7 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 انتخابات العراق: هل اعتذر حيدر العبادي؟ هيفاء زنكنة
القدس العربي

نقل النائب العمالي البريطاني بول فلين رسالة السيدة روز جنتل، والدة جوردون جنتل، أحد الجنود الذين قتلوا في « حرب العراق»، إلى البرلمان البريطاني. خاطب النائب البرلمان، الأسبوع الماضي، قائلا بأن السيدة « أعربت عن أسفها لبيان الحكومة الذي يبدو أنه يعفي البرلمان من استنتاجات تقرير تشيلكوت. ونحتاج، كما دعت إلى ذلك، إلى اعتذار من هذا المجلس وهذا البرلمان. لم يكن رجلا واحدا. كانت المعارضة وثلاث لجان مختارة. كانوا من المشجعين لهذا الخطأ الفادح الذي ارتكبناه هذا القرن. أليس هناك اعتذار مناسب، يجب أن يتبعه قراءة أسماء 179 جنديا أرسلناهم إلى وفاتهم؟».
لرسالة روز جنتل وخطاب النائب علاقة وثيقة بواقع العراق، الحالي، الذي لخصه هانز فون سبونيك، نائب الأمين العام للأمم المتحدة سابقا، قائلا « حيث لا يوجد بند من بنود حقوق الانسان لم يُنتهك». عبرت الرسالة عن استياء اسر الجنود البريطانيين الذين قتلوا في العراق لعدم تمكنهم من تأمين محاكمة رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير بتهمة تضليل البرلمان بشأن قضية غزو العراق.
المعروف ان عوائل الجنود تشجعوا بإمكانية محاكمة توني بلير، بعد صدور تقرير تشيلكوت، الذي استغرق العمل فيه مدة سبع سنوات وتوصل إلى مساءلة موقف رئيس الوزراء السابق من قرار خوض الحرب ضد العراق، وان أكد ان الغرض منه لم يكن إدانة بلير لأن رئيس الوزراء يتمتع بالحصانة القانونية. ويشكل موقف الحكومة البريطانية خيبة أمل، كبيرة، لعوائل الجنود، الذين كانوا قد كلفوا محامين، للقيام بالإجراءات القضائية اللازمة، وجمع الأدلة لأثبات تضليل توني بلير للبرلمان في الفترة السابقة للغزو عام 2003.
وإذا كانت عوائل 179 جنديا قد قررت عدم السكوت على ما تعتبره جريمة بحق أبنائها، وهم جنود في جيش يستوجب الموت، وقامت بحملة لجمع مبلغ تدفعه للمحامين، فان النظام العراقي، بكل امكانياته المادية الهائلة، تلقى «تقرير تشيلكوت»، الموثق لحرب عدوانية، استندت على التضليل، بالصمت الكلي. كأن العراق لم يكن البلد المعني بالغزو والاحتلال، وما جلباه من خراب مستمر. كأن حياة ما يقارب المليون، من الضحايا المدنيين، أثرا من آثار ماض، لا يستحق التفكير أو المراجعة، أو، وهو الاصح، ثمنا يستحق الدفع للحصول على المناصب.
ما شجع العوائل على البحث في إمكانية تقديم توني بلير إلى القضاء، أيضا، هو صعود نائب عمالي نزيه، هو جيرمي كوربين، إلى رئاسة حزب العمال. أي ذات الحزب الذي قاد الحكومة البريطانية، في غزوها العراق، تحت قيادة الولايات المتحدة الامريكية. وكان واحدا من مواقفه الشجاعة، المتماشية مع ايمانه، بعدوانية الحرب، هو دعوته إلى مؤتمر صحافي، حضره عدد محدد من الناشطين وممثلي المنظمات المناهضة للحرب (كنت من بينهم)، بالإضافة إلى عوائل شهداء عراقيين، وعدد من أُسر الجنود البريطانيين القتلى، وعدد من الجنود الذين تركوا الجيش احتجاجا على احتلال العراق. وقف كوربين في المؤتمر الصحافي ليتحدث لبضع دقائق كعادته، معتذرا من الشعب العراقي لما أصابه نتيجة الحرب، ومن عوائل الجنود البريطانيين الذين قتلوا في حرب غير شرعية، مع الإشارة بانه سيواصل عمله في تحميل توني بلير مسؤولية اتخاذ القرار الكارثي. لم تضع كلمات كوربين نهاية لعذابات العراقيين، لكنها ستساعد يوما في التئام الجروح بين الشعبين العراقي والبريطاني، وربما ستفتح أبواب التعويضات، دوليا.
قارنوا ذلك بخطب حيدر العبادي» رئيس الوزراء ورئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة والقيادي بحزب الدعوة الشيعي» التي يرميها بوجوه أبناء الشعب، في خطاب اسبوعي متلفز، طويل كالعادة، بالإضافة إلى تصريحاته ومواعظه اليومية، المتلفزة، أيضا، في اجتماعات مع وزراء وقادة احزاب وميليشيات، ملتفين حوله « كالدمى الخرساء لا تعرف معنى الكلمات» كما يصف الشاعر التونسي الراحل منور صمادح. هل اعتذر العبادي من الشعب عن دور حزبه في غزو واحتلال البلد؟ هل اعتذر عن دور أمين حزبه نوري المالكي في غرز الطائفية البشعة، والفساد، واستباحة حياة كل من عارضه، التي جعلت منه مجرم حرب بامتياز حسب العديد من التقارير الحقوقية المحلية والدولية؟
ان إخبار عوائل الجنود البريطانيين القتلى بعدم إمكانية رفع دعوى ضد توني بلير، لأنه محصن قانونيا من المساءلة، قضية تهمنا كعراقيين، لانعكاساتها على امكانية محاسبة المسؤولين، قانونيا، عن غزو العراق، بضمنهم الساسة العراقيون الذين فتحوا الأبواب للغزاة، خاصة، من تسنم الحكم بالوكالة، والقصف بالبراميل المتفجرة بالوكالة، والاعتقال والتعذيب والاغتصاب بالوكالة، على رأسهم قادة حزب الدعوة، الطائفي، الفاسد.
مما يجعلنا نتساءل عن البدائل وعما يتوجب علينا عمله إزاء الهراء الحكومي ـ الإعلامي المحلي، المُغلِف للفساد، وأنواع الجرائم الناتجة عن مأسسة الفساد من جهة، وتعدد أنواع « الحصانة» التي يتمتع بها البغاة، محليا ودوليا، والتي تراوح ما بين الحصانة القانونية (توني بلير وبوش مثلا) إلى الدينية ـ الإلهية (عصمة آيات الله وقادة الأحزاب الاسلامية، أدعياء ظل الله على الأرض)؟ التساؤل الثاني هو: كيف نُبعدُ شبح الإحباط واليأس من تحقيق العدالة قانونيا عن الناس، الذين يناضلون من اجل استمرار الحياة بأبسط متطلباتها؟
كتبت مرة: الخطوة الأولى هي عدم نسيان جريمة الغزو، والاستمرار بتذكير العالم بما يحدث للعراقيين جراءها. هنا تكمن مسؤولية المثقف والإعلامي والناشط المدني، وهي مسؤولية أخلاقية، تجعل من الصمت تسترا ومشاركة في جريمة ابادة لم تعد تحتمل الصمت، أو الحيادية، أو خلق التبريرات الآنية والتاريخية. فالاحتلال ليس وجهة نظر والكولونيالية، بأشكالها الجديدة، كما شخَص المفكر فرانز فانون، ليست نموذجا للعلاقات الفردية بل هي احتلال لأراضي قوم واضطهاد شعب. انه ليس تصرفا انسانيا. ثانيا: ان سلوك ساسة النظام العراقي، الحالي، ليس إنسانيا ولا أخلاقيا، تتجاوز انتهاكاته وجرائمه حدود ما يمكن تصوره.
حاليا، يقف صُناع النظام العراقي من الإدارة الامريكية والحكومة البريطانية إلى الجمهورية الاسلامية، على مبعدة مسافة، بانتظار ما ستتمخض عنه الشهور، القليلة، المقبلة، من تغيير للأقنعة. وهذا ما يجب رصده، وتوثيقه، وفضحه، والتحريض على تغييره. فلكل نظام تم تصنيعه اجنبيا، مدة صلاحية محددة، تنتهي بوجوب رميه لئلا ينتقل تعفنه إلى الجميع.
2 الانتخابات في العراق لا تملك حلا سحريا للشعب
عبدالمنعم ابراهيم

