بين العيش في الأراضي المحتلة، والعمل متطوعة في مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني الفليلم الذي اثار جدلا واسعا خلال اليومين الماضيين .
لمساعدة اللاجئين الذين يفتقرون إلى الرعاية الصحية، بسبب الأوضاع الصعبة التي يعيشونها بعد التهجير، هكذا اختارت المخرجة الكندية أناييس باردو لافاليت لفت الأنظار إلى القضية الفلسطينية، وكشف حقائق لا يعرفها العالم عن الوضع الداخلي.
“إن شاء الله”.. الوجه الحقيقي للاحتلال
يحكي فيلم “إن شاء الله” قصة طبيبة كندية تدعى كلوي جاءت من مدينة كيبيك، من أجل العمل بمستشفى للهلال الأحمر في مدينة رام الله الفلسطينية بالضفة الغربية.
إلا أن هذه الطبيبة الشابة ستكون مضطرة إلى العيش في مدينة القدس المحتلة، والتنقل يومياً عبر نقاط التفتيش التي تفرضها سلطات الاحتلال، من أجل العبور والوصول إلى مخيمات اللجوء والمستشفى الذي تعمل به.
ويتمحور عمل الطبيبة كلوي في العناية بالنساء الحوامل بالضفة الغربية، والإشراف على وضعهن إلى أن يحين موعد الولادة.
وخلال فترة عملها ستتعرف على إحدى النساء الحوامل، وهي راندة التي تم اعتقال زوجها، وحبسه في سجون الاحتلال، وتكوّن معها علاقة صداقة قوية، الشيء الذي يجعلها تعرف أكثر عن الأراضي المحتلة، والقصة وراء استيطان اليهود بمناطق الخط الأخضر، في الوقت الذي يعيش فيه الفلسطينيون في مخيمات اللجوء.
وبحكم عيشها في القدس المحتلة، تتعرف كلوي كذلك على فتاة يهودية منخرطة في سلك الدفاع بالجيش الإسرائيلي، وتصبح بدورها صديقة لها.
وبين معرفتها تفاصيل كثيرة عن حياة الفلسطينيين والظلم الذي يعيشونه، بفضل صديقتها راندة وعائلتها التي كانت تستضيفها بشكل مستمر، وتقربها من اليهودية التي تخدم في الجيش الإسرائيلي، تجد كلوي نفسها في حالة تمزق بين الجانبين، وغير قادرة على تحديد موقفها من الوضع الداخلي.
ومن أجل الوصول إلى طريق مشترك، تحاول الطبيبة الكندية خلق جسر رابط بين صديقتيها، الفلسطينية والإسرائيلية، إلا أن الأوضاع التي يغلب عليها الصراع الدائم، جعلتها تعرف أن طريقتها بإيجاد حل بشكل فردي لن يكون مجدية.
كواليس فيلم “إن شاء الله”
وقد اختارت المخرجة والكاتبة الكندية أناييس باردو لافاليت أن يكون الفيلم ناطقاً بكل من اللغة العربية، والفرنسية، والإنجليزية، والعبرية، وهي اللغات التي تتحدث بها شخصيات الفيلم؛ من أجل خلق واقعية أكبر للأحداث.
إذ إن اللغة الفرنسية تعتبر لغة التواصل الرسمية في مدينة كيبيك التي جاءت منها الطبيبة كلوي، أما العربية فهي لغة سكان فلسطين، والعبرية لغة اليهود في الأراضي الفلسطينية، وتبقى الإنجليزية هي اللغة التي تساعد على التواصل المشترك.
أما بالنسبة لأبطال الفيلم الروائي الطويل، فيشارك فيه كل من إيفلين بروشو، وصابرينا وزاني، وشارلو براندت، وسيفان ليفي، وماري تيريز فورتين، وجيل ديسيانو، ويوسف سويد، وأحمد الزين، وصالح الزين، وفادي باسل كريم، ومحمد وضاح، ثم ريم أيوب.
وقد حاولت المخرجة من خلال هذا الفيلم الابتعاد عن الجوانب السياسية للقضية الفلسطينية، والتركيز على الجانب الإنساني، والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في مخيمات اللجوء، والفرق الشاسع بين الحياة في الضفة الغربية والأراضي المحتلة.
إذ قالت في تصريح لها، حسب ما نشرته “الجزيرة”، إنها لا تستهدف طرفاً واحداً فقط في القصة، وإنما تحاول إبراز نقل الصورة الحقيقية لما يحدث في الأراضي الفلسطينية، خصوصاً أن هناك عدداً كبيراً من دول العالم غير المدركة بشكل كامل لما يحدث بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وعن سبب اختيار “إن شاء الله” ليكون عنواناً لفيلمها، قالت المخرجة الكندية إن السبب هو أن هذه الكلمة تبعث في نفوس كثيرين شعوراً بالأمل والثقة، ومبعث لشد الهمم.
