ما بين ستينيات القرن الماضي وعشرينيات القرن الحالي
إستطلاع أجراه د٠ رعد أبو كلل الطائي أربيل

منذ العهد العثماني أُطلق على قضاء كويسنجق أسم كويسنجق، والكلمة متكونة من مقطعين (كوي) و (سنجق) وسنجق باللغة التركية العثمانية تعني محافظة إدارياً ودُمجَ المقطعان، وأصبحت منذ ذلك الحين كويسنجق و(سنجق) باللغة العربية يعني لواء إدارياً، وبذلك كانت كويسنجق بمستوى (لواء) والتي تعادل حالياً مستوى محافظة، وكانت تابعة لولاية الموصل، وهي إحدى ولايات الدولة العثمانية، وأستمرت هذه التسمية لغاية انتهاء الدولة العثمانية ودخول الأحتلال البريطاني للعراق في عام ١٩١٨م، حينها أصبحت كويسنجق قضاءً تابعاً للواء أربيل، وفي ستينيات القرن الماضي أُلغيت تسمية الألوية في العراق وأصبحت تسمى محافظات، وكويسنجق بقيت بمستوى قضاء تابعاً لمحافظة أربيل، وعندما تم تشكيل أقليم كوردستان بعد الأحتلال الأمريكي في عام ١٩٩١م، تم تغيير أسم القضاء من كويسنجق إلى كويه، وهو أحد الأقضية التابعة لمحافظة أربيل في أقليم كوردستان العراق حالياً، ويتمتع القضاء بموقع جغرافي مهم إذ يقع بين ثلاث محافظات

هي، أربيل وكركوك والسليمانية، ويضم القضاء خمس نواحي هي، طق طق واَشتي وشورش وسكتان وسيكردكان، ويحدها من الشرق والجنوب نهر الزاب الصغير الذي يفصله عن محافظتي السليمانية وكركوك ومن شمال وشرق القضاء يقع جبل هيبت سلطان، فيما يحتضن القضاء من الغرب تلال باوجي ٠
ويطلُ القضاء على سهل فسيح يسمى سهل كويسنجق أو سهل كويه، في حين يرتفع القضاء عن سطح البحر بواقع ٦٢٠م ويبلغ عدد سكانه حوالي ٢٠٠ ألف نسمة في حين يبلغ عدد سكان مركز مدينة كويسنجق حوالي ٥٠ ألف نسمة، أما مساحة القضاء فتبلغ ٢٠٥٠ كيلومتر مربع ومعظم سكان القضاء هم من الكورد المسلمين مع أقلية من المسيحيين يتحدثون باللهجة الآرامية الخاصة بهم ٠
سور قديم

وكان مركز المدينة يُحيط به سوراً قديماً وكبيراً له أربع أبواب، وفي عام ١٨٥٦م اُفتُتِحت أول مدرسة في مركز المدينة، وفي عام ١٩١٨م أصبحت كويسنجق قضاءً وتجاور القضاء ثلاث محافظات تربطها بطرق معبدة هي :

أربيل وتبعد عن القضاء بمسافة حوالي ٧٣كم، وكركوك تبعد حوالي ٧٧كم عن القضاء، في حين تبعد السليمانية عن كويه بواقع ١٣٣كم .
رحلتي إلى كويسنجق

حملتُ حقيبتي من مكان تواجدي في أربيل وتوجهتُ نحو قضاء كويه بعد أن ركبتُ حافلة (كوستر)، وبداية الطريق المعبد، سهلٌ منبسطٌ، ثم بعدها منخفضات ومرتفعات جبلية وبعد مسير حوالي نصف ساعة وفي منتصف الطريق إلى القضاء لاحت أمامي قلعة (قشلة حجمها صغير) منتصبة على تلٍ وهي مخصصة كمخفر للشرطة يُسمى ديكلة منذ القدم ومنطقة ديكلة عبارة عن قرية كبيرة يسكنُها عدد كبير من المواطنين، تركنا ديكلة واتجهنا إلى وجهتنا كويه، والطريق من هناك يبدأ بوديان وتلول وتكثر فيه الأراضي الزراعية، ثم وصلنا القضاء، هذا الطريق الذي سلكناه اليوم، هو نفس الطريق الذي سلكناه والعائلة عام ١٩٦٤م حين نُقل الوالد من مركز شرطة الكوير إلى معاونية شرطة كويسنجق، كان الطريق في ذلك التأريخ غير مبلط وردئ، واستقلينا حينها مركبة (لاندلوفر القديمة) لوعورة ورداءة الطريق، وكان الجو حينها ممطراً على ما أتذكر واستغرق الوصول إلى مدينة كويسنجق بواقع ثلاث ساعات، أي أكثر من ضعف زمن وصولنا حالياً، رأيت واجهة القضاء قد تبدلت، وأصبحت في غاية الروعة والجمال وشوارعه، هي الأخرى مُنظمة ونظيفة، ودلالات وعلامات المرور ظاهرة في شوارع القضاء الرئيسية،

