينا، في حين يعلن ولايتي «بغباء سياسي» تمسك نظام ولاية الفقيه اتباع استراتيجيته القائمة على استنزاف موارد الشعب الإيراني، الذي يتظاهر بين الحين والآخر معبراً عن رفضه في دعم التمدد الخارجي، والمشكلة أن «ولايتي» يقول ذلك، وكأنه يفترض أن الشعب الإيراني ما زال يصدق ما يقوله النظام.
الصورة كما تبدو من خارج إيران، وهي الأقرب للواقع، أن «ولايتي» يريد أن يخاطب الرأي العام الخارجي، سواء الإقليمي أو الدولي، بأن النظام ما زال متماسكاً وأن الشعب ما زال يؤيده، ولا يمكن أن يهتز رغم كل الأزمات والتحديات الداخلية والخارجية، وأن مسألة الاستمرار في الاحتفاظ بشعار الزعيم الراحل آية الله الخميني في تصدير الثورة لا نقاش فيها، أو القبول بأي رأي حوله، وأن الانتفاضة الشعبية الأخيرة لا تعني مطالبة الشعب بتغيير الاستراتيجية، في حين لو ركزنا في التطورات التي حدثت بعد السيطرة على الانتفاضة، فإن هذه التصريحات تكشف عن قلق واضح على أركان النظام بأكمله، فالخلافات والاتهامات متبادلة بين «الإصلاحيين» و«المحافظين» حول من يتحمل مسؤولية الاحتجاجات، وبدأت تظهر في الإعلام حيث بدأ «الإصلاحيون» ينتقدون المؤسسات المحافظة وعلى رأسها المرشد، حيث قال حسن روحاني إن الجميع يمكن انتقاد سياساتهم.
وإذا كان «ولايتي» يحاول استغلال «الاختلافات الدولية» حول الاتفاق النووي، ويتلاعب بالمواقف الأوروبية ضد تطبيق العقوبات على النظام كسباً للوقت في زيادة السيطرة الداخلية على المحتجين، حيث إن الضغوطات الدولية لم تكن كافية بالقدر الذي يجبر النظام الإيراني على تقليص وجودها في المنطقة، فإن تجاهله للمتغيرات التي حدثت في المنطقة سواء في وجود موقف سياسي عربي قوي يعبر عن رفضه لتدخلاته ممثلة في التحالف العربي، وكذلك تجاهله للتأثيرات التي تركها ما كان يسمى بـ«الربيع العربي»، إضافة إلى حالة التنمية التي تقوم بها كل من دولة الإمارات وحالة «التغيير» في الوضع الداخلي السعودي، التي يمكن تصنيفهما «بالضغوط الناعمة» ولكن تأثيرها الاجتماعي كبير، من شأنه أن يدفع إلى حراك اجتماعي ربما هو الأخطر على نظام الملالي، قد يكون تأثير هذه التغيرات نتيجته بطيئة، ولكن ستحدث «انكساراً» حقيقياً في النظام الإيراني، لذا من الأفضل للنظام اعتبار حالة الهدوء الحالي فرصة لإدخال تعديلات معينة تعيد من مكانة النظام لدى الرأي العام الإيراني، ولو نسبياً.
من واقع تجربة «الربيع العربي الذي لا يزال طرياً في دول مثل ليبيا وسوريا وبدرجة أخف في مصر وتونس. ومن الواضح أن دول المنطقة معروف عنها أنها تتأثر ببعضها، وإيران جزء من هذه المنطقة، وبالتالي على النظام أن يستوعب الدروس التي مرت على تلك الأنظمة، وأن يتجاوز مغامراته السياسية الخارجية، وألا يبني نجاحه من خلال سلوكياته الخارجية، وألا يغض الطرف عن الرأي العام الداخلي، لأن الموضوع بات يتجاوز الشأن الاقتصادي بحيث يشمل دائرة أوسع تمثل قضية الحريات مساحة أكبر فيها.
الشيء الغريب والمدهش في الوقت نفسه أن النظام الإيراني لم يستوعب بعد أن الشعب الإيراني لم يعد يراهن على «مغامرات» النظام الخارجية لأنها لم تحقق له أي نتائج تنموية، بل زادته فقراً وتعاسة، بل إن استهزاء «ولايتي» من سيادة الدول العربية والعراق تحديداً من خلال إطلاق تصريحاته منها هو الأخطر الأكبر على مستقبل النظام، لأن ردة فعل الشعب العراقي بكل أطيافه كانت واضحة من خلال وسائل الإعلام. الغالب على المشهد الإيراني حالياً هو اعتماد الشعب على نفسه في الضغط على النظام، لأن تبديده لثروات شعبه فيما لا يحقق الارتقاء بمستويات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، وفي تأمين مستوى معيشي أفضل لم تحرك المواقف الدولية إلا بالكلام، حتى أصبحت مواقفهم تجاه الشعب الإيراني مثيرة للشك لديهم!
6 إعمار العراق
عامر الفالح الراي الكويتية
بعدَ أن ضاقَ الخِناقْ
وانتهت أحلامُ داعِش
هل بقى للحشدِ معنى
في العراق ؟
انزعوا كلَّ سلاحٍ لمليشيا
أو لأحزابِ النِّفاق..
ارحموا الشعبَ لما عانى
وذاق…
كيف للأموال أن تبني عراقاً
وبها حربُ الوكالات
وأرواحٌ تُراق؟!
