في ظل ما أحدثته من دوي هائل في الأوساط الحقوقية، داخلياً ودولياً، واحتجاج العديد من الجهات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، ومن بينها المجلس الدولي لحقوق الإنسان، بارتكاب أفعالاً خطيرة تشكل جرائم دولية وجنائية عديدة ارتكبها الحكام العرب في دول الربيع العربي ضد شعوبهم العزل لعل أهم هذه الجرائم وأخطرها قتل المتظاهرين السلميين في المنطقة العربية ترقى لمرتبة الجرائم ضد الإنسانية 

إذ و أثارت الثورات الشعبية في العالم العربي و التي تطالب بالحرية أو احتجاجاً على سوء وتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية [1] من مسائل قانونية،

وما يميز الجرائم الإنسانية عن غيرها أنها تتبع سياسة دولة أو منظمة ضد السكان المدنيين مع العلم أن قتل شخص مدني واحد يمكن أن يشكل جريمة ضد الإنسانية إذا ارتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي بخلاف الأفعال الإجرامية المرتكبة من قبل شخص ما ضد ضحية واحدة وبناء عليه يمكن محاكمة العديد من الرؤساء العرب عن الجرائم التي ارتكبوها ضد الثوار في كل دولة وأيضا يمكن محاكمة القادة الأمريكان بها جراء ما ارتكبوه من جرائم في أفغانستان والعراق, ويمكن محاكمة القادة الإسرائيليين بها جراء ما ارتكبوه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني. إن الأساس القانوني للمسئولية الجنائية للقادة يتجلى في كونهم يرتكبون جرائم ضد الإنسانية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أي لا يرتكبونها بأنفسهم بل يأمرون أو يخططون أو يحرضون أو يسهمون بشكل أو بآخر في ارتكابها وتنطبق هذه الصورة على حالة الرئيس حسني مبارك والرئيس اليمني علي عبد الله صالح وآخرهم الرئيس السوري بشار الأسد

وهناك صورة أخرى للمسئولية الجنائية الدولية للقادة تتمثل في مسئوليتهم عن الجرائم الدولية المرتكبة من قبل مرءوسيهم والقائمة علي تقصير القادة في اتخاذ إجراء لمنع من يقوم بارتكاب الجريمة وهي قائمة علي الامتناع أو الإحجام الشخصي الإرادي عن إثبات فعل ايجابي ينتظره الشارع في ظل وجود واجب قانوني يلزمه بهذا الفعل ومن هناك فإن هذه المسئولية لا يمكن أن يفلت منها الرئيس بشار الأسد وأعوانه حيث تتوافر جميع شروطها في حقهم وبالتالي لابد بشدة محاكمة الرئيس الأسد أمام المحكمة الجنائية الدولية لان فرصة إفلاته من العقاب في ظل القانون الوطني واردة بعكس محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية حيث فرصة إدانته أمامها واردة وبقوة.

ولابد من توافر أركان أساسية للجرائم ضد الإنسانية وهي تحديداً أن يتم ارتكابها بطريقة منهجية أو في إطار هجوم واسع النطاق ضد مجموعة من السكان المدنيين، سواء تم ذلك الهجوم من قِبل رجال السلطة من جنود وضباط أم من غيرهم من الميليشيات والجماعات المسلحة، أو أن يتم تنظيمها من خلال سياسة عامة – حكومية أو غير حكومية – ويجب أن يكون الفاعل على علم بذلك الهجوم. وهناك أسباباً معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن الرئيس بشار الأسد يتحمل المسؤولية الجنائية المباشرة عن جرائم ضد الإنسانية (الاضطهاد، والقتل، والنقل القسري،، والأفعال اللاإنسانية، والسجن أو الحرمان الشديد من الحرية، والتعذيب) و جرائم حرب

