جرت هجمات متزامنة ومنظمة في الساحل السوري أدت لسيطرة قوات موالية لنظام رئيس النظام السابق بشار الأسد على مدن اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس والقرداحة، حصدت المعارك الناجمة عنها أرواح العشرات (تحدّثت مصادر عن سقوط 124 قتيلا من المسلحين والمدنيين).
يعيش في المناطق التي وقعت فيها الهجمات سكان من الطائفة العلوية، التي كان ضباط كبار منها يديرون الآلة الأمنية والعسكرية للنظام المخلوع، وأعلن عن تلك الهجمات بيان نشره ما يسمّى «المجلس العسكري لتحرير سوريا» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ممهور بتوقيع غياث دلا، القيادي السابق في «الفرقة الرابعة» التي كان يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السابق.
سبقت تلك الأحداث إشارات إلى قرب حدوثها، منها تأكيد مصادر سياسية وإعلامية عن تشكيل ميليشيات محلية سورية، واشتباك دبلوماسي وإعلامي بين تركيا وإيران إثر تصريحات وزير خارجية الأولى، هاكان فيدان، عن سعي إيراني لـ»إحداث فوضى» في سوريا، وهو ما عزته صحيفة «آرمان امروز» الإصلاحية إلى خسارة طهران لإحدى ركائزها الجيوسياسية في الشرق الأوسط، والتوتّرات بين الجانبين في الجزء الكردي من سوريا.
حسب الموقع الحقوقي «مع العدالة» فإن قائد التمرد كان من «أبرز الموالين للمحور الإيراني داخل نظام الأسد» وأنه سبق أن نسق عملياته مع الميليشيات التابعة لإيران بصورة وثيقة في معارك الزبداني والمليحة وأحياء دمشق، وأنه ضم عددا من عناصر تلك الميليشيات وعناصر «حزب الله» خلال مهمة له في منطقة القنيطرة جنوب سوريا عام 2018.
جاء الحدث أيضا بعد نداء لعبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، طالب فيه حزبه بعقد مؤتمر يعلن حلّه وإلقاء السلاح، ورغم إعلان مقابل من مظلوم عبدي، رئيس «قوات سوريا الديمقراطية» ترحيبه بالنداء، واعتباره، في الوقت نفسه أنه يتعلق بحزب العمال في تركيا، فإن الحدث حرّك ديناميّة جديدة.
سبقت ذلك أيضا حادثة عنف في مدينة جرمانا القريبة من دمشق، تبعتها تصريحات من بنيامين نتنياهو يتعهد فيها بحماية الدروز فيها، وإدلاء الزعيم اللبناني وليد جنبلاط بتصريحات تتهم موفق طريف، شيخ العقل لطائفة الدروز في إسرائيل بمحاولة استغلال الأحداث بادعاء تمثيل الدروز في المنطقة، وتأكيد مصادر أن قريبا للزعيم الديني حكمت الهجري في السويداء، التي تعتبر مركز الدروز في سوريا، قام باجتماع مع مسؤولين أمريكيين في شهر شباط/فبراير الماضي يعرض خطة تنفيذ تمرد مسلح على الحكومة الحالية، بمشاركة من «قوات سوريا الديمقراطية» ومجموعات علوية من الساحل السوري، وبدعم إسرائيلي.
أدت هجمات الساحل إلى ما يشبه المجزرة بحقّ عناصر الأمن العام، الذين قتل منهم أكثر من مئة شخص أغلبهم من المتطوّعين الشباب الجدد، كما أدى، حسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى مجزرة أيضا في قريتي الشير والمختارية العلويتين، وتداولت صفحات وسائل التواصل أنباء عن حدوث أعمال انتقام عديدة.
على المستوى السياسي أنهى التمرّد الآنف قرار حكومة أحمد الشرع في دمشق تفادي دخول مناطق العلويين وعزز، بفضل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المنفلتة العقال، مشاعر التجييش والتحريض والكراهية الطائفية وأعمال الانتقام، وهو ما يعني أن من خططوا له، وأغلبهم ليسوا موجودين في مناطق الساحل أصلا، قد نجحوا فعلا في ما أرادوه: تأجيج عناصر حرب أهلية.
مفهوم طبعا أن هناك ظروفا موضوعية شديدة القسوة تدفع مجتمعات مفقرة، ومهمّشة سياسيا على مدى عقود، وتعاني من أعطاب اجتماعية وإنسانية وأخلاقية إلى ردود فعل غير محسوبة لكنّ المأمول، من نظام جديد، تمتّع حتى الحدث الأخير، بكثير من الحكمة في التعامل مع الخارج، أن يراجع الأسباب الآنية الداخلية للأحداث، وأن يمتلك وعيا سياسيا دولتيا وفوق طائفي، يحاسب «الفلول» الذين قاموا بالأعمال الإجرامية، ويعمل بصرامة على منع أعمال الانتقام وكسب الجمهور العام من العلويين (والأقليات) بحماية أرواحهم وممتلكاتهم، بحيث لا تتحول المكاسب السياسية التي جناها من الرد على مؤامرات حفنة من القادة المتعاملين مع الخارج، إلى خسائر لا يمكن تعويضها بين السوريين أنفسهم.
قدّم مسلسل سوري، قبل سنوات، عنوانه «ابتسم أيها الجنرال» تصويرا لجرائم العائلة الحاكمة السابقة في سوريا، والأغلب، بعد الأحداث الأخيرة، أن الأسد المختبئ في موسكو، وجنرالاته، يبتسمون لما حدث!