7 ولايتي يحكي من بغداد ليسمع النجف
مصطفى فحص
الشرق الاوسط السعودية
تُصر طهران على استفزاز العراقيين، وتواصل استخدام لغة الاستتباع، رغم أنها بحاجة ماسة إلى ممارسة دبلوماسية قد تساعدها على تحسين صورتها المهشّمة خارج القاعة التي اجتمعت فيها شخصيات سياسية عراقية، لكي يستمعوا إلى وصايا وزير خارجية المرشد الإيراني علي ولايتي، الذي شارك في أعمال المؤتمر التأسيسي لـ«المجمع العراقي للوحدة الإسلامية»، الذي أقيم الأسبوع الماضي في بغداد، فقد كان علي ولايتي فظاً في كلامه، وقدم مقاربة للوضع العراقي يجدد من خلالها وصاية بلاده المترهلة على خيارات الشعب العراقي السياسية والثقافية والعقائدية، باعتبار أن نظامه يمتلك حق الولاية على الدولة والشعب، ولم يزل بإمكانه فرض توجهاته على العراقيين الذاهبين إلى انتخابات برلمانية، تمثل نتائجها أولى خطواتهم للخروج التدريجي من عباءة الإسلام السياسي الشيعي الحاكم منذ أبريل (نيسان) 2003 إلى مرحلة تؤسس لثنائية مدنية وإسلام معتدل، تتقدم فيها المشتركات الوطنية على الخصوصيات المذهبية، وهذا ما يقلق نظام طهران الذي فشل على ما يبدو حتى الآن في إعادة ترتيب ما تبقى من البيت الشيعي، الذي حالت الانقسامات العميقة بين مكوناته دون إعادة تشكيله من جديد، أو فرض شكل جديد من التحالفات تؤمن كتلة برلمانية تعتبر موالية لطهران. فقد شكلت الانتخابات العراقية فرصة دائمة لإيران من أجل تعميم نموذجها الإسلامي في الحكم، حيث أتاحت لها البرلمانات العراقية المتعاقبة بعد سقوط «البعث» وصاية كاملة على الحياة السياسية العراقية وصلت إلى حد الاستحواذ.
من بغداد أعلن وزير خارجية إيران الأسبق علي ولايتي موقفه من الانتخابات، مشدداً على أن الصحوة الإسلامية لن تسمح بوصول الليبراليين والشيوعيين إلى البرلمان، ورغم معرفة ولايتي بحجم القدرة التجييرية الضعيفة للشخصيات الليبرالية والشيوعية العراقية، ولكنه يدرك جيداً أن شبكة تحالفات أقيمت من أجل تقديم شخصيات لم تكن محسوبة سابقاً على التيارات الإسلامية ضمن قوائمها، وهذا بالفعل ما تبناه السيد مقتدى الصدر، إضافة إلى احتمال ترشيح شخصيات غير إسلامية على قوائم رئيس الوزراء حيدر العبادي والسيد عمار الحكيم، وقد تبلور هذا التحول لدى قوائم الأحزاب الإسلامية نتيجة تواصل جرى بين أطراف شيوعية وعلمانية ومدنية خلال المعركة ضد الفساد، التي أطلقها النشطاء في بغداد ومظاهرات ساحة التحرير التي أمن لها السيد مقتدى الصدر غطاءً شعبياً من خلال مشاركة أنصاره فيها والتزامه بالشعارات المدنية التي رفعت، ودعم المرجعية عبر خُطب صلاة الجمعة في كربلاء التي عبرت عن دعهما لكل الجهود الشعبية وحتى الرسمية في مكافحة الفساد.
وعليه، فإن ما قاله ولايتي في بغداد، وشدّد فيه على «قيادة المرشد السيد علي خامنئي للأمة الإسلامية»، مع مرور سريع على دور النجف متعمداً عدم ذكر السيستاني بالاسم، تكون الرسالة الإيرانية قد وصل صداها إلى النجف، باعتبارها تؤمن حاضنة وغطاء للحراك المدني العراقي بكل أطيافه، حيث قامت الحوزة الدينية بخطوات مميزة عندما أعلنت مقاطعتها لكافة المسؤولين العراقيين، ورفض المرجعية الدينية استقبالهم، بينما التقى كبار أساتذة الحوزة رموزاً شيوعية شكلت رأس الحربة في مظاهرات ساحة التحرير، وباتت الآن على القوائم الانتخابية للسيد مقتدى الصدر المعني الثاني بكلام ولايتي بعد المرجع السيستاني، الذي يتعرض لانتقادات شديدة من قبل أصوليين شيعة، اعتبروه متأثراً اجتماعياً بإمام المذهب الشيخ الأنصاري، الذي نشأت في عصره انحرافات لديانات، ولم يتخذ موقفاً منها، وهو ما يحاول هذا التيار إسقاطه على السيستاني حالياً باعتباره يمارس صمتاً متعمداً عن ما يعتبرونه «حركات كفر وفسق وانحراف» بهدف مراعاة جمهورها، وذلك وفقاً لما جاء في شريط مسجل لأحد المشايخ.
يعاني نظام ولاية الفقيه من معضلتين لهما تأثير تلقائي على مستقبله، الأولى خليفة المرشد الذي لن يحظى بإجماع داخلي وبمكانة خارجية، والثانية الشارع الإيراني الذي تجاوز الخطاب العقائدي للنظام ودعا علانية لإسقاطه، في المقابل مرجعية نجفية تؤمن بولاية الأمة على نفسها أسست لعلاقة متوازنة مع التيارات المدنية العراقية التي بدأت تشكيل بديل مقنع لأحزاب الإسلام السياسي الفاسدة والفاشلة، وهذا ما يجعلها النموذج الفقهي الذي يطالب به الرأي العام الإيراني، الذي يرضخ تحت سلطة الاستبداد الديني، والذي يرفض كل دعوات الانفتاح والحوار، لذلك يمكن اعتبار أن النجف هي المستهدفة في خطاب ولايتي وليس الشيوعيين، وفقاً للمثل الشعبي العراقي «احجيج جارتي واسمعك يا جنتي».
