مقالان عن العراق بالصحف العربية يوم الاربعاء

1 خريطة « العراق الجديد»: رهائن وتهجير هيفاء زنكنة

 

 

القدس العربي

اثار اطلاق سراح عدد من المواطنين القطريين المختطفين بالعراق، بعد مفاوضات طويلة، وما تلاها من تأويلات سياسية مختلفة حول الاسباب والكيفية، اهتماما اعلاميا عربيا ودوليا. هذا الاهتمام قلما تحظى به حالات اختطاف اواعتقال المواطنين العراقيين، الأمر الذي جعل واحدا من الافعال الوحشية المؤثرة على الضحايا، إلى حد الموت غالبا، وعلى عوائلهم، أمرا عاديا ومألوفا، في خضم متاهة المآسي المتكاثرة على تنوعها، والمنهمرة على رؤس المواطنين.

أسباب الأختطاف عدة من بينها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وتختلف الاسباب من الطفل إلى الرجل او المرأة، بالاضافة إلى طبيعة عمل من يتم أختطافه. أقتصاديا، يشكل الاختطاف مهنة تدر رزقا وفيرا للعصابات، للعاطلين عن العمل، وللمليشيات الباحثة عن التمويل السريع. ويراوح مبلغ الفدية بين عشرات الآلاف إلى مئات الآلآف من الدولارات. فمنذ أيام، مثلا، أعلنت قيادة عمليات بغداد عن تحرير فتاة مختطفة والقبض على الخاطف بعد مطالبته فدية مقدارها 80 الف دولار من عائلة الفتاة. ولعل هذه من الحالات النادرة، اذ غالبا ما يتم قتل الضحية حتى بعد استلام الفدية من العائلة.

وغالبا، ايضا، لا يتم ابلاغ الشرطة او اجهات الأمنية، اما لشيوع ظاهرة تعاون رجال الامن مع المختطفين او لعدم ثقة الاهالي بهم او لاعتقاد الاهالي بان ذلك سيؤدي إلى انقاذ حياة المختطفين. اجتماعيا، في ظل حكومة فاشلة وغياب القانون وتنامي نفوذ الجماعات المسلحة خارج الحكومة أو حتى بعلمها والتعامي عن نشاطاتها أو توفير الحماية لها، يسود « لكل عصابة ولكل ميليشيا ولكل عشيرة قانونها»، فتتم حالات الخطف الانتقامية جراء نزاعات مجتمعية أو اخلاء مسكن أو وظيفة.

ويتداخل العامل السياسي (أي مصلحة الحاكم او الحزب، او السياسات التي تسير هذه الأحزاب) مع الاقتصادي ( أي النفع المادي المباشر للخاطفين والمجرمين، بأعدادهم المتزايدة) والاجتماعي (أي التغيير البشري في منطقة ما او مهنة ما) في العديد من الأحيان. نلاحظ هذا في حالات اختطاف رجال الاعمال والاطباء والاساتذة أو أبنائهم للكسب السريع من جهة، والذي يؤدي اما لترويعهم وإخلاء وظائفهم او«اسواقهم» لمن يطمع بها، او لإجبار العوائل على الهجرة من مناطقها والاستحواذ على اراضيها ومصادرة املاكها واموالها. وهذا الجانب الأخير، هوما اصبح يسمى بسياسات التغيير الديمغرافي. وقد لاحظناه من بداية الإحتلال في مناطق عديدة من إجلاء عشرات الألوف من البصرة والزبير والناصرية وغيرها بإدعاءات دينية وطائفية يبرر بمحاربة الإرهاب، أحيانا، أو منع الخمور أحيانا أخرى، وبوضوح أكبر بحجة الإرهاب أو بدونه في مناطق من جرف الصخر والأنبار وديالى وصلاح الدين وكركوك، و يتزايد مؤخرا في نينوى. وتتوافق هذه التهجيرات مع إحلال سكاني يستخدم فيه شرائح إجتماعية تسجل بإسمها، او باسم شركات تؤجرها لهم، الأراضي والبيوت، تمهيدا لإضفاء الشرعية على سلب الأرض والحقوق. وهذه سياسات استخدمها الأمريكيون والاستراليون البيض في الاستيلاء على اراضي السكان الأصليين، ويستخدمها الإستيطان الصهيوني في فلسطين، كما استخدمتها السلطات في كل البلدان عبر العصور ضد خصومها. الفرق عندنا انه يحدث لملايين العراقيين في غضون سنين قليلة.

