5 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 كردستان ومعادلات المحاصصة والتوافق والاستحقاق العراقية
انس محمود الشيخ مظهر
العرب

ما رأيكم ان نعيش لحظات من الفانتازيا السياسية ونتخيل فوز حزب او كتلة غير شيعية في انتخابات عراقية مفترضة مستقبلا… ترى كيف سيكون موقف الاحزاب الشيعية انذاك؟ هل ستترك منصب رئاسة الوزراء لتلك الكتلة او الحزب الفائز ام انها ستعمل وفق مبدأ “ما ننطيها”؟

مع ان هذا الافتراض هو ضرب من المستحيل لاسباب عديدة منها تركيبة الاحزاب العراقية الشيعية، والاصطفافات الحزبية والمكوناتية الموجودة في العراق، وتأثير المال السياسي، والتدخلات الاقليمية والدولية، والتي تمنع فوز اي حزب او كتلة خارج السرب الشيعي العراقي، الا ان الجواب على هذا السؤال يكشف لنا كم ابتعدت العملية السياسية في العراق عن الديمقراطية التي كنا نحلم بها عقب سقوط نظام صدام حسين.

لقد اظهر تكليف السيد مصطفى الكاظمي بتشكيل الكابينة الحكومية القادمة مدى تشبث القوائم الشيعية بحقهم في ان يبقى هذا المنصب من حصتهم. فرغم ان تكليف الكاظمي جاء من قبل السيد رئيس الجمهورية، ورغم الحملة الشعواء التي شنتها بعض الاطراف الشيعية على شخص الكاظمي قبل تكليفه باقل من شهرين، الا انهم وبعد اعلان التكليف سارعوا لحضور مراسيم التكليف الرسمية وابداء موافقتهم على هذا التكليف في ظاهرة كانت لها الكثير من الدلالات.

لا يمكن ادراج ما يحصل حاليا في العراق ضمن اي من التعريفات الموجودة في القواميس السياسية، فلا هو استحقاق انتخابي ولا توافق سياسي ولا حتى محاصصة، بل هو مزيج من هذا وذاك، تبعا لما تملي عليه مصلحة الاخ الاكبر (المكون الشيعي)، فهذا الاخ يمارس المحاصصة الطائفية بتكتلها ضمن ائتلافات تضم الاحزاب الشيعية لتشكل بعد ذلك الاغلبية (السياسية او المكوناتية) التي تحدد المرشح لرئاسة الوزراء كونه استحقاق انتخابي كما يبررون ذلك، وان كان هذا الاستحقاق الانتخابي نابع في اساسه من محاصصة طائفية كما وضحنا سلفا. اما مبدأ التوافق فتمارسه الاحزاب الشيعية فقط ضمن مكونها في البيت الشيعي، بينما تتناساه تجاه المكونات الاخرى، مع انه مبدأ جرى التفاهم عليه في بداية العملية السياسية للمكونات الثلاث حفاظا على مصالح الجميع.

لم تكتف الاحزاب الشيعية بالمزج بين هذه المبادئ بهذه التوليفة الغريبة فحسب، بل استغلت المحاصصة الطائفية والاستحقاق الانتخابي للتدخل في شؤون المكونين الاخرين الكردي والسني وحقوقهم، بحرمانهم من نفس الحق الذي سمحت بها لنفسها، والافتاء بشان مرشحي المكونين لاي كابينة حكومية وفرض رؤيتها عليهما، وبذلك فهي ترسخ الدكتاتورية الجمعية بابهى صورها.

كنا قد اشرنا في السنوات الماضية الى ان اس المشكلة السياسية العراقية هو وجود تكتل سياسي تحت مسمى الائتلاف الوطني العراقي يضم كل القوى الشيعية العراقية بمختلف توجهاتها، وقد اختفى هذا التكتل السياسي في الانتخابات السابقة ليحل محله ائتلافات شيعية جديدة لا يجمعها اي رؤى او برامج سياسية سوى انتمائها المذهبي، تتشارك في تحالفات تكتيكية انية ما تلبث ان تتغير وفق المعطيات المصلحية لهذا الحزب او ذاك.

وسواء ما يتعلق بالائتلاف الوطني او الائتلافات الشيعية المتعددة، فقد حافظت هذه الاحزاب على حقها بان يكون مرشح رئاسة الوزراء من خلالهم ومن حصتهم، باعتبارهم يمثلون الاغلبية السكانية في العراق، معتمدين في ذلك على احصائيات قديمة للمؤسسات العراقية اضافة الى قوائم الناخبين، والمطلع على الوضع العراقي يعرف تماما الشكوك التي تعتري مثل تلك الارقام، فكان شانهم في ذلك شان جحا حينما قال “ان مركز الارض يقع تحت حافر بغلتي ومن لا يصدق ذلك عليه قياس اقطار الارض.”

مشكلة دكتاتورية الطائفة الموجودة حاليا في العراق انها تتحرك وفق مصالح ضيقة بعيدة عن المصلحة الجمعية العراقية، تصول وتجول كخيل هائج دونما اكتراث بالمخاطر التي قد يسببها هذا الجموح، ودون ان تأبه بالمخاوف التي تعتري المكونات الباقية والتهديدات الوجودية التي تستشعر بها.

استنادا الى ما سبق، ولتقليل المخاطر التي تواجه العراق جراء تصرفات المكون السياسي الشيعي تجاه بقية المكونات، ووفق مبدأ “انصر اخاك ظالما بانه تكفه عن الظلم”، فان بقية العراقيين مدعوون الان للتحرك وفق النقاط التالية ادناه:

-الاصرار على عدم اجراء اي انتخابات عراقية قادمة الا بعد اجراء تعداد عام للسكان تشرف عليه المنظمات الدولية والمجتمع المدني لمعرفة النسب السكانية الحقيقية للمكونات العراقية.