(القتل، والهجوم على المدنيين، وإتلاف الممتلكات، والاغتصاب، والنهب، والاعتداء على كرامة الأشخاص). ويُدَّعى بأن الجيش النظامي السوري والأمن السوري وقوات الشبيحة ارتكبت هذه الجرائم بحق سكان مدن حمص وريف دمشق وبابا عمر وإدلب ودير الزور ومجزرة الحولة في إطار حملة لمكافحة التظاهر السلمي . و الأكيد بأن خطة حملة قمع التظاهر هذه وُضِعت على أعلى مستويات حكومة الجمهورية السورية وأن عنصراً أساسياً منها كان يتمثل في الهجوم غير المشروع على السكان المدنيين الذين تعتبرهم الحكومة جماعات ارهابية مناوئة للنظام. والأكيد أن الرئيس بشار الأسد بحكم منصبه كرئيس للدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة السورية

وبموجب الدستور السوري فإن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، في حين يعتبر وزير الدفاع نائبه ويعين من قبله رئيسًا للأركان، كما أنه هوالقائد لحزب البعث السوري أسهم إسهاماً جوهرياً في وضع الخطة المشتركة وتنفيذها من خلال أمور منها تنسيقه الشامل لأجهزة الأمن على الصعيد الوطني وصعيد المحافظات والصعيد المحلي وتجنيد قوات الشرطة الشبيحة والمخابرات وتسليحها وتمويلها. وترى الدائرة فضلاً عن ذلك أن إلقاء القبض عليه يبدو ضرورياً لضمان حضوره أمام المحكمة وضمان عدم قيامه بعرقلة التحقيقات أو تعريضها للخطر. و قدمت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان تقريرا عن سوريا بعنوان ” بشار الأسد: مجرم ضد الإنسانية”[5]عن التوجهات وراء الجرائم الكبرى وواسعة النطاق وانتهاكات حقوق الإنسان التي أعلن عنها في سوريا بين 15 مارس و 15 يوليو 2011 ،

بما في ذلك : القتل خارج نطاق القضاء والمنهجي على نحو متزايد من استخدام العنف من جانب القوات الحكومية والاعتقالات الجماعية والاختطاف والاختفاء القسري والاعتقال للمدنيين وأعمال التعذيب والممارسات اللاإنسانية أو المهينة وقمع حرية التجمع وانتهاكات لحرية المعلومات ووسائل الإعلام وخاصة التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والعمليات العسكرية. وعبّرت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان عن قلقها من حدة الجرائم ، و حذرت المجتمع الدولي من وقوع جرائم دولية وطالبت برد فعل حاسم للمساهمة في وضع حد لهذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. في ضوء إساءة استخدام القوة والقمع المكثف التي تقوم به السلطات السورية منذ 15 مارس 2011 ،

الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان و مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان اعتبرت أن هناك جرائم ضد الإنسانية ارتكبت من قبل السلطات السورية ، وأشارت إلى أن هذه الجرائم تندرج تحت الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية . الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان و مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان استنكرت مرة أخرى و أدانت بشدة القمع الجاري وتزايد مستوى العنف على النطاق الوطني وتدهور الأزمة الإنسانية في بعض المناطق المستهدفة والتعتيم على انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات السورية ، كما أن السلطات السورية لا تزال ترفض وصول المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان الإقليمية المستقلة والصحفيين الأجانب بل وجهدت في عرقلة عمل المراقبين الدوليين التابعين للأمم المتحدة للنظر في الوضع في سوريا بدعوى السيادة الوطنية. مبدأ السيادة الوطنية لا يزال له أهمية عظمى في القانون الدولي

ومع ذلك فيتضمن القانون الدولي عدة استثناءات لهذا المبدأ، لا سيما: عندما توافق دولة بنفسها على التنازل عن هذا المبدأ (من خلال المصادقة على اتفاقية كميثاق روما التأسيسي مثلا )، أو عندما يمثل وضع معين تهديدا للأمن والسلام الدوليين (وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة)، أو عندما لا تتحرّك دولة لحماية مواطنيها الذي يتعرّضون لجرائم دولية (وفقا لمبدأ مسؤولية الحماية الجديد). ومن ثم فقد صادقت السودان على الميثاق التأسيسي للاتحاد الأفريقي الذي ينص على “حق الاتحاد بالتدخل في دولة عضو ]… [ في بعض الظروف الخطرة، على غرار جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية”.

