ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 كورونا يغتال عاشق بغداد
رحمن خضير العرب
اختطفت جائحة الكورون عاشق بغداد رفعة الجادرجي. فقد توفي يوم الحادي عشر من أبريل/نيسان في لندن، ولم يتسن لأحبته ملامسة بعض آلام هذا الرجل الذي عشق بغداد حتى النفس الأخير.
قالت زوجته بلقيس شرارة : “منذ شهر ورفعة في المستشفى في حالة صحية ميؤوس منها، صُعقتُ حينما علمت أنه مصاب بفايروس كورونا الذي لا شفاء منها في حالته”.
ولكي ألقي بعض الأضواء على شخصيته، عليّ أن أقتبس بعض الشذرات من الكلمة التي قيلت فيه من قبل جامعة كوفنتري التي سلمت إليه شهادة الدكتوراه الفخرية في حفل مهيب يليق به:
“رفعة الچادرچي، معماري معاصر ومنظّر وأكاديمي عراقي معروف عالميا، كرّس حياته المهنية للمزاوجة بين العمارة المحلية والتكنولوجيا الحديثة. ولد في بغداد، والده كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي. في طفولته كان يعشق القراءة والتصوير الفوتوغرافي. أسس مكتباً استشاريا في العراق من عام ١٩٥٢ حتى عام ١٩٧٨ . وقد أصبح زميلا فخريا في المعهد الملكي والمعهد الأميركي للمعماريين. وهو مؤلف معروف، كتب العديد من الكتب والأبحاث باللغتين العربية والإنجليزية.
وتقديرا لإسهاماته تتشرف جامعة كوفنتري وبقرار المجلس الأكاديمي منح الدكتوراه الفخرية لرفعت الجادرجي. ”
هذه الجائحة التي كتمت أنفاسه الرقيقة، هي نتاج لعبث الإنسان بالطبيعة، وكان الفقيد ضحية لهذا الإسراف في تشويه البيئة
بعد نجاح ثورة ١٤ تموز، كانت الجماهير ترفع اللافتات التي تحمل مطالبهم، مما أوحى له أن يصمم قاعدة لتمثال الحرية، الذي يبدو على شكل لافته حجرية عملاقة، هذا التمثال الذي كان من إبداع الفنان الراحل جواد سليم، والذي يمثل ملحمة حجرية تحكي نضالات الشعوب للوصول إلى الحرية. تلك الحرية التي كانت حلما لجيل جواد سليم ورفعة الجادرجي، ولم تتحقق حتى اللحظة الراهنة.
كما قام بتنفيذ نصب الجندي المجهول. والذي يمثل امرأة تجثو على قوائمها كي تحمي ابنها الذي مات مجهولا وبقيت شعلته. هذا النصب الجميل الذي ينساب كموجة نهرية أنيقة، والذي كانت بغداد تزهو به تم هُدمه بأمر من صدام حسين نفسه. وقد قام الفنان رفعة بتصوير لحظة إزالة نصب الجندي المجهول، وكانت من اللحظات المؤلمة التي جعلته يشعر بأنّ الكيان المعماري الذي يتم تدميره بإرادة شخصية، سينعكس هذا الدمار على الكيان الاجتماعي برمته، وهذا الاستشعار قد تحقق فعلا على أرض الواقع. وقد حلّل الفنان رفعة فكرة هدم آثار ومنجزات الماضي بقوله:
“نحن متأثرون بالبدو، فالبدوي بلا ماض ولا مستقبل، لأنّه لا يمارس حرفة ، فقط صاحب الحرفة هو الذي يحافظ عليها”.
وهذا يفسر كيف إننا كعراقيين قد خربنا الكثير من النصب والآثار لأسباب مختلفة وتافهة، فقد قيل إن الباب الشرقي لبغداد، قد دُمّر من قبل الأهالي الذين بنوا من حجارته بيوتهم!
وكذلك فعلنا بالنصب التي تعود إلى العهد الملكي. وهذا ما يجعل تفسير رفعت دقيقا، حيث إنّ عقلية البداوة ترافقنا، ولم نستطع أن ننزع هذا الكابوس من وعينا، وإلا كيف نفسر تهديم الكثير من النصب الجميلة التي كانت تساهم في رسم تاريخ بغداد المعماري؟
كان رفعة الجادرجي يطمح أن يرسم بغداد وفق ما يحلم به من عمارة، فقد كان يرى بأن أغلب عمارات بغداد العالية، قد شوهت معالمها، وكان يرى بأن البناء يجب أن يكون مزيجا من الحاجة والتكنولوجيا، فاذا تغيرت التكنولوجيا فيجب أن ينعكس ذلك على الحاجة. لذا فهو يرى بأن الطراز المعماري العربي لا علاقة له بالمكننة الحديثة. كما تناول مسألة الإسراف والإنفاق في البناء، فكان يدعو إلى الاقتصاد في المعمار لينسجم مع ما يحيط به.