8 إعمار العراق: خطوة أولى في رحلة المليون ميل
عبدالوهاب بدرخان
الحياة السعودية
هل كانت حصيلة مؤتمر الكويت لإعمار العراق مخيّبة للآمال، كما قدّر علناً بعضٌ من العراقيين، أم إنها كانت معقولة وواقعية كما رآها ضمناً بعضٌ آخر منهم؟ في كل الاعتبارات، لم تكن الثلاثون بليون دولار، وعوداً وتعهّدات، هي ما يستحقّه العراق كشعب وبلد وفكرة وتراث وعراقة، بل ما استحقّه عراق الواقع الراهن. واقعٌ يُفترض ألا يجهل أهله حقيقته، وألا يُنكروا أدوارهم في ما حلّ به بالتكافل أو بالتنافر مع أدوار الآخرين، وألا يتوقّعوا من العالم أن يهرع إلى تمويل حالٍ تتنافس فيها عوامل الصراع والانقسام مع عوامل السلم والاستقرار، من دون أن تتضح فيها غلبة واضحة لـ «دولة» باتت كلمتها أعلى من أصوات الميليشيات، وتريد أن تكون دولة طبيعية لجميع مواطنيها ومكوّناتها، ولجوارها العربي.
لو لم يكن هناك رهان دولي وعربي على هذه الدولة لما تبلورت فكرة مؤتمر الكويت الذي أراد أن يدعمها، ولجاءت وعود التمويل بأقلّ من الحصيلة المتواضعة. وقد كان المؤتمر اختباراً مباشراً، لا للعراق والعراقيين فحسب، بل اختباراً مسبقاً لكل الدول العربية التي لا تزال مصطرعة ولم تتح الفرص بعد للبحث جدياً في إعادة إعمارها. ففي الأعوام الأخيرة، وبسبب تكاثر الأزمات وتزامنها، تراجعت حماسة الدول المانحة، وصارت الأمم المتحدة تبذل أقصى الجهد وبالكاد تحصّل ما يمكّنها من القيام بأبسط الواجبات الإنسانية مثل إيواء النازحين واللاجئين وإطعامهم والاهتمام بأوضاعهم الصحية والاجتماعية عدا واجبات مهمة أخرى كرعاية الأطفال وتعليمهم. وبطبيعة الحال، فإن عدم انبثاق آفاق سياسية واعدة من توالي الحروب والمآسي واحتمالات تجدّدها حيث يُعتقد أنها ولّت، لا يشجع الدول المانحة على «المغامرة» بأموالها.
لا شك في أن النصر على تنظيم «داعش» كان عنصراً مساعداً للعراق كي يطالب بدعمه أو بمكافأته على هزيمته الإرهاب، ولا شك أيضاً في أن الدور المركزي للجيش العراقي والقطاعات العسكرية والأمنية المختلفة في ذلك النصر قد بنى ثقةً دوليةً ما بحكومة بغداد ورئيسها حيدر العبادي، غير أن هذه إنجازات ينبغي البناء عليها في الاتجاه الصحيح لإقناع العالم بأن العراق استوعب دروس خمسة عشر عاماً للتخلّص من الفوضى والفئوية والثأرية في إدارة شؤونه. وعندما تكون دولةٌ ما بحاجة ماسّة إلى مساهمات مالية خارجية فمن البدهي أن تعرف كيف ينظر العالم إليها وأي صورة استطاعت أن تكوّنها لنفسها وما المطلوب منها لتحصل على ما تحتاج إليه أو تتوقّعه؟
أيّاً تكن الصدقية الشخصية التي يتمتّع بها العبادي، ومدى الاختلاف بينه وبين سيّئ الذكر سلفه، إلا أنه لم يستطع تبديد وقائع سلبيّة تفرمل اندفاع الخارج نحو اعتبار عراق الدولة على طريق التعافي من أمراض تواصل إضعافه، وهي: سرطان التغلغل الإيراني، وانتشار الميليشيات المذهبية، واستشراء الفساد الإداري والمالي. فكلّها أمراض معتملة ومتداخلة، وليس في الإشارة إليها افتراء أو تحامل على الحُكم، بل تقرير لواقع لا يمكن تجاهله، يتساوى في ذلك أن يبدي العراقيون «تصالحاً» أو «تعايشاً» معها – بصدقٍ أو بتمويه، إذ لا يمكنهم حمل العالم على القبول بما يقبلونه هم ويسكتون عنه من ظهور منفّر ومستفزّ للجنرال قاسم سليماني عند المحطات الأمنية والسياسية كلها، والأكيد أنهم يعلمون أن العالم، وإن لم يكن كأميركا وإسرائيل في حال مواجهة مع إيران، لا يقرّ تدخّلاتها بأسلوب «تصدير الثورة» أو بثقافة الشحن المذهبي، بل يعتبرها استثماراً في إفقار مستدام للعراق وعائقاً أمام قيام دولته ونظامه.
في المقابل، ربما كان هناك تفهّم خارجي موقّت لظهور «الحشد الشعبي» كردّ فعل على ظهور «داعش»، لكن التشريع المستهجَن لـ «الحشد» وإنفاق الدولة عليه من الموازنة العامة وتغطيتها القانونية لانتهاكاته لم تقنع أحداً بأن «الحشد» خاضع لشرعية الدولة وليس مجرّد وجه آخر للهيمنة الإيرانية. ولعل التلكؤ في خطط دمجه وغموض تجريده من السلاح الثقيل واستعداده للتحوّل إلى مكوّنٍ سياسي (على غرار «حزب الله» في لبنان) تشهد على سعيه إلى التهرّب من سيطرة الدولة وإلى استمراره ككيانٍ موازٍ خارج إشراف القوات المسلحة الشرعية، فهذه اختطّت لها إعادة التأهيل الأميركية نهجاً مختلفاً مكّنها من محاربة الإرهاب وسيمكّنها من مكافحة أي محاولة لعودته بل يُفترض أن تكون عماد الدفاع عن الدولة.