وطبقاً للمادة 25 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن الرئيس أو القائد الذي أصدر أمراً لارتكاب عمل غير قانوني مُجرم طبقاً لقانون المحكمة وتم تنفيذ هذا الأمر بواسطة تابعيه يكون مسئولاً عن تلك الأفعال كما لو كان قد ارتكبها هو بنفسه. كما أن الإغراء أو الحث على ارتكاب الجريمة أو تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل لغرض تيسير ارتكاب الجريمة أو غير ذلك من أشكال المساهمة الجنائية التي فصلتها المادة 25 من قانون المحكمة تجعل القائد أو الرئيس مسئولاً مسؤولية جنائية فردية (مباشرة) عن تلك الجريمة، وليس مجرد شريك على النحو المطبق بمعظم القوانين الوطنية في المنطقة العربية.

وفيما يخص المسؤولية المفترضة للقادة والرؤساء”.

فإذا ارتكب المرؤوس أو التابع وقائع فردية بدون علم القائد أو الرئيس، فإن الرئيس لا يكون مسئولاً إلا عن تقديم مرتكب الجريمة إلى السلطات المختصة للتحقيق معه ومحاكمته. أما إذا تم ارتكاب الأفعال الإجرامية من المرءوسين أو التابعين وفقاً لنمط سلوك يقوم على التعددية والتكرار وعلى نطاق واسع فيمكن أن تنعقد مسؤولية الرئيس عن تلك الجرائم. وقد استقرت قواعد القانون الدولي، في شأن الجرائم الجسيمة، على النحو الذي تأكد في العديد من الأحكام الصادرة عن المحاكم الوطنية والدولية، أن القائد العسكري أو الأمني يكون مسئولاً مسؤولية مفترضة عما يرتكبه الضباط أو العسكر الذين يعملون تحت إمرته حتى إذا لم يخطط أو يأمر هو شخصياً بارتكابها وذلك لامتناعه عن وقف ارتكابها أو إخفاقه في اتخاذ الإجراءات الضرورية والمعقولة لمنع ارتكابها. ومن الممكن أن يصبح رئيس الدولة مسئولاً بصفة شخصية عن الأفعال الخطيرة التي لا تشكل فقط خطأ دولي

بل أيضاً عن الجرائم التي تسئ للنظام العام للمجتمع الدولي، ومن بينها الجرائم ضد الإنسانية. ويكون رئيس الدولة مسئولاً عن الجرائم الجسيمة إذا ثبت أنه شارك في التخطيط لارتكابها أو أمر بها أو أصدر تعليماته بشأنها أو حرض عليها، أو علم بأنها سوف ترتكب ولم يحرك ساكناً ولهذا فقد نصت المادة السابعة من ميثاق نورمبرج على أن “الصفة الرسمية للمتهم كرئيس الدولة أو مسئول حكومي رسمي لن تعفيه من المسؤولية أو تخفف العقاب عنه”. كما أن الجرائم الواردة بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، على سبيل المثال، هي جرائم خطيرة وذات طبيعة خاصة تقتضي الإعداد والتنظيم الذي قد يتم غالباً من ذوي الحيثيات السياسية وقادة الدولة. عند محاكمة الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوڤتش، قضت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة بأنه يكفي لإثبات مسئوليته أن يتم إثبات أنه كانت له سيطرة فعلية على أجهزة الدولة وعلى المساهمين في المشروع الإجرامي المشترك الذي ارتكبت من خلاله الجرائم، فضلاً عن علمه بارتكابها

. هذا وقد ورد في قضاء المحاكم الجنائية الدولية، أنه ليس من اللازم أن يعلم رئيس الدولة بتفصيلات ما سوف يرتكب من جرائم، وإنما يكفي أن يتوافر لديه العلم بطبيعة تلك الجرائم، وبقبوله وقوعها