-مشاركة الكيانات السياسية في الانتخابات يجب ان تكون على شكل احزاب منفردة، ومنع الدخول الى الانتخابات على شكل تكتلات طائفية وقومية، لتظهر قوة كل حزب ومدى التأييد الشعبي الذي يتمتع به. ويقوم الحزب الفائز بعد ظهور النتائج بالائتلاف مع احزاب فائزة من المكونات الاخرى لتشكيل الحكومة. ففي الانتخابات الماضية مثلا كان الحزب الديمقراطي الكردستاني هو الحزب الفائز بأكبر عدد من الاصوات على مستوى العراق، لكن وبما انه قد حسم امر منصب رئاسة الوزراء توافقيا للمكون الشيعي وشكلت تكتلات برلمانية دون اية ضوابط قانونية،جرى ابتداع تشكيل الكتلة الاكبر، وتكتلت الاحزاب الشيعية ضمن تجمعات شرعنت من خلالها لنفسها تشكيل الحكومة. والا فان الديمقراطي الكردستاني كان مؤهلا ديمقراطيا وانتخابيا لتشكيل الحكومة بالائتلاف مع حزبين فائزين في المكونين الاخرين.

– في حال عدم التمكن من تنفيذ النقطتين اعلاه فيجري العمل على انهاء احتكار المكون الاكبر (الشيعي في هذه الحالة) لمنصب رئاسة الوزراء والاستيلاء على ثلثي وزارات الحكومة، فالاغليية الانتخابية يجب ان تكون بعدد المقاعد البرلمانية فقط دون ان تتعداها الى وزارات الكابينات الحكومية، فكيف يمكن مثلا ان يقبل المكون الكردي بان يحصل المكون الشيعي (اضافة الى اغلبيتهم البرلمانية) على احد عشر وزارة، والمكون السني على ستة وزارات، بينما يحصل الكرد على ثلاث وزارات فقط. عليه يجب ان توزع المقاعد الوزارية بين المكونات الرئيسة الثلاث بالتساوي وليس على عدد المقاعد البرلمانية كما يحصل حاليا، الى حين اجراء انتخابات نزيهة والتاكد من حقيقة العدد السكاني لكل مكون.

-العمل على ان يكون لاقليم كردستان استحقاق سياسي في الحكومات العراقية بغض النضر عن نتائج اي انتخابات، كونه اقليما قائما بشكل رسمي، فمن يتواجد من الكردستانيين سواء في الحكومة العراقية او في برلمان بغداد، يمثلون حكومة اقليم كردستان ككيان رسمي قائم وينظمون العلاقة بين الجهتين الرسميتين في العراق وكردستان سواء العلاقات الاقتصادية او السياسية، ويعملون للشعب العراقي بشكل عام في حكومة تمثل كل العراق، اما من يمثل مصالح شعب كردستان كشعب فهم ممثلوهم في برلمان كردستان وحكومة الاقليم في اربيل، والشعب الكردستاني لديه مصالح في بغداد تحاول حكومة اقليم كردستان وبرلمانه المحافظة عليها، وعليه يجب البحث عن صيغة جديدة للتواجد الكردستاني في حكومة وبرلمان بغداد بعيدا عن نتائج الانتخابات العراقية العامة.

فالعلاقة المباشرة بين كردستان والعراق ووجودها ضمن التأثيرات الانتخابية العراقية هي من دعت بعض الحكومات العراقية للتفكير في التعامل المباشر مع شعب كردستان كما حصل عندما فكر البعض في حكومة بغداد في فترة سابقة بإرسال رواتب موظفي كردستان بشكل مباشر، وحينما تم توريط فلاحي كردستان بشكل مباشر في مستحقاتهم المالية عند الحكومة الفدرالية والكثير من الاحداث الاخرى التي شهدناها بعد 2003.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 “لا أحد يستطيع إنقاذ العراق”.. هذه هي نتيجة سبعة عشر عاما من الأحتلال والتدمير والوعود الأمريكية الكاذبة