قام الخبراء العراقيون بما عليهم وبما طُلب منهم لإعداد ملفات مؤتمر الكويت، وقبل ذلك لم يكن مستغرباً أن يتحدّث العبادي في منتدى دافوس عن الحاجة إلى مئة بليون دولار، ثم كان طبيعياً أن تنخفض التوقعات إلى ثمانية وثمانين بليوناً مع اقتراب الدول والشركات والمنظمات من التصريح بمساهماتها. ولدى رصد الأرقام التي أفاضت بها المصادر العراقية للحاجات الفعلية للقطاعات كافة تبيّن أن التقديرات تفوق المئة بليون في المديين القصير والمتوسط، لكن الأرقام المتداولة في أروقة المؤتمر للمنح والاستثمارات والقروض ظلّت دون المستوى. لذلك، أسباب أهمها أن الجانب العراقي لم يأتِ باستراتيجية واضحة ومحدّدة، ولعل الحكومة أرادت ذلك ولم تستطعه. لم يكن هناك ما يمنع عرض صورة شاملة لحاجات البلد، لكن منطق ظروف ما بعد الحرب على «داعش» وهاجس توطيد الاستقرار كانا يقتضيان حصر المطالب العاجلة بإعادة إعمار المدن والبلدات المدمّرة وتأهيل البنية التحتية فيها لإعادة إسكان مليونين ونيّف من النازحين وتحريك عجلة الاقتصاد في مناطقهم. وتُظهر حصيلة التعهّدات أن الدول المانحة أخذت عملياً في اعتبارها الحاجة الملحّة لتنفيذ هذه المهمّات، وقد قُدّرت بـ 22 بليون دولار.
لا تفسير للخلل الاستراتيجي و «المطالب المبعثرة»، كما وصفها القطب السياسي أياد علاوي، سوى أن المنطق الفئوي لعب دوراً في تشويش الرؤية وألزم حكومة بغداد بإرضاء أطراف الحكم كافة لئلا تتسبّب مواقفها وتهجّماتها بإجهاض مؤتمر الكويت قبل انعقاده، فتلك الأطراف اعتبرت المؤتمر فرصة لانتزاع حصص أو مناسبة لتوزّع مغانم وفقاً للمناطق ومراكز النفوذ، خصوصاً أن الموسم موسم انتخابات. بهذا المعنى، لم يكن يُراد، بل لم يكن ممكناً، حصر الأولوية رسمياً بالمناطق المنكوبة، إلا أن التشوّش الناجم عن تكالب تلك الأطراف أعاد دفع ملف الفساد إلى الواجهة، فهو لم يكن ليغيب عن أذهان ممثلي الدول المانحة بسبب شهرته الخارقة عالمياً غير أنهم لم يتسرّعوا في إثارته، ربما تشجيعاً لتعهّدات العبادي جعل مكافحة الفساد بين أهمّ أولوياته. ولا يكفي انكشاف النيات لكي ترتدع ماكينة الفساد، فلا شيء يمنعها من محاولة قضم ما أمكنها من «حصيلة الكويت» على محدوديتها.
بدا حضور إيران في الكويت أقرب إلى التطفّل على أمر لا يعنيها، فالمجتمعون يبحثون في ترميم ما خرّبته، ولو عاد الأمر إليها لفضّلت أن تبقى المدن المدمّرة على حالها وأن يبقى أهلها مشرّدين في مخيمات. ولعل أفضل ما فعلته كان تعهّدها بـ «صفر دولار» لأن جميع المساهمات المالية ترمي إلى تعزيز عمل الدولة العراقية من أجل الاستقرار، أما إيران فجهدت وتجهد لترسيخ العراق بيدقاً في حروبها، ففيما كان العبادي وفريقه يكافحان في أروقة مؤتمر الكويت سعياً إلى موارد للسلم الأهلي كان أمثال قيس الخزعلي يبحثون عن مغامرات هنا وهناك خدمةً للمشروع الإيراني.
من المؤكّد أن الحكومة العراقية تعلّمت الكثير من تجربة الكويت، فالحاجة إلى المساعدات تتطلّب التأهل للحصول عليها، سواء بالتشريعات المناسبة أو بتكوين البيئة الاستثمارية لملاقاة مجتمع دولي لديه رغبة حقيقية واقتناعاً مبدئياً بضرورة دعم العراق، ليس فقط لأنه بلد عنده ثروات وهناك مستقبل للاستثمار فيه، بل لأن استقراره بعد محنته مع «داعش» يساهم في الاستقرار الإقليمي. ولا شك في أن الحكومة ستتعلّم أكثر من مفاوضات التعاقد لتنفيذ التعهّدات، فأي طرف سيبحث حتماً عن العناصر التي تعزّز ثقته في الطرف الذي سيتصرف بالأموال. الكرة، إذاً، في ملعب العراقيين.
9 ولايتي … لن يسمح!
مشرق عباس
صحيفة الحياة السعودية
ليس الأمر فقط أن علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني وأحد الصقور في نظام الحكم، اعتاد فهم دوره السياسي كعنصر تأزيم وتصعيد، لكن لهجته المتعالية تعكس رفضاً محيراً من المدرسة التي ينتمي إليها للنظر إلى الوقائع على الأرض في العراق، وتحليلها قبل الحكم عليها.
المناسبة هذه المرة وربما كل مرة، أن ولايتي يختار بغداد منبراً لمطالبة العراقيين بالتصدي للوجود الأميركي في شرق الفرات، قبل أن يقول إن بلاده لن تسمح بهذا الوجود! ويمضي للحديث عن صحوة إسلامية «لن تسمح» بإعادة «الليبراليين والشيوعيين إلى حكم بغداد»؟
منذ بداية العام الحالي أدلى ولايتي وعدد من صقور طهران بمئات التصريحات التي تخللتها عبارة «إيران لن تسمح»، مرة بالحديث عن لبنان وثانية عن سورية وثالثة عن اليمن وأيضاً السعودية والإمارات وقطر، قبل أن يختتم رحيم بور أزغدي المعروف بأنه «عضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية» مهرجان التصريحات النارية بالحديث عن «إعدام بلاده صدام حسين» و «سيطرتها على 6 دول في المنطقة».