كما أنه لا بد من رفع حصانة قادة ورؤساء الدول التي تمكنهم من فعل تلك الجرائم والتي لا وجود مطلقا لها إذا ما ارتكبوا جرائم دولية [9] فعلى الرغم من الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها الرئيس (بموجب اتفاق فيينا الدولي)، والحصانة الجنائية العادية التي تؤكّد على حقه في الانتفاع منها القرارات المتخذة من قبل المعهد الدولي لحقوق الإنسان (التابع للأمم المتحدة) في مؤتمره المنعقد في همبورغ عام 1891، ومؤتمره المنعقد في إكس أون بروفانس لعام 1954، ومؤتمره المنعقد في بال عام 1991، لا يتمتع رئيس الدولة، وإن كان يمارس مهماته الرئاسية، وقت حصول المحاكمة أو عند صدور الحكم الجزائي بحقه، بأي حصانة جزائية في وجه المحاكم الجزائية الدولية . فهو، وفقا لقرار مؤتمر المعهد الدولي لحقوق الإنسان، المنعقد في العام 2001 في فانكوفير يتمتع بحصانة جزائية عادية فيما يخص الجرائم المنسوبة إليه أو المحكوم عليه بها والتي لا توصف بالجرائم الدولية. في هذه الحال، لا يمكن توقيفه أو إلقاء القبض عليه أو ملاحقته جزائيا أو تنفيذ حكم جزائي كان قد صدر بحقه من قبل، وعلى الدولة التي يتواجد على أراضيها (أي دولة) أن تؤّمن حمايته وأن تدعه يتمتع بحصانته الجزائية هذه. وهذا يعني أن حصانة الرئيس تقوم أمام قضاء دولة أخرى، وليس أمام المحاكم الجزائية الدولية. فالمادة 11 من القرار الصادر عن هذا المؤتمر الأخير تفيد بأن هذه الحصانة لا يصلح الدفع بها، ولا يمكن تطبيقها إزاء:

1- الموجبات المستقاة من ميثاق الأمم المتحدة.
2- الموجبات المنصوص عليها في المحاكم الجزائية الدولية الخاصة والمحكمة الجزائية الدولية الدائمة.
وتضيف المادة ذاتها بأن حصانة الرئيس الجزائية لا تحميه من المحاكمة أمام المحاكم الجزائية الدولية ولا يمكن الدفع بها في وجه اختصاص هذه المحاكم على أنواعها. كما لا يمكن الدفع بها لمنع تطبيق القواعد والأصول المتعلقة بمحاكمة الجرائم الدولية أي الجرائم التي تحمل اعتداء على الأمن والسلم الدوليين (الجرائم ضد الإنسانية، الإبادة الجماعية، جرائم الحرب والجرائم الإرهابية التي قرر مجلس الأمن أنها تحمل اعتداء على الأمن والسلم الدوليين كجريمة اغتيال الرئيس الحريري).

وفي السياق ذاته، نصت معاهدة فرساي الموقعة في العام 1919 على أن حصانة رؤساء الدول ليست حصانة مطلقة، وهي تسقط إذا ما وجّهت إلى الرئيس القائم بوظائفه تهما بارتكاب جرائم دولية. كذلك فإن أنظمة المحاكم الجزائية الدولية الخاصة، لاسيما المحكمة الجزائية الدولية الخاصة برواندا (م6 (4))، والمحكمة الجزائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة (م. 7 (4)) تنص على أن صفة رئيس الدولة لا تشكل أي عائق في وجه ملاحقة ومحاكمة الشخص، صاحب هذه الصفة وقت الملاحقة أو قبلها، بجرائم ضد الإنسانية أو بجرائم حرب وإبادة جماعية. وهذا ما نصت عليه أيضا المادة 27 من نظام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة المنشأة بموجب اتفاق روما الموقّع بتاريخ 17 تموز سنة 1998.
يشار أيضا إلى أن المشرع الفرنسي عدّل أحكام الدستور الفرنسي الذي يمنح الرئيس الفرنسي حصانة جزائية مطلقة أثناء قيامة بوظائفه، بشكل لا يمكن معه تطبيق هذه الحصانة في حال أسندت إلى الرئيس جرائم تدخل في حقل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة (م 53-2 من الدستور الفرنسي).

