6 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاثنين

1 لهذه الأسباب سيفوز حزب «الدعوة» في الانتخابات العراقية
حميد الكفائي
الشرق الاوسط السعودية

يستغرب عراقيون كثيرون تبوؤ حزب الدعوة الإسلامية صدارة المشهد السياسي منذ ٢٠٠٥ واحتمال بقائه في الصدارة في المرحلة المقبلة على رغم كثرة الأحزاب المنافسة له ووجود قادة آخرين يتمتعون بمقبولية وطنية وقدرة على جمع الناس حولهم. لكن مثل هذا الاستغراب، المقرون بالغضب والإحباط أحياناً، يتبدد أمام المراقب المحايد عندما يستعرض البدائل الأخرى وامتداداتها وبرامجها، إن وُجِدَت، وطريقتها في الحكم.

وعلى رغم أن القانون يُحتِّم على المشاركين في الانتخابات أن يسجلوا كأحزاب، وأن يتمتع الحزب بعضوية معينة في محافظات عدة، فالجماعات (السياسية) ظلت تتمحور حول أشخاص وعائلات معينة، بلا برامج اقتصادية مدروسة أو أهداف سياسية وطنية، سوى القفز إلى السلطة والتمتع بالمكاسب التي تجلبها وتوزيع «المغانم» على الأتباع، وهذا ينطبق على معظم الجماعات السياسية، الإسلامية والعلمانية.

ظل العلمانيون مشتتين، يتصرفون كقيادات (كبيرة) تتمتع بشعبيات مناطقية وليست وطنية، وافتقروا جميعاً إلى التماسك والتنظيم الحزبي العصري والتمويل المنظم، بل اعتمد معظمهم على الدعم الخارجي، ما جعلهم مرتبطين بطريقة أو أخرى بأجندات خارجية فأضعف أداءهم وشعبيتهم. أكبر عملية تنسيق بين هذه القوى تمت قبيل انتخابات ٢٠١٠، عندما شكلت إطاراً انتخابياً مهلهلاً رُتِّب على عجل بقيادة أياد علاوي.

كانت الثقة غائبة بين قادة تحالف «العراقية» إذ ظلوا يتوجسون شراً ببعضهم حتى أن أحدهم تجسس على حلفائه وسجِّل لهم حديثاً شخصياً جرى في مقره ثم بثه على الإنترنت لإحراجهم! وقد استغربتُ عندما سألني أحدهم عن رأيي بعلاوي وهل يستحق أن يمنحه ثقته! قيادات علمانية أخرى، كأحمد الجلبي وقاسم داوود وآخرين، انضوت في القوائم الشيعية لأنها أدركت أنها غير قادرة على الفوز بمفردها.

بين القيادات العلمانية، تميز علاوي بالثبات على خطه السياسي وكسب شعبية واسعة، بادئ الأمر، في المدن الكبيرة كبغداد والبصرة والموصل وبابل والرمادي، وكاد ينافس القوى الإسلامية مجتمعة لولا أنه افتقر في شكل حاد إلى التنظيم الحزبي العصري والشركاء الأكفاء المؤمنين بقيادته. لم يعالج هذا الخلل الذي رافقه منذ ٢٠٠٣ وظل اختياره مستشاريه وشركاءه السياسيين قاصراً، وكان كثيرون منهم شيوخ عشائر أو رجال دين، ما افقده شريحة كبيرة من العلمانيين، بينما افتقر إلى الرؤية البعيدة الأمد فبقي يتصرف في شكل فردي ويسعى إلى تحقيق مكاسب وقتية، على رغم كثرة مؤيديه الفعليين والمُحتَمَلِين، الباحثين عن بدائل للقوى الإسلامية المنقسمة طائفياً، فأضاع بسبب ذلك فرصة تاريخية نادرة.

وبين القوى الإسلامية، تميز الدعوة بكونه منظماً تنظيماً عصرياً وبامتلاكه مؤسسات بحثية ومراكز ثقافية ومنظمات حقوقية وجماعات ضغط حول العالم، وممولين من دول مختلفة مؤمنين بأهدافه وخطه السياسي-الاجتماعي-الديني، ونجح في أن ينسج امتدادت جماهيرية واسعة في العراق ودول أخرى.