بالطبع، لاتخطئ العين السياسية الإيرانية المدربة على فهم العراقيين واستجاباتهم، تمييز مستوى الاستياء العراقي من استمرار تلك النبرة العنجهية للجار في التعاطي مع قضايا جاره، بل و «دم جاره»، ما يجعل الحديث عن «آراء شخصية» و «خلل في الترجمة» مجرد تبادل أدوار، تماماً كمثل ما يقوم به التنفيذيون «الإصلاحيون» بمواجهة حركة الاحتجاجات المطلبية الإيرانية التي تتصاعد، أو الذي يمارسه المحافظون إزاء الشكاوى العراقية المتكررة من تراخي السلطات الأمنية الإيرانية التي تتبنى «الصحوة الإسلامية» أمام خطوط نقل المخدرات التي أغرقت بلاد النهرين!.
أقنع العراق، بعد طول التباس، دول المنطقة التي طالما نظرت إليه كـ «بوابة شرقية» و «عدو إيران»، بتفهم المتغيرات التي حصلت بعد 2003، وأنه لن يتبنى مشاريع معادية لإيران، كما أن الساسة العراقيين باختلاف قومياتهم ومذاهبهم كرروا للولايات المتحدة طوال السنوات الماضية بأن العراق لايمكن أن يكون معبراً للاعتداء على إيران بأي طريقة كانت، حتى إن العراق كان كسر العقوبات الاقتصادية ضد طهران لسنوات، وساهم اقتصاده المنهار أساساً في إنقاذ الاقتصاد الإيراني قبل إبرام الاتفاق النووي وبعده.
ومع هذا لم ينجح السياسيون العراقيون الذين عاملهم ولايتي باستعلاء مهين، بإقناعه بأن مصلحة إيران قبل العراق تقتضي أن تقبل بلاده بحدود نفوذها مابعد «داعش» وألا تسعى إلى توسيع هذا النفوذ من جديد، على حساب العراق واقتصاده وجراحه ودماء شبابه المهدورة في ساحات «الجهاد الإيرانية»، بل إنهم لم يرسلوا إلى المرشد بحقيقة الأمر، كأن يقولوا له بلطف متناه مثلاً: «يا سيدنا، شارعنا لم يعد يطيقنا… شعبنا غاضب… ومراسيلك إلينا تنحت قبورنا»!.
في الغالب لن يستمع إليهم أحد حتى لو فعلوا… وبعض الشخصيات العراقية التي لطالما تمتعت بعلاقات حميمة مع مراكز القرار الإيرانية، أدركت بالتجارب المتكررة، أن تلك المراكز ومبعوثيها وسفراءها وحرسها ومخابراتها وإصلاحييها ومحافظيها، لا تريد معاملتهم إلا وفق منطق ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، كلاجئين، وجنود، وموظفين.
ربما فشل الساسة العراقيون بعد 14 عاماً من تجربة حكم بلد عملاق في المنطقة كالعراق، يتمتع بتاريخ صلب وشعب غير قابل للانصياع إلى الأجنبي، وإمكانات مادية وبشرية هائلة، في إقناع الإيرانيين، بأن يعاملوهم كحكام!، حتى أنهم فشلوا في تسويق فكرة «الحكم الشيعي الناجح للعراق» لدى القيادات الإيرانية، التي لطالما نظرت إلى العراقيين كعراقيين في النهاية، تفصل بلاد فارس عنهم حدود عام 1639 كواحدة من أقدم الحدود الرسمية في العالم، كما فهموا بطريقة خاطئة أن قوة العراق تاريخياً مصدر ضعف لإيران.
لايريد الشعب العراقي كما الشعب الإيراني أن يعيدا تجارب الماضي المريرة والدامية، وهما يدركان في عمق موروثهما الثقافي العميق أن مشاريع «الإمحاء» و «السيطرة» و «التوسع» و «عدم الاحترام» هي أوهام إمبراطورية لم تعد قابلة للتنفيذ… الشعب العراقي «لن يسمح بذلك» كما لن يسمح به الشعب الإيراني، أما المستشار ولايتي فما عليه إلا أن يستمع بهدوء إلى ما يرفض الاستماع إليه حتى الآن.
10 دعم إعادة الإعمار.. دعم للأمن والاستقرار
إبراهيم النحاس صحيفة الرياض السعودية
الوقفة السعودية من خلال مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق تأتي تأكيداً لأهمية الوقوف مع الشعب العراقي ومع حكومته وتشجيعاً للمجتمع الدولي للوقوف مع الدولة العراقية على جميع المستويات ومساعدتها حتى تتمكن من العودة لمكانتها الطبيعية في المجتمع الدولي..
حكومة عراقية معتدلة بسياساتها ووطنية بقراراتها التي جعلتها محل احترام وتقدير المجتمع الدولي. حكومة عراقية تميزت بحكمة تصرفاتها ووضوح أهدافها وعقلانية سلوكياتها مما أعطاها القبول والاندماج في محيطها الدولي. حكومة عراقية بوفائها لوطنها وإخلاصها لمواطنيها وحبها لعروبتها وأصالتها استطاعت إعادة الدولة العراقية لموقعها الطبيعي في الوطن العربي والعالم الإسلامي.
سياسات وسلوكيات إيجابية من الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي أعادت الدولة العراقية لوطنها العربي وبعثت الثقة لأشقائها العرب وأكدت للعالم أهمية احترام سيادتها ومنع التدخل في شؤونها الداخلية. هذا المنهج الجديد الذي أصبحت عليه الدولة العراقية برئاسة حيدر العبادي ساهم مساهمة كبيرة في إعادة العلاقات العراقية مع محيطها العربي خاصة الدول العربية في منطقة الخليج العربي. فكان أن قابل هذه الخطوات الإيجابية للحكومة العراقية خطوات إيجابية ومتعددة قامت بها المملكة تجاه العراق. فالعمل الإيجابي المثمر لحكومة العبادي قابله سياسات سعودية إيجابية على مختلف المستويات وفي كل المجالات ساهمت في عودة العلاقات وتعزيزها على أساس الاحترام المتبادل.