ويلوح بعد واجهة القضاء مبنى جامعة كويه التي اُستحدثت بعد عام ٢٠٠٣م، ويحتوي القضاء على المعاهد الفنية والتعليمية والمدارس الابتدائية للبنين واخرى مثلها للبنات ومتوسطات وثانويات واعداديات لكلا الجنسين، بينما كان القضاء في عام ١٩٦٤ يضم ثانوية واحدة لكلا الجنسين ومتوسطة واحدة للبنات وأخرى للبنين ومدرسة ابتدائية واحدة للبنين ومثلها للبنات ٠

وبعد أستراحة قصيرة في إحدى مقاهي المدينة، أنطلقتُ إلى جبل هيبت سلطان الذي يطل على القضاء من جهته الشمالية الشرقية ويبعد عن مركز المدينة بمسافة ٣كم فيما يبلغ أرتفاعه حوالي ١٢٦٠م عن سطح البحر، ( وتقول بعض الروايات والمصادر التأريخية إن هيبت سلطان هي اخت السلطان صلاح الدين الأيوبي

وهي المرأة التي يقع قبرها على الجبل الذي سُميَّ على أسمها، في حين أطلقت بعض المصادر العثمانية وبعض أهالي كويسنجق، أسم السلطان أيوب على الجبل ونسبته لسلطان عثماني يُدعى أيوب عاش في المدينة وتوفيَّ فيها ودُفن على الجبل وسُميَّ الجبل بأسمه ) وبعض أهالي كويسنجق يزورون القبر للصلاة والتبرك فيه، وفي منتصف طريق جبل هيبت سلطان هناك متنزه ومقهى ومطعم، وهو مصيف جناروك، كما يقول أهالي كويه يقصدونه أهالي كويسنجق والمناطق المحيطة به في مواسم الربيع والأحتفالات الوطنية وخاصة في عيد نوروز للأستجمام، وبعد الصعود إلى أعلى الجبل تستطيع أن تنزل من خلف الجبل إلى اسفله حينها ترى أمامُك مفترق طريقين احدهما على جهة اليسار ثم يتجه شمالاً، يوصلك إلى قضائي رانية ثم قلعة دزه (بشدر) والذي يقع مباشرة على الحدود الإيرانية والطريق هذا مبلط وجبلي بأمتياز وتكثر فيه القمم الجبلية العالية والوديان العميقة والمنعطفات الكبيرة والغابات والأحراش الخضراء والغابات ومجريات لمياه وفيرة، أما الطريق الآخر الذي ينعطف على يمين المفترق فهو تستطيع من خلاله ان تصل إلى بحيرة دوكان أولاً والتي تبعد بمسافة قصيرة عن مفترق الطريق، بعدها يوصلُكَ الطريق إلى مركز محافظة السليمانية والطريق ممتع وجميل فيه مرتفعات ومنخفضات، وصور رائعة الجمال على يسار ويمين الطريق لجبال وتلول مُزينة بالزخارف والأحراش وبغابات الصنوبر والجوز واللوز والرمان والكروم والزيتون والحمضيات بأنواعها ٠