رفعة الجادرجي ليس بالمعماري الذي يصمم البناء فقط، بل كان يمتلك الرؤية في تحقيقه، فهو كالفيلسوف الذي يربط بين الفكرة والحاجة إليها، بين الحجر كبناء ووعي استخدامه، ومن هنا تكمن جمالية الفن المعماري الذي يعتمد على أعلى درجات حرية الاختيار، بمعزل عن المرجعيات الاجتماعية أو الدينية.
The departure of writers
كان يشفق على الأرض من عبث الإنسان
كان الراحل ذا ثقافة موسيقية عالية، وكان يستشهد دائما بالقول المشهور: “من يفهم سيزان في الرسم، يفهم بتهوفن في الموسيقى”.
فالفنون متكاملة ومتجانسة يحكمها الوعي والذوق. وقد اكتسب هذا المعماري والفنان إحساسا موسيقيا، جعله يرتقي في ثقافته ووعيه، حتى أنّه حينما تعرف على شريكة حياته السيدة بلقيس شرارة، كان أول الأسئلة للتعارف بينهما هو الاهتمام المشترك بالموسيقى والقراءة. وضمن هذا الإحساس الثري، فقد قررا عدم الإنجاب، لأنه كان يشفق على الأرض من عبث الإنسان، وإنه ضد هذا الدفع البايولوجي الذي يخرّب الأرض بسوء استخدام الإنسان لها. ومن الغريب أن هذه الجائحة التي كتمت أنفاسه الرقيقة، هي نتاج لعبث الإنسان بالطبيعة، وكان الفقيد ضحية لهذا الإسراف في تشويه البيئة.
مات رفعة وهو متشبع بالقيم الإنسانية الرفيعة، متسلحٌ بالعلم والمعرفة. وكأنه يقتفي خطواتِ بصير المعرّة أبي العلاء، الذي قال:
“هذا جناه أبي عليّ وما جنيتُ على أحد”.
لقد صمم رفعة علما للعراق ما بعد سقوط النظام السابق، وذلك لأنه يرى أنّه من الناحية التصميمية فأن العلم العراقي الحالي، غير موفق من الناحية التصميمية، ففي علم التصميم لا يلتقي المثلث بالمستطيل. لذلك سعى إلى اقتراح علم جديد يحمل لونين أزرقين يشيران إلى دجلة والفرات، مع التركيز على الأصالة العراقية من خلال الهلال، ولكنّ تصميمه قد جوبه بعاصفة من النقد والتنديد، بحجة أنه يتشبه بالعلم الإسرائيلي. ولكنه رد على الكثير من هذه الأصوات برأي علمي وليس عاطفي، وهو أن تصميمه يترجم تاريخ العراق وجغرافيته، ومن خلال هذا المنظور الفني، يقول الراحل في مقابلة له: “أجمل الأعلام في العالم من الناحية التصميمية المجردة هي العلم الكندي والياباني والإسرائيلي.”
لقد غادر رفعة بغداد منذ فترة طويلة، ولكنها بقيت تعيش فيه وتعشعش في ذاكرته، لقد حافظ على صورة بغداد قبل خرابها من خلال توثيقها فوتوغرافيا، فقد كانت كاميرته ترصد المعالم البغدادية وتسجلها ، فقد صوّر الشوارع والأزقة والدروب القديمة، كما صوّر طرز البناء والشناشيل والزخارف، كما قام بمسح دقيق على طول شارع الرشيد مسجلا كل التفاصيل والأبنية، كما سجلت كاميرته الآثار وما تبقى منها، والجسور وحركتها اليومية، كما صوّر القبب والمنائر والأضرحة. لقد نقل بغداد عبر عدسته التي ترى الأشياء بعين الخبير والفنان الذي يطمح بإعادة إحياء مدينته من جديد.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 الكاظمي.. الفرصة تأتي مرة واحدة لإيران
حامد السيد
العرب
في التاسع من نيسان/أبريل حمل رئيس الدولة العراقية برهم صالح كتاب تكليف مصطفى الكاظمي بيده مخاطباً الحاضرين في قصره: “انه يوم مشهود لنا جميعاً سنتجاوز به مرحلة كانت صعبة علينا.” وصف كهذا لوحده يظهر مدى حجم الكارثة التي كانت تحاصر مخيلة الزعامات السياسية العراقية في حال فشلت هذه المرة في اعادة ترميم توازناتها وتسمية بديل لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي.