ويمتلك الحزب نظاماً داخلياً يحترمه الجميع تُجرى وفقه انتخابات دورية للقيادة والمكتب السياسي، وتتغير القيادات وفق نتائج الانتخابات. كما يتميز بتنوع حقيقي في الآراء، ولهذا فلديه أتباع حقيقيون مقتنعون بدوره وبرنامجه. كما ساعده في كسب الصدقية تاريخه الممتد ستين عاماً والذي لم تتخلله مواقف انتهازية او مساومات. صمد الدعوة بوجه ضغوطات الولي الفقيه منذ ١٩٧٩ ولم «ينصهر» مثلما فعل آخرون، حتى أنه لفظ قياديين فيه عندما دعوه إلى الانسجام مع السياسة الإيرانية، وحافظ على مبادئه. لكنه طور عمله عبر السنين وأخذ يتقبل الأفكار الجديدة ويتخلى عن الأساليب القديمة.

لم يسلم الحزب من الانتكاسات السياسية والاختراقات والانشقاقات، كما تصدر قيادته انتهازيون وغير أكفاء في أوقات معينة، خصوصاً بعد الملاحقة الهمجية خلال حكم نظام صدام حسين الذي أصدر قانوناً يعاقب بالإعدام، وبأثر رجعي، كل من انتمى إلى الدعوة أو روج لأفكاره أو سهّل مهمته، وقد خسر الحزب في تلك الفترة معظم قادته وكوادره. كما أنه لم يتحصن من التفاف النفعيين والانتهازيين حوله وانتفاعهم من اسمه ومواقفه، لكنه امتلك الإطار التنظيمي القادر على تجديد نفسه، وما بروز قيادة العبادي في الوقت المناسب إلا دليل واضح على أن الحزب يقبل التكيف مع الظروف وتجديد نفسه وخطابه ضمن الخطوط العامة لمبادئه.

ويلتزم الحزب جانب الليبرالية الدينية، وعادة ما يروج لأفكار المراجع المجددين ابتداء من محمد باقر الصدر، الذي يعتبره مؤسساً، إلى محمد حسين فضل الله، إلى كمال الحيدري، علما أن الحزب لا يتبع مرجعاً دينياً محدداً وأعضاءه احرار في اتباع من يشاؤون. للحزب امتدادات شعبية ونخبوية داخل المجتمع وهو متواصل مع كل الشرائح المجتمعية والجماعات الفكرية والسياسية المختلفة حتى تلك التي تسعى إلى إزالته، وهذا سر قوته، فهو يعرف عن خصومه أكثر مما يعرف عن أصدقائه.

الجماعات السياسية الأخرى، ولا يمكن تسميتها أحزاباً، لا تتمتع بأي من صفات الحزب السياسي، لأنها متمحورة حول شخص أو عائلة، وليس لها توجه سياسي محدد او رؤية مدروسة حول كيفية إدارة البلد وتطويره. قادة هذه «الأحزاب» لا يستطيعون أن يتوحدوا لأن هدفهم الأساس هو الزعامة والمكاسب التي ترافقها، والتوحد سيفقدهم ذلك.

قبل أيام أصدرت مفوضية الانتخابات قائمة بأسماء الأحزاب المسجلة التي ستشترك في الانتخابات المقبلة وعددها ٢٠٤ أحزاب! ونظرة سريعة على أسمائها، ناهيك بعددها، تصيبك بالتشاؤم. أسماء مثل «الداعي» و «برلمان الشعب» و «التيار الوطني العشائري» و «عراق الأرض» و «تجمع القلعة» و «ثأر الله»! لا تنم عن معرفة أو سعي للمصلحة الوطنية. ثم من الذي كلف «ثأر الله» أن يأخذ بثأر الله!

