“كمامات وطن 2025 : الغيبوبة التي أيقظت الضمائر”

اياد راضي كمامات وطن
تسلط الدراما العراقية الضوء على دور الأب في العائلة، على خوفه وحرصه وتعبه، وحتى تضحياته التي تجعله أحيانا يبخل على نفسه ليؤمن حياة أفضل لأبنائه…
تظهر الحلقة الجانب المخفي من دور الأب، ذلك الجزء الصعب الذي لا نشعر بقيمته الحقيقية إلا عندما نمر بنفس التجربة بكل ما تحمل من متاعب وتحديات.. ا
تثبت الدراما العراقية مرة أخرى قدرتها على تقديم محتوى هادف يمس القضايا الاجتماعية والإنسانية العميقة، كما رأينا في حلقة الغيبوبة من مسلسل كمامات وطن 2025. هذه الحلقة لم تكن مجرد عمل درامي، بل رسالة توعوية تعكس واقعًا يعيشه الكثيرون،
حيث تناولت موضوع تضحيات الآباء من أجل أبنائهم، وما يواجهونه من جحود أو عدم تقدير حتى تحل بهم الأزمات الصحية التي تكشف حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم.
ركزت الحلقة الاولى من العمل الدرامي كمامات وطن على شخصية الأب الذي ضحى بصحته من أجل أسرته، في مقابل الابن المتذمر حسام، الذي لم يدرك قيمة والده إلا بعد أن اضطر إلى تحمل مسؤوليات المنزل. هذه الحبكة الواقعية والمؤثرة جعلت المشاهد يعيد التفكير في دوره داخل الأسرة، ورسّخت قيم الاحترام والعرفان بالجميل.
ما يميز هذه الحلقة هو توازنها بين الترفيه والتوعية، مما يعكس نجاح الدراما العراقية في تقديم محتوى يحمل بعدًا تربويًا دون أن يفقد جاذبيته. ولذا، فإن متابعة هذه الحلقة ليست مجرد تجربة فنية، بل درس حياتي يحتاجه كل فرد في المجتمع.
حلقة تجعل أي شخص يعيد حساباته، ويراجع سلوكياته وطريقة تفكيره تجاه الاب، والبعض يتمنى ان يعود به الزمن لكي يؤدي حق والده او يقول له شكرا على كل شيء ..
شكرا إياد راضي على الأداء الصادق الذي جعلنا نشعر وكأنك أب حقيقي، نقلتنا إلى قلب الواقع بكل تفاصيله.
وغرد نشاطون شكرا للفنان اياد راضي الذي اجاد في ايصال صوت الاب الحقيقي و الحنون .
عطاء الأب وعقوق الأبناء
الأب هو عمود الأسرة وسندها، يبذل عمره وجهده في سبيل توفير حياة كريمة لأبنائه، لا ينتظر منهم مقابلًا سوى الحب والتقدير. فهو من يسهر على راحتهم، يضحي براحته من أجل سعادتهم، ويواجه صعوبات الحياة ليؤمن لهم مستقبلًا أفضل.
لكن من المؤسف أن بعض الأبناء يقابلون هذا العطاء بالعقوق، فينسون فضل الأب، ويتعاملون معه بجفاء أو قسوة عند حاجته إليهم. وهذا التصرف مرفوض شرعًا وأخلاقيًا، فقد أمر الله تعالى ببر الوالدين والإحسان إليهما، فقال في كتابه الكريم:
“وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُواْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًا” (الإسراء: 23)
الأب نعمة عظيمة، ومن خسر برّه فقد خسر كنزًا لا يُعوّض فليحرص كل ابن على ردّ الجميل ولو بجزء بسيط، لأن الأيام تدور، وما نقدمه لآبائنا اليوم سنجده غدًا في أبنائنا.

ومن هنا نقول إن وجود الأب في حياة الأطفال، يعني الحماية والرعاية، يعني القدوة والسلطة والتكامل الأسري، فالأطفال بحاجة إلى أن يشعروا بأن هناك حماية ورعاية وإرشاداً يختلف نوعاً ما عما يجدونه عند الأم، وبأن الأب هو الراعي الأساسي للأسرة، وهو المسؤول عن رعيته، فوجود الأب كمعلم في حياة الطفل، يعتبر من العوامل الضرورية في تربيته وإعداده..