من الداخل اظهرت لنا ازمة البحث عن البديل انها كانت في اعمق نقطة من الجدل والخلاف غير المحسوم بين الشيعة انفسهم. صدع شديد يقسم القوى الاسلامية البارزة داخل الطائفة الواحدة الى قسمين، قسم يرى نفسه في مرحلة الوصول الى السلطة التي توجب عليه دعم من لا يهدد مكاسب وفرتها له حكومة عبدالمهدي، وقسم آخر كان يمني نفسه برهانات جر الضغوط الخارجية الى مساحته من ثم الاستثمار في معادلتها سعياً لفرصة تدويره، وكل على حسب أدائه الخاص انتهى بهم المطاف الى مصطفى الكاظمي الذي نال قبولاً من الجميع حتى ممن لم يكن راضياً عليه لا في منصبه كرئيس لجهاز المخابرات العراقية ولا مرشحاً لزعامة الحكومة! ما الذي دفع الامور الى تغيير تلك القناعات؟ وكيف رتب الشيعة موقفهم؟ وهل لإيران طموح آخر يختلف عما كان في زمن سليماني؟
لقد راقبنا في يوم 30 اذار/مارس 2020 اول زيارة للعميد إسماعيل قاآني، قائد “فيلق القدس” الإيراني للعراق وكانت سرية؟ انها المرة الاولى التي يتواجد فيها مسؤول إيراني رفيع يتساوى بالتأثير والنفوذ بسلفه سليماني داخل العراق ولأول مرة تنقسم الكتل الشيعية الى جبهتين في كل القضايا التي تحتاجها ايران منهم، وابرزها تهيئة الحرب مع أميركا والوقوف ضد ترشيح الزرفي.
تذهب بعض المصادر العليمة إلى تفسير تواجد قاآني بين بغداد والنجف بانه كان يريد ان يثبت اقدامه للمرة الأولى في العراق بصناعة المشهد السياسي والاتفاق على شخصية لرئاسة الحكومة، بعد فشل الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في زيارته مطلع آذار/مارس، وحل الأزمة السياسية ذاتها.
كان هنالك جموح مزدوج لهذه الزيارة: اعادة اكتشاف وتوحيد الفصائل الشيعية المسلحة لمواجهة المرحلة الجديدة التي تظهر معالمها منذ أن قامت واشنطن باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس في كانون الثاني/يناير، وتعبئة الدعم ضد رئيس الوزراء المكلّف عدنان الزرفي، الذي اعتبرته قوى موالية لطهران مؤيداً لأميركا.
أعقب زيارة قاآني صدور بيان غير مسبوق في الرابع من نيسان/أبريل، استنكر الوجود العسكري الأميركي المستمر في العراق ووصف الزرفي بأنه عميل أميركي، وقعت عليه 8 من أبرز الفصائل المسلحة ضمن الحشد الشعبي، وهي: حركة عصائب أهل الحق، كتائب سيد الشهداء، حركة أنصار الله الأوفياء، كتائب جند الإمام، حركة حزب الله النجباء، كتائب الإمام علي، سرايا عاشوراء، وسرايا الخراساني.
ولان البيان ظهر في وقت مزامن مع تواجد قاآني في العراق، فمن المرجح ان يكون جُهز بمعرفة الحرس الثوري، الا ان كتائب “حزب الله”، وهو الفصيل المسلح الذي يعتبر الاكثر نفوذاً في العراق لقربه من ايران، كانت غائبة عن اللائحة، كما لم تعطِ رأيها بشأن اختيار الزرفي او عدمه، الا انها رفضت اتفاق الاحزاب الشيعية والكردية والسنية العراقية على منح مصطفى الكاظمي فرصة تشكيل الحكومة واتهمته باعطاء الولايات المتحدة تسهيلات للقضاء على قاسم سليماني.
