نجح فريق من الباحثين في جامعة تسوكوبا اليابان في تحقيق اكتشاف رائد في علم الحساسية، إذ كشف عن رؤى جينية جديدة تتعلق بالحساسية المفرطة.
ومن خلال إجراء تحليل جيني واسع النطاق على سكان اليابان وأوروبا، حدد الباحثون مناطق جينية (تعدّد أشكال الجينات) مرتبطة بالحساسية المفرطة، بما في ذلك تلك التي كانت خاصة بالسكان اليابانيين، ما يمهّد الطريق لتحسين استراتيجيات الوقاية والعلاج من الأمراض المرتبطة بالحساسية.
الحساسية المفرطة
غالباً ما يتعرض البشر بشكل مستمر لمسببات الحساسية البيئية مثل حبوب اللقاح والطعام وعث الغبار. وفي بعض الحالات يخطئ الجهاز المناعي في التعرف على هذه المواد غير الضارة ويعدّها تهديداً، مما يؤدي إلى إنتاج أجسام مضادة مرتبطة بالحساسية تُعرف باسم الغلوبولين المناعي immunoglobulin E (IgE). وتُعرف هذه العملية بالحساسية المفرطة، وغالباً ما تسبق ظهور حالات الحساسية مثل الربو والتهاب الأنف التحسسي والأكزيما، مما يجعلها مؤشراً أساسياً على تقييم الحساسية واستكشاف الحلول الوقائية.
بحث جيني واسع النطاق
وقد أجرى فريق البحث في الدراسة التي نُشرت في المجلة العلمية Journal of Allergy and Clinical Immunology في 5 ديسمبر (كانون الأول) 2024، دراسة ارتباط جيني شاملة دراسات ارتباط الجينوم الكامل GWAS genome-wide association study باستخدام بيانات وراثية تخص 46 ألفاً و602 من المشاركين اليابانيين، تم جمعها من جامعة تسوكوبا وبنك توهوكو الطبي في اليابان. وقاموا بتحليل التباينات الجينية (تعدد أشكال الجينات) وعلاقتها بالحساسية المفرطة.
دراسة يابانية – أوروبية
ومن أجل توسيع نطاق تحليلهم دمجوا البيانات مع دراسة أخرى أوروبية شملت 25 ألفاً و32 مشاركاً. وقد أظهرت هذه التحليلات التشابهات والاختلافات الجينية بين المجموعتين، مما أتاح فهماً أعمق للأسس الجينية للحساسية المفرطة. ومن الجدير بالذكر أن هذا البحث هو الأول الذي يُجري دراسة ارتباط على مستوى الجينوم حول تعدد الأشكال الجينية، أي التحسس لمسببات الحساسية المتعددة التي حددت ثمانية أشكال جينية مهمة مرتبطة بهذه الحالة.
23 علامة جينية مشتركة
عُثر على 23 صفة جينية مشتركة بين المجموعتين اليابانية والأوروبية، مما يشير إلى وجود استعداد عالمي للإصابة بالحساسية. وجرى تحديد 18 اختلافاً جينياً يخص المجموعة اليابانية فقط مما يبرز أهمية الاختلافات الجينية الإقليمية في فهم الحساسية. ولأول مرة جرى ربط ثمانية تعددات جينية بحساسية متعددة المسببات، وهي حالة يكون فيها الأفراد حساسين لعدة مسببات حساسية. ويُعد هذا الاكتشاف خطوة كبيرة لفهم الأسس الجينية المعقدة لهذه الحالة.
رؤى خاصة بالأمراض
كما أظهرت الدراسة أن الاستعداد الجيني للحساسية المفرطة له تأثير أضعف على ظهور التهاب الجلد التأتبي Atopic Dermatitis (ويعرف بالإكزيما التأتبية، وهو نوع من الالتهابات الجلدية ينتج عنه حكة واحمرار وانتفاخ على سطح الجلد وقد تخرج أحياناً سوائل من المنطقة الملتهبة) مقارنةً بالربو والتهاب الأنف التحسسي، وحمى القش (التهاب الأنف التحسسي الموسمي). ويُبرز هذا التباين الطرق الجينية المختلفة التي تؤثر في الحالات التحسسية المختلفة.
تأثيرات على علاج الحساسية
تمثل هذه النتائج تقدماً كبيراً في فهم الآليات الجزيئية وراء الأمراض التحسسية. ومن خلال تحديد المؤشرات الجينية المرتبطة بالحساسية المفرطة تمهد هذه الدراسة الطريق لتطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية مخصصة للأفراد. وأشارت الباحثة الرئيسية في الدراسة، إميكو غوتشي، من قسم علم الوراثة الطبية بمعهد الطب بجامعة تسوكوبا اليابان، قائلةً إن «فهم الأسس الجينية للحساسية المفرطة لا يُثري معرفتنا بكيفية تطور الحساسية فحسب، بل يفتح أيضاً الأبواب أمام تدخلات علاجية موجهة وحلول رعاية صحية أفضل».
خطوة نحو رعاية صحية أفضل
تؤكد هذه الدراسة أهمية التعاون الدولي والدراسات الجينية واسعة النطاق في مواجهة التحديات الصحية العالمية. كما يُبرز اكتشاف العوامل الجينية المشتركة والخاصة بالسكان الحاجة إلى مراعاة التنوع الجيني عند تطوير حلول صحية فعالة للحساسية. ومع استمرار العلماء في فك رموز البنية الجينية للأمراض التحسسية يبقى الأمل موجوداً لملايين الأفراد حول العالم الذين يعانون من الحساسية في تقديم علاجات مخصصة وفعالة وتحسين نوعية حياتهم.