والغريب أن «مفوضية الانتخابات» لا تهتم سوى لتقاضي رسم التسجيل، وإلا ما معنى أن تمنح جماعات لا تمتلك مقومات الحزب ولا تحسن حتى اختيار الاسم، ترخيصاً للعمل السياسي؟

ما دامت الساحة السياسية بهذا القدر من التشرذم والضعف فإنها ستبقى غير قادرة على بلورة أحزاب راسخة مبنية على أسس سياسية واقتصادية تتسع للطيف العراقي الواسع، والفائز سيكون الحزب المنظم وصاحب الأفكار والرؤية الإستراتيجية المدروسة. نعم سيفوز حزب الدعوة لأنه الأكثر تنظيماً ووضوحاً وديموقراطية، وربما الأكثر ضماناً لمنع ظهور دكتاتوريات عائلية أو شخصية جديدة.
2 جيش العراق التاريخ المشرف والامل المرتجى

سعد ناجي جواد
راي اليوم بريطانيا

في مثل هذا اليوم عام ١٩٢١ صدر قرار بتاسيس جيش عراقي وطني. وبالفعل سارت هذه العملية وتولى تنفيذها ضباط شباب وقادة عسكريون عراقيون كبار كانوا ضمن الجيش العثماني وثاروا عليه، ثم تبنى الملك فيصل الاول هذه العملية ودعمها. ويمكن اعتبار هذا الرعيل الاول من الضباط العراقيين الكفؤين، مثل المرحومين جعفر العسكري ونوري السعيد وياسين الهاشمي وغيرهم كثر، هم حقيقة بناة الجيش العراقي بالأخص الفريق جعفر العسكري الذي عين اول وزيرا للدفاع.
منذ بدايته جسد الجيش العراقي الوحدة الوطنية العراقية ولم يكن في يوم من الأيام حكرا على فئة او شريحة او طيف من اطياف المجتمع العراقي . و اظهر قادته وافراده روحا وطنية واضحة وهمة عالية ساهمت في ان يلعب هذا الجيش دورا متميزا وواضحا في مسيرة العراق بل والامة العربية، حيث انه لم يترك فرصة او مناسبة الا واندفع فيها لحماية ارض العراق او الدفاع عن الأمة العربية. شارك في جميع الحروب التي نشبت بين العرب واسرائيل وأبلى بلاءا حسنا في جميعها. وعندما وافقت الحكومات العربية على الهدنة في فلسطين عام ١٩٤٨ قام بعض افراده وقادته بخلع بدلاتهم العسكرية ولبسوا اللباس العربي المدني التقليدي واعتمروا الكوفية وقاتلوا كفدائيين، وكان على رأسهم المرحوم العقيد رفعت الحاج سري، الذي ومن جراء ما حصل في فلسطين آنذاك قام بتشكيل اول نواة للضباط الأحرار. وقبل ذلك خاض حربا مشرفة ضد القوات البريطانية في العراق في ١٩٤١ وعلى الرغم من عدم التكافؤ بين الجيشين. والمصادر الإسرائيلية قبل العربية والعراقية تحدثت عن الدور المشرف لهذا الجيش في حرب ١٩٤٨ او في حرب ١٩٧٣ على الجبهتين السورية والمصرية. وكانت عقيدته حتى تاريخ احتلال العراق في ٢٠٠٣ واضحة في الدفاع عن حدود العراق الشرقية والشمالية مع اعتبار الكيان الصهيوني العدو الاول للعراق وللأمة العربية. واستطاع ان يلتزم بهذه العقيدة ويخلص لها حتى عام ٢٠٠٣. ناهيك عن العقول العلمية الجبارة التي عملت في محال التصنيع العسكري والتي احدثت طفرة صناعية كانت هي وكل من عمل فيها اول المستهدفين من قبل الاحتلال الامريكي-البريطاني – الصهيوني.