سعد ناجي جواد راي اليوم

من بين البديهات والحقائق التي تعلمها بعض الواعين من جيلنا ومن الجيل الحالي حقيقة انه لا يمكن الوثوق بالسياسة والنوايا الأمريكية فيما يخص العرب. وان كل ما تخطط له هذه الدولة هو لاضعاف وتمزيق الأمة العربية ونشر الفرقة بين ابناءها خدمة لإسرائيل ولبقائها اكثر مدة ممكنة، ولمساعدتها على التوسع. وفوق كل ذلك عملت وتعمل على استنزاف ثروات الدول العربية وإفقارها بكل السبل لكي لا تقوم لها قائمة في المستقبل. ومن المؤسف ان أعداد المعتقدين بهذا الرأي بدأت بالتناقص منذ ان استطاعت الولايات المتحدة ان تفرض نفسها كقوة عالمية وحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في نهاية القرن الماضي، كما ان الكثير من الحكام العرب سابقًا وحاليًا ساعدوا في نجاح هذه المخططات الضارة بالأمة العربية. وهكذا استطاعت السياسة الأمريكية مثلًا ان توهم عددا غير قليل من العراقيين بان الاحتلال هو الخطوة الأولى لبناء عراق جديد سيكون نموذجا في الحكم الديمقراطي لدول الشرق الأوسط وفي والرفاهية والازدهار الاقتصادي. أما الكارثة الأكبر فهي انه على الرغم من كل ما فعله الاحتلال الأمريكي في العراق من تدمير وشرذمة وتشجيع على الفساد وحماية الفاسدين لا يزال هناك من العراقيين والعرب من يعتقد بان الولايات المتحدة يمكن ان هي تكون الحل للمشاكل التي خلقتها في المنطقة.
في عددها الصادر في 24 نيسان/ابريل الجاري نشرت مجلة السياسة الخارجية الأمريكية (Foreign Policy) المهمة والتي تعتبر قريبة من صانعي القرار، مقالا دالا يجب ان يقراءه كل من لا يزال يعتقد ان الولايات المتحدة هي الحل. ويكفي قراءة عنوان المقال (لا احد يستطيع مساعدة العراق بعد الان)، هكذا وبكل وضوح، ليشعر القاريء بمدى اهتمام الإدارة الأمريكية ومفكريها بالعراق وبمعاناة ابناءه. ومن وجهة نظر كاتب المقال فان الحل الأمثل هو الانسحاب من العراق، وتركه لانه لا يوجد اي حل لمشاكله خاصة بعد انهيار أسعار النفط واقتراب الدولة من الإفلاس الحتمي. أما الخلاصة النهائية التي توصل لها الكاتب فهي: (ان النظام السياسي [العراقي] فاسد للغاية، والاميركيون مشتتون للغاية وإيران تريد العراق كما هو). لكن المقال لا يذكر من جاء بهذا النظام السياسي الفاشل ومن يحمي الفاسدين وهذا الفساد الكبير، وكيف وصل العراق إلى هذا المنحدر الخطير، بحيث اصبح ضعفه وتشتته يمثل ما تبتغيه دولا إقليمية عديدة مثل ايران وإسرائيل وبعض دول الخليج. حتى الساسة الأميركان الذين دفعوا باتجاه غزو وإحتلال العراق لا يتطرقون الى ذلك. وإذا ما حدث وتكلم هؤلاء فانهم يتغافلون عن الجرائم التي تسببت فيها السياسة الأمريكية في العراق منذ عام 2003، بل وقبل ذلك، وإنما يقولون (ان الاحتلال وفر للعراق فرصة ذهبية لبداية جديدة الا ان العراقيين افسدوا هذه الفرصة [كذا]). وهكذا فان اللوم من وجهة نظر هولاء يقع على العراقيين وليس على الإحتلال والنماذج التي أتى بها وسلطها على رقابهم.
والأمثلة على ذلك كثيرة: حملات تصفيات العلماء وتدمير البنية التحتية وحل القوات المسلحة وتدمير اسلحتها او بيعها بثمن بخس من قبل أطراف جاءت مع الاحتلال لدول مجاورة او في أسواق الخردة، وجرائم وفظائع سجن ابو غريب والمعتقلات الأمريكية الأخرى، ووضع دستور يشجع على شرذمة البلاد ونشر الطائفية والمحاصصة، والأخطر هو تنصيب وحماية كل النماذج التي اعتبرت (عراقية) ونفذت هذه السياسات والأجندات والتستر على فسادها وجرائمها. حتى اصبح العراق، الذي انجب سياسين من طراز رفيع كانوا نموذجا ومنارات في السياسة العربية، يبدو لمن ينظر اليه من الخارج وكأنه بلد عقيم لا يستطيع ان يلد ساسة اكفاء قادرين على انتشاله من هذا الوضع المزري. وان من أتى مع الاحتلال من فاسدين وفاشلين هم الوحيدون الذين يحق لهم ان يحكموا هذا البلد العريق.
بالتأكيد ان الاحتلال يبقى المسؤول الأول عما جرى ويجري، الا ان ذلك لا يعفي بعض العراقيين، وخاصة قيادات واتباع الأحزاب التي أتت مع الاحتلال، من المسؤولية وعن دورهم في اعادة تدوير نفس الوجوه عن طريق تكرار انتخابها وغالبا بالتزوير. وليس هذا فقط ما يحزُ في النفس ولكن ما يؤلم اكثر ان يظهر علينا الإعلام العراقي والإقليمي والعالمي مادحا ومروجا لوجوه فاشلة وفاسدة وطائفية وعنصرية ولا يوجد في سيرتها الذاتية ما يشير الى اي نجاح، اللهم الا في خدمة الاحتلال ودولا إقليمية اخرى مثل ايران وإسرائيل، معتبرا هذه الوجوه هي المنقذ. ومن يرجع الى التصريحات التي تسبق او ترافق اختيار اي رئيس وزراء وحكومة جديدة يستطيع ان يعي هذه الحقيقة. فالفاشل دراسيا اصبح يحمل شهادة دكتوراه وسياسي محنك، والسارق اصبح مخططا اقتصاديا كبيرا والقاتل والمجرم اصبح خبيرا امنيا قادرا على فرض الأمن وهكذا.
