في هذا الجو اللاهب ، تمنّي العوائل أنفسها بالتوجه نحو المناطق الشمالية في كردستان العراق ، حيث تنعم بجو معتدل و بكهرباء من دون انقطاع.
اغلب هذه العوائل من ذوي الدخل المحدود ممن قد تدخر أموالا طوال العام لهذه الأيام الصعبة ، و تعتزم السفر رفقة “الكروبات” السياحية التي توفر عادة فرصة التنقل وزيارة الأماكن السياحية بأسعار مناسبة، والتي تملئ إعلاناتها صفحات التواصل الاجتماعي واعدة زبائنها بتوفير أماكن للراحة وللاستجمام والتمتع بالطبيعة الخلابة.
وأول ما يجتذب العوائل خصوصا الكثيرة الأفراد ، العروض الرخيصة ، فيسارعوا للتسجيل بها.. كما أن الرغبة الملحة بالسفر وبتغيير الجو تدفع الموظفين عادة إلى تقديم إجازاتهم الصيفية بهذا الوقت وبالتالي إن عدلوا عنها أو أجلوها ربما لا يحصلوا على فرصة إجازة أخرى.. وهذا ما حدث فعليا لقريبتي ، فبعد أن أقنعتها بضرورة السفر مع التسهيلات المادية المناسبة لها ولعائلتها ، فوجئت عند الاتصال بشركة كانت قد أعلنت عن مبلغ 50 ألف دينار للشخص الواحد ، بزيادة المبلغ إلى 60 ألف دينار، ترددت حينها بالقبول ثم وافقت على مضض خوفا من ضياع الإجازة.. وحين بلغت مقر الشركة فوجئت بزيادة المبلغ بنحو 15 ألف دينار إضافي بحجة مبلغ دخول المصايف ، فقبلت على مضض أيضا.
كان موعد انطلاق الرحلة قد حدد بالساعة الواحدة ليلا ، انتظرت مع أطفالها لساعات وساعات في المكتب مع أطفال العوائل الأخرى ، ولم تتحرك سيارتهم إلا بحدود الرابعة فجرا.. تنفست الصعداء على أمل أن تحظى برحلة سياحية ممتعة ، لكن ما تحركت السيارة إلا أن توقفت عند مشارف بغداد ، بسبب خلل فيها أدى إلى زيادة حرارتها” حماوتها” ولا أدري كيف تجازف الشركة بمسؤولية نحو ستين راكبا وتعلم جيدا خلل السيارة ، تداعى الشباب من الركاب وساعدوا السائق بجلب قوارير المياه وتبريد ” راديتر” السيارة ، فسارت بسلام أولا ثم توقفت ثانية في محطة أخرى وتكررت العملية مستغرقة ساعات من الانتظار والقلق ، وما أن تجاوزت السيارة مفرق كركوك باتجاه السليمانية حتى ارتعب الركاب بشاحنة عملاقة تسد عليهم الطريق ويشير سائقها إلى الترجل منها على عجل.. بعدما ما انتشر دخان خانق فيها، تراكض الجميع نحو الخارج ،ووقفوا مذهولين أمام مشهد نيران احتراق ” الراديتر” والماكنة..
وقفوا تحت لهيب أشعة الشمس بانتظار سيارات أخرى تنقلهم للمدينة، وفي رحلة يفترض بلوغها بنحو ست ساعات ، استغرقت نحو اثني عشر ساعة!
كانت تلك الحادثة مفتتح مشاكل أخرى لا حصر لها من سوء اختيار الفندق ، وتأخر مواعيد الذهاب للمرافق السياحية وغيرها..
يؤكد مسؤول سياحي في مقابلة صحفية ضرورة اختيار شركة سياحة وسفر مناسبة، ونسأل، ترى كيف للمواطن البسيط معرفة هذه ال” المناسبة” سيما أن هيئة السياحة اكتشفت أخيرا العشرات من الشركات الوهمية التي سببت الكثير من الكوارث كالذي حدث مع سفرة قريبتي؟ّ
يبدو أن مواطننا ” المكرود” فقد بوصلة الراحة بكل أشكالها للأسف.
