وسط احتدام الحرب في قطاع غزة، إذ ولد الرضيع الفلسطيني يحيي حمودة قبل موعد ولادته بشهرين وجرى إجلاؤه إلى الجنوب بعد أن داهمت القوات الإسرائيلية المستشفى الذي كان يتلقى فيه الرعاية شمالي القطاع.
ومنذ ذلك الحين، لم يره والداه العالقان شمالي غزة.
وتقلب والدته سندس ووالده زكريا صور الرضيع، الذي يبلغ عمره الآن 5 أشهر، على هاتف محمول في منزلهما بجباليا في الشمال، الذي تفصله نقاط تفتيش الجيش الإسرائيلي عن الجنوب.
وقالت سندس إن اجتياز 30 كيلومترا من جباليا إلى رفح يعد أمرا في غاية الخطورة.
وقال والد الطفل: “لا أستطيع تحمل بعده عني، وأمنيتي أن أحضن ابني ويجمعني الله به قريبا”.
ولد يحيى في 27 نوفمبر، أي بعد 7 أسابيع من اندلاع الحرب في قطاع غزة.
وبحسب السلطات الصحية في غزة، قتل أكثر من 34 ألف شخص في القطاع خلال العملية العسكرية الإسرائيلية التي أدت إلى تدمير جزء كبير من القطاع.
ومع انقطاع الاتصالات، مرت 3 أشهر قبل أن يتمكن والدا يحيى من الاتصال بالمستشفى الذي يعالجه في رفح والتأكد من أنه بخير.
ويتلقى يحيى الرعاية من قبل الممرضين والطاقم الطبي في المستشفى الإماراتي في رفح.
وقالت أمل أبو ختلة الممرضة في المستشفى: “نقل الطفل إلى مستشفى الهلال الإماراتي بعد الأوضاع السيئة التي شهدها مستشفى كمال عدوان. وضعه كان صعبا جدا واحتاج لتنفس صناعي لفترة أسبوع تقريبا”.
وأضافت: “جميع العاملين في المستشفى يتعاطفون مع الطفل ويقدمون له الرعاية”.
ولادة إطفال غزة تحت النيران
لا تهدأ آلة القتل الإسرائيلية في قطاع غزة، ولا تستكين. ومنذ الهجوم الدامي الذي شنّته الدولة العبرية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على القطاع الصغير المحاصر، سقط آلاف الضحايا، أغلبهم من النساء والأطفال، إضافة إلى والدمار الهائل الذي غير معالمها بالكامل.
لم تخفِ إسرائيل هدفها: التهجير أو الإبادة، فتوعدت منذ اليوم الأول بالقضاء على «حماس» مهما كلف الأمر، ومذاك الحين تدك كل زاوية في قطاع غزة، حتى المستشفيات والملاجئ في مخطط لقتل الفلسطينيين جميعاً، ودفعت بالتوازي السكان من جنوب القطاع إلى الشمال باتجاه رفح مطالبتها مصر باستقبالهم في خطة لتهجيرهم. إضافة إلى منعها دخول المساعدات حتى بات القطاع على شفا المجاعة.
لكن رغم حرب الإبادة ومحاولات التهجير، فإن غزة أظهرت، وبالأرقام، أنها ولّادة. وليس خفياً هوس الإسرائيليين القديم بما يسمونه «القنبلة الديموغرافية»، وتخوفهم من ارتفاع نسبة الولادات لدى الفلسطينيين. ذلك أن عدداً منهم يتنبّأون بنهاية الدولة اليهودية؛ بسبب التكاثر الديموغرافي الفلسطيني، وكان في مقدمة هؤلاء وأولهم البروفسور المعروف إلياهو رابينوفتش.
أكثر من 30 ألف قتيل مقابل نحو 20 ألف ولادة
ففي القطاع الذي وصل عدد سكانه مع نهاية عام 2023 إلى 2.3 مليون فلسطيني منهم 1.06 مليون طفل دون سن الثامنة عشرة، بحسب «الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني»، ارتفعت حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 30 ألفاً و717 قتيلاً و72 ألفاً و156 إصابة منذ أكتوبر 2023، وفق ما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة في تقريرها الإحصائي لليوم الـ152 من حرب غزة الشهر الماضي.