طبعًا الحديث عن انسحاب أمريكي كامل من العراق يبقى حديث مضلل. فالخطوات التي إتُخِذَت من قبل الإدارة الأمريكية، والمتمثلة بالانسحاب من بعض القواعد العسكرية لا تعني نية للانسحاب الكامل، وإنما تأتي في إطار عملية تخفيف الخسائر التي قد يتعرض لها الوجود الأمريكي في مناطق مختلفة وتركيز وجودها في قواعد اكثر أمناً أمانًا داخل العراق مثل قاعدة عين الأسد وقاعدة حرير في كردستان العراق، بدليل تغطية هذه القواعد بمنظومة باتريوت ضد أية هجمات صاروخية. والدليل الآخر هو اصرار الولايات المتحدة على تنصيب رئيس وزراء يمثل مصالحها، وبغض النظر عن مدى كفاءة ونزاهة وقدرة هكذا مرشح على إصلاح الأمور .
هناك تسريبات تقول ان الولايات المتحدة اذا ما فشلت في تنصيب رئيس وزراء جديد تابع لها فانها ستفرض عقوبات جديدة على قيادات عراقية موالية لإيران، على اساس ان هذه الإجراءت ستشل من قدرات التنظميات التي يقودونَهَا. الا ان هذه السياسة لم تثبت نجاحها في السابق اولا، ولم يظهر اي مردود إيجابي لها ثانيا. لقد كان الأجدر بالإدارة الأمريكية، والتي لديها معلومات كافية وتقارير لجان متخصصة عن حجم الفساد واسماء الفاسدين وحساباتهم، ان تبادر الى مصادرة الأموال التي سرقوها وإعادتها لخزينة العراق، خاصة وأن العراق يواجه الآن شبح الإفلاس ويعيش شعبه مخاوف المجاعة.
وأخيرا فان اخطر ما يواجه العراق اليوم، بالإضافة الى الانهيار الاقتصادي المحتمل جدا في ظل تهاوي أسعار النفط العالمية، هو محاولة الولايات المتحدة وإيران محاربة نفوذ بعضهما البعض باستخدام فصائل عراقية مسلحة منتشرة داخل العراق، وكل طرف يعتقد انه يستطيع ان يكسر شوكة الطرف الثاني بدون ان يضحي باي فرد من أفراد قواته المسلحة. وهذه السياسة هي التي قد تقود العراق الى حرب أهلية طاحنة لا تبقي ولا تذر، خاصة وان هناك أطرافا عراقية داخلية مستعدة كامل الاستعداد لتنفيذ اجندات الطرفين بدون اي وضع أي إعتبار للمصلحة الوطنية. كما ان بوادر استعادة تنظيم داعش الإرهابي لانفاسه وشنه هجمات في مناطق مختلفة من العراق يبقى تهديدا اخر للبلاد، وليس من المستبعد ان تلجأ الولايات المتحدة الى غض الطرف عن هذا التنظيم بل وحتى دعمه، (كما استأنفت مؤخرا هكذا نشاط في سوريا مع مليشيات مسلحة، وبعد ان فشلت في إسقاط النظام هناك)، بدعوى ان هذا التنظيم كفيل بمحاربة النفوذ الإيراني في العراق.
ان اخراج العراق من مآزِقهِ الكثيرة والمتراكمة منذ بداية الاحتلال ليس بالأمر الهين او الذي يمكن ان يتحقق بسرعة، خاصة وان معالجة هذه الأزمات لا يمكن ان يتم بوجود هذه التركيبة الفاشلة والفاسدة، وبوجود التدخل الخارجي الفظ. فالمشكلة الاقتصادية تحتاج الى ازاحة هذه التركيبة واستبدالها بعقول عراقية كفوءة لكي تعيد بناء الاقتصاد بطريقة علمية تبدا من اعادة النظر بالإنفاق والتبذير الحكومي ورواتب الدرجات الخاصة والحمايات، والرواتب الفلكية للمجاميع التي اعتبرت متضررة من النظام السابق، وتشكيل حكومة طوارىء وحل مجلس النواب وإلغاء المخصصات المالية الكبيرة التي يتقاضاها أفراده وحماياتهم، ووقف تهريب النفط لصالح احزاب وكتل سياسية متنفذة وإلغاء الرواتب التي تدفع الى الموظفين الوهميين الى غير ذلك من الامور التي أرهقت ولا تزال ترهق ميزانية الدولة. كما إن الوضع الأمني يحتم على من يريد إصلاح الامور ان يعمل على حصر السلاح بيد الدولة وتقوية القوات العراقية الرسمية، الجيش والشرطة، وملاحقة المليشيات التي تعبث بأمن الوطن والمواطن. وكل هذه الامور لا يمكن ان يقوم بها شخص واحد وإنما تحتاج الى قوة تدعم هذه الإصلاحات.
في غياب مثل هذه المناهج والسياسات، واصرار الكتل والأحزاب الحاكمة على التمسك بمواقعها وحصصها، والأصرار المتواصل للولايات المتحدة وإيران على التدخل في الشأن العراقي ودعم الفاشلين والفاسدين فان النتيجة الحتمية ستكون لا سامح الله نهاية العراق كدولة وككيان. فهل سيتدارك من يمسك بالسلطة في العراق الأمر ويعترفوا بفشلهم ويتركوا للعراقيين الاكفاء مسالة إنتشال بلدهم من هذه الهاوية؟
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 العراق نطَقَها… ولبنان الإيراني يغص بها
فـــؤاد مطـــر
الشرق الاوسط