بالرغم من أن الأم هي الأساس في حياة الطفل منذ الولادة، إلا أن دور الأب يبقى أهميته من نوع آخر، وذلك من خلال تقديم الحنان الأبوي، والسهر على حياة الطفل وحمايته من كل أذى، بالتواصل معه والتقرب منه، فينمو الطفل ويكبر على أسس تربوية سليمة، فالأدوار التي يقوم بها كل من الأب والأم مهمة جداً في الإنماء التربوي للطفل، رغم اختلافها.

إن بعض الآباء يظنون أن دور الرجل يقتصر على تأمين السكن والملبس والمصاريف، ويعرفون مفهوم رب الأسرة بأنه ذلك الديكتاتور المتسلط الحازم في كل شيء، لكن هذا خطأ فادح، فمشاركة الأب في تربية الأبناء شيء في غاية الأهمية، لما له من تأثير قوي في شخصية الأبناء، فالأب يستطيع تحقيق التوازن الأسري، من خلال اهتمامه بأبنائه ومصاحبتهم ومعرفة أفكارهم وميولهم وهواياتهم..

ويحاول أن يساعد في حل مشاكلهم، ومعرفة أصدقائهم، ويكون لهم الصديق المخلص الموجود دائماً، حتى لو كان غائباً، تبقى مبادئه وأفكاره راسخة في أذهان الأطفال، كما أنه عليه إرشادهم وتقويمهم واستخدام الشدة والحزم، إلى جانب الرفق والتسامح.

فإحساس الأبناء بوجود رادع لهم، يجعلهم على حذر من الوقوع في الخطأ، كما يجب على الأب الاقتراب أكثر من الأبناء، وتمضية الوقت الكافي معهم، وتعويدهم على أسلوب النقاش والحوار، ما يمنحهم الثقة بالنفس، وعليه أن يمنحهم الإحساس بوجود الصدر الحنون الذي يلجؤون إليه عندما يصعب عليهم حل مشاكلهم بأنفسهم..

وبهذا يبعد عنهم مشكلة الضياع. لكن أكثر ما نشهده في مجتمعاتنا، أن الأب أصبح دوره مجرد بنك للتمويل، يكد ويشقى لتوفير لقمة العيش والرفاهية لأبنائه، ويغيب لساعات طويلة عن المنزل، وأصبح كالضيف الذي يحل على البيت ليأكل وينام فقط، لا يعلم بالقرارات التي يتخذها أبناؤه في غيبته، سواء في اختيار الملابس أو الأصدقاء، أو حتى في تحديد مصيرهم التعليمي، أو في ما يرتكبونه من أخطاء.

فمن المسؤول عن تهميش دور الأب؟، هل هي الأم، أو الأبناء؟ أم هو الأب نفسه الذي تنازل عن دوره الحقيقي؟

من المعروف أن مسؤولية تربية الأبناء تقع على الأب والأم على حد سواء، وفي حالة غياب الأب عن الصورة، فهذا يعني أن الأب هو المسؤول عن تهميش دوره في الأسرة، فهو الذي تنازل عن دوره لصالح الأم، وهي مسؤولية، لقوله صلى الله عليه وسلم «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، ومهما تعددت مسؤوليات الأب خارج المنزل، فهذا لا يعفيه من مسؤوليته الأسرية، فدور الأب في تربية الأبناء، لا يقل أهمية عن دور الأم.

فالأب، وكذلك الأم، يجب أن يكونا نموذجاً وقدوة لطفلهما، حتى يكون من السهل على الطفل أن يقلد السلوك الجيد في حياته، بدلاً من تنفيذ نصائح وأوامر لسلوكيات لا يراها، فالأب في نظر أبنائه هو ذلك البطل الذي يقلدونه في كل شيء، في حركاته وتصرفاته، في التواضع والأمانة وفي كل سلوكياته، لأن الطفل يميل إلى اعتبار أن كل تصرفات والده مثالية، من دون أن يشعر الأب بذلك.

لذلك، وجب على الآباء أن يبذلوا جهداً كبيراً في تربية أبنائهم، ويظهروا لهم حبهم وشعورهم بمكانتهم ودورهم الرئيس في حياتهم، وأن يدرك الآباء أن دورهم لا ينتهي عند مرحلة معينة، بل يجب أن يكونوا دائماً موجودين ومنخرطين في حياة أبنائهم.