بالمقابل، رصدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في يناير (كانون الثاني) الماضي، ولادة نحو 20 ألف طفل في ما وصفته بأنه «جحيم حرب غزة» منذ اندلاعها في السابع من أكتوبر الماضي. كما صرّحت المتحدثة باسم «اليونيسيف» تيس إنغرام، بأن «طفلاً يولد كل 10 دقائق وسط هذه الحرب المروعة».
وبالتالي، فإن الغزاويات يلدن طفلاً مقابل كل واحد ونصف ضحية.
حمل وولادات في ظروف «أسوأ من جهنم»
وتصف أمهات في غزة تجربتهن مع الحمل والولادة تحت وطأة القصف الإسرائيلي المكثف وما لحقه من دمار بأنه «فيلم رعب» و«سوّأ من كوابيسنا»، بحسب تقارير عدة أوردتها الصحف المحلية والأجنبية والوكالات.
وقبل «اليوم العالمي للمرأة» الذي صادف (الجمعة)، تقدّر منظمة الصحة العالمية عدد الحوامل في قطاع غزة بنحو 52 ألف امرأة، قالت إنهن معرّضات للخطر بسبب انهيار النظام الصحي وسط الحرب المستعرة.
وأشارت الأمم المتحدة الشهر الماضي إلى أن 12 مستشفى فقط ما زالت في الخدمة من أصل 36. وفي مستشفى الولادة الإماراتي في رفح التي لجأ إليها نحو 1.5 مليون شخص، لم يتبق سوى 5 غرف للولادة.
وتسببت القيود التي تحمّل الأمم المتحدة السبب لإسرائيل فيها، بتوقف معظم قوافل المساعدات. ووفق صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن 62 حزمة مساعدات من المواد الخاصة بحالات الولادة تنتظر السماح لها بالدخول عبر معبر رفح.
في السيارات والحمامات أو على الطريق
وبعد مرور أكثر من 150 يوماً على العدوان الإسرائيلي، ازدادت الظروف سوءاً، وأصبحت الحوامل معرّضات لخطر مركّب ويُجبرن أحياناً على الولادة في مخيمات أو على الطريق، بحسب «الصحة العالمية».
من جهتها، قالت أمل عوض الله، المديرة التنفيذية لجمعية تنظيم وحماية الأسرة الفلسطينية إن «جميع النساء الحوامل معرّضات الآن لخطر الولادة في ظروف غير آمنة، حيث يلدن في السيارات والخيام والملاجئ». وأشارت إلى أنه في المراكز الصحية لا تُقبل أحياناً النساء الحوامل بسبب المرافق المكتظة والموارد المحدودة للغاية.
و حذّرت منظمات أممية، بينها منظمة الصحة العالمية، من أنه «لم يعد هناك مكان آمن للنساء الحوامل للولادة».
إجهاضات وولادات قبل أوانها
وسجّلت وزارة الصحة في غزة، مئات حالات الإجهاض والولادة المبكرة نتيجة الذعر والهروب القسري تحت القصف الإسرائيلي المتواصل، محذرة من أن حيوات نحو 60 ألف حامل معرّضة للخطر بسبب غياب الرعاية الصحية وصعوبة الوصول إلى المستشفيات.
وحذّر المتحدث باسم وزارة الصحة، أشرف القدرة، من تعرُّض حياة مئات الحوامل والأمهات المرضى والجرحى والأطفال الخدج والنازحين لخطر فقدان الحياة نتيجة الهروب من نيران القصف، والاستهداف المباشر للمستشفيات.
من جهتها، قالت نور بيضون، المستشارة الإقليمية لمنظمة «كير» للحماية والنوع الاجتماعي في حالات الطوارئ إن نسبة زيادة معدل الإجهاض 300 في المائة بين الحوامل في غزة منذ بدء الحرب.
خريطة مظاهرات دعم غزة في جامعات أميركا