لطالما قدمت لنا وكالات الأنباء العالمية صورة مروعة للمواطنين الفلسطنيين الذين يقومون بعمليات إستشهادية في مناطق حيوية من دولتهم التي اغتصبها كيان الإحتلال الإسرائيلي ووصفتها بأنها عمليات إنتحارية وأنهم إرهابيون وقتلة.. دون التطرق للدافع الذي تتم من اجله هذه العمليات علما بان من يقوم بها يعلم جيدا انه سيلاقي حتفه مع تفجير الحزام الناسف الذي يرتديه …
على خلفية هذا المشهد الصادم للوهلة الأولى تقدم لنا المخرجة الكندية (أناييس باربو لافاليت) فيلمها (إن شاء الله) لتقدم رؤيتها الإنسانية والمهنية للصراع الدائر على أرض فلسطين التي قسمتها قوات الإحتلال الإسرائيلي إلى قسمين بجدارالفصل العنصري الرهيب معتبرة أن دخول المواطنين الفلسطنيين إلى أراضيهم التي سلبت منهم عام 1948 هوأمر يكاد يكون مستحيلا إلا بشروط عسيرة وفي أوقات محددة وأنهم رهن الإعتقال الجماعي في محيط أراضيهم التي تعاني من شتى أنواع الظلم والفقر والإذلال ..
المخرجة الكندية (أناييس باربولافاليت)
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها المخرجة الشابة لافاليت (34 عاما) رؤيتها للحياة اليومية والمعاناة الدائمة للفلسطينيين على معابر الجدار العازل بين الآراضي المحتلة عام 1948, ومناطق السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع , فقد قدمت قبل ذلك فيلما تسجيليا بعنوان (ليتني أملك قبعة) وقد تم تصويره في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين
تتحدث عن سر عشقها لتلك البقعة المحتلة المأزومة من العالم قائلة :” عندما بدأت تصويرفيلمي التسجيلي الأول وقعت في غرام أطفال فلسطين , فهم سحروني وأثاروا فضولي وفتحوا شهيتي للعودة مجددا إلى أراضيهم بهدف التعرف أكثر إليهم وإلى أهلهم وإلى الظروف التي يعيشون فيها , فعدت للمخيمات من دون أن أصور مشهدا واحدا فقط لمجرد الإحتكاك بهم , ورحت أتعلم اللغة العربية حتى أقترب منهم وأتبادل الحديث معهم بلغتهم ولهجتهم , وكونت لنفسي صداقات واسعة مع عائلات فلسطينية خصوصا النساء “.
بالإضافة لكونها مخرجة متميزة فهي كاتبة روائية أيضا , وأحدث كتاب صدر لها يحمل عنوان (تقبيل ياسر عرفات) الصادرعام 2011, ويروي صفات الشجاعة والحس العائلي التي يتميز بها الفلسطينيون طبقا لما عاشته معهم خلال زياراتها المتعددة للمنطقة.
فيلم (إن شاء الله) رؤية كندية لدولة الإحتلال العنصرية
إنفجار شديد في إحد المقاهي المقد سية وحالة شديدة من الإستنفار والتمشيط وحظر التجوال في مدينة القدس بحثا عن الفاعلين..
كان هذا هو المشهد الإفتتاحي لفيلم (إن شاء الله) وتستمر الأحداث بعد ذلك لمدة 100 دقيقة لنعرف من الذي قام بهذه العملية ولماذا ؟؟
يقدم لنا الفيلم الدكتورة الكندية الوافدة الشابة (كلوي) والتي تعمل في مخيم بمدينة رام الله الفلسطينية وهو تابع للأمم المتحدة ويقع في النطاق الخاص بالسلطة الوطنية الفلسطينية , ولكنها تعيش في شقة بالقدس المحتلة حيث تقع المدينة تحت الإحتلال .. إن حياتها مقسمة بين عالمين متناقضين جملة وتفصيلا ,فهي ترى كم الإهمال والفقر والمرض الذي يعاني منه المواطنون الفلسطينيون في منطقتهم , ومدى الرفاهية والرغد الذي يعيش فيه المحتلون في منطقتهم وكيف ينظر إليهم المستعمر كأوغاد ويقابل حجارتهم التي يصوبها الصبية نحو المدرعات برصاص حي يخترق صدورهم ويولد شرارة جديدة لإنتفاضة صغيرة سرعان ما تكبر وتخلف وراءها مزيدا من الشهداء…
تم تصوير الفيلم بين مدينة رام الله والأردن والآراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 , أما الجدار فقد تم بناؤه خصيصا من أجل الفيلم ,أما بطلة الفيلم ( إيفيلين بروشو) والتي تؤدي دور الطبيبية الوافدة فتتحدث المخرجة باربو عن اختيارها لها قائلة :” سافرت مع إيفيلين إلى المخيمات لتعايش بنفسها الحياة اليومية والظروف التي يعيش فيها الناس هناك, لأنها لم يكن لديها معرفة كافية بالمنطقة العربية, كما أنني رويت لها تفاصيل رحلاتي السابقة إلى فلسطين مسلطة الضوء على أنني لم أزر أبدا هذه المنطقة كسائحة بل كإمرأة ترغب في مشاركة الناس حياتهم .. كما أنني طلبت منها أن تتعلم اللغة العربية لأنها تتكلم بها في مواقف عديدة من الفيلم .