ولم تتمكّن الحكومة الفرنسية من المصادقة على اتفاقية روما إلا بعد أن تم وضع حد لحصانة الرئيس بموجب المادة 53-2 الجديدة من الدستور الفرنسي، وذلك على أثر قرار المجلس الدستوري الفرنسي الصادر بتاريخ 22 كانون الثاني سنة 1999 والذي قضى بضرورة تعديل الدستور لإمكان المصادقة على اتفاق روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية الدائمة. وتؤكّد المادة الثالثة ( الفقرة الثانية) من نظام المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان على عدم الأخذ بالحصانات الرئاسية أمامها بنصها أنه ” في ما يتعلق بعلاقة الرئيس بالمرؤوس، يتحمّل الرئيس المسؤولية الجنائية عن أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 2 من هذا النظام الأساسي والتي يرتكبها العاملون تحت سلطته وسيطرته الفعليتين، كنتيجة فشله في السيطرة على هؤلاء الأشخاص

حيث: إن الرئيس، إما عرف، أو تجاهل معرفة معلومات أشارت بوضوح إلى أن العاملين تحت سلطته كانوا يرتكبون أو كانوا على وشك ارتكاب مثل هذه الجرائم. ب- الجرائم متعلقة بنشاطات كانت تحت مسؤولية الرئيس الفعلية ورقابته ولم يتخذ (الرئيس) كل الإجراءات الضرورية والمعقولة التي تدخل ضمن إطار سلطته لمنع أو تفادي ارتكابهم الجريمة أو لرفع القضية للسلطات المعنية بهدف إجراء التحقيقات ومحاكمة المجرمين…”. وينتج من هذه الأحكام أن النظام الأساسي للمحكمة الجناية الدولية الخاصة بلبنان لا يقيم أي اعتبار لحصانة الرؤساء، ليس فقط في حال تبيّن ضلوعهم مباشرة بارتكاب الجريمة الداخلة في اختصاص هذه المحكمة “جريمة اغتيال الرئيس الحريري” أو الجرائم الأخرى المرتبطة بها عن طريق التخطيط لها أو إعطاء الأوامر بارتكابها، وإنما أيضا في حال تبيّن أنهم ارتكبوا عملا تقصيريا يكمن في عدم التدخل لمنع ارتكاب الجريمة أو الجرائم المذكورة إذا كانوا (أو كان) على علم بالتحضير لهذه الجرائم،

أو إذا كانت الجرائم المرتكبة تتعلق بنشاطات الرئيس الفعلية وتقع تحت رقابته الفعلية، أو أيضا إذا لم يتخذ الرئيس أو (الرؤساء) كل الإجراءات اللازمة أو الضرورية والمعقولة التي تدخل ضمن سلطاتهم لمنع أو تفادي ارتكاب الجريمة أو لرفع القضية لسلطات التحقيق المختصة. وللتأكيد على أن رؤساء الدول الذين توجّه إليهم تهم ارتكاب جرائم دولية لا يتمتعون ولا ينتفعون من أي حصانة قضائية جزائية أمام المحاكم الجزائية الدولية، يذكر أن كبير المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، كان قد طلب بتاريخ 14 يوليو/ تموز 2008 من غرفة ما قبل المحاكمة التابعة للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة التي تنظر في جرائم الحرب والجنايات ضد الإنسانية والإبادة الجماعية المرتكبة في دارفور أن تصدر مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير تتضمن عشر تهم تتعلق بالإبادة الجماعية وبجرائم ضد الإنسانية وبجرائم حرب. وقالت منظمة العفو الدولية إن الإعلان شكَّل “خطوة مهمة نحو ضمان المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان في السودان”. وسيقوم قضاة غرفة ما قبل المحاكمة بتفحص طلب المدعي العام للمحكمة. وسيقررون ما إذا كانت هناك “مسوغات معقولة للاعتقاد” بأن الرئيس السوداني يمكن أن يكون قد ارتكب جرائم تتصل بالإبادة الجماعية أو جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.

وإذا ما كان توقيفه ضرورياً لضمان ظهوره في المحاكمة، أو لوقفه عن تعريض التحقيقات للخطر، أو لمنعه من ارتكاب المزيد من الجرائم، فمن الجائز إذا أن تصدر المحكمة مذكرة توقيف بحقه. وبالتأسيس على كل ما ورد أعلاه تجوز الملاحقة الجنائية ضد رئيس أي دولة أمام قضاء جزائي دولي خاص أو أمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة (إذا ما توفّرت شروط الملاحقة القانونية)، بجرائم دولية، وحتى إصدار مذكرة توقيف بحقه من دون أن تشكّل حصانة رؤساء الدول التي يتمتّع بها وفقا للقانون الدولي العام أي عائق في وجه الملاحقة أو التوقيف.

ولهذا فإذا كان يجوز تنفيذ هذه الإجراءات الجزائية ضد رؤساء الدول أثناء قيامهم بوظائفهم الرئاسية، يكون من الممكن أيضا منطقيا وقانونيا “ووفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني” تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم حتى في الوقت الذي يقومون فيه بمهماتهم أو بوظائفهم الرئاسية.

هذا من الناحية القانونية البحتة. أما من الناحية العملية، وإذا لم تتمكن آليات المحكمة الجزائية الدولية (الأنتربول الدولي على سبيل المثال، أو التعاون الدولي الذي يقع على عاتق كل دولة عملا بالمادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة) من تنفيذ الأحكام الصادرة عنها بحق الرئيس أو الرؤساء المعنيين المحكوم عليهم، فتحال القضية إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة كون المحكمة الجزائية الدولية مؤسسة من مؤسسات الأمم المتحدة، منشأة بموجب الفصل السابع من ميثاق هذه المرجعية الدولية الأولى، ويقع تاليا على عاتق مجلس الأمن اتخاذ القرار المناسب في شأن تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الدولية المختصة . وتكون من صلاحيات مجلس الأمن تطبيق عقوبات اقتصادية ومالية وسياسية (قطع العلاقات الدبلوماسية، وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها…، (م41) بحق الدولة المتخلفة عن تنفيذ الحكم المذكور عملا بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

كما يجوز لمجلس الأمن اللجوء إلى استعمال القوة (م42) من أجل تنفيذ الحكم المشار إليه بحق الرئيس المتخلّف عن الامتثال لحيثياته الحكمية، إذا ما رأى أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة لا تفي بالغرض أو ثبت له أنها غير فعّالة أو كافية.
وفي هذه الحال بالذات يمكن أن تلعب السياسة دورا بارزا، ويخضع تاليا موضوع تنفيذ الحكم بحق الرئيس المحكوم عليه للتجاذبات والمساومات السياسية، وذلك بسبب الآلية المعتمدة لاتخاذ قرارات مجلس الأمن واستعمال حق النقض الفيتو، إذ أن اتخاذ القرار بتنفيذ الحكم يتطلب امتناع كل الدول الدائمي العضوية عن استعمال حق النقض الفيتو والحصول على غالبية تسعة أصوات من أعضائه.
ويمكن محاكمة الرئيس الأسد أمام المحاكم الدولية بأنواعها الثلاث، وهى إما المحكمة الجنائية الدولية بالتصديق على نظامها الأساسي، أو أمام محاكم جنائية دولية خاصة يشكلها مجلس الأمن كما في رواندا ويوغسلافيا، أو أمام محاكم جنائية ذات طابع دولي، تتكون من قضاة الدولة بالإضافة إلى قضاة دوليين، مثل محاكمة قتلة الحريري بلبنان.

وعلى ذلك يمكن محاكمة بشار الأسد وأركان نظامه على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب السوري “القتل والابادة…” طبقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة لعام 2000، أمام القضاء الوطني أو القضاء الدولي الجنائي. [11] لذلك فإن الاتفاقيات التي تنص على حصانة رئيس تعتبر باطلة بطلانا مطلقا ولا يجوز الأخذ بها لأنها تخالف قاعدة من قواعد القانون الدولي، ولذلك فهي في حكم القانون الدولي منعدمة أي لا يترتب عليها القانون الدولي أي آثار قانونية ولا حجة لها أمام القضاء الدولي والقضاء الوطني،
لذلك ما يشترطه الرئيس اليمنى باطل ومنعدم ولا حجة له، وكذلك ما تفعله الولايات المتحدة من عقد اتفاقيات تنص على حصانة جنودها تأخذ نفس حكم العدم والبطلان المطلق.