بعد الاحتلال كان اول قرارات الحاكم المدني الامريكي سيّء الصيت بول بريمر هو حل الجيش العراقي، الامر الذي طلبته اسرائيل وألحت من اجله. وجرت محاولات كثيرة من اجل تشويه وتلويث صورة هذا الجيش المُشَرف والذي يستحق ان يفخر العراقيون به وبجهوده في حماية البلاد، وتم اغتيال او ملاحقة خيرة منتسبيه و قادته، ولا يزال قسم كبير منهم يقبع في السجون منذ خمس عشرة عاما لا لذنب ارتكبوه سوى انهم دافعوا عن ارض العراق وشعبه. ثم تم تشكيل ما عرف ب ( الحرس الوطني) كبديل للجيش والذي لم يكن الا تجميعا من مليشيات جاءت اغلبها من الخارج بعد الاحتلال، و أُغدِقَت عليها وعلى أفرادها الرتب العسكرية العالية والرواتب الفلكية، بينما حُرِم منتسبيه السابقين حتى من رواتبهم التقاعدية. وكانت النتيجة ان تم هروب العدد الكبير من قادة هذه التشكيلات الكارتونية قبل منتسبيها امام مئات من إرهابيي ومجرمي تنظيم داعش، ولم يتم محاسبة او محاكمة اي ممن تسبب في هذه الهزائم. وكانت هذه الكارثة ، بل والكوارث، هي من أعاد بعض الرشد الى بعض العقول الحاكمة في العراق والولايات المتحدة التي اقتنعت بحقيقة انه بدون جيش عراقي حقيقي لا يمكن حماية العراق وتحرير أراضيه المحتلة ومواجهة تنظيم داعش الإرهابي . وحتى في تلك الظروف كانت الفكرة هي اعادة هيكلة الجيش للدفاع عن ما تبقى فقط وليس التحرير الكامل، بدليل ان الولايات المتحدة ظلت تحذر قادة الجيش والحكومة العراقية من الاندفاع او الاستعجال في تحرير الاراضي العراقية المحتلة. ولكن الروح الوطنية لمنتسبي الجيش تغلبت، واستطاع ابناءه المخلصين والكفؤين من اعادة بناء وتنظيم قوات استطاعت ان تحرر ما احتل من أراضي العراق وتهزم تنظيم داعش الإرهابي. ولكن ومع هذه الانتصارات بدأت تظهر محاولات لبعض الاطراف تعمل على أضعاف هذا الجيش مرة ثانية، فقسم يحاول تهميش دوره وفرض أشخاص غير كفوئين او فاسدين على قمة هرمه، وقسم يحاول ان يجعله تشكيلا ثانويا يأتي بعد المليشيات المسلحة، وقسم اخر يحاول ان يحافظ على ما تبقى من إرهابيي داعش ويقوم بتجميعهم و دعمهم كي يستمروا في محاربة هذا الجيش الفتي. ولكن كل هؤلاء تغيب عن ذهنهم حقيقتين مهمتين تاريخية وعسكرية، تقول الاولى ان اي جيش نظامي اذا ما توفرت له القيادة الجيدة فانه يستطيع ان يكون بودقة تنصهر فيها كل الخلافات المذهبية والعرقية والدينية وحتى الاجتماعية، وان يكون نموذجا للوحدة الوطنية، وان الانضباط العسكري في النهاية يجب ان يولد موسسة متماسكة، اما الحقيقة الثانية فهي ان اي تنظيم مسلح خارج رحم الجيش النظامي المنظم والمنضبط لا يمكن ان يصمد او يتحدى هكذا جيش.
ان العراقيين المحبين لبلدهم يتذكرون في ٦ كانون الثاني / يناير من كل سنة ذكرى تأسيس الجيش العراقي البطل ، ويستذكرون ابيات شاعر العرب المرحوم الجواهري التي قالها فيه وعنه بعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ ابياتا شعرية جميلة ومعبرة يقول في بعض منها:
جيش العرق ولم ازل بك مؤمنا
وبأنك الأمل المرجى والمنى
وبان حلمك قد يطول به المدى
لكن عزمك لن يحيق به الونى
جيش العراق إليك الف تحية
تستاف كالزهر الندي وتجتنى
حمل الفرات إليك نخيله
ومشى بدجلة جرفها والمنحنى
فلقد أعدت إليهما صفويهما
من بعد ما غصا بادران الخنا
جيش العراق وفِي العراق خصاصة (حاجة)
ليدٍ وقد كنت الكريم المحسنا
نعم لا تزال في العراق خصاصة يا جيش العراق البطل. ومبروك لابناءك الشرفاء والمحبين للعراق والمضحين من اجله عيدهم .
( ملاحظة: اذا لم تخني الذاكرة فان البيت الأخير ورد هكذا في القصيدة عندما ألقيت اول مرة بعد الثورة مباشرة من دار الإذاعة، ولكن الجواهري فيما بعد غيره بقوله: عبد الكريم وفِي العراق خصاصة،….بعد ان لمع اسم المرحوم عبد الكريم قاسم كقائد للثورة)
3 كردستان العراق والدرس السوري
غسان المفلح
السياسة الكويتية