من هذه الخطوات الأولية التي تقوم على تعزيز وحدة الدولة العراقية والمحافظة على سيادتها وإعلاء شأن المواطنة فيها على أي شأن آخر، بدأ العراق أولى لبنات إعادة البناء الداخلي وبدأت معه أولى خطوات العودة لمكانته الطبيعية. فكان أن اتخذت المملكة خطوات إيجابية مهمة منها إعادة فتح السفارة في بغداد وإنشاء المجلس التنسيقي السعودي – العراقي وإعادة فتح معبر جديدة عرعر وإعادة تسيير رحلات جوية لناقلات سعودية إلى بغداد وأربيل، بالإضافة لتعزيز التعاون في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتنموية والسياحية والثقافية وفي غيرها من مجالات تخدم المصالح المشتركة للشعبين والدولتين.
هذه الخطوات السعودية الإيجابية تجاه العراق تواصلت مسيرتها من خلال مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق الذي عقد في 12 فبراير 2018م. فالمملكة التي لم تتأخر يوماً عن الوقوف مع الشعب العراقي أعلنت من خلال المؤتمر تخصيص مليار وخمس مئة مليون دولار للمساهمة في إعادة إعمار الدولة العراقية. هذه الوقفة السعودية من خلال المؤتمر تأتي تأكيداً لأهمية الوقوف مع الشعب العراقي ومع حكومته وكذلك تشجيعاً للمجتمع الدولي للوقوف مع الدولة العراقية على جميع المستويات ومساعدتها حتى تتمكن من العودة لمكانتها الطبيعية في المجتمع الدولي.
ولعله يمكن القول بأن مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق، الذي حضرته أكثر من سبعين دولة ومنظمة إقليمية ودولية وأكثر من خمسين صندوقاً تنموياً ومؤسسات مالية إقليمية ودولية وما يزيد عن المئة منظمة إقليمية ودولية غير حكومية ومئات الجهات من القطاع الخاص، يعتبر رسالة إيجابية لحكومة حيدر العبادي بأنه يسير في الطريق الصحيح لإعادة بناء وإعمار الدولة العراقية سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً. فهذه الأطراف الدولية المتعددة كأنها بحضورها أيدت سياسات العبادي بشكل مباشر وبشكل غير مباشر وتتطلع لأن يواصل مسيرة بناء الدولة العراقية على الأسس الصحيحة لبناء الدول. وهذا التأييد الدولي المعلن للسيد العبادي من خلال كثافة الحضور الدولي يتطلب عملاً كبيراً من الحكومة العراقية تتمثل في إعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية ومحاربة كل أسباب الفرقة الداخلية والتغلب على الأسباب التي تؤدي للصراع والمحافظة على المال العام ومحاسبة الفاسدين وتقوية الأجهزة الأمنية وفرض النظام العام وتعزيز استقلال القضاء. مطالب كثيرة ورئيسية يستطيع تحقيقها السيد العبادي بما يملك من ولاء لوطنه ووفاء لشعب العراق.
وفي الختام من الأهمية القول إن المملكة التي وقفت مع الدولة العراقية إنما وقفت مع دولة شقيقة وشعب شقيق بكافة مكوناته الدينية والمذهبية والعرقية، وبأن يكون دولة مستقلة كاملة السيادة تتمتع بالأمن والسلم والاستقرار. فالعراق كان وما زال وسيظل جزءاً أصيلاً من أجزاء الوطن العربي الكبير الذي نعتز بتاريخه ونتطلع لمستقبله الواعد الذي سوف يبنى بأيدي شعبه الوفي لوطنه الواحد وعروبته الأصيلة.
11 العراق شبّ على الطوق، والعلمانيون هـم أول الـرصـاص وأول الحـجــارة
عريب الرنتاوي
صحيفة الدستور الاردنية
في الرد على ولايتي:
العراق شبّ على الطوق، والعلمانيون
هـم أول الـرصـاص وأول الحـجــارة
استفزازية للغاية، تلك التصريحات التي صدرت عن مستشار مرشد الثورة الإسلامية على أكبر ولايتي في زيارته الأخيرة للعراق، والتي قال فيها “أن الصحوة الإسلامية لن تسمح لليبراليين والشيوعيين – العلمانيين – بالعودة لحكم العراق”، في نقد مباشر لتحالف “سائرون” الذي يضم التيار الصدري وعددا من القوى المدنية والحزب الشيوعي العراق الذي سيخوض الانتخابات النيابية القادمة في العراق، المقررة في أيار/ مايو المقبل.