اخبار الخليج البحرينية

وسط الجدل السياسي الدائر في العراق حاليا فيما يتعلق بالانتخابات السياسية.. فهناك أطراف تطالب بتأجيل الانتخابات مدة ستة أشهر، على الأقل، لكي يتسنى لكل النازحين والمهجرين العودة إلى مدنهم وقراهم ومنازلهم للمشاركة في الانتخابات، ويمثل هذا الرأي (المكون السني والأكراد)، أما الطرف الآخر المتمثل في الحكومة المركزية في بغداد فترفض ذلك وتُصرّ على عقد الانتخابات في موعدها.

لكن الجديد في الأمر مؤخرًا هو اختيار رئيس الوزراء العراقي الحالي (حيدر العبادي) التحالف الانتخابي مع (الحشد الشعبي)، وهو ما يعني اختياره لحلفاء إيران في العراق، الأمر الذي دفع زعيم التيار الصدري (مقتدى الصدر) إلى اعتبار ذلك التحالف (اتفاقا بغيضا)، وأبدى استغرابه الشديد من إدراج (العبادي) لفصائل الحشد الشعبي ضمن لائحته الانتخابية، واصفًا ذلك بـ(التخندق الطائفي المقيت) الذي يقدم لإعادة إنتاج (الطبقة السياسية الفاسدة).

وعلى الرغم من ظهور بوادر إيجابية لحل الخلافات بين إقليم كردستان العراق مع الحكومة العراقية المركزية في بغداد بعد أزمة الاستفتاء بالاستقلال الأخير، إلا أن الأمور تبقى مرشحة للانفجار بين الأطراف المختلفة في أي لحظة.. وتبدو الصورة كما لو كان كل طرف في العراق يريد انتزاع النصر على (داعش) لصالحه.

كما يُفسر التحالف الانتخابي بين (العبادي) و(الحشد الشعبي) على أنه نزوع لإرضاء (إيران) عبر إدخال مواليها من (الحشد الشعبي) في سلطة اتخاذ القرار السياسي في (البرلمان) والحكومة معًا من قبل الأصابع الإيرانية.

وإذا استمر الحال في العراق على هذا النحو من التجاذبات السياسية فإن المستفيد الأكبر هو (إيران) والمليشيات الموالية لها في العراق، وسوف تبدو الصورة أكثر مأساوية إذا جاءت الأوراق الانتخابية (بالمالكي) إلى رئاسة الوزراء، الذي لا يخفي انحيازه إلى جانب إيران وصوته الطائفي الذي تسبب في ظهور (داعش) بالعراق.. بل سلم مدينة (الموصل) إلى (داعش) حينما كان رئيسًا للحكومة آنذاك.