قلعة كويه

وهي مبنى حجري يقع في الجانب الغربي للقضاء وعلى تل صغير يبلغ مساحته ٢٤٠٠متر مربع، وللقشلة واجهة أمامية بهيئة قلعة، وجهاتها الأربع مزودة بمنافذ أو فتحات للرماية والدفاع وتتوسطها ساحة كبيرة تحيط بها قاعات ومهاجع وغرف وممرات، ومن الافت للنظر وكما رأيت وعلمت من المسؤولين فيها ان بعض هذه الأماكن يتألف من طابقين جُدّدا مؤخراً وتحول إلى متحف وقاعة للفنون ٠

والقلعة أو قشلة كويه هي مقر لمعاونية شرطة كويسنجق والمركز الإداري لقائمقامية القضاء، ويعود تأريخ بنائها إلى عهد حكم الدولة المملوكية في بغداد، وتشير المصادر إن تأريخ بناؤها يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي في أيام الوالي العثماني مدحت باشا من عام ١٨٦٩م لغاية عام ١٨٧٢م، وكلمة قشلة مأخوذة من اللغة التركية وتعني المكان الذي يمكث فيه الجنود بالشتاء وتعني ايضاً المشتى، وهو المكان الذي يقيّ الأنسان من تقلبات الجو ومعناها الثكنة العسكرية أو المعسكر، وهذه الثكنة احتضنت في داخلها أنذاك الجنود والإداريين والمسؤولين عنهم، ومخازنهم ومستودعاتهم ثم أصبحت بعدها مقراً للشرطة ولقائمقامية ودوائر القضاء ٠

جامعة كوية

تأسست الجامعة عام ٢٠٠٣م على يد رئيس الجمهورية الأسبق جلال الطالباني بعد أن كانت كلية تابعة لجامعة السليمانية، وكانت نواة الجامعةحينها كلية التربية والشريعة والقانون والتي تشكلت عام ٢٠٠١م، ثم بعد ذلك أنفصلت عن جامعة السليمانية وأصبحت مستقلة، وتضم الجامعة ست كليات هي، الطب والهندسة والعلوم والتربية والقانون والآداب، وتُعد هذه الجامعة من الجامعات الأقليمية الوليدة هدفها هو تغطية احتياجات سوق العمل المحلي والأقليمي من الخريجين المؤهلين علمياً وعملياً، وكذلك أعداد جيل من العلماء المتميزين القادرين على قيادة عجلة التنمية في المجالات كافة ٠
ويضم القضاء معهداً علمياً متخصصاً لدورات التقوية للمناهج الدراسية كافة لطلاب المدارس الإعدادية والمتميزين أطلق عليه أسم معهد التحدي لدورات التقوية الأهلي في كويه، كما يفتتح المعهد ومن خلاله التقديم للدراسات الخارجية، كما تم مؤخراً افتتاح معهدين لذوي الأحتياجات الخاصة للمكفوفين تابعين لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة أقليم كوردستان بأسم هيوا وروناكي ٠
ختاماً أزيدُ وأقول :
يُعتبر قضاء كويسنجق أو كويه من أقدم أقضية محافظة أربيل ويحتوي على عددٍ كبيرٍ من المواقع الآثارية تغطي مساحات واسعة من المدينة ونواحي وقرى القضاء والتي تحتوي على المقتنيات الطينية والحجرية والمعدنية والفخارية
وسكنة المدينة يهتمون بتراثهم ويفتخرون بموروثهم الحضاري وتقاليدهم وعاداتهم وقيمهم إلى أقصى الحدود، ومولعون بالثقافة والفنون، إذ تقام في القضاء مواسم وأنشطة ومؤتمرات ثقافية تعكس أصالة الواقع الثقافي والتراثي الغني لكويه، وترى أبناء المدينة متمسكون بقوميتهم وتراثهم إلى أبعد حد ٠
وكان يسكن في القضاء وبجوار دارنا في منتصف ستينيات القرن الماضي والد المرحوم رئيس الجمهورية الأسبق جلال الطالباني، وكان والده المرحوم الشيخ حسام الدين في غاية الأناقة والكياسة، يلبس الملابس الكوردية ومعها قميص ورباط لحد الآن أتذكره فيما كان إبنه مام جلال يتردد على دار والده خلسةٍ وفي أوقات متفاوته لكونه كان أحد قادة الحركة الكوردية، ومطارد من قبل السلطات الحكومية أنذاك ٠