يؤثر جو الاختطاف على الاحساس بالأمن، وخلق حالة خوف دائم، يشل المواطن ويدفعه إلى التخلي عن المبادرات، واسكات الاصوات المعارضة أو الداعية إلى الاصلاح. كما حدث للناشط جلال الشحماني الذي لم يعثر له على أثر منذ اختطافه في سبتمبر / أيلول 2015 وحتى الآن، ومن سبقه من صحافيين، تعرضوا للتهديد والاعتقال والتعذيب. واذا كانت حالات الاختطاف قد شهدت صعودا وانخفاضا في اعداد الضحايا، منذ احتلال العراق عام 2003، حسب سيرورة المحاصصة وقوة هذه الميليشيا ضد تلك، الا ان حالات الاعتقال، التي هي في الحقيقة، نوع من الاختطاف الرسمي بقيت محافظة على مستوياتها العليا التي تقارب الالف معتقل شهريا، بمسوغات عدة اهمها تهمة الإرهاب. اعترف رئيس اللجنة القانونية في البرلمان، لـ«هيومن رايتس ووتش»، خلال اجتماع في 7 فبراير/شباط 2017 «هناك آلاف المعتقلين المشتبه بأنهم إرهابيون». مع العلم، وهنا المفارقة المؤلمة، ان سلطات النظام أعلنت عن اطلاق سراح مائة ألف معتقل في عام 2016 بدون محاكمتهم، وبعد ان قضى عدد منهم سنوات في المعتقل.

يشير تقرير منظمة العفو الدولية 2016 ـ 2017، إلى ان قوات الأمن والميليشيات تشن حملات القاء القبض في» نقاط التفتيش ومخيمات النازحين مع عدم إبلاغ ذويهم عن اماكن اعتقالهم. ويحتجز الكثيرون في الحبس الانفرادي لفترات طويلة، وفي بعض الحالات في ظروف ترقى إلى حالات الاختفاء القسري… ولا يزال الآلاف محتجزين دون المثول أمام السلطات القضائية أو إحالتهم للمحاكمة».

ان الاختطاف ـ الاعتقال بات اسلوبا سهلا لابتزاز المواطنين ماديا وسياسيا واجبارهم على الخضوع لظروف معيشية مهينة لا يرتضيها المرء عادة. حيث يواجه المعتقل بتهمة الإرهاب سواء من قبل اجهزة النظام الطائفي الأمنية في وزارات الداخلية والعدل والدفاع، او الميليشيات وأكثرها وحشية عصائب أهل الحق، وحزب الله، وبدر، أو اجهزة أمن اقليم كردستان متمثلة بالأسايش، اما دفع الفدية، أو الموت تحت التعذيب، أو الاعدام اذا ما حدث وتم تقديم اوراقه إلى المحكمة. هذا المصير المحتوم يدفع اهالي المختطف – المعتقل إلى بيع كل ما يملكونه، لتجميع المبلغ المطلوب، حالما يتمكنون من الاستدلال على مكان الاعتقال. وهي مسألة صعبة، بحد ذاتها، اذ لا يسمح للمعتقلين التواصل مع عائلاتهم الا بعد انقضاء فترة التحقيق، التي قد تدوم شهورا او سنوات، حسب جهة الاعتقال وولائها.

يعاني المعتقلون الذين لا يتمكن أهاليهم من دفع الفدية، ومعظمهم ضحايا التمييز الطائفي والتهم الكيدية، بشكل لا انساني من التعذيب واكتظاظ المعتقلات وعدم توفر الخدمات الاساسية. وهي جرائم يتمتع مرتكبوها بالحصانة القانونية، اذا كانوا من قوات الامن والشرطة، وحصانة قوة السلاح والوحشية اذا كانوا من الميليشيات. لن يتطلب الأمر بلورة سحرية للتنبؤ بما سيكون عليه المستقبل المبني على هذا الاساس المنخور. الصورة واضحة ويعيش الناس تفاصيلها: استمرار دائرة العنف المستند على الانتقام، ما لم يقم الشعب بمحاسبة النظام الفاسد حتى النخاع الذي يدعي تمثيله، ومقاضاته كمسؤول أول عن ادخال قطار الاحتلال وما أدخله من ملوثات، من بينها أطلاق الميليشيات المسعورة ضد المواطنين، اختطافا وتعذيبا وقتلا، بحجة « مكافحة الإرهاب»، بالاضافة إلى شرعنة دمج الميليشيات في الجيش والشرطة بلا مساءلة أو محاسبة.