إذن العراق لا يزال يتخبط وسط صراعات سياسية وطائفية وعرقية وفساد مالي مستشرٍ في كل مكان.. ولا تملك (الانتخابات النيابية) القادمة حلا سحريا للعراق وشعب العراق.
3 وهم العبادي وتعزية الصدر
السيـــــــد زهـــــــره
اخبار الخليج البحرينية

منذ أن تولى حيدر العبادي رئاسة الوزارة في العراق، حاول ان يرسم لنفسه صورة براقة تلقى الرضا والقبول.

بالتحديد، حاول العبادي ان يرسم لنفسه صورة ثلاثية الأبعاد تقوم على:

1- أنه غير طائفي على الإطلاق، بل انه يعتزم محاربة الطائفية، والانحياز في مواقفه وسياساته الى التوحيد الوطني لكل مكونات الشعب العراقي.

2- أنه رافض، أو على الأقل غير راض عن النفوذ والوجود الإيراني في العراق وما يمارسه من سطوة وتحكم، وانه عازم على إعادة العراق الى محيطه العربي الطبيعي والى أشقائه العرب.

3- أنه عازم على محاربة الفساد الذي وصل الى مستويات رهيبة لا مثيل لها في العراق، والى الحفاظ على ثروة الوطن.

هذه هي أبعاد الصورة التي حاول العبادي أن يرسمها لنفسه.

لكن حين أتى وقت الجدّ، وأوان فرز المواقف وتحديد الانحيازات، اتضح ان كل هذا ما هو الا وهم، وان الصورة الحقيقية للعبادي ليست هكذا أبدا.

نتحدث هنا بالطبع عما فعله العبادي حين قرر ان يخوض الانتخابات القادمة بتكتل يتحالف فيه مع فصائل من الحشد الشيعي الذي يسمى الشعبي.

الكل، في داخل العراق وخارجه، يعلم ما هي فصائل الحشد هذه. هي مليشيات طائفية عميلة لإيران وتأتمر بأمرها، وارتكبت في حق أهل السنة وشعب العراق عموما جرائم إرهابية ومذابح وثـّقتها في السنوات الماضية عشرات التقارير الدولية.

إذن، ماذا يعني هذا بالضبط؟.. ماذا يعني ان يكون هذا هو التحالف الذي يخوض به العبادي الانتخابات؟

معنى هذا أولا ان العبادي هو في حقيقة الأمر رجل طائفي حتى النخاع. ليس هذا فحسب، بل هو ينحاز الى أبشع صور الطائفية المقترنة بالإرهاب ممثلة في الحشد الشيعي.

ويعني هذا ثانيا أن العبادي يعتبر أن قاعدته الشعبية التي يحب ان يلجأ اليها هي القاعدة الشيعية فقط، والقاعدة الشيعية المتطرفة في طائفيتها بالذات.

لقد أجمع المراقبون على ان الهدف الأساسي من هذا التحالف الذي شكله العبادي هو توسيع قاعدة مؤيديه في أوساط الشيعة، وخصوصا المؤيدين منهم للحشد الشيعي.

لم يفكر العبادي في أن يحاول اللجوء الى قاعدة شعبية عراقية أوسع تمتد الى السنة وغيرهم من قوى وطوائف الشعب العراقي.

ويعني هذا ثالثا ان العبادي في حقيقة الأمر ليس معارضا للاحتلال الإيراني الفعلي للعراق، ولا يجد في النهاية بأسا من الارتهان للأوامر الإيرانية، بدليل انه فضل التحالف مع اكثر عملاء ايران سفورا وطائفية في العراق.

هذا اذن هو العبادي على حقيقته والتي يريد على أساسها العودة الى حكم العراق بعد الانتخابات.

ما هو الفارق اذن بين العبادي وبين نوري المالكي بكل ما هو معروف عنه من فساد وطائفية ومن عمالة لإيران، والذي يخوض هو أيضا الانتخابات بكتلة لا تختلف كثيرا عن كتلة العبادي؟.. ليس هناك فارق كبير في نهاية الأمر، أخذا في الاعتبار انهما ينتميان الى نفس الحزب الطائفي، حزب الدعوة، وان خوضهما الانتخابات تم بناء على توافق بينهما بمباركة الحزب.

على ضوء كل هذا نستطيع ان نفهم ما عبر عنه مقتدى الصدر من حزن وصدمة ومرارة في البيان الذي أصدره تعليقا على ما فعله العبادي.

مقتدى الصدر قدم التعزية الى الشعب العراقي، وقال في بيانه: «والعجب العجاب مما سار عليه الأخ العبادي الذي كنا نظن به انه اول دعاة الوطنية ودعاة الإصلاح.. فعظم الله اجر المصلحين، وعظم الله أجر الدعاة، وعظم الله أجر كل نابذ للطائفية والتحزب».

مقتدى الصدر ينعى لشعب العراق الإصلاح والمصلحين ونبذ الطائفية.

نعم.. كان الله في عون شعب العراق.. كأنه مقدر عليه ان يمضي قبل الانتخابات وبعدها من ظلام الى ظلام.. من طائفية الى طائفية.. من فساد الى فساد.. من عمالة لإيران الى عمالة لإيران.
4 “العبادي” يخل بالتوازنات الإقليمية ويهدد أمن الخليج العربي
فاطمة عبدالله خليل
الوطن البحرينية

في تاريخ الخليج العربي كثيراً ما ارتبطنا بالعراق وسياساته وتحولاته وكنا بين إقبال عليه وإدبار عنه لما شهده من تحولات كثيرة في فترة زمنية لا يمكننا القول بطولها قياساً بتاريخ كثير من الدول وتحولاتها، ولكنه في أغلب الأحيان كان العراق يلقي علينا بكثير من الظلال من أزماته ومشكلاته السياسية نظراً للاتصال الجغرافي الوثيق الذي بربطنا به في دول مجلس التعاون الخليجي. وها نحن اليوم نولي أنظارنا نحو العراق مجدداً.. العراق الذي كنا نغازل فيه حلم العودة إلى الحضن الخليجي من جديد، لنواجه معه معضلة التحالفات الجديدة الآخذة في التشكل بما لا يحسب فيها لمصالح دول الجوار الخليجي الأخرى أي حساب، لا سيما في ظل تلك الأوضاع المضطربة والصراع الدائم مع بعض الأطراف الإقليمية وخصوصاً إيران.