استفزازية لروح وعقل وضمير، كل عراقي يستشعر هويته وكرامته الوطنية، فكيف لمسؤول كبير في دولة مجاورة، أن يتدخل على هذا النحو من الفجاجة والفجور، في شأن داخلي – سيادي عراقي … وكيف سمح لنفسه بأن يكون “ناخباً” من خارج اللوائح والقوائم الانتخابية المسجلة… بل وكيف يقبل بعض العراقيين، لزائر جاء بلادهم في توقيت غير مناسب، أن يكون “مايسترو” التحالفات الانتخابية و”عراب” الترتيبات النهائية للبيت الشيعي الداخلي، وأن يظهر على وسائل إعلامه، شاهراً سيف الإقصاء والإلغاء، حتى لا نقول سيف التكفير، واضعاً “الصحوة الإسلامية”، التي لا هي “صحوة” ولا أدري إن كانت “إسلامية”، في تناقض وتضاد وتقابل مع القوى المدنية والعلمانية والليبرالية والشيوعية واليسارية العراقية؟
وهي استفزازية على نحو خاص، لكل “علماني” و”ليبرالي” و”شيوعي” و”يساري” و”مدني” عراقي أولاً، وعربي على وجوه العموم … كاتب هذه السطور، ومن موقعه وموقفه المنتمي لهذه التيارات “غير الدينية”، يشعر بالاستفزاز والاستهداف أيضاً … فهل تنوي إيران حقاً إعادة إنتاج نظامها السياسي في العراق، هل ثمة تفكير جدي في أرفع دوائر صنع القرار في طهران، بأن العراق يمكن أن يحكم على الطريقة الإيرانية؟ … ألم يستخلص هؤلاء دروس الانقسام والاحتراب الأهليين، ونفاذ داعش إلى عمق الجغرافيا والبنية الاجتماعية العراقية، جراء ذلك؟ … ألا يدركون أن أحد أسباب المُعمّقة للانقسام العربي – الكردي والطاردة لكرد العراق عن مركزه، إنما تتمثل في تلك السياسات والتحالفات القائمة على الهيمنة والاستتباع، وخلط الدين بالسياسة، التي ميزت “عراق ما بعد صدام”؟ … والسؤال الأهم من كل ما ورد هو: هل نجح نموذج الحكم الإيران في موطنه الأصلي، حتى يجري التفكير بتصديره لدول الجوار؟ … من يقبل بذلك، ومن يرتضي هذا المستوى السافر من التدخل الإيراني في صميم شؤون العراق الداخلية؟
نحن العلمانيين العرب، غير “المستتبعين”، من يساريين وقوميين ومدنيين وليبراليين ووطنيين، نعلن رفضنا لمحاولات فرض ما يسمى بـ “الصحوة” بقوة السلاح والمليشيات والمال على مستقبل العراق والعراقيين، وندعم بالقدر ذاته، الميول الوطنية – العروبية – الديمقراطية الآخذة في التجذر في خطاب التيار الصدري وممارسته السياسية وتحالفاته الانتخابية، ونتطلع لتجذير هذه التوجهات وتحويلها إلى منهج ثابت في العمل السياسي الوطني… كما نعلن وبالقوة ذاتها، دعمنا وتضامننا مع رموز التيار العلماني العراقي، بمدارسه المختلفة، التي تتعرض لأبشع عمليات الابتزاز والتهويل عشية استحقاق انتخابي هام، نراهن عليه ويراهن عليه العراقيون وأصدقاؤهم، للخروج من جملة الاستعصاءات التي تعتصرهم.
ولا نجد أكثر مما رد به تحالف “سائرون” على الوزير والمستشار الإيراني الرفيع، بأن العراق للعراقيين جميعاً، بصرف النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية وأيديولوجياتهم وميولهم السياسية والفكرية والاجتماعية، وأن العراق “السيّد- المستقل” وحده من يقرر شكل الحكم وتركيبة البرلمان والحكومة وطبيعة التحالفات الانتخابية وبرامجها، وأن على “الزائر الإيراني” أن يتوقف عند حدود بلاده، وألا يتخطاها إلى العمق العراقي، فالعراق بلغ سن الفطام، و”شبّ على الطوق”، وهو ليس بحاجة لوصاية من أحد، أياً كان ومن أية جهة أتى.
وليسمح لنا معالي الوزير – المستشار رفيع المستوى، بتقديم جردة حساب عن سنوات حكم “الصحوة” الخمسة عشر، إذ احتل العراق صدارة قوائم الدول والحكومات المضروبة بآفة الفساد، وتحول إلى ملعب لدول الجوار الإقليمي وجيوشها (العراق وتركيا)ومليشياتها، دع عنك “الناتو” وقواعد البنتاغون المنتشرة على أرض الرافدين، وبات ساحة لكل أشكال التدخل في شؤونه الداخلية، وأمكن لعصابة إجرامية من مثل داعش، أن تسيطر على ثلث مساحته بين عشية وضحاها، في “عزّ” هيمنة “الصحوة” وتفردها بحكم العراق، وهو اليوم أكثر انقساماً مما كان عليه منذ استقلاله الوطني، أما عن انهيار منظومة الخدمات من ماء وكهرباء وخدمات صحية وتعليمية، فحدث ولا حرج، وأمامه مشوار الثلاثين عاماً لبناء ما دمرته حروبه الداخلية وحروب الآخرين عليه، من دون أن يتوفر لأحد من أبنائه وبناته الثقة بكفاءة الطبقة السياسية الحاكمة، الصحوة أساساً، وقدرتها على التصدي باقتدار لتحديات “مرحلة ما بعد داعش” و”ما بعد الاستفتاء”.
من حق العراقيين أن يحاسبوا أحزابهم وطبقتهم السياسية على الفشل المتكرر والمتراكم الذي منيت به هذه الطبقة (وفي قلبها الصحوة)، خلال العشرية الفائتة، والانتخابات هي فرصة العراقيين لتقييم المسار وتقويمه، وليس من حق أحد أن يقف بين الناخب العراق وصندوق الاقتراع … ليس من حق أحد، أن يحول بين من يضع العراقيون فيه ثقتهم، سواء أكان من العلمانيين أو “الصحوويين” وبين وصوله إلى الندوة البرلمانية وحكومة ما بعد الانتخابات.