مصادفة مدعاة للتأمل، ذلك أنه في الوقت الذي كان فيه الرئيس الجزائري يعزل رئيس جهاز المخابرات ويتم إيداعه السجن تمهيداً لمحاكمته بعد ما كان، بطبيعة الحال لمن يتسلم هذا المنصب أحد أبرز مراكز القوى، يواصل مصطفى الكاظمي (رئيس جهاز المخابرات في العراق حتى يوم تسميته من جانب رئيس الجمهورية برهم صالح مرشح التوافق عليه لتشكيل الحكومة) سعيه لإنجاز المهمة، وبالتالي استيلاد الحكومة التي تعسَّر أمر اختيار الشخص الذي في استطاعته أن يكون رئيس حكومة للعراق وليس رئيس حكومة في العراق تتقاذفها رياح الولاءات للنظام الإيراني وبالذات للحرس الثوري في هذا النظام الذي كانت دائماً قبضة جنراله الأقوى قاسم سليماني ضاغطة عند التشاور حول مَن يترأس حكومة العراق ثم أكثر ضغطاً بعد الترؤس.
أن ينتهي أمر رئيس جهاز مخابرات معزولاً ثم مسجوناً وقيد المحاكمة ليس حالة جديدة في العالم العربي. ولنا على سبيل المثال لا الحصر ما جرى لرئيس المخابرات المصرية في عهد الرئيس أنور السادات. لكن الحالة المستحدَثة هي أن يقع الاختيار على رئيس جهاز المخابرات بعد التوافق لكي ينهي النظام به أزمة تشكيل حكومة على نحو ما حدث في العراق. والتوافق الذي حدث كان توافُق الاضطرار بعد طول استنزاف للصبر والمماحكات التي لا جدوى منها والتي كان مشهدها أشبه بحرائق مشتعلة فيما مياه النهر تتدفق بجوارها ولا مَن يطفئ النار. فهنالك انتفاضة. وهنالك «جيوش» صغيرة تتناسل وتأخذ من وهج الجيش الوطني ذي التاريخ العريق. وهنالك إرادة قرار مصادرة وتفريس متدرج للسياسة العامة. وما هو أهم من ذلك أن صيحات الثأر لا تهدأ وينادي مطلقوها ضد أميركا بخروجها وتناسي أن الأميركان في شخص بوش الأب ثم في شخص ابنه كانوا بسياستهم وحربهم هم الذين صادروا القدرة الوطنية العراقية على تغيير نظام البعث إسقاطاً وإحلال من ارتأوا إحلالهم مكانه.
وعند الحديث عن الصبر، فإن سعة صدر الرئيس برهم صالح وإدارته لأزمة التكليف مثَّلت دفعاً للاقتناع ولو بعد طول أخْذ وكثرة اشتراطات عصية على القبول بأن لا حل للعراق كوطن، وليس فقط لا حل لأزمة تشكيل حكومة جديدة، إلاّ في طي صفحة الإملاءات الخارجية. وعندما تُطوى هذه الصفحة تصبح مبادئ التشكيل هي مفتاح باب العراق المرصود أمام علاقة عربية متوازنة وعلاقة دولية متزنة. وعندما ارتأى الرئيس برهم صالح بمغادرته بغداد إلى السليمانية آخر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، فلكي يسجل نقطة نظام ورفضاً قاطعاً لإصرار المشترطين على حكومة شبيهة بشجرة مغروسة في أرض العراق فيما أغصانها وثمارها عبْر الشط يجنيها الجار الإيراني ويوظفها بكل أنواع التوظيف العقائدي والمالي والتجاري، إلى جانب أن تكون مثل رصاصة في مسدس يهدَّد بها الآخر، وهو هنا المجتمع الدولي الداعي إلى تغيير النهج الإيراني، بحيث تكون إيران دولة وليست بؤرة ثورية تُوزع الإقلاق في أكثر من مكان وبشكل مكثف على دول الخليج والأشقاء العرب الذين يريدون جواراً إيرانياً خالياً من الأذى والتدخل.
رفْض الرئيس برهم للإملاءات الخارجية من خلال وجوده في السليمانية وبداية ذبول متدرج في القدرة المالية الإيرانية وانعكاس مفاعيل هذا الذبول على الأذرع الإيرانية في الخارج وبالذات في العراق ولبنان واليمن، ثم المفاجأة الكورونية التي أربكت ذوي العناد والمكابرة، أوجبت بالنسبة إلى اللوبي الإيراني في العراق أن يقرأ كتاب الوضع كما تستوجب القراءة الصحيحة وليس كما الهوى. وعلى هذا الأساس استقر رأي أُولي التعطيل التقليديين على أن يؤخذ برؤية رئيس الجمهورية برهم صالح واختياره مصطفى الكاظمي مدير المخابرات لتشكيل حكومة تسترضي كل الأطراف وتلقى الرضا من هذه الأطراف في ظروف اضطرارية عاشها الناس في العراق طوال عشر سنين عجاف. وبدا اختيار التوافق على مصطفى الكاظمي للترؤس، رغم أن عدنان الزرفي كان هو الآخر من أصحاب الرؤية الواقعية لوضع الوطن على أُولى محطات انطلاق قطار تصحيح مواقف أعاقت العراق سمعة وطمأنينة، أشبه باختيار الرئيس دونالد ترمب يوم 13 مارس(آذار) 2018 مايك بومبيو مدير وكالة المخابرات المركزية وزيراً للمنصب الثاني الأهم في الدولة الأميركية. كما أنه أشبه باختيار الرئيس رونالد ريغان، رئيس المخابرات المركزية زمنذاك جورج بوش الأب لمنصب نائب الرئيس.
المتوقَّع للعراق لمجرد انحسار المخاطر الكورونية والخطر الداعشي المتجدد حَراكه، هو أن يكون العراق المأمول دوراً ونهوضاً ما دام من سيشكِّل الحكومة حدَّد ومن دون التحسب لهذا أو ذاك أو أولئك يسجلون الاعتراض على تكليفه، خريطة طريقه التي لخص معالمها بما قل ودل من التعهدات على النحو الآتي: «السيادة خط أحمر ولا يمكن التنازل عن كرامة العراق. العراق للعراقيين وقرار العراق بيد أبنائه. سنعمل على حصْر السلاح بيد الدولة، فالسلاح ليس من اختصاص الأفراد ولا المجموعات. سيادتنا الوطنية أولاً ويجب أن تقوم علاقاتنا الخارجية على الاحترام والتوازن. العراق ليس تابعاً لأحد. الدولة ليست حزباً ولا طائفة ولا ديناً بعيْنه وعلينا أن نثق بها. لن نسمح بإهانة أي عراقي من أي جهة داخلية أو خارجية عبْر اتهامه للخارج. إعادة النازحين إلى ديارهم هدف لن أتخلى عنه».
معنى هذه التعهدات أن من مصلحة النظام الإيراني التعامل مع العراق بعد الآن وفق هذه الخطوط – المبادئ التي مِن شأن الأخذ بها استعادة العراق رقماً يُحسب له حساب يرتاح له الجار العربي ويخفف الجار الإيراني من أثقاله عليه. وشيئاً فشيئاً يستعيد العراق شأنه كثاني دولة نفطية، لا يتعثر في تأمين متطلبات الشعب ويحقق مطالب المنتفضين ويسدد ما تبقَّى عليه من ديون… وينتقل بالتالي من دولة مهمومة إلى دولة تستعيد مكانتها في خريطة المنطقة. وهذا وارد الإنجاز ما دام تنفيذ خريطة الطريق سيبدأ.
ما فعله الثنائي برهم صالح – مصطفى الكاظمي أمثولة لمن يريدون صدقاً صون وطنهم وكرامته واستقراره وإبقاءه في منأى عن الغلو الثوري وإبراء الكيان الذي أمعنوا فيه بعثرة ووضْعه من جديد في المكانة التي يستحقها.
والأمثولة برسم الثنائي اللبناني رئيس الجمهورية ميشال عون الذي نتمنى أن يكون مثل برهم صالح، وحسن نصر الله الذي نتمنى ألا يغص فيما نطقه مصطفى الكاظمي… مع الأخذ في الاعتبار أن لبنان أكثر حاجة إلى استنساخ الأمثولة الكاظمية من العراق نفسه. كما هي برسْم ما تبقَّى من مهابة الرئيس بشَّار الأسد الذي إذا نطق بما نطقه الكاظمي فإن سوريا تعود سوريا العربية وقد تجردت من ثوبها الإيراني – الروسي الذي أرخى أقتم الظلال على تاريخها الوطني. والله الهادي إلى سواء السبيل.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 «أقلمة» العالم العربي … و«فدرلته»
عريب الرنتاوي