هذه هي الحرب : تستطيع اختراقنا وتدميرنا
في القدس المحتلة حيث تعيش (كلوي) الطبيبة تشعر بالغربة والوحشة على الرغم من الحفلات الصاخبة والأصدقاء الكثر وحديثها المتصل مع والدتها عبر سكايبي , ترغمها ظروف الحصار وحظر التجوال التي يفرضها المحتل الإسرائيلي على الإحتماء في منزل عائلة الشابة الفلسطينية (رند) والتي تقوم بدورها الممثلة الفرنسية من أصل جزائري (صابرينا وزاني) , رند حامل في أسابيع الجمل الأخيرة , كما أنه من المنتظر إطلاق سراح زوجها من معتقلات الإحتلال قريبا , أما شقيقها (فيصل) والذي يقوم بدوره الممثل الحيفاوي ( يوسف سويد) فهو يعمل مديرا لمطبعة تقوم بطباعة ملصقات الشهداء … تقع الطبيبة أسيرة لهذا الحنان الأسري الذي تفتقده بشدة.
تتحدث باربو لافاليت عن اختيارها للممثلة الفرنسية (صابرينا وزاني) قائلة:” كنت قد رأيتها في فيلم (منبع النساء) للسينمائي (رادو ميخايلانو) ووجدتها تتمتع بشخصية قوية على الشاشة ومقدرة على التعبير ,لقد عرضت عليها دور رند ولكنها لأنها جزائرية فإنها ليست متمكنة من اللهجة الفلسطينية وبالتالي دبرنا لها الحصص الخصوصية , وهي من جانبها أبدت استعدادا كبيرا ورغبة حقيقية من أجل اتقان اللهجة الفلسطينية وأنا فخورة بها حقا”.
عندما تنهار جدراننا الواقية لا يمكننا الإكتفاء بالصمت
تنقلب حياة الطبيبة الكندية الوافدة(كلوي) عندما تفشل في اقناع الجندي المحتل على جدار الفصل العنصري بالسماح لرند بالعبور وهي في مخاضها الأخير .. هنا تكتشف (كلوي) عنصرية وكراهية المحتل الإسرائيلي للمواطن الفلسطيني بلا رحمة … فيموت الوليد مجهضا وتصاب بصدمة شديدة عندما تصل إلى نقطة حاسمة في صراعها النفسي بين الجبهتين وتنحاز للجانب الفلسطيني وتقبل أن تهرب عبوة ناسفة عبر الجدار العنصري الفاصل .
لاحقا نتابع شابة معها حقيبة تجلس على مقهى مقدسي قبيل أن تفجر نفسها, إنه مشهد البداية …. إنها رند تنتقم لوليدها من عدو قاس رفض أن يمنحها فرصة لتضعه وقتل بداخلها الأمل فكان سبيل الوحيد هو الإنتقام.
تبرر (لافاليت) ماقامت به الطبيبة من تهريب للعبوة الناسفة لتنفيذ التفجير قائلة :” إن شخصية كلوي مع مرور الوقت أصبحت ساحة معركة ..إبتلعتها الحرب , لم يعد بإمكانها أن تكون مشاهدة فقط …هذا ما أردت التعبير عنه في وضع كهذا , هذه هي الحرب تستطيع اختراقنا وتدميرنا لأننا غير محصنين ضدها”.
العمليات الإستشهادية التي دأب الغرب على تسميتها بالعمليات الإنتحارية , دون أن يبحث عن الدافع وراءها ودون أن يسأل المحتل لماذا وصل الشعب الفلسطيني لهذه المرحلة التي جعلته يفضل الموت على الحياة أملا في مستقبل أفضل للأجيال القادمة على أرض فلسطين .. قد نعترض فعلا على التفجيرات وقتل الأبرياء ولكن لابد أن يكون الإعتراض من الجانبين وأن يكون المواطن الفلسطيني الذي يتم قتله بالرصاص أو بالقصف المدفعي أو بهد المنازل على رؤوس أصحابها أن يكون له قيمة ولحياته ثمن … لا أن تنقل الفضائيات الأحداث من منظور أحادي … وهذا ما أرادت المخرجة الكندية توصيله للمشاهد الغربي الذي أصبح لديه أنماط محفوظة ونماذج معلبة عن المواطن العربي أنه إرهابي ودموي … دون أن ينظر أو يبحث عن الدافع .. إنه الظلم والقهر والإحتلال الفاجر لأراضينا وبدم بارد وسط تواطؤ دولي على محو اسم فلسطين من على الخريطة الدولية .
بكتيريا “الشيغيلا” أنتشرت بين صفوف إلأحتلال الصهيوني خلاب حرب غزة