منذ إجراء الاستفتاء الكردي على مصير إقليم كردستان العراق. 25 سبتمبر2017. تسارعت الاحداث على الإقليم المحاصر. اهم حدث كان إعادة احتلال كركوك من قبل الحشد الشعبي، ومشاركة رمزية للجيش العراقي. ثم ما تبع ذلك من إجراءات منها اغلاق الحدود، وعدم السماح لمطار أربيل بالعمل، من قبل سلطات بغداد. أخيرا وليس آخرا، التشارك في إدارة المعابر كلها، مع تركيا وايران وسورية كشرط من شروط بغداد لايقاف تهديدها للإقليم. الخطوات التي اتخذتها بغداد، كانت قرارا إيرانيا، بغطاء اميركي روسي تركي. لم يشفع لقيادة الإقليم، انها كانت على تناغم وتنسيق مع الادارات الاميركية المتعاقبة منذ العام 1991. بما فيها المعركة ضد “داعش”، حيث خاض البشمركة جانبهم من قتالها. لكن بشكل مستقل. كان المطلوب اوباميا، انضمام البيشمركة، للحشد الشعبي الشيعي الإيراني في بغداد. اعتقد انه هنا بدات الغضبة الاميركية، وليس خطوة الاستفتاء. أوباما كان واضحا، في انه يريد إعطاء ايران في العراق، السيادة شبه الكاملة. كان موقف حكومة الإقليم يعي ان هذا ابتلاع، ليس للعراق وحسب بل للإقليم وما تم إنجازه طيلة هذه الثلاثة عقود تقريبا. اعتقد أيضا ان أوباما جهز مع ايران لهذه الخطوة، قبيل رحيله. هل كان الاستفتاء هو السبب؟ لو لم يكن الاستفتاء سببا سيكون هنالك سبب آخر كي تقوم حكومة بغداد الإيرانية، بما قامت به. من جهة أخرى اذا كان للاستفتاء من ميزة إيجابية فيكفيه انه جعل المسألة الكردية في العراق مكشوفة القوى بعيدا عن النفاق الدولي. بمعنى ان الإقليم لم يكن بمنأى عن الاتفاق النووي الاوبامي الخامنئي. كانت المسألة مسألة وقت فقط، وتهيئة للقيام بما تم القيام به، ولن ينتهي هنا. بالمقابل لا بد لنا من الاعتراف، ان هذا التوجه كان له حامل كردي سواء في الإقليم، ممثلا بالاتحاد الوطني الكردستان وغيره من القوى الكردية. خارجيا كانت قيادة قنديل ايضا تميل بالضد من كل خطوات كاك مسعود، إضافة الى ان الخطوة البرزانية لم تجد صدى لدى اكراد تركيا. لهذا نجد انه تعالت أصوات من الأصدقاء الكرد، تنصح قيادة الإقليم بالالتحاق بايران، كأن التحاق قيادة الإقليم بايران سيحقق الحقوق الكردية!!. لست هنا بصدد الدفاع عن قيادة الإقليم وسياساتها، خصوصاً الداخلية منها. لكن خطوة الاستفتاء لم تكن السبب. ايران تريد كركوك من جهة، وتريد الحدود أيضا. أيضا اذيالها في بغداد. ليس لدى الإقليم ما يساوم به أميركا كما لدى ايران وحكومتها في بغداد. تماما كالشعب السوري في ثورته. حيث ان النظام منذ قيامه لم يترك حتى للمعارضة هامشا للخيانة! فهو وضع سورية في بازار البيع لإسرائيل وغيرها. هامش للخيانة في ظل جو دولي لايقبل من شعوبنا المستضعفة سوى الخيانة! أوباما سلم العراق اكثر لإيران، وسلم سورية لروسيا ولايران أيضا، ليس لانه ضعيف او متردد او لا يملك القوة. بل لانه يريد ذلك. في جلسة مجلس الامن الأخيرة حول الانتفاضة الإيرانية، تصرح نيكي هايلي مندوبة أميركا في كلمتها امام المجلس « إن أصوات الشعب الإيراني تطالب الحكومة في طهران بوقف دعم الإرهاب بالمليارات وتمويل الميليشيات في العراق واليمن، كما ينفق 6 مليارات سنوياً على الأقل لدعم الأسد». هذا كله لم يكن من دون علم إدارة أوباما، بل كان يتم تحت اشرافها. كل هذه المليارات، لا تتحرك ولا تصرف من دون علم الإدارة الاميركية، والإدارات الأوروبية. هذا يؤكد ان الدرس السوري كان فاضحا. وتجدد في الإقليم. لهذا اعتقد انه على القوى الكردية مراجعة الوقائع نقديا أيضا. العمل من اجل انتاج التمييز بين شعوب المنطقة التي تعاني كلها، وبين نظم وميليشيات تدار بالضد من اية شرعة لحقوق الانسان. كان على النخب العربية الوقوف مع اكراد العراق. دون ذلك سنبقى ندور في نفس الحلقة المفرغة.
4 حرب إيران السرّية في كردستان

كجال درويش
السياسة الكويتية

يبدو أنَّ حيدر العبادي توصّل إلى قناعة تامّة بأنه لن يستطيع استخدام قوته العسكرية – المتمثّلة بميليشياته الطائفية الموجودة أصلاً على قائمة الاٍرهاب الدولية – ضدّ الإقليم الكردي في شمال العراق، لذلك يتبع أساليب بعيدة كل البعد عن الأخلاق والقيم الإنسانية، التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية من قبل الإنكليز في الأربعينات، كما فعل تشرشل بالشعب الهندي في العام 1943، حيث أبادت أفعاله الملايين من الشعب الهندي نتيجة اتباع سياسة التجويع والحصار ومنع وصول المساعدات الدولية، تماماً كما يفعل النظام في سورية.
وبما أنَّ الأوراق باتت مكشوفة للجميع، فلا أحد يستطيع إنكار الدور الإيراني المخيف في المنطقة، من دعم للمنظمات الإرهابية، إلى تفتيت الدول العربية وإضعافها وإخضاعها لنظام الملالي في طهران، حيث كُلّف خادم إيران العبادي من قبل سليماني وأعوانه مرة أخرى في اتخاذ قرار لا مسؤول ولا إنساني، هذا القرار الذي أصدره حديثاً لمنع وصول المساعدات الإنسانية في تمديد فترة إغلاق المطارين (أربيل – والسليمانية ) في إقليم كردستان لفترة شهرين آخرين ليس إلا قراراً لمعاقبة الشعب الكردي في الإقليم، بكل فئاته من إيزيديين وعرب وتركمان وغيرهم من المكونات الأخرى، وهي تكملة للخطط التي رسمتها ايران ونفّذها خادم العبادي خادم الولي الفقيه.
فشل العبادي في تنفيذ خطته بتحالفه مع بعض الخونة من حزب الاتحاد الوطني إلى كركوك ، التي احتلها.
لذلك قرر اللجوء للخطة البديلة منها إشعال الشارع الكردي بوساطة عملاء من كرد ايران الذين ذهبوا الى قلعدزه وبنجوين وسيد صادق ورانيا، وهدفهم قتل المتظاهرين المدنيين، وتحويل التظاهرات السلمية إلى مظاهر مسلحة بين الشعب وقوات الأمن الكردية التي طلبها حزب الاتحاد الوطني من الحزب الديمقراطي الكردستاني في مساعدتهم للسيطرة على الوضع الأمني هناك.
تمَّ إفشال تلك الخطة التي كانت تهدف إلى إضعاف الإقليم وتقسيمه إلى إدارتين، عندها بدأت حكومة العبادي بتطبيق نظام المحافظات للقضاء على الإقليم وإلغائه من الدستور العراقي.
وكمخطط بديل حشد العبادي قواته مرة ثانية في المناطق التي أعيدت السيطرة عليها من قبل قوات البيشمركة في بردة ومخمور، وقامت إيران بدعوة السيد شمال هورامي الكادر المتقدم في صفوف puk الاتحاد الوطني مرّتين لزيارة طهران، وهنا أوقع به الإيرانيون حيث كانت غرفته مراقبة بالمؤامرات وتم تسجيل كل ما فعله السيد شمال مع ضيوفه من النساء الذين قدموا له كهدية.
بعد تهديده بتلك الأشرطة المسجّلة أجبر السيد شمال على الاستماع إلى تفاصيل الخطة البديلة وهي القيام بعمليات اغتيال لقيادات كبيرة ومهمة في الأحزاب الثلاثة الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني وحركة التغيير، لإشعال فتيل الحرب الأهلية بين الشعب الكردي في الإقليم، ولحسن الحظ تمَّ كشف الخطة عندما حاول نائب قاسم سليماني آغا حرمتي وآغا تناهي -القنصل السابق في هولير، وهو خبير سابق بشؤون كردستان والمنطقة – في الاتصال مع الكاك لطيف، رئيس فريق الحراسة السيد محمود سنكاوي، مسؤول محور كردسين ومسؤول كبير في الاتحاد الوطني ،و تمّ تكليفه اغتيال السيد سنكاوي لكي يتم اتهام الأجهزة الأمنية الكوردية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني بذلك، وضرب القوتين ببعض، لحسن الحظ قام الكاك لطيف بكشف مخطّطهم وإخبار قيادات جميع الأحزاب الكردستانية حيث تم اتخاذ التدابير الأمنية بهذا الخصوص.
ما يفعله السيد حيدر العبادي في إصدار قرارات صائبة من منظوره الطائفي لا يَصْب في خانة وحدة البلاد، بل ستكون هناك ردّات فعل سياسة عكسية في المستقبل القريب، إذا استمر العبادي في تقديم خدماته المجانية لملالي طهران ضدَّ أبناء العراق الموحّد حالياً فلن يبقى الشعب الكوردي وقائده مسعود البارزاني مكتوفي الأيدي.
وسيكون خيارهم الأخير والوحيد للمحافظة على الوجود الكوردي في المنطقة «إعلان الدولة»، فقرارات حيدر العبادي والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تقسيم العراق إلى دويلات سيدفع ضريبتها السيد العبادي أولا ومن ثم الشعب العراقي.
5
اليمن وإيران والقرار الأمريكي المنتظر عبد المجيد جلال مكة السعودية