الدستور الاردنية

تتجه تطورات الأحداث في دول الأزمات المفتوحة في العالم العربي، صوب «الأقلمة» و»الفدرلة» …يحدث هذا في اليمن وليبيا، ولا يبدو أن سوريا والعراق بمنأى عن هذه الوجهة.

اليمن: نصت مخرجات الحوار الوطني الذي التأم تحت رعاية «المبادرة الخليجية» على تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم «فيدراليات» … يومها رفض الحوثيون المشروع لأنه أبعدهم عن البحر وموانئهم عليه … ورفضه الجنوبيون لأنه يقسم الجنوب إلى أقاليم وهم الطامحون في جعله إقليماً واحدا، توطئة لاستقلاله (اقرأ انفصاله) في دولة مستقلة.

اليوم، ثمة من يسرّب عن أوساط الموفد الدولي مارتن غريفيت، مشروعاً لـ»أقلمة» اليمن، ولكن إلى ثلاثة أقاليم هذه المرة: واحدٌ لأنصار الله في الشمال وعاصمته صنعاء … وآخر تحت هيمنة المجلس الانتقالي ويضم عدن وما جاورها من نواحي ومحافظات، وثالث في حضرموت وما يحيط بها من محافظات … لكأن المشروع يسعى في تقسيم «الكعكة» اليمنية على الفاعلين الإقليميين الكبار في الأزمة اليمنية ووكلائهم المحليين.

ليبيا: وبعد الضربات المؤلمة التي تعرض لها الجنرال خليفة حفتر في الساحل الغربي، وعودة الرهان على المسار السياسي – التفاوضي، بعد تعقد مسارات الحسم العسكري، وانقلاب المشهد إثر التدخل العسكري التركي في ديسمبر الفائت، عاد الحديث عن تقسيم ليبيا إلى أقاليم ثلاثة، وتشكيل مجلس رئاسي ثلاثي… زمن الدولة المركزية في ليبيا ولّى، وزمن «الفدرلة» و»الأقلمة» يلوح في أفق أزمتها الممتدة منذ العام 2011.

العراق: الحديث عن تقسيم العراق بلغة المكونات الثلاثة، كان التوطئة الضرورية للحديث عن «الفدرلة» و»الأقلمة» … دستور عراق ما بعد صدام، نص على حق المحافظات في التجمع تحت راية إقليم فيدرالي … ثمة فيدرالية قائمة بالفعل في شماله: إقليم كردستان … وبعد الاشتباك الأمريكي – الإيراني الذي اندلع إثر اغتيال قاسم سليماني وقصف «عين الأسد»، وقرار البرلمان العراقي إخراج القوات الأمريكية من العراق، ارتفعت وتيرة الحديث عن «إقليم سني» … قبلها كانت أوساط شيعية تتحدث عن «إقليم/أقاليم» في المحافظات الجنوبية.

دولياً، ما زلنا نذكر مشروع نائب الرئيس الأمريكي في حينها، المرشح للرئاسة اليوم، جو بايدن، حول تقسيم العراق إلى أقاليم ثلاثة … لا يمكن إسقاط سيناريو «الأقلمة» في العراق، بل يمكن القول إنه السيناريو الأكثر ترجيحاً، الذي ينتظر الإعداد والإخراج المناسبين للخروج إلى حيّز التنفيذ.

سوريا: حين أعلن عيدروس الزبيدي إقامة «إدارة ذاتية» في جنوب اليمن، تذكرت مشروع «الإدارة الذاتية» في شمال سوريا … الإدارة الذاتية، مدخل إلى الأقلمة والأخيرة توطئة للتقسيم … هكذا تسير التطورات في منطقتنا العربية.

واشنطن، دعمت وتدعم مشاريع «الفدرلة» عموماً … هي راعية إقليم كردستان، وهي صاحبة مشروع «فدرلة العراق»، وهي حاضرة بقوة في شمال شرق سوريا لرعاية «إقليم كردي» هناك، تحت مسمى «الإدارة الذاتية»، وهي ليست بعيدة عن مشاريع «فدرلة» ليبيا واليمن.

«الأقلمة» و»الفدرلة» بذاتهما ليستا مشكلة، معظم دول العالم تعتمد أنظمة فيدرالية أو أشكال من «اللامركزية الموسعة» … لكنها في العالم العربي، ليست مدخلاً لتوسيع المشاركة وتعميم التنمية وتطوير الإدارة والتخفف من قبضة المركزية الشديدة، بل هي تعبير عن انعدام قدرة شعوبنا على العيش بعضها مع بعض، ودلالة على تعدد الأجندات والمصالح الإقليمية والدولية في بلداننا، واستتباعاً، هي الطريق الأقصر لتقسيم دولنا وتشتيت شعوبنا … والأسوأ أنها ستشكل مدخلاً رحباً لجولات جديدة من الحروب والنزاعات، وتشق طريقاً لا نهاية له، نحو مزيد من الانقسامات.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5 الحقيقة ـ الضحية الأولى بين رويترز والنظام العراقي
هيفاء زنكنة

القدس العربي

سحبت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية ترخيص عمل وكالة الأنباء الدولية « رويترز»، لمدة ثلاثة أشهر وتغريمها 21 ألف دولار، لأنها نشرت تقريرا في الثاني من نيسان/ أبريل، نقلت فيه عن ثلاثة أطباء من المشاركين، بشكل وثيق في عملية إجراء الاختبارات لرصد الإصابات بفايروس كورونا، وعن مسؤول في وزارة الصحة، تأكديهم أن عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفايروس في البلاد، يفوق الرقم المعلن من قبل الوزارة بآلاف، وان المصادر فضلت عدم الإفصاح عن اسمائها لأن السلطات أمرت الطواقم الطبية بعدم الحديث لوسائل الإعلام. أكدت «رويترز»، يوم 14 نيسان/ أبريل، صحة التقرير الذي، حسبما ذكرت، استندت فيه على « مصادر طبية وسياسية مؤهلة ومتعددة وإن رأي وزارة الصحة كان ممثلا فيه بصورة كاملة».
من الذي نصدقه عند قراءة تقرير عن مدى انتشار الإصابات بالفايروس، الناطق الرسمي العراقي أو وكالة الأنباء الأجنبية؟ أليس من الطبيعي أن نصدق التصريحات العراقية باعتبارها الأدرى بأحوال المواطنين؟ فلِم اذن يختار الكثيرون، التشكيك بالتصريحات الرسمية والميل نحو تصديق وكالات الأنباء الأجنبية؟
السبب الرئيسي هو تجذر الإحساس بعدم الثقة تجاه كل ما يقوم به النظام ويُصرح به، في عديد المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، وانعكس سلبا على الجانب الصحي والتعليمي. وهو إحساس قديم تنامى بشكل متسارع بعد غزو واحتلال البلد في 2003. اذ ازدادت الهوة ما بين ما هو منجز وما يُصرح به بشكل هائل. وباتت منصات التصريحات الحكومية أماكن لإطلاق الأكاذيب المفضوحة. خاصة بعد ان أصبح الساسة ينطقون بأصوات سيدهم المحتل واختلطت التصريحات « الحكومية» بتصريحات متحدثي قوات الاحتلال. فمن الناحية الإعلامية: تم تسخير صحافيين عراقيين لنشر مقالات تحمل أسماءهم إلا انها مكتوبة من قبل الجهاز الدعائي لقوات الاحتلال.
هدفت المقالات الى تشويه المقاومة وتقديمها باعتبارها «سنية ـ إرهابية» والى تعزيز موقع قوات الاحتلال كطرف إنساني محايد في «الاقتتال» بين العراقيين أنفسهم. 30 دولارا كانت مكافأة الصحافي لقاء المقالة الواحدة، بينما كانت الخسارة جسيمة لا تعوض وهي ثقة المواطن بنزاهة ومصداقية الصحافة وانعكاس عدم التصديق على ما تقدمه من معلومات حتى لو كانت حقيقية ولصالح المواطن فعلا.
من الناحيتين الأمنية والعسكرية، يعيش المواطن، غالبا، على اخبار الوكالات والصحافيين الأجانب ليعرف ماذا يحدث في بلده، بل وعلى الرغم من أكاذيب قوات الاحتلال المنهجية، كُشفت بعض الجرائم المروعة من قبل جنود للاحتلال، أصيبوا بنوبة صحو ضمير، وليس من قبل مسؤولين أو ساسة عراقيين.

ينشغل مسؤولو وزارة الصحة، بمناصبهم الموزعة ضمن المحاصصة الطائفية ـ السياسية، بتوقيع عقود مستشفيات لا تكتمل، واستيراد أدوية ومعدات وهمية

ولنأخذ الأمثلة التي خضّت العالم أخلاقيا. طقوس التعذيب والقتل في أبو غريب، عام 2004، من الذي كشفها؟ استخدام اليورانيوم المنضب والفسفور الأبيض ضد المقاومة في مدينة الفلوجة في 2004، من الذي كشفه؟ مجزرة حديثة في 2005، وحرق الطفلة عبير الجنابي وعائلتها بعد اغتصابها، عام 2006، من الذي كشفهما؟ مجرم الحرب إدوارد غالاغر، ضابط الصفّ في وحدة القوات الخاصة بالبحرية الأمريكية، من الذي كشفه؟ لم يكشف هذه الجرائم، التي تشكل قمة الجبل الجليدي المطمور، ساسة أو مسؤولون عراقيون، ولم يشر أي منهم اليها الا من باب اتهام الضحايا بالإرهاب مما يعني الحكم عليهم انهم بالموت.
تستدعي هذه المراجعة التساؤل عن ماهية المقياس الأخلاقي الذي يستند اليه المتحدثون الرسميون، وكيف التحقق من صحة تصريحاتهم، والوثوق بهم، عند مقارنتها بسجل صمتهم أو تواطئهم المستدام، إزاء جرائم يدينها العالم الإنساني، منذ عام 2003 وحتى اليوم؟ آخذين بنظر الاعتبار ان ما يمر به العراق ليس تاريخا سحيقا ليس بالإمكان التحقق من صحة وقائعه تاركا الناس متأرجحين بين هذه السردية وتلك. بمعنى أنها وقائع معاشة، يعرفها المواطن كل المعرفة. وفي عصر الصورة والفيديو والتواصل الاجتماعي والتوثيق والأرشفة اليومية من الصعب جدا إخفاء حقيقة الأحداث إلا إذا أراد المرء باختياره ولمصلحته الا يرى. ولعل أكاذيب مسؤولي النظام ومتحدثيه الرسميين عن الجرائم التي ارتكبت بحق المنتفضين في ساحات التحرير منذ تشرين/ أكتوبر 2019 وحتى الأيام الأخيرة، أفضل مثال عن الذين يختارون الا يروا، وإذا رأوا فبعين واحدة. ألم يقفوا اليوم بعد الآخر مصرحين بان قتل وجرح واختطاف آلاف المنتفضين، والموثقة بالصور والفيديوهات والفضائيات، مرتكبة من قبل «طرف ثالث» او «مجهولين»؟
ما ساعد على انخفاض الثقة بصدق وأخلاقية المتحدثين الرسميين، أيضا، سياسة تكميم أفواه الصحافيين إذا ما حدث ومس أحدهم عصبا حيا في جسد أحد المسؤولين الحكوميين أو قادة الميليشيات او من يتمتعون بالعصمة الدينية. فكان التخلص من الصحافيين الأجانب، واحدا من الخطوات الاولى لمنع اطلاع العالم الخارجي على ما يجري بالعراق، ثم تم التركيز على الإعلام العراقي المستقل ليحتل البلد، على مدى سنوات، أعلى قائمة الدول الأكثر خطرا للعمل الصحافي. وحين ظهرت صحافة المواطن ومارسها ناشطون، معظمهم من الشباب، امتدت إليهم ايادي ميليشيات الاختطاف والقتل، خاصة منذ انبثاق انتفاضة تشرين التي لاتزال مستمرة، وان بشكل محدود، بناء على قرار اتخذه المنتفضون حفاظا على حياة عموم المواطنين من انتشار وباء كورونا. وهو موقف ناضج يؤكد حرصهم على حياة الجميع، كما هو موقف العاملين في الجهاز الطبي، الذين يقومون بجهود جبارة لرعاية المصابين وعموم المواطنين، ضمن حدود الإمكانيات الفقيرة وظروف الإهمال التي يعيشها الجانب الصحي بانحدار متسارع منذ الاحتلال، والتي يتحمل مسؤوليتها ساسة العقود الوهمية، الى حد باتت فيه مستشفيات واحد من بلدان العالم الغنية، متهالكة تستجدي الأدوية والأجهزة والمعدات من المحسنين، بينما ينشغل مسؤولو وزارة الصحة، بمناصبهم الموزعة ضمن المحاصصة الطائفية ـ السياسية، بتوقيع عقود مستشفيات لا تكتمل، واستيراد أدوية ومعدات وهمية، معلنة بين الحين والآخر، عن انجاز «ضخم» لصالح المواطنين، كما فعلت منذ أيام، حين تباهت بتجهيز مركز للتبرع بالدم بكراسي عدد أربعة، مما دفع احد المواطنين الى ارسال تهنئة الى الوزارة، داعيا الله عز وجل ان تتمكن الوزارة من شراء مناضد شاي لتوضع امام الكراسي.
تفاصيل الفساد المعلب بالتضليل والاكاذيب، هي التي تدفع المواطن الى الشك بما يقدمه « الناطق الرسمي» من اهل بلده، ويفضل هضم وتداول الاخبار المقدمة اليه من خارج البلد. وهو موقف قد يبدو بسيطا الا انه بترجرجه خطر جدا ما لم يكن المواطن نفسه واعيا، وقادرا على الفصل بين العمل الحقيقي الذي تؤديه الهياكل الطبية مثلا والتضليل الإعلامي لنظام فاسد خاصة وان منع وكالة مثل «رويترز» سيؤدي الى تعزيز مصداقيتها وليس العكس.