2 الاستفتاء» الكردي… المشكلة ليست عربية! صالح القلاب

 

 الجريدة الكويتية
التهديد الذي أطلقته إيران، قبل يومين، وحذرت فيه القيادة الكردية في أربيل من إجراء “الاستفتاء” الذي وعدت به، تصويتاً على استقلال شمالي العراق، يدل، لا بل يؤكد أن مشكلة الأكراد، عموماً، وأكراد كردستان العراق، بصفة خاصة، ليست مع العرب، إنْ في سورية أو في بلاد الرافدين، ولكنها مع الإيرانيين أولاً وبالدرجة الأولى، ثم مع تركيا السابقة واللاحقة، وربما أيضاً المستقبلية.

 

إن إيران، التي تتكون من “فسيفساء” قومية ودينية ومذهبية لا يشكل فيها الفرس الأكثرية، أخشى ما تخشاه وأكثر ما تخافه هو أن تنتقل عدوى “الاستفتاء”، المزمع إجراؤه في كردستان العراق كخطوة نحو الاستقلال، إلى من تعتبرهم أكرادها… وبخاصة أن هؤلاء قد استأنفوا الثورة المسلحة في الآونة الأخيرة، وبخاصة أيضاً أنهم كانوا جربوا طعم حق تقرير المصير عندما أقاموا “جمهورية مهاباد” في عام 1946 التي، للأسف، لم تعشْ ولم تصمد إلا لفترة قصيرة لا تتجاوز الأحد عشر شهراً، إذ أسقطتها اللعبة الدولية في ذلك الحين بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية.

 

إنه لا شك في أن من حق أكراد كردستان العراق أن يقولوا رأيهم من خلال الاستفتاء المزمع إجراؤه، في مستقبلهم وعلاقاتهم مع الدولة المركزية في بغداد، وحتى أن يقيموا دولتهم الوطنية في هذا الإقليم، لكن لا بد من مراعاة الظروف المتقلبة التي تمر بها هذه المنطقة، إذ إن إيران تحتل عملياً دولتين عربيتين هما العراق وسورية، ثم لا بد أيضاً من التفاهم المسبق مع أشقائهم العرب العراقيين، سنة وشيعة، بالنسبة للمناطق “المتنازع” عليها، إذْ إن فرض الأمر الواقع وفقاً لموازين قوى غير مستقرة وغير دائمة لا بد من أن تكون نتائجه مدمرة ووخيمة!

 

والسؤال هنا هو: هل الظروف الإقليمية والدولية ملائمة للذهاب بالتحدي إلى آخر مدىً، وإجراء هذا الاستفتاء وليحصل ما يحصل، و”ليخسأ الخاسئون”، كما كان يردد صدام حسين دائماً وأبداً، عندما كان في ذروة عنفوانه، وقبل أن يرتكب ذلك الخطأ القاتل الذي وصل إلى أبعد من مستوى الجريمة بغزوه لدولة مجاورة شقيقة هي الكويت وإعلانها إحدى المحافظات العراقية؟!

 

ثم إنه لا شك في أنَّ قيادة إقليم كردستان العراقية، الممثلة بالرئيس مسعود بارزاني، تعرف أكثر كثيراً من كل المعنيين بهذه المسألة أن الإيرانيين، الذين يسيطرون عسكرياً على العراق وسورية، يعتبرون أي استفتاء للأكراد في أي من الدول التي يوجدون فيها مقتلاً فعلياً وانهياراً حتمياً لدولتهم “الفسيفسائية”، ولذلك فإنهم لن يسكتوا عن هذه الخطوة الاستفتائية، إن هي تمت بالفعل، وبخاصة أن لهم وجوداً فعلياً في السليمانية، إنْ بصورة مباشرة أو من خلال حزب جلال الطالباني والمجموعات المتحالفة معه، وهذا ينطبق عليه بيت الشعر العربي القائل:

 

وسوى الروم خلف ظهرك روم

 

فعلى أي جانبيك تميل