يبدو أن الإيرانيين بدأوا يمارسون ادواراً مزدوجة محفوفة بالمغامرة هذه المرة. فعلى الرغم من أنهم وافقوا في النهاية على ترشيح الكاظمي كحل وسط من أجل منع الزرفي من الوصول الى منصب رئيس الوزراء، وتجنب المزيد من الركود في العراق، إلا أنهم في الوقت نفسه قد يقومون برعاية وتأهيل جيل جديد من المقاتلين الموالين لهم على غرار “عصبة الثائرين” و”أصحاب الكهف” من أجل ترسيخ مكانتهم في العراق والتصدي بشكل أفضل للوجود الأميركي الراسخ ودفاعاته القوية في العراق.
وتزعم “عصبة الثائرين”، التي ظهرت في منتصف آذار/مارس، أنها فصيل “مقاومة” جديد كلياً، وتبنى هذا الفصيل الجديد المسؤولية عن الهجوم الأخير على قاعدة التاجي الذي أدى الى مقتل جنديين أميركيين وجندي بريطاني، بموازاة ذلك فإن “أصحاب الكهف” هم جماعة ناشئة نشرت مقاطع فيديو وأظهر بعضها هجمات غير مؤكدة ضد موكب أميركي قادم من اربيل ومتوجه نحو صلاح الدين شمالي بغداد. ينبغي التمعن في مثل هذه الأنشطة جنباً إلى جنب مع البيان الذي اصدرته “كتائب حزب الله” في السادس من نيسان/أبريل والذي اكدت فيه أنها ستمتنع عن استهداف القوات الأميركية خلال انسحابها من قواعدها الحالية، هذا يترك الاحتمالات مفتوحة لاستئناف الحرس الثوري الهجمات حالما تستقر هذه القوات في قواعدها الجديدة، وذلك باستخدام جماعات خاصة أو جرى تجديد شعارها ويصعب رصدها وملاحقتها. وقد تنمو هذه الهجمات تدريجياً من حيث الكمية والخطورة، حيث لن تستهدف القواعد العسكرية الأميركية المتبقية فحسب، بل المنطقة الخضراء وتحديداً السفارة فيها أيضاً.
وهكذا يتوجب على المكلف مصطفى الكاظمي الضغط على الاطراف السياسية من أجل تشكيل حكومة مقبولة من جميع الزعامات العرقية والسياسية في العراق، ينبغي عليه ايضاً الاستمرار في اتخاذ جميع التدابير الضرورية لتأمين افراد وعناصر الولايات المتحدة في العراق، بالإضافة الى ذلك يجب عليه ان يقنع الايرانيين بانه معني في مثل هذه الحقبة بالتواصل مع واشنطن من اجل ضبط العلاقة استراتيجياً معها وهي علاقة مطلوبة منذ مدة طويلة والمرحلة اليوم تشهد أولى بوادرها التي تحققت بإجماع الموقف في الداخل والخارج حوله، العدو له والصديق.
وأمام الكاظمي الآن فرصة لتشكيل حكومة تنال ثقة مجلس النواب لتداخل مهامها مع خطوات متعلقة بسياسة الولايات المتحدة في العراق. ففي 25 نيسان/أبريل الجاري، سيتوجب على واشنطن أن تقرر ما إذا كانت ستمنح حكومة الكاظمي إعفاءً جديداً من العقوبات يتيح لها مواصلة استيراد الغاز الطبيعي والكهرباء الإيراني ام لا. والثانية هي ما اقترحته إدارة ترامب من إطلاق حوار استراتيجي مع بغداد في حزيران/يونيو القادم، مع سعي وزير الخارجية مايك بومبيو إلى إعادة ضبط العلاقات في إطار “اتفاق الإطار الاستراتيجي” لعام 2008.
عندما يجلس القادة العراقيون والاميركيون وجهاً لوجه في الاشهر القادمة وتحت عنوان “اتفاق الإطار الاستراتيجي”، ينبغي أن يكون حسم مصير العلاقة بين البلدين في طليعة أولوياتهم، ويجب ترك مساحة للاعتراف بالمصالح المتبادلة، فضلاً عن المجالات التي يمكن أن يتفقا فيها أو يختلفا حولها، ففي طوال فترة العام الذي شغل فيها عادل عبدالمهدي منصب رئاسة الحكومة إلى مكانته الحالية كرئيس حكومة مستقيل لم يكن لدى الولايات المتحدة أي احساس بشريك لها نشط وذكي في أعلى مراكز الدولة العراقية وفيما لو حاز الكاظمي على تصويت البرلمان واصبح رئيساً للوزراء، فيمكن للأميركيين الوثوق والاطمئنان من أن أي قلق أو ارتياح يعبر عنه لهم فسيصدر عن رجل عراقي مؤثر وقوي.