ولابد من تحديث التشريعات الوطنية بشأن سياسات التجريم والعقاب وإيجاد آليات قوية وفعالة لظاهرة الإفلات من العقوبة محليا ودوليا وتدريب القادة العسكريين في القوات المسلحة علي مبادئ القانون الجنائي الدولي والقانون الدولي الإنساني وضرورة إيجاد قوة تنفيذية متعددة الجنسيات لتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية ولتفعيل آلية المحاكمة المطلوب أولا

 

والآن هو قرار مجلس الأمن يعلن ثلاثة أمور هامة أولها أن النظام فقد الشرعية وان النظام ارتكب جرائم ضد الإنسانية وان النظام يجب أن يتنحى طوعا أو كرها. لتحقيق هذه الغاية على الولايات المتحدة أن تمارس ضغوط استثنائية على الصين وروسيا لإقناعهما بالتخلي عن دعم الحصان الخاسر في دمشق. ومن المعروف أن روسيا والصين هي من الدول التي لا تأبه للديمقراطية أو حقوق الإنسان ولكنهما ستخسران كثيرا إذا سقط النظام وحل محله نظام ديمقراطي جديد وسوف لا ينسى الشعب السوري من دعمه ومن دعم الجلاد. ومن الجدير بالذكر انه في يوليوز 2011 أثناء زيارته للعاصمة البريطانية قال السفير الأميركي المتجولStephen Rapp المسؤول عن ملفات جرائم الحرب أن ما يحدث في سوريا يشكل جرائم ضد الإنسانية وأضاف أن النظام السوري يقتل المطالبين بالديمقراطية وهذا يشكل جريمة حرب بكل المقاييس (صحيفة الغارديان البريطانية 22 يوليوز 2011). وقبل ذلك وحسب صحيفة الفانينشال تايمز قال وزير القوات المسلحة البريطاني نيكولاس هارفي (16 مايو 2011) أن هناك احتمالات كبيرة بأن تسعى محكمة الجرائم الدولية ICC International Criminal Court للقبض على بشار وزمرته لتقديمهم للمحاكمة. وتعتبر ممارسات عصابات النظام انتهاكا صارخا للمادة 7 والمادة 8 من نصوص معاهدة تشكيل محكمة الجرائم الدولية.
تلك المواد تغطي جرائم القتل المقصود والتعذيب والضرب المبرح والتجويع والاختطاف وأعمال الاضطهاد القمعي الجماعي التي يتم ارتكابها في إطار حملة هجوم منظمة وواسعة وممنهجة ضد المدنيين. –

القرار باستعمال قوارب بحرية عسكرية لقصف المدنيين في اللاذقية واستعمال الدبابات في الأحياء السكنية -اعترافات ضباط الجيش السوري الحر المنشقين عن الجيش النظامي بتلقيهم الأوامر بالقتل الجماعي – صور وأشرطة الفيديو التي توضح بشكل قاطع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بسوريا – تقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان – أقوال الشهود والضحايا هي أدلة كافية لإدانة النظام وإثباتات قوية موثقة بصور ولايمكن دحضها.مما لا شك فيه أن النظام ارتكب ويرتكب جرائم بشعة ضد الإنسانية.
كان أمام النظام خيارين الإصلاح أو القمع ولكن أغبياء دمشق اختاروا الحل القمعي و سيدفعوا ثمنا باهظا.

خاتمة: لقد كنا نعتقد أن مصادقة الدول العربية على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية هو نوع من الإهانة و الرضوخ،متعللين بكون الولايات المتحدة وحلفائها هم أول من يجب عليه المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة وآخر من يتحدث عن العدالة الدولية بسبب سياسة الكيل بمكيالين وتسييس العدالة الجنائية الدولية.لكن ما ارتكبه الحكام العرب من جرائم دولية وجنائية عديدة في دول الربيع العربي ضد شعوبهم العزل لعل أهم هذه الجرائم وأخطرها قتل المتظاهرين ، وقد حققت سوريا الرقم القياسي في هذا المجال جعلت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تطالب بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب الجرائم المرتكبة من طرف نظام الأسد التي وصفت بجرائم ضد الإنسانية

بعد الإطاحة ببشار الاسد … ماذا يوجد بـ”غرفة الكنز” ؟

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد