تتزايد ظاهرة تعاطي المخدرات والاتجار بها في العراق بشكل مقلق مما يهدد الأمن المجتمعي ويترك أثاراً سلبية على مستقبل الأجيال الشابة وأمام هذا التحدي المتنامي تسعى المؤسسات الحكومية والمدنية إلى تكثيف جهودها لمحاربة المخدرات، وسط دعوات لتوحيد التعاون الإقليمي والدولي للحد من إنتشار المخدرات وحماية المجتمع العراقي من تداعياتها الوخيمة.
إذ و كشف جهاز الأمن الوطني، اليوم السبت، عن طرق مبتكرة لتهريب المخدرات في العاصمة بغداد وذكر الجهاز في بيان ورد لصحيفة العراق ، أنه “في عملية نوعية تعكس يقظة واحترافية جهاز الأمن الوطني، نجحت مفارز الجهاز في كشف مخطط مبتكر لتهريب المخدرات في العاصمة بغداد”.
وأضاف البيان أن “المتهمين حاولوا استغلال رغيف الخبز (الصمون) لتمرير مادة الكريستال المخدرة، إلا أن الرصد الاستخباري الدقيق والمتابعة الميدانية المحكمة أدت إلى الإطاحة بهما متلبسين”.
وبرغم مما حققته الحكومات العراقية من نتائج في مكافحة آفة المخدرات لكن هذا الملف تجاوز أن يكون ظاهرة وتعدى إلى تجارة تدر أموالاً طائلة ومحمية سياسياً مادفع لتوسع تعاملاتها لاسيما أن المخدرات كفيلة بتفكيك الأسرة وبالتالي تدمّر أي مجتمع بالكامل.
تحذيرات تطلقها الباحثة الإجتماعية نرمين محمد عبر موقع الحرة من التراخي مع ملف المخدرات كونه أمسى الفاعل وراء الجرائم التي إنتشرت مؤخراً في المجتمع العراقي وباتت تهدده ومنها جرائم أرتكبها أشخاص تمثلت بقتل أطفالهم وزوجاتهم وأخرين إعتدوا جنسياً على الأطفال وعلى محارمهم، مشددة على ضرورة وضع سياسة وطنية لتطويق هذه الآفة ونجاحها يرتهن بحضور إرادة سياسية لان هناك شخصيات وجهات متنفذة لها اليد الطولى في تجارة المخدرات حسب قولها.
التحديات الإجتماعية والفجوات الاقتصادية
تفصّل الباحثة الإجتماعية، نرمين محمد، الأسباب الرئيسة لتفشي المخدرات وأهمها الضغوط النفسية إثر البطالة والفقر كذلك العوز المالي نتيجة قلة الفرص المتاحة التي تحفز البعض للهروب من الواقع، إذ تدفع تزايد المشاكل الإجتماعية والأسرية إلى جرّ الشباب لتعاطي المخدرات كما أن التأثر بالأصدقاء أو المحيط الإجتماعي يُعد سبباً مهماً وأيضاً قلة الوعي بأخطار هذه الآفة وماتخلفه مستقبلاً.
بالإضافة إلى أن ضعف القوانين وإنتشار المواد المخدرة في السوق السوداء تُسهل عملية الوصول إلى المخدرات، داعية الجهات المعنية إلى ضرورة زيادة الوعي والعمل على تثقيف المجتمع بمخاطر المخدرات وإعداد خطة اقتصادية لمكافحة البطالة وتوفير فرص عمل، وتهيئة مراكز مختصة لمعالجة مسببات المشاكل الأسرية لتتكامل الجهود في تطويق المخدرات.
أمن العراق
يقول الخبير الأمني صفاء الأعسم في تصريح خاص لصحيفة العراق ن خطر المواد المخدرة يفوق خطر الإرهاب بنحو 12 ضعفاً، موضحاً أن إنتشار المخدرات والاتجار فيها بدأ بعد عام 2006، فيما أكد الأعسم تمكن القوات الأمنية مؤخراً من ضبط أضخم أربعة معامل لإنتاج المخدرات في العراق أكبرهم بمحافظة السليمانية مع مزرعة متكاملة لزراعة المواد المخدرة وفي محافظات النجف والبصرة وواسط.