انها الفرصة التي تأتي مرة واحدة لإيران، من الان عليها ان تبدأ بوضع الخط بين زمنين، وزمن اليوم يوجب عليها ان ترى العراق محور له مكانه الثابت في المنطقة ويقوده فريق من الحكماء قادر ان يزيل الأفعال المعادية لها ولمصالحها القومية من المنطقة، عليها ان تثق بالقرار العراقي اكثر من ذي قبل وتساعد حكومة الكاظمي من خلال تعبئة جميع وكلائها لتشجيعها على القيام بتجارب واعدة من الحوارات مع الدول الكبرى. انها مرحلة إعادة ثقة العالم بقدرة العراقيين على جعل عاصمتهم ميدان لتقارب المصالح متى ما استغنى الإيرانيون عن وضع العوائق أمامهم.
مصطفى الكاظمي هو اخر فرصة للإيرانيين، حيث مهمته ان يقلل عزلتهم أو يضاعفها.
الاصرار على مواجهة اميركا في العراق عبر جيل جديد من الفصائل المسلحة اصبح اجراء مكشوفا. العقلانيون فقط هم من يمد الحكومة المقبلة بالثقة كي تصوغ رسائلهم وتنقلها بثقة الى ترامب دون احراجها بالصواريخ او العبوات.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 هل حققتْ أميركا أهدافها بإغتيال قائد “فيلق القدس”؟ قاآني على خطى سليماني في الميْدان
ايليا ج. مغناير
(الراي الكويتية)
في الثالث من يناير 2020، اغتالت طائراتٌ أميركية من دون طيّار اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، في مطار بغداد بعدما كان حَضَرَ إلى العراق بناءً على طلب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في متابعةٍ لوساطةٍ مستمرّة بين إيران والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان طلب من العراق إقناع طهران بتخفيف حدّة التوتر الشديد الذي يسيطر على الشرق الأوسط، ناهيك عن أن الحكومة العراقية كانت أعلنت أن سليماني عُيّن منها كمستشار عسكري للحرب على “داعش” ما يعطيه حصانة ديبلوماسية.
وشاء القَدَرُ أن يحْضر القائد العراقي أبو مهدي المهندس لاستقبال سليماني في 3 يناير وتغتاله الولايات المتحدة مع رفيق دربه. وها قد مضى أكثر من 100 يوم على عملية الاغتيال، وسط أسئلة ما زالت حاضرة حول أهداف الولايات المتحدة من الاغتيال وما الذي حققتْه بالفعل؟ وهل تأثّر “محور المقاومة” الذي يمتدّ من غزة ، بيروت، دمشق، بغداد، طهران وصولاً إلى صنعاء والذي كان يقوده سليماني؟ بعد اغتيال قائد “فيلق القدس” استبدله المرشد الأعلى السيد علي خامنئي بنائبه الجنرال إسماعيل قاآني الذي كان سليماني رشّحه بديلاً عنه في حال اغتياله أو سقوطه في الميدان.
وكانت الزيارة الأولى للجنرال الإيراني قاآني إلى سورية حيث التقى بالرئيس بشار الأسد (في عدة مناسبات). كما زار الخط الأمامي في حلب وإدلب، المدينة التي تستضيف “أكبر ملاذ آمِن للقاعدة منذ 11 سبتمبر” بحسب ما صرح مبعوث الرئيس تامب السابق لمكافحة الإرهاب في سورية والعراق بريت ماكغورك. والتقى قاآني بالقادة الميدانيين المستعدّين لاستعادة طريق M4 التي تربط حلب باللاذقية إذا فشلت تركيا في إزاحة الجهاديين المنتشرين على طول الطريق بحسب ما نص الاتفاق التركي-الروسي. وقالت مصادر قريبة من قادة “محور المقاومة” إن قاآني “أكد للرئيس الأسد دعم إيران التام لاستقرار ووحدة الأراضي السورية وجهودها لتحرير البلاد من جميع قوات الاحتلال.
وشكر الأسد الجنرال الإيراني وأعرب عن تقديره للدعم الإيراني في حمأة العقوبات الأميركية القاسية وانتشار الفيروس التاجي”. والتقى قاآني في دمشق بالقادة الفلسطينيين لمعاودة تأكيد ما تم الاتفاق عليه في لقاء طهران والتزام إيران بدعم القضية الفلسطينية. كما زار الجنرال الإيراني لبنان حيث التقى قيادة “حزب الله”، ثم سافر إلى العراق للقاء مسؤولين سياسيين وعسكريين. ونَقَل الضابط الإيراني رسالةً واحدة إلى جميع أعضاء “محور المقاومة” الذين التقاهم: تعتبر إيران “محور المقاومة” جزءاً من أمنها القومي وهي عازمة على زيادة الدعم لحلفائها. وقد بدا قائد فيلق القدس الجديد على خطى سلفه سليماني في تشكيل علاقات شخصية ومباشرة مع حلفائه. جمعتْ جنازات سليماني والمهندس الملايين في شوارع إيران. وقبل اغتيالهما، كانت إيران تعاني اضطرابات، إذ تم حرق أكثر من 731 مصرفاً و 307 سيارات و 1076 دراجة نارية، وتخريب 140 مكاناً عاماً، و70 محطة وقود، وهو دليل على الهدف الرامي إلى ضرْب اقتصاد البلاد وبنيتها الاقتصادية.
وبعد الاغتيال، اصبحت إيران موحّدة أكثر من أي وقت، على الرغم من أن الولايات المتحدة تحاول شلّ البلاد بعقوبات قاسية لم تشهدها منذ أربعين عاماً. اعتقد ترامب وإدارته أن الإيرانيين المُعارِضين للنظام سيعتبرون الاغتيال فرصةً ضد القيادة الحالية، فكانت النتيجة عكس ذلك تماماً. في الواقع، قدّم الرئيس الأميركي هدية فريدة لوحدة وتَضامُن الإيرانيين وهو ما لم يكن من الممكن تحقيقه إلا من خلال اغتيال شخصية وطنية مثل سليماني.
وتقول المصادر القريبة من قادة “محور المقاومة”: “ليس لأن سليماني كان لا غنى عنه، ولكن لأنه قادَ الحرب ضد القاعدة وداعش لحماية إيران من التكفيريين، وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق للشعب الإيراني لأن سليماني أصبح رمزاً وطنياً. بالاضافة الى ذلك، فقد اعتبر الإيرانيون انه تم اغتيال القادة من زعيم متعجرف كان من الواضح أنه استمتع بمتابعة “الدقائق الأخيرة” قبل أن يغتاله بأرضٍ محايدة يفترض أن تكون الولايات المتحدة ضيفًا فيها تحترم قواعد البلاد”. كان ردّ الفعل غير متوقَّع: استخدمت إيران صواريخها القائمة على الوقود السائل ضدّ القواعد الأميركية في عين الأسد، الأنبار وأربيل في العراق.
ويشير استخدام هذا الوقود بدل الوقود الصلب الذي يحتاج لدقائق للإطلاق إلى أن إيران نشرت الصواريخ لساعاتٍ لإعدادها للإطلاق، ما يتيح إمكانية كبيرة للأقمار الصناعية الأميركية لرؤيتها. وبالفعل، أرسلت الإدارة الأميركية برقية عاجلة إلى السفارة السويسرية في طهران تحذّر إيران من أي هجوم. وردّت إيران بإعطاء الموقع الدقيق للقصف المقصود، القاعدتان الأمريكيتان، مضيفة أنه سيتم قصف جميع القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط إذا قامت الولايات المتحدة بالردّ على إطلاق صواريخها الباليستية. وبذلك تحدّت إيران وجهاً لوجه قوة عظمى تحيط بها بعشرات القواعد العسكرية. ولم تطلب طهران من حلفائها مهاجمة القوات الأميركية. وبحسب المصادر، أظهرت “الجمهورية الإسلامية” أنها بعيدة عن الإخضاع، ما يدل على أن ترامب أو أي رئيس أميركي جديد، لن ينجح في فرْض شروطه على إيران.
وفي رأي المصادر نفسها فإن العواقب الاستراتيجية لاغتيال سليماني والقصف الإيراني المباشر للقواعد الأميركية تعزّز “محور المقاومة” كما لم يحدث من قبل، بحيث بدا أن حلفاء إيران لا يخشون الآن مواجهة الولايات المتحدة وجهاً لