لا يُمكِن تجاهل إضرابات مشاهير هوليوود منتصف العام 2023، والمرور بسرعة، دُونَ التوقُّف عند أهميَّة وخطورة ما يحصل في فنِّ صناعة السينما في العالَم، فقَدْ خرجتِ الاحتجاجات في قلبِ سُوق السينما العالَمي، وظهرتِ الوجوه الَّتي طالَما شاهدها الجمهور من خلال الشَّاشات الكبيرة والصَّغيرة بأحوال أخرى، كما أنَّ تلك الوجوه والأسماء لم تخرج من قبل مطالبةً بحقوق ترى أنَّها تهدر في وضح النَّهار، بل طالما خرج هؤلاء في قصص وسيناريوهات تناقش مشاكل النَّاس والمُجتمعات والدوَل أيضًا.
ما الَّذي يحصل في هذا القِطاع الواسع والخطير؟
كُلَّما ظهر خبر جديد عن المنتجات الرَّقميَّة وتحديدًا عالَم الرّوبوتات والذَّكاء الاصطناعي التَّوليدي، شعَر العاملون في قِطاع السينما بجميع فئاته بوخزٍ يتفاوت بَيْنَ القوي جدًّا والأكثر والأقل من ذلك، والسَّبب الرَّئيس الَّذي يقف وراء ذلك أنَّ الشُّعور بالخطر يدهم حياة وتفكير هؤلاء. ولْنبدَأ من كتَّاب السيناريو، الَّذين طالَما تربَّعوا على كرسي هذه المهنة لِعُقودٍ، وثمَّة مَن تسلَّم المهنة من سابقِيه،
وأصبح له اِسْمُه الرنَّان في عالَم كتابة سيناريو الأفلام، هؤلاء لم يفكروا يومًا بخطر ما قَدْ يُهدِّد مهنتهم على الإطلاق، ثمَّة درجات يقف عَلَيْها هؤلاء، البعض في قمَّة القمَّة ومَن هو بدرجة أدْنى ثمَّ يأتي التَّسلسل في فنِّ كتابة السيناريو، حتَّى قفزَ إلى الواجهة عالَم الذَّكاء الاصطناعي، الَّذي لا يحتاج لخيالٍ يحلِّق عاليًا، ويجوب آفاق العقل والأذهان قَبل أن يحطَّ في واحة تلهمُه فكرة ثمَّ يجهد نَفْسه في تطويرها وتعميقها،
بعد ذلك يمضي الأشْهُر ورُبَّما السَّنوات لِيخرجَ بسيناريو فيلم قَدْ يحتاج لِعدَّة أشْهُر أخرى في عمليَّات حذف وإضافة وتغيير وتشذيب حسب طلبات شركة الإنتاج وما يفرضه المخرج.
لقَدِ اختصر الذَّكاء الاصطناعي كُلَّ ذلك بطلبٍ يكتُبه الشَّخص من عدَّة أسطُر ثمَّ قَدْ يحتاج للتَّشذيب لِيخرجَ بسيناريو مقبول، وليس هذا وحدَه ما يُخيف كتَّاب السيناريو، بل ما هو مُخيف أكثر السُّرعة الهائلة الَّتي تطرأ يوميًّا في تحديث وتطوير برامج الذَّكاء الاصطناعي التَّوليدي، الَّتي قد تنافس المحترفين خلال فترة قَدْ لا تأخذ زمنًا طويلًا، وقَدْ يكُونُ ذلك من المفاجآت الكثيرة الَّتي يأتي بها هذا العالَم الزَّاخر بالجديد والمثير.
ولا يقف الخوف الَّذي يثير الاحتجاجات عند هذا الجانب، بل يتجاوزه إلى زوايا أخرى، من أهمِّها، عالَم الممثِّلين والممثِّلات، فقَدْ بدأ برنامج مثل (صوره) يتقدم بسرعة لإنتاج مشاهد كاملة بواسطة الذَّكاء الاصطناعي، ما يعني بداية طريق الاستغناء عن الممثِّلين والممثِّلات الَّذين حققوا شهرة عالَميَّة خلال عُقود في هوليوود وغيرها، هذا يعني أنَّ الثَّروات السنويَّة الطائلة الَّتي يجنيها هؤلاء قد تتراجع بقوَّة على طريق النُّضوب،
وهذا العامل بحدِّ ذاته المؤشِّر الأخطر على مستقبل المشاهير في عالَم صناعة السينما والمسلسلات أيضًا. طبعًا لا يقف بعيدًا عن هذه الحافَّة الخطيرة، عدد كبير جدًّا، من العاملين في التَّصوير والمونتاج والإخراج والكومبارس وغير ذلك من المهن، الَّتي يعمل الذَّكاء الاصطناعي على إخراجها من سُوق العمل السينمائي.