لا ينسى المواطن فهد عبد الله البالغ من العمر (57 عاما)، وهو أحد العائدين من مخيم الهول إلى مدينة البعاج بمحافظة نينوى بعد نزوح استمر ستة أعوام، الحياة التي عاشها في هذا المخيم الذي يمثل بحسب وصفه سجن كبير يفتقر لابسط مقومات الحياة.
ونقلت صحيفة العربي الجديد عن عبد الله قوله ان “المخيم كان يفتقد لأبسط مقومات الحياة ويخلو من الخدمات الرئيسية كالكهرباء والماء والوقود خلال الشتاء”، مشيرا إلى أن “المشكلة الأكبر في المخيم تتمثل في كونه معتقلا كبيرا يمنع الدخول والخروج منه مهما كانت الظروف”.
وتابع أن “المخيم من الداخل يضم ثمانية أقسام كبيرة، الأول والثاني والثالث والخامس والسادس والسابع خاص باللاجئين العراقيين، بينما خصص القسم الرابع للنازحين السوريين، أما القسم الثامن والأخير فخصص لعائلات تنظيم داعش”.
وأوضح عبد الله الذي نزح إلى المخيم برفقة تسعة أشخاص من أفراد عائلته أن “النازحين في المخيم يعيشون على ما يصلهم من مبالغ مالية تحول لهم من ذويهم وأقاربهم داخل العراق لأن المساعدات الغذائية التي تقدمها المنظمات الدولية وفي مقدمتها منظمة الهجرة والأمم المتحدة لا تسد إلا الجزء اليسير من احتياجات العائلات”، مؤكدا أن “قوات سوريا الديمقراطية تدخل بشكل مستمر إلى المخيم وتسير دوريات عسكرية فيه، وتنفذ بين الحين والآخر حملات دهم واعتقالات تتخللها حالات ضرب وتوجيه شتائم لنازحين عراقيين بتهم الإرهاب، وأفرج عن بعضهم فيما لا يزال مصير الكثيرين منهم مجهولا”، بحسب تعبيره.
كما يروي يوسف علي (48 عاما)، من بلدة بيجي في محافظة صلاح الدين، كيف اضطر إلى دخول مخيم الهول عام 2015 بعد فراره من مناطق سيطرة “داعش” في العراق إلى داخل سورية عبر عدة مراحل ليجد نفسه مرغما على المكوث بمخيم الهول حتى نهاية العام الماضي”.
واكد إنه “اضطر للنزوح إلى الموصل منذ العام 2014 “وبعدها بعام حاولت الهروب إلى سورية ثم إلى تركيا، لكن ألقي القبض علي بعد توغلي بطريقة خاطئة إلى الأراضي السورية من قوات (قسد)، وأودعت مخيم الهول في صيف 2015”.
وأضاف أنه مع عائلته “لم تكن تصلهم مبالغ ولا حوالات مالية في الهول بسبب انقطاع الاتصالات بجميع أقاربه الذي كانوا نازحين أيضا، فكان يضطر للعمل داخل المخيم بأعمال مثل نصب خزانات المياه أو الحفر والبناء، مقابل أجور زهيدة تقدمها إدارة المخيم”، مشيرا إلى أنه “حاول الهرب أكثر من مرة من المخيم لكنه لم يفلح بسبب الحراسة ووعورة المنطقة”.
وبين أن “قوات قسد كانت تهرب بعض النازحين مقابل مبالغ مالية تصل لـ3 آلاف دولار للشخص الواحد، حيث تسهل هروبهم إلى خارج المخيم ومن ثم تقوم سيارات تابعة لها بنقلهم إلى مقربة من الحدود العراقية – السورية”.
أما غانم سعيد (43 عاما)، النازح العراقي من مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار، الذي دخل مخيم الهول عام 2016 وغادره بنهاية العام 2022، فأشار إلى أن عودته للعراق وتحديدا إلى مخيم الجدعة كانت بداية حياة له ولعائلته، قائلا إنه “رغم أجواء النزوح في مخيم الجدعة الواقع جنوب الموصل، الذي يعاد إليه جميع نازحي الهول من أجل تدقيقهم والتأكد من سلامة موقفهم الأمني، يشعر بالفرق الكبير من ناحية المساعدات والمواد الغذائية والخدمات وغيرها”، مبينا أن “مخيم الجدعة فيه كهرباء وأجهزة تبريد داخل كل مسكن، كما أن الجهة المشرفة عليه تقدم الوقود خلال الشتاء لأغراض التدفئة وذلك لم يكن موجودا في مخيم الهول”.
ولفت إلى أن “العائدين من مخيم الهول إلى الجدعة تقدم لهم وزارة الهجرة 100 دولار لكل عائلة من أجل شراء ملابس من داخل المخيم، كما أن المنظمات الدولية تقدم لهم بطاقة لكل شخص تمكنه من التسوق فيها بمبلغ 24 ألف دينار لكل شخص شهريا”، مشيرا إلى أن “المشكلة التي تواجه الكثيرين هي أن العودة قد لا تشمل جميع أفراد عائلات من عادوا الى مخيم الجدعة، فتظهر أسماء بعض أفراد العائلة في دفعة العائدين، بينما يبقى أفراد من العائلة في دفعات أخرى ومن الممكن ألا تنقل إلا بعد مرور فترة تزيد عن العام أو العامين”.
العراق يعلن عدد مواطنيه العائدين من “الهول”
أعلن جهاز الأمن الوطني العراقي، عودة 4390 مواطنا، من مخيم “” في سوريا إلى العراق، لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.
وفي مؤتمر صحافي، أكد مستشار الشؤون الاستراتيجية في الجهاز، سعيد الجياشي، أن العائدين من المخيم سيتم وضعهم في وحدات إدارية لإعادة دمجهم مع المجتمعات، بسبب اختلاطهم بعوائل مقاتلين في تنظيم ، خاصة الأطفال.
ولفت الجياشي إلى أن “قرار الحكومة كان شجاعا، على الرغم من التحديات والمخاطر، لكنه حظي بدعم مطلق من منظمة تابعة للأمم المتحدة”.
وأكد المستشار في الأمن الوطني، أن “الحكومة العراقية لديها رؤية مختلفة عن الآخرين، حيث ما يهمها هو العودة إلى التماسك المجتمعي والدفع باتجاه حياة طبيعية لتلك العوائل”.
ولفت التقرير الذي حصلت عليه صحيفة العراق إلى أن “العوائل النازحة في مخيم الهول ربما لم ترتكب أي جريمة وهم ضحايا، ولكن المجتمع المتلقي، الذي تحمل آلاماً كبيرة من الإرهاب، سيشعر أن هؤلاء هم سبب المشكلة، ومن هنا أتت هذه المعادلة المنصفة، وهي بداية ناجحة لمعالجة مشاكل ظهرت بحالات إدماج للفترة السابقة”.
ويؤوي مخيم الهول، وفق الأمم المتحدة، 56 ألف شخص، غالبيتهم نساء وأطفال، بينهم أكثر من عشرة آلاف من عائلات مقاتلي تنظيم داعش الأجانب.
للمزيد | اعتقال “القاضي الشرعي” لداعش في مخيم الهول بسوريا