ونجدها مناسبة لمخاطبة “المستتبعين” من يساريين وقوميين، أردنيين وفلسطينيين وعرباً، لقراءة مغزى هذه التصريحات ومضامينها، وألا يسمحوا لبعض مواقف طهران وشعاراتها، أن تحجب عنهم رؤية مواضع أقدامهم، وأن ينفضوا عن أنفسهم غبار “التبعية” و”الاستتباع”، فالمقاومة في الأصل، من صنعتهم، فهم أول الرصاص في حركات التحرر من الاستعمار وأول الحجارة في انتفاضات فلسطين والربيع العربي، هم أول من دعم وساند الثورة الإسلامية ضد شاه إيران، وأول من اصطف إلى جانب الشعوب المستضعفة في العالم… أما تراجع أدوارهم الحالية،فلا ينبغي أن يكون سبباً لتسويق وتسويغ “ذوبانهم” وفقدانهم للونهم وهويتهم الفكرية والإيديولوجية، فلا مطرح لهؤلاء في سلم الأولويات الإيرانية و”الصحوية” إلا من موقع القوة والتميز، أما التبعية والاستتباع، فلن تجعل منهم سوى “كومبارس” أو “خرزة زرقاء” في أحسن سيناريو، و”أيتام على مأدبة لئام”، في أسوئها.
12 إعادة إعمار العراق
محمد خضر عريف
صحيفة المدينة السعودية
الاجتماع العالمي الذي انعقد في الكويت مؤخراً وشاركت فيه دول عدة، عربية وغير عربية بغرض جمع الأموال التي يحتاجها العراق لإعادة إعمار ما دمرته الحرب فيه، عموماً، وما لحق بالموصل خصوصاً من دمار شامل نتيجة الحرب على داعش التي استمرت لأكثر من ثلاثة أعوام، هذا الاجتماع ذكَّرني بمقطع مُعبِّر جداً تداولته وسائل التواصل الاجتماعي إبان انطلاق عاصفة الحزم، ومن بعدها، إعادة الأمل لإنقاذ الشعب اليمني الشقيق من طغمة باغية وشرذمة آثمة من أذناب إيران جثمت على صدر اليمن بدعم وإمدادات فارسية حاقدة، لم تقدم لليمن إلا الدمار والخراب، وصرفت المليارات لملء ترسانة الحوثيين بالصواريخ والألغام والمقذوفات، ولم تتبرع ولو بحفنة من الدولارات على هيئة غذاء أو دواء أو لباس أو مأوى.
المقطع الذي ذكرته يصور موظف أحد البنوك في اليمن يقف بين جمع من المراجعين من اليمنيين الذين اصطفوا بانتظار فتح شبابيك الصرافين في بداية الدوام، ويسعى هذا الموظف لتنظيم الأدوار، فينادي بأعلى صوته: «من عنده تحويل من إيران يتوجه إلى شباك رقم (5)»، ويكرر النداء مراراً وتكراراً، فلا يتحرك أحد من المراجعين من مكانه، ثم لا يلبث الموظف أن ينادي بصوت مسموع: «من عنده تحويل من السعودية يتوجه إلى شباك رقم (1)، وقبل أن يتم كلامه ينطلق المراجعون جميعاً إلى شباك رقم (1)، حينها يوجه هذا الموظف كلاماً يكتب بماء الذهب لهؤلاء المراجعين وكأنه يوجهه للشعب اليمني كله فحواه: أنكم تعلمون جميعاً من يقف معكم الوقفة الأخوية الصادقة ومن يزودكم بالمال على مدى عشرات السنين ومن يستضيف أبناءكم ويسوّيهم بأبناء شعبه منذ الأزل، ومع ذلك تقفون مع إيران التي لا تصدّر لكم إلا الموت والخراب والبؤس والفقر والعار، ويصوّر المقطع بعد ذلك باحترافية عالية وجوم كل المراجعين وشحوب وجوههم وطأطأتهم لرؤوسهم بعد أن حصحص الحق.
وما أشبه الليلة بالبارحة، ينعقد اجتماع الكويت فتتدفق الأموال من أشقاء العراق نجدةً له وعونًا رغم الظروف الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالمنطقة، وفي مقدمة هؤلاء المملكة العربية السعودية التي عانت أيام رئيس الوزراء العراقي الغابر نوري المالكي صنوف الصلف والحقد والتآمر والتحالف مع عدو العرب والمسلمين إيران دون خجل أو حياء. وذلك كله لم يمنع المملكة أن تتصدر الدول المشاركة في تكاليف إعمار العراق بمليارات الدولارات، ونقلت وسائل الإعلام وقتها أنه حين كانت هذه الأموال تتدفق على العراق من أشقائه العرب، حضر وزير خارجية إيران الاجتماع لنصف ساعة ثم ولّى الدبر، دون أن تساهم إيران ولو بدولار واحد في إعادة الإعمار، بينما تنفق إيران نفسها ما يزيد عن ستة مليارات دولار سنوياً في إعداد أذنابها من المليشيات الشيعية الطائفية الآثمة المعتدية كحزب الشيطان وعصائب أهل الباطل وما يسمى لواء أبي الفضل العباس وغيرها، وبالطبع مليشيا العار الحوثية في اليمن.
وهذه المليارات الطائلة تستخدم في دمار العراق وسورية ولبنان واليمن.. فإيران تُدمِّر، ودول الخليج والعالم العربي ودول أخرى تتعهد بإعادة الإعمار، ومع ذلك يبقى الولاء والانتماء لدى معظم شيعة العراق ولبنان وسورية واليمن لإيران، ومن العجيب في هذا الموضوع أن جزءاً مهماً من ثروة العراق النفطية كان وربما لا يزال مخصصاً للحرس الثوري الإيراني، ويُدفع لقاسم سليماني تحديداً من أيام المالكي، فمئتا ألف برميل يومياً يخصص ثمنها لقاسم سليماني، ويقدر ذلك بخمسة وعشرين مليون دولار، تقتطع من قوت الشعب العراقي لتدعم آلة التدمير الإيرانية الآثمة.
وبعد: نتمنى أن يكون العراق وشعبه قد أدركا من هو العدو ومن الصديق بعد أن قدم للعراق ثلاثون مليار دولار في اجتماع الكويت، والبقية تأتي ولا تشمل دولاراً واحداً من إيران، ومع ذلك يدين الكثير من العراقيين بالولاء للملالي والولي الفقيه.