الأكراد إخوتنا… لكن لا تُكثِروا من الإخوة! .. مقالا للكاتب د . ياس خضير البياتي

مقالات

هل نحتاج حقًا إلى حقيبةٍ سحرية نُخرج منها الدستور عند الحاجة، ثم نعيده إلى الظلام متى ما دعت الضرورة؟
لقد أصبح الدستور في هذا البلد كحذاء الزينة، نرتديه فقط في حفلات التنصيب، ثم نرميه في الزاوية حين تشتد شمس المصالح.
الأكراد؟ نعم، تلك القومية التي – ويا للغرابة! – لا تزال تُصرّ على أنهم عراقيون. أولئك الذين لم يقطعوا الطريق على التاريخ، بل صافحوه. قومٌ لا يطرقون أبواب النبل، بل يسكنونه. تعاملهم يكفي ليُخجلك، فتستحي من نفسك وأنت تراقب كيف يحتفظون بكرامتهم حتى وهم يُسحقون. صفعة مقابل وردة، وظلم مقابل يد ممدودة.
تسامحوا مع أبناء جلدتهم الذين كانوا بالأمس يُرعدون ويُزبدون ضدهم، وتعاملوا معهم كمن استيقظ من كابوسٍ طويل، بينما غيرهم لا يرضى حتى بالنقاش مع مَن يختلف معه في نطق الحروف.

هناك، في الشمال، تُفتح البيوت للمهاجرين، وتُحفظ الكرامة، ويُوزَّع الخبز كالماء. أما في مناطق أخرى، فيُطارَد البشر على الهوية، وتُمنَع الأسماء كما تُمنَع الأسلحة الكيميائية.
هناك، تُزرع الأشجار، وتُبنى العمارات، وتُشقّ الطرق، وتُروى الحدائق. أما هنا، فيُحفَر الخراب حفرًا، وتُرمى القمامة في قلب المدينة، ويُعلَّق الفشل على شماعة “المؤامرة”.
أما قطع رواتب الأكراد، فليس قرارًا سياسيًا كما يحاول البعض تجميله، بل تدريبٌ مجاني على القسوة.
تمرينٌ عمليٌّ على كيف تكون ظالمًا دون أن تهتزّ فيك شعرة. جريمة تُرتكب على الهواء مباشرة، وسط تصفيق أولئك الذين اعتادوا أن يتغذّوا على المظلومية… طالما أنها ليست مظلوميتهم.
كيف تُعاقب شعبًا برمّته؟ هل هو قطيع؟ هل تُطبَّق العقوبة الجماعية وكأننا في كتاب تعليمات الطغيان؟ كل هذا يُقال إنه “قانون”! عذرٌ أقبح من ذنب، بل إن الذنب يُصاب بالغيرة من هذا العذر.
ثم يأتون ليتحدثوا عن الأكراد كأنهم كائنات فضائية. “هؤلاء ليسوا منا”، يقول أحدهم، وكأن أربيل تقع على بُعد مجرّة، لا على مسافة انتخابات مشحونة. الإعلام، تلك اللعبة الطفولية الخطيرة، صار يفتح أبوابه لكل مَن امتلك وجهًا صالحًا للبث ولسانًا حادًّا للكراهية.
يكفي أن ترفع عقيرتك ضد الكُرد، حتى يُفتَح لك استوديو وتُنصَب لك الكاميرا. برامج تحليل؟ أم غرف للتحريض؟ ضيوف بمرتبة مصائب، يتقنون فنّ البصق اللفظي، وكلما زاد غلّهم، زادت نسب المشاهدة.
ورغم كل هذا، انظر إلى أربيل… مدينة تقف وكأنها تقول: “أنا العراق الحقيقي، ولكن بنسخة أنيقة”. أمان، نظافة، نظام. بينما في أماكن أخرى تُنظَّم مؤتمرات لسبّها والتشكيك في “عراقيّتها”، مع أن بعض أولئك الذين يشتمونها لا يملكون حتى حاوية قمامة في أحيائهم.
وبينما تُستضاف عقول راكدة في القنوات، تلوك الأكاذيب وتبثّ السموم على طبق من البلاهة، يجلس المواطن البسيط أمام الشاشة، حائرًا: من الكردي؟ من العراقي؟ من العدو؟ من الأخ؟ تُسحب العقول إلى هاوية العنصرية تحت لافتة “التحليل السياسي”، وهي أقرب إلى جلسة حقد جماعية منها إلى أي نقاش حضاري.
في النهاية، لا تزال العقلية الحاكمة في بغداد تظنّ أن البلاد لا تُحكم إلا بعصا مركزية غليظة، من تلك التي كنا نعتقد أنها اختفت. عقلية تخشى التعدّد، ترتبك من التنوّع، وتُصرّ على أن تُمسك كل الخيوط، حتى لو احترقت بها الأيدي.
يُنظر إلى الكُرد كـ “مشكلة”، وكأنهم لاجئون في وطنهم، مع أن الوطن هو الذي يحتاج إليهم، لا العكس. ولكن، مَن يُنقذ السياسة حين تكون عقلية المزرعة أقوى من منطق الدولة؟
ياس خضير البياتي