وبين أن إنتشار المخدرات وتعاطيها يتركز في محافظات العراق الجنوبية وأكثرها محافظة البصرة تليها محافظة بغداد، فيما تنتشر تجارتها في وسط وجنوب العراق وأيضاً بعض المحافظات الغربية،
ويؤشر الأعسم أن المصادر الرئيسة للمخدرات هي دول الجوار المتمثلة بإيران ولبنان وسوريا التي أصبحت مركزاً لتصدير عقار الكبتاغون، كما تصل المخدرات للعراق عبر المياه من بعض دول الخليج وأيضاً من باكستان وأفغانستان تدخل العراق عن طريق إيران، مشيراً الى أن نسب تعاطي المواد المخدرة من فئة الشباب ( ذكوراً وإناثاً ) نهاية عام 2023 تجاوزت 25 بالمئة.
ويرى الأعسم أن عمليات كبيرة تتم عبر الحدود العراقية لتهريب المخدرات حيث أحبطت الأجهزة الأمنية بداية عام 2024 عملية إدخال 4 ملايين و500 الف حبة مخدرة عبر النقاط الحدودية مع ايران، لافتاً إلى أن هذه العمليات بعيدة عن إمكانية تجار المخدرات بل تتعدى ذلك إلى متنفذين سياسيين.
وأشار إلى أن الحدود العراقية الإيرانية تزيد عن 1400 كيلومتر ويصعب السيطرة عليها لتحجم تجارة المخدرات سيما وأن مسافات كبيرة منها غير ممسوكة أمنياً، وأن الفساد بملف المخدرات فاعل وجرت عمليات تسهيل دخول المخدرات عبر النقاط الحدودية مع سوريا وإيران مقابل رشى مالية لبعض الضباط والمنتسبين الأمنيين حسب وصفه، وفي منتصف شهر أكتوبر المنصرم ضبطت القوات الأمنية 500 الف حبة كبتاغون في محافظة الأنبار المحاذية لسوريا.
يعتقد الخبير الأمني، صفاء الأعسم، أن تضييق الخناق على تجارة المخدرات يكمن بإعادة تفعيل غرف العمليات المشتركة مع دول الجوار وزيادة التعاون المعلوماتي بينها، وإستخدام التقنيات الحديثة في متابعة مسارات تجارة المواد المخدرة وتكثيف الجهود الإستخبارية فضلاً عن الذهاب إلى الإستراتيجية الوقائية قبل الجهد الأمني برفع مستوى الوعي لدى المجتمع وتكاتف الوزارات المعنية كافة لمعالجة هذه الظاهرة بفاعلية.
الكبتاغون.. تجارة إقليمية ودولية
تشير تقارير المركز الأوروبي لمراقبة المخدرات والإدمان إلى أن حكومة الأسد في سوريا وحزب الله يضطلعان بإنتاج وتصدير المواد المخدرة على رأسها عقار الكبتاغون التي باتت مصدر تمويل كبير للحكومة السورية واقتصادها الذي يعاني بسبب العقوبات.
وأكدت أن العائدات المالية من هذه التجارة تدعم النظام السوري والمليشيات المرتبطة به، وتؤشر تلك التقارير أن هذه التجارة تدر أموالاً طائلة تقدر بقرابة 5.7 مليار دولار سنوياً، حيث تصدر حبوب الكبتاغون الى دول عدة، منها السعودية والأردن وبعض دول الخليج وبلدان أخرى، ويُعتقد أن جماعة حزب الله لها دوراً مهماً يُسهل العمليات اللوجستية لتوزيع حبوب الكبتاغون عبر الحدود إلى دول المنطقة وأوربا،
كما تفيد التقارير تورط بعض الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق بعمليات تهريب المخدرات متخذة العراق ممراً لتجارتها سيما وأن نفوذها توسع في السنوات الأخيرة ليشمل جوانب اقتصادية منها السيطرة على بعض الطرق التجارية التي تمر عبر الحدود العراقية – الإيرانية والسورية، حيث أصبحت هذه التجارة مصدراً اقتصادياً لهذه الجماعات، مستغلة ضعف الرقابة الحدودية ونفوذها حيث تعد تلك الفصائل من أبرز القوى السياسية والعسكرية في العراق مما يزيد من تعقيد مواجهة ظاهرة المخدرات وفقاً لموقع المركز الأوروبي.
تأثيرات طبية ونفسية
تفصّل أخصائية الطب النفسي، زينب عبد الزراق، التأثيرات الطبية والنفسية بأن كل أجهزة الجسم تصاب بالأذى إثر تعاطي المخدرات وأهمها الجهاز العصبي ومنها مرض الصرع وإختلال الوعي أو فقدانه وأيضاً ضعف في الأعصاب.
كما يسبب إدمان المخدرات عدم إنتظام بضربات القلب وقد تخلف حالات صحية طارئة والوفاة أحياناً سيما المواد المخدرة المحفزة، فيما تؤثر على الرئتين خاصة تعاطي أنواع المخدرات عبر التدخين، وتسبب مشاكل خطيرة في وظائف في الكلى والكبد، بالإضافة الى الضعف الجنسي لما تسببه من تضيّق في الأوعية الدموية،
وتشير عبد الرزاق إلى أن المخدرات تسبب أمراض نفسية وبذات الوقت بعض الإضطرابات النفسية تدفع الأشخاص إلى تعاطي المخدرات، حيث يصل المتعاطي إلى حالات الإكتئاب المزمن والإنعزال الإجتماعي وإضطراب القلق وصولاً إلى حالة الإنفصام الشخصي.
فضلاً عن التعرض لأغلب الأمراض النفسية، وتدفع حالة إحتياج المدمن للمخدرات إلى التنازل عن أخلاقه ومبادئه أو ينجّر إلى أعمال عنفية وجرائم كونه سيعاني من أرباك في مدركاته. مبينة أن العملية العلاجية تحتاج تنقية الجسم من السموم يليها التأهيل النفسي الذي يتضمن تحديد مسببات التوجه للإدمان، وهذه العملية تحتاج قرابة ستة أشهر لإتمام التشافي الذي يرتهن بأن العلاج لايكون قسرياً.
مساعي مجتمعية للتصدي لآفة المخدرات
رئيسة منظمة نقاهة لمعالجة إدمان المخدرات، ايناس كريم، تقول لموقع الحرة إن نسبة تفشي المخدرات في المناطق الفقيرة بلغت قرابة 17 بالمئة، فيما تؤكد أن دور المنظمة يتمثل بعلاج مدمني المخدرات في المؤسسات العلاجية دون أن يقعون تحت طائلة العقوبات بالتنسيق مع وزارة الصحة والداخلية ومجلس القضاء الأعلى.
فيما تتابع المنظمة حالة المدمنين وصولاً لمرحلة التشافي تليها عملية التأهيل النفسي التي تتبناها المنظمة أيضاً، كما تنفذ حملات توعية مستمرة في المدراس والجامعات والمهرجانات وغيرها في أغلب محافظات العراق،
وتبيّن كريم أن برغم جهود المنظمات الكبيرة في مكافحة المخدرات والتوعية بمخاطرها لكن الحاجة ملحة لجهود أكبر سيما وأن عدد المنظمات التي تعمل في هذا المجال محدود، خاصة وأن العراق ماتزال خطاه التوعوية ضعيفة لاتتجاوز 35 بالمئة، وتضيف بأن منظمة نقاهة تمكنت خلال عدة سنوات من تقديم علاج طبي وتأهيل نفسي لنحو 5 الآف شخص بينهم 135 فتاة وإمراة تتراوح أعمارهم بين 17 سنة و45 سنة، وإعمار الذكور تتروح بين 15 سنة و35 سنة واكتسبوا الشفاء التام.
وتعتقد كريم أن من أهم طرق تطويق آفة المخدرات ضبط الحدود وتفعيل وتنفيذ أحكام الإعدام لتكون العقوبات رادعة، فيما تؤكد أن العراق يفتقر لمستشفيات متخصصة ويمتلك حالياً مستشفى واحدة مختصة والعمل جارٍ لإفتتاح مستشفى ثانية وهناك ردهات معنية بعلاج المدمنين ضمن المستشفيات العامة بينما الحاجة تتطلب إفتتاح أكثر من 20 مستشفى تخصصي تقدم خدمات علاجية ونفسية لمدمني المخدرات في العراق.
فتح ملف المخدرات في العراق : من هي المواد الأكثر انتشارا