لكم كان مفاجئاً إعلان العبادي عن تحالفه مع الحشد الشعبي في الانتخابات المرتقبة – في 15 مايو المقبل – نكاية في المالكي، بينما ينتمي كلاهما في الأساس إلى حزب واحد «حزب الدعوة»، الذي أخذ شكله الجديد بانقسام كل منهما عن الآخر وجمع أتباعه من داخل الحزب نفسه، ما يعني أن الشعب العراقي في مأزق لا يحسد عليه فأينما ولى صوته إنما سيوليه لحزب الدعوة من هنا أو هناك من خلال المالكي أو العبادي على السواء. والغريب في الأمر أن من اختار التحالف مع الحشد الشعبي اليوم هو نفسه من أعلن وأكد قبل قرابة شهرين منع «الحشد الشعبي» من المشاركة في الانتخابات، وهو نفسه من قرر أن بقاء الحشد الشعبي لن يطول بعد القضاء على «داعش» لما عرف به «الحشد» من طائفية مقيتة، فكيف وافق اليوم على عودته والتحالف معه ليجعل من الشعب العراقي ضحية لقراراته؟!

حديثنا عن الشأن العراقي هذا ليس تدخلاً في شؤون الدول الأخرى، ولا نحلل لأنفسنا ما حرمناه أو رفضنا ممارسته من إيران مثلاً على دول الخليج العربية، وإنما ينطلق من تداعياته علينا كخليجيين يروون أن تحالفات العبادي غير مبررة على الإطلاق، كون الحشد الشعبي امتداداً بشكل ما لقاسم سليماني وإيران، وله مواقفه العدائية تجاه الخليج ولعلي ما زلت أذكر كيف أن الحشد الشعبي قد علّق صور المعمم «نمر النمر» على مدافعه على خلفية إعدامه في السعودية.

اختلاج النبض:

إن أراد العبادي مغازلة إيران أو «السيستاني» فذلك شأنه وحده، ولكن عليه احترام مخاوف محيطه الجغرافي وأمنه، ومراعاة التوازنات الإقليمية.
90
5 تركة« داعش» كرديّاً: إحياء ذاكرة العزلة الإيزيديّة

بدرخان علي الحياة السعودية
ونحن نتابع إعلانات القضاء على «الدولة الإسلاميّة» في العراق وسورية، تتراءى لنا على الفور أكثر الأيام سواداً في مسيرة صعود وهبوط الدولة المتوحّشة (داعش)، ولا شك في أن محنة الإيزيديين إحدى الصفحات الأكثر إيلاماً في هذه المسيرة الدمويّة الصاخبة.

في ليلة 3/2 آب (أغسطس) 2014 حلّت مأساة جديدة على الأقلية الإيزيديّة، حين اجتاح جنود «الدولة الإسلاميّة» منطقة سنجار العراقيّة، معقل الأقلية الإيزيدية التاريخيّ. قُتل آلاف الرجال على الفور ودفنوا في مقابر جماعية ما زال اكتشافها جارياً حتى اليوم. استُعبدت النساء الصغيرات والكبيرات جنسيّاً، واتُخذن «سبايا» وتم بيعهن في أسواق الموصل والرقة ودير الزور والشدادي علانية، بعضهن فضلن الانتحار على أن يقعن في قبضة رجال «الدولة الإسلامية». فُصل الأطفال الذكور عن ذويهم وألحقوا بمعسكرات جهاديّة. دمّرت بلدة سنجار ونهبت بيوتها ودور العبادة الخاصة بالإيزيديين والمسيحيين والشيعة وأضرحة المسلمين.

بنتيجة الهجوم الداعشيّ أضافت الذاكرة الإيزيديّة المعاصرة حملة إبادة جديدة طاولتها، هي الحملة الرقم 74 وفق الرواية الإيزيديّة الشائعة في سلسلة الجرائم وحملات التنكيل التي ارتكبت بحقهم تاريخيّاً، سيما خلال الحقبة العثمانية حيث صدرت فتاوى دينيّة تُبيح قتلهم وسبي نسائهم، وصولاً إلى الحملة الداعشيّة الأخيرة. وقد صنفت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ما جرى بحقهم على يد داعش في 2014 وما بعد قانونيّاً كـ «إبادة جماعية» genocide.

صحيح أن القضية ليست مسألة هوس دينيّ وحسب، فغزوة سنجار كانت مهمة لاعتبارات لوجستيّة جغرافيّة أيضاً، حيث تقع سنجار على الحدود العراقية السورية تماماً والسيطرة عليها أزالت هذه الحدود في منطقة مهمة لاستكمال مشروع بناء الدولة الإسلامية (في العراق والشام) كما هو اسمها، ووضعت منطقة الجزيرة السورية، ومحافظة الحسكة تحديداً تحت التهديد الداعشيّ المباشر، وهذا ما حصل بالفعل حين اقتحم جنود «الدولة» المناطق العربية جنوب القامشلي ومحافظة الحسكة، ولولا المقاومة التي واجهتهم لتمكنوا من الاستيلاء على كامل محافظة الحسكة.

لكن البعد الدينيّ في غزوة سنجار كان ظاهراً أكثر من أي غزوة داعشية أخرى، فبالنسبة إلى المقاتل الداعشيّ، سنجار هي موطن أقلية «كافرة» غير معترف بها كديانة سماوية حتّى، وهي معزولة بلا سند ولا حول ولا قوة. فكانت مسرحاً واسعاً للمخيال الجهاديّ وهو يتلذّذ بقتال «الكفار» وينفّذ أحكام السبي والفيء والغنائم وكل ما ورد في الأدبيات الجهادية المتراكمة والكتب الصفراء التي لطالما كانت مكوناً أساسياً في ربط المجاهد المعاصر بماضي الفتوحات والغزوات الدينيّة المبجّل. وفي سنجار كان كل شيء حلالاً ومشروعاً، بل واجباً دينيّاً على درب الجهاد من أجل إقامة دولة الخلافة الإسلامية المُشتهاة.

بيدَ أن هذه الغزوة الدموية رافقها عاملان سهلا اكتمال نجاحها: من جهة غياب الجيش العراقي بعد انهياره الدرامي أمام داعش في الموصل وانسحاب البيشمركة الكرديّة المفاجئ من سنجار وتركهم أهالي سنجار العزّل يواجهون الموت الداعشيّ الأسود وحدهم من دون حماية، وسط استغراب الناس من الانسحاب ودعواتهم البيشمركه لحمايتهم. من نجا منهم فرّ إلى جبل سنجار حيث مات عشرات الأطفال والكهول لعدم توافر الماء والغذاء، إلى أن تمكنت قوات الحماية الكردية السورية من فتح ممر إنقاذيّ من جبل سنجار إلى داخل الأراضي السورية الخاضعة لسيطرتها، وفتحت معسكرات عاجلة لهم بالقرب من الحدود، وقد عاد قسم كبير منهم إلى كردستان العراق عبر مناطق سيطرة القوات الكردية من طرفي الحدود.

ومن جهة ثانية، تعاون بعض أبناء القرى العربية في سهل سنجار مع مقاتلي الدولة الإسلامية ضد جيرانهم الإيزيديين، فالشهادات الكثيرة التي قدمها الناجون تُدين أبناء قرى مجاورة وعشائر وعوائل محدّدة بالاسم.

وكما أن للإيزيديين خصوصية دينيّة (ديانة غير تبشيرية، انغلاق ثقافي واجتماعيّ، عزلة اجتماعيّة وجهويّة…)، لهم أيضاً خصوصيتهم لجهة علاقتهم بالمجتمع الكرديّ. وإذا ما استخدمنا تحليلاً كالذي يقدمه مارتن فان برونسن، الأنثربولوجي والباحث المتخصص في دراسة المجتمع الكردي، من أن «ثمة وسط الكرد ( كما في أي مجموعة إثنية أخرى) كتلة أساسية تنتمي انتماء إثنياً جازماً لا مراء فيه إلى الكردية، وأن هذه الكتلة الأساسية محوطة بفئات طرفية يتميز انتماؤها إلى الكردية بالتأرجح والغموض، حيث لا تعد الهوية الكردية سوى واحدة من خيارات عدة للانتماء»، أمكننا القول إن الإيزيدييّن (إلى جانب مكونات إثنية ودينية أخرى في الفضاء الكرديّ) كانوا هامش الإثنيّة الكرديّة لوقت مديد، أقلّه حتّى مطلع القرن العشرين.

وهذا يعود إلى واقع العزلة والانغلاق الاجتماعيّ الذي عاشته هذه الأقلية الدينيّة وسط الأكثرية المسلمة، ونظراً إلى عثمانيّة النخب الكردية من الأمراء وشيوخ الطرق الدينيّة المهيمنة على الكتلة الأساسية للمجتمع الكرديّ، أو المتن الكرديّ، خلال الحقبة العثمانية، والذين كانوا على رغم التوترات، عثمانييّن في نهاية المطاف وجزءاً من التركيبة الإدارية والعسكرية في السلطنة بصلاحيات محليّة. وقد مارس بعض هؤلاء جرائم خطيرة في حق الإيزيديين، فضلاً عن الممارسة الاستبعادية والتمييزيّة الممارَسة عامة إزاء الإيزيديين كطائفة مُهرطقة وملّة ضعيفة، في نظام الملل والنحل العثمانيّ، وبالتالي سهولة استهدافهم. وقد ذاق الإيزيديّون الويلات من الصفويين أيضاً.

وبالطبع لم تكن كل الحملات ضدهم بسبب الانتماء الدينيّ فقط، فالقبائل الإيزيديّة كانت محاربة أيضاً وتشارك في الصراعات القبلية والنزاعات على الموارد وطرق المواصلات واعتراض القوافل، كغيرها من القبائل الكرديّة والعربيّة والتركمانيّة، حيث تشكّل سنجار إحدى أقدم مناطق الجزيرة الفراتيّة وتمتاز بموقع لوجستيّ مهم كصلة وصل للطرق والمسالك بين مدن الجزيرة العليا والموصل وبلاد الشام.

ولم تفلح إلا قليلاً الجهود «التبشيرية» للخطاب القوميّ الكرديّ المعاصر في محو آثار الحقبة العثمانية المريرة من ذاكرة الإيزيديين. وقد بالغ هذا الخطاب أحياناً في قومنة الديانة الإيزيديّة باعتبارها ديناً مزعوماً للأكراد قبل الإسلام، من خلال اعتباره امتداداً خطيّاً للزرادشتيّة القديمة، وهذا زعم إيديولوجيّ لا يثبت أمام الدراسات التاريخيّة الجادة.

ثمة مفارقة كبيرة هنا: فالإيزيديون هم الكرد الوحيدون الذين يؤدون شعائرهم الدينيّة باللغة الكردية، وهم يجلّون الكرديّة لاعتقادهم أن إلههم نفسه يتكلم الكردية، كما جاء في تقرير لعصبة الأمم في العراق في بدايات القرن المنصرم، وذلك على خلاف الكتلة الكردية الكبرى التي تدين بالإسلام. وهم ينتمون إلى عشائر كرديّة معروفة تاريخيّاً ويسكنون في منطقة مأهولة بالعنصر الكرديّ منذ مئات السنين. فما من شك يرقى بالتالي إلى انتماء الإيزيديين إلى الفضاء الكرديّ، على رغم وجود عوائل إيزيديّة تدّعي الأصل العربيّ، وتلك ظاهرة شجّعها نظام البعث في العراق مستفيداً من اللعب على موضوع تاريخيّ عمره قرون، حين التجأ بعض شتات الأموييّن إلى جبال كردستان وتكرّدوا وسط الأغلبية الكرديّة، لكنْ مع ذلك ظلت علاقة الإيزيديين متوترة مع محيطهم الكردي، وهو ما ينطبق على معقلهم التاريخيّ، جبل سنجار ووادي لالش، أكثر مما ينطبق على المجتمعات الإيزيدية الأخرى. وقد ساهم انتشار التعليم منذ أواسط القرن الماضي وعلمانيّة الحركات القومية الكردية الحديثة في استقطاب شرائح إيزيديّة إلى صفوفها وكسر العزلة التاريخية.

إن مأساة الإيزيديين الجديدة هذه، أعادت إلى ذاكرتهم السير الشعبيّة الأليمة التي تختزنها ذاكرة الأجيال، وفضلاً عن فداحتها الإنسانية الرهيبة فإنها تركت آثاراً اجتماعيّة خطيرة على صعيد العلاقات الإيزيدية العربية، والإيزيدية الكردية، تُترجَم اليوم بمزيد من التوجس وفقدان الثقة تجاه المحيط الإسلامي، العربي والكردي على حد سواء، إن لم نقل الكراهية والبغضاء، وذلك على رغم أن جهود مقاتلي العمال الكردستاني إبّان الغزوة وتضحيات البيشمركه لاحقاً في تحرير سنجار رمّمت الجرح المؤلم… ولو قليلاً.

6 عودة المالكي لا تخدم العراق!
د. زهير الحارثي
الرياض السعودية

نحن هنا نقرأ واقع شخصية فشلت سياسياً وجسدت أزمة مستعصية عنوانها الطائفية والإقصائية والإلغاء بدليل تهميشها للسنة ما يعني أن ولاءها ليس للوطن العراق بل للطائفة والمرشد..

ذكرت كوندليزا رايس في مذكراتها من أنها أخبرت نوري المالكي بامتعاض العرب السنة من استبعاده لأبنائهم من الانخراط في الجيش والمؤسسات الأمنية فأجابها «أنا لا أطيق العرب ولا أثق فيهم». هذه العقلية تكشف وبامتياز عن حقيقة الخلل في بنيتها وقد انعكست على تعاطي حكومته عندما كان رئيسها. مناسبة هذا الحديث ونحن نقرأ بيان حزب الدعوة الذي جاء فيه أنه تم فيه الاتفاق على دخول الدعوة بتحالفين في انتخابات مجلس النواب، الأول باسم دولة القانون برئاسة نوري المالكي والثاني (النصر والإصلاح) برئاسة حيدر العبادي».

إننا هنا لا نستهدف المالكي كشخص، كونه لا يقدم ولا يؤخر، بقدر ما أن الأمر يتعلق بموقعه السياسي الرسمي. أعتقد أن بقاء المالكي في الساحة السياسية العراقية لا يخدمها بل يؤزم المشهد وعلاقات العراق بدول الجوار. كانت إدارته وأسلوب حكمه من الأسباب الموضوعية لتجزئة وانفصال وتقسيم البلاد. أليست سياسة المالكي هي من دفعت أهالي تلك المناطق السنية آنذاك في التجاوب مع داعش وغيرها ليس حباً فيها بقدر ما هي كراهية لممارساته آنذاك وهو الذي مارس لغة التضليل باتهام الخارج ومشجب المؤامرة والتخوين فضلاً عن مواقفه المؤيدة والمتناغمة لسياسة طهران وتصريحاته الاستفزازية تجاه دول الخليج، ووقوفه مع نظام بشار الأسد ودعمه له. تعودنا أن تتبرأ الرئاسة والحكومة العراقية من تصريحات نوري المالكي المشينة إلا أن المالكي الذي يعشق الأضواء وإطلاق الاتهامات، لا ينفك يبث بذاءاته وسمومه ويسعى إلى عزل العراق عن محيطه العربي، وضرب التقارب السعودي – العراقي على سبيل المثال ولا غرابة في ذلك فهو المتحدث باسم إيران والذي جعل بلاده رهينة في يدها منفذاً أجندتها وبامتياز.

قد يكون من المناسب أن تنزف الذاكرة هنا لتكشف لنا مدى المعاناة التي تجرعها شعب العراق إبان وجود المالكي في السلطة، فعندما اتفقت المكونات السياسية العراقية في أن حكومة المالكي فشلت في القيام بدورها في النهوض بالدولة وبنائها في ظل تغييبها لمقومات الاندماج الاجتماعي في دولة تنموية يفترض أن يسودها الدستور والقانون والمواطنة. فإنها طالبت برحيله آنذاك بإجماع داخلي وإقليمي ودولي، لاسيما وأن الرجل ترك إرثاً ثقيلاً من أزمات اقتصادية وصلت لخسائر 400 مليار دولار وملفات وقضايا أمنية وعسكرية وانهيار مريع لقواته بشكل يندى له الجبين بدليل سقوط ست محافظات من دون مقاومة ناهيك عن تكريسه للطائفية وما قصته مع الصحوات العشائرية إلا فصل من فصوله العبثية.