سبق أن حذر مسؤول في الاستخبارات الأمريكية من أن إيران قد اقتربت كثيرا من إكمال هلال شيعي يمثل نفوذها في المنطقة، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي معها صيف عام 2015.

ولكن، هذا المسؤول في تحذيره، لم يأت بجديد، بل لم يكن دقيقا في معلوماته، فقد تجاوز النفوذ الإيراني جغرافية الهلال الشيعي ليمتد أكثر ويتوسع من مزار شريف في أفغانستان، مرورا بطاجكستان في منطقة آسيا الوسطى، إلى لبنان وسوريا والعراق وحتى اليمن!

والسؤال المطروح في هذه المرحلة عن مدى جدية الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء تهديدات إيران وتعدياتها في المنطقة!

صحيح أن إدارة الرئيس ترمب نجحت في إعادة الدفء والثقة إلى العلاقة بين واشنطن وحلفائها في المنطقة، بعد مرحلة من عدم اليقين في حقبة أوباما، وهذا تطور إيجابي في الاستراتيجية الأمريكية الراهنة.

ولكن الأصح أن إدارة الرئيس ترمب، ورغم اعترافها بمخاطر المشروع الإيراني في المنطقة، وبرغم تبنيها لفهم أمريكي مختلف عن الإدارة السابقة بشأن هذا الملف، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في إدارته بصورة مقنعة وفاعلة. أكثر من ذلك أسهمت بدون قصد في إعادة الزخم للمشروع الإيراني بالمنطقة، عبر قرار الرئيس ترمب غير الموفق في نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، إذ تم استغلال هذا القرار بإعادة مفاعيل المتاجرة بالقضية الفلسطينية بتحالف أوسع من أشرار المنطقة عبر العباءة الإيرانية.

ومن المؤسف جدا أن هذا القرار الأمريكي قد خدم مباشرة إيران وحلفاءها ومشروعها في المنطقة، ما يعني ذلك بالضرورة أن الولايات المتحدة بسياساتها الإقليمية أسهمت وما تزال في توسيع وتعميق دائرة النفوذ الإيراني في المنطقة.

من المؤكد أن تحجيم النفوذ الإيراني ليس بالأمر الهين، فقد نجحت إيران في حقبة إدارة أوباما وقبلها في زرع المنطقة العربية بمئات من الميليشيات الطائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي اليوم وبالوكالة عن إيران تمارس جرائم القتل والإرهاب، وحتى التغيير الديموغرافي لمصلحة إيران. فحزب الله اللبناني على سبيل المثال لديه قوة صاروخية ضاربة، وفرت له ليس فقط الهيمنة على القرار السيادي اللبناني وإنما تهديد أمن دول المنطقة عبر تدخله في سوريا واليمن.

لذا وكما يقول المتابعون للشأن الإيراني فإن الأولوية المفترضة للاستراتيجية الأمريكية لاحتواء وتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، إن كانت هناك بالفعل استراتيجية، ينبغي أن تبدأ بمواجهة أذرعها وميليشياتها، فهي بمثابة الرئة التي يتنفس منها المشروع الإيراني، والقضاء عليها أو إضعافها سيؤدي في نهاية الأمر إلى إضعاف هذا المشروع وإجبار إيران على إعادة حساباتها ورسم سياساتها من جديد، وفق قواعد الشرعية الدولية وعلاقات حسن الجوار.

قد يكون الأمر معقد جدا، بما يخص أذرع إيران في سوريا، إذ يحتاج الأمر إلى تفاهمات، وربما صفقات مع روسيا، وكذا للقضايا الأخرى العالقة والساخنة بين روسيا من جهة وواشنطن والناتو من جهة أخرى.

وأما في العراق، فالوضع أكثر تعقيدا، فإيران تمسك اليوم بكل مفاصل الدولة العراقية، والحشد الشعبي العراقي المهيمن على القرار السياسي والأمني والعسكري ولاؤه وتمويله من إيران وحرسها الثوري، ويحتاج الأمر إلى إرادة دولية وإقليمية وعربية لإعادة العراق إلى محيطه العربي، وهذه الإرادة غير متوفرة اليوم.

إذن الخيار في هذه المرحلة ربما الأقل تعقيدا والأكثر واقعية في البدء بجماعة أنصار الله، أو الحوثيين في اليمن، كخطوة أولى لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة. يعزز من هذا الخيار أن إدارة الرئيس ترمب وعلى عكس الإدارة السابقة تدرك تأثيرات الحرب في اليمن على سلامة طرق التجارة العالمية المارة عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، ومخاطر استهداف الحوثيين للمعابر المائية الدولية، وفي إفادته أمام مجلس الشيوخ الأمريكي أواخر شهر مارس الماضي، اتهم الجنرال جوزف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية، بكل صراحة الحوثيين بنشر صواريخ ومنظومة رادارات وألغام وقوارب مفخخة في الساحل الغربي لليمن، وبدعم من إيران، ما يشي بتهديدها للتجارة والسفن والعمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة.

في هذه المرحلة يحتاج التحالف العربي إلى مواقف أمريكية حازمة، لجهة استثمار الثقل الأمريكي كأكبر قوة عالمية، في فرض الحل السياسي في اليمن، وتحميل الطرف المعرقل تبعات ذلك، وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2216 المبني على الفصل السابع، ولعل الأمر يكون أكثر جدية باستضافة واشنطن لجولة مفاوضات جديدة بين كل المكونات اليمنية الرئيسة، وممارسة كل أنواع الضغوطات الممكنة لحمل أطراف النزاع على إنهاء جرائم تدمير اليمن، واستهداف الإنسان اليمني.

لم يعد بالإمكان أن تستمر الإدارة الأمريكية في إدارة أزمة اليمن، واستنزاف كل أطراف الصراع المؤسف في هذا البلد العربي البائس، بل المطلوب منها التدخل الإيجابي لحمل كل أطراف الصراع إلى جولة مفاوضات جديدة، وهي القوة الوحيدة القادرة على ذلك.