أضف إلى ذلك أن هناك من يرى أن سوء الحال وسقوط المدن في أيدي جماعات إرهابية وتمدد الإرهاب الذي يعاني منه العراق الآن إنما جاء نتيجة لسياسات المالكي، وعزز الانهيار بإعادة إنتاج الطائفية وتوليدها ما أدى إلى هشاشة مؤسسات الدولة وانشراخ التآلف المجتمعي. والحقيقة أنه عندما تتركز السلطات الأمنية والعسكرية في يد شخص واحد ذي عقلية طائفية، فإنه أمر كافٍ لفهم أسباب تفاقم الوضع في بلاد الرافدين. نحن هنا نقرأ واقع شخصية فشلت سياسياً وجسدت أزمة مستعصية عنوانها الطائفية والاقصائية والإلغاء بدليل تهميشها للسنة ما يعني أن ولاءها ليس للوطن العراق بل للطائفة والمرشد. ألم يكن المشهد العراقي في عهده مأزوماً وملغوماً واستقراره مهدداً بدليل تناحر حكومته مع بقية مكونات الشعب العراقي إلى مرحلة كسر العظم، ولذلك يبدو أن المزاج العام الآن داخل العراق وخارجه لا يرحب بأي دور للمالكي عدا إيران بطبيعة الحال. هذا الموقف على الطريق الصحيح لإنقاذ العراق من أزمته الخانقة.

إخراج المالكي من المشهد السياسي العراقي ضرورة من أجل لمّ شمل المكونات السياسية على قاعدة المصالحة الوطنية، في حين أن بقاءه في الساحة يُدخل البلاد في أزماتها الطائفية مُغلباً مصالحه الفئوية والحزبية.

7 تحالفات انتخابية، ثم ماذا؟
جاسم الشمري الغد الاردنية
بعد أن هدأ ماراثون تشكيل الأحزاب السياسية في العراق والتي تجاوزت حاجز المائتي حزب، انطلق في الأيام القليلة الماضية ماراثون تشكيل الكيانات والتحالفات تمهيداً للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في الثاني عشر من شهر أيار (مايو) القادم.
وبغض النظر عن التحالفات سواء أكانت طائفية، أم وطنية إلا أن الملاحظ هو كثرة هذه التحالفات، والغالب العام فيها أنها من ذات الوجوه المجربة، التي لم تقدم –غالبيتها- أي خير يذكر للعراق، الذي يعاني من ويلات الإرهاب والخراب.
وهنا – وبحسب ما سُرِّب من داخل المطبخ السياسي العراقي- يمكن ذكر أهم التحالفات السياسية الانتخابية التي ستدخل في الانتخابات القادمة، وهي لا تشمل التحالفات الكردية التي لم تحسم، أو لم تعلن أغلبها حتى الساعة.
أهم التحالفات القائمة في الأيام القليلة الماضية هي: (تحالف نداء العراق للإصلاح والتغيير، وموصليون، والبصرة المستقل، وعراقيون رؤية وقرار، والتحالف المدني الديمقراطي، وائتلاف دولة القانون، وعابرون، وصلاح الدين هويتنا، وجبهة تركمان كركوك، والسلام الكردستاني، والتضامن العراقي، وتضامن، والفجر الجديد، وائتلاف النصر، والانبار هويتنا، والحكمة لبناء الدولة، وائتلاف إعمار، وديالى الوطني، وتحالف الوطنية، وتحالف الفتح، وتحالف البيت العراقي)، وغيرها من التحالفات التي أسست – في غالبها- وفقاً لمبدأ التخادم السياسي وليس على أساس مصلحة الوطن والمواطن.
المخاض الانتخابي نتج عنه – حتى نهاية التسجيل الرسمي للتحالفات يوم الخميس الماضي- أكثر من خمسين ائتلافاً، والنظرة الدقيقة لمشهد التحالفات تؤكد أن معظمها ليست دائمة، وإنما هي تحالفات أولية، وقابلة للتغير، أو بعضها ربما سربت أخباره للإعلام لغايات سياسية، وكأوراق ضغط على أطراف أخرى، وبالمجمل فإن هذه التحالفات يمكن أن تتغير في مرحلة ما بعد ظهور النتائج، وبالتالي هي – في الغالب- تحالفات مؤقتة، ولا يوجد مانع قانوني لفك هذه التحالفات لاحقاً.
وبنظرة سريعة للمشهد الانتخابي، أو التحالفي يمكن أن نلحظ أن الخلافات ما تزال مستمرة بين معظم الكتل والشخصيات – رغم تسجيلها في مفوضية الانتخابات-، وربما لا يستوعب بعض المتابعين أن خلافاتهم تنحصر بأمور تنظيمية، أو شكلية، ومنها على سبيل المثال منْ سيكون زعيم القائمة، ومنْ سيكون صاحب الرقم (1) في تسلسل القائمة الانتخابية في مرحلة التصويت، وغيرها من القضايا التي تؤكد أن الاختيارات في القوائم الانتخابية– في الغالب- لا تتم على أساس المقومات الواجب توفرها في الشخصية المنتخبة وإنما استناداً على ترتيبها في القائمة، وبالذات من قبل الذين لا يمتلكون ثقافة انتخابية كافية أو من يذهبون للانتخابات من باب إسقاط فرض سياسي، أو ربما ديني، وهذا يؤكد شكلية الانتخابات، وعدم تفحص الكثير من الناخبين للشخوص الذين سينتخبونهم.
وهنا ينبغي أن نلحظ أن الحزب الأهم في العملية السياسية، وهو حزب الدعوة الحاكم بزعامة نوري المالكي، والذي ينتمي إليه رئيس الحكومة حيدر العبادي، سيدخل الانتخابات عبر تحالفين الأول بزعامة المالكي،( ائتلاف دولة القانون)، والثاني بزعامة حيدر العبادي، ( ائتلاف النصر)، وهذا أسلوب انتخابي يُراد منه إبقاء حزب الدعوة في قمة هرم التحالف الشيعي، وعودته لرئاسة الحكومة.
التحالفات ليست قضية شكلية، بل هي قضية دقيقة ينبغي أن يُحدد فيها رئيس الكتلة، والذي ربما سيكون رئيس الحكومة القادم، أو رئيس الكتلة في داخل البرلمان، وعليه فالقضية تدخل فيها المصالح والأهداف الاستراتيجية لكل تحالف، أو كيان، ولذلك أتوقع عدم استمرار غالبية هذه التحالفات بدليل التجارب التحالفية الماضية، وكذلك لأن المصلحة الشخصية والحزبية هي الرابط بين غالبية هذه التحالفات وليس مصلحة الوطن والمواطن.
وفي ضوء هذه التحالفات الكبيرة والمتعددة، يبقى المواطن العراقي يتساءل: هل يمكن أن تكون هذه الكيانات المتحدة بداية لتغيير حقيقي في المشهد السياسي العراقي؟
المشكلة العراقية معقدة جداً، وبالتالي العراقيون بحاجة إلى انطلاقة حقيقية نحو بناء دولة المواطنة، ولا أظن أن الكثير من هذه الكيانات يمكن أن تكون الأداة الرافعة للعراق من مستنقعات الإرهاب والفساد وانتشار السلاح غير الرسمي.
8 كلام عن بغداد ماهر ابو طير
الدستور الاردنية

يقوم انتحاريان، بتفجير أنفسهما وسط العراقيين، في بغداد، فيسقط عشرات الشهداء ومئات الجرحى، ولا كأن بغداد هذه تريد ان تستريح يوما ما.
اربعة عقود متتالية، وبغداد تنزف دما، فمنذ الحرب العراقية الايرانية، تم دك بغداد ومناطق عراقية اخرى، فسقط خلال الحرب، شهداء وجرحى، وكانت الكلفة مرعبة، اذ تضرر ملايين العراقيين على مدى سنين الحرب، ثم بعد ذلك احتلال الكويت، والحرب على العراقيين، والحصار وكلفته، وماجرى بعد عام 2003، من احتلال اميركي للعراق، والفوضى الامنية التي عصفت بكل العراق، حين وقعت الاف العمليات الانتحارية، والتفجيرات في كل العراق، وبغداد حصرا.
تعددت اسباب الموت، والنتيجة واحدة، والمشكلة اننا كعرب، نتشاغل بكل حالة على حدة، فننشغل اليوم بتفجير بغداد الاخير، ونتعامى عن اربعة عقود دموية على كل العراق، لاعتبارات مختلفة، ومتناقضة، ويدفع العراقيون فرادى ثمن هذه الحرب التي لا تريد ان تتوقف.
هذا من ناحية سياسية وامنية، يعد خرقا كبيرا، بالحكومة العراقية التي انتهت للتو، من معاركها مع داعش وغيرها من تنظيمات اخرى، تم توجيه ضربة قاسية لها امس الاثنين، وكأن جهات عديدة تريد ان تقول ان المعركة مستمرة، وان لديها القدرة على القتل في بغداد ذاتها، وهو امر قد نراه يتكرر خلال الفترة المقبلة، بما قد يعني ان المعركة لم تنته فعليا، وهناك من يريد ان يقتل المزيد من العراقيين.
ما ذنب الابرياء من العراقيين، حين يتم قتلهم بهذه الطريقة على مدى عقود، تارة في حرب مع الايرانيين، وتارة جراء مغامرة متهورة بالدخول الى الكويت، والا تحت الحصار ونقص الغذاء والدواء، او تحت قصف الطيران الاميركي للمدنيين في بغداد وغيرها، وها نحن نشهد منذ عام 2003، تواصلا لهذا الموت، تارة تحت عناوين مذهبية، فيقتل الشيعي السني، وينتقم السني من الشيعي، ونجد اطرافا ثالثة، تغذي الحرب المذهبية، فتقتل هنا وهناك، لادامة هذه الحرب، التي تجد حطبا ايضا لنيرانها.
هذا ماكنا نقوله في كل الازمات، وعلى سبيل الاستذكار فقط، يقال للمنقسمين في الازمة السورية، مابين معارض للنظام، او مؤيد له، ان كليهما على خطأ، لان لا احد يقف فعليا عند الكلفة الكبيرة التي دفعها الشعب السوري، الذي خسر كل شيء، وسط هذا التطاحن الدموي، الذي يتغطى بشعارات الحرص على السوريين، من جانب كل اطراف الازمة السورية، ووحده السوري يدفع الثمن، مثلما هو وحده العراقي يدفع الثمن، جراء حروب لا ناقة له فيها ولا جمل.
حزينة هي بغداد، ووجهها تبددت ملامحه جراء كل هذا الموت والخراب، الذي يحرم ابرياء العراقيين، من حياتهم، وفرحهم، يجعلهم على موعد دائم، مع الغدر في كل توقيت.
لم نسمع عن مدينة بقيت على قيد الحياة، طوال موت متواصل على مدى اربعة عقود، سوى بغداد، ونراهن بأمل ان تأتي تلك الانفراجة، فيسترد العراقيون حياتهم، بدلا من كل هذا الموت المجاني، في العراق، وفي العالم العربي ايضا، ولربما يقال انها المدينة الوحيدة في التاريخ، التي بقيت تحت الحرب اربعين سنة، وما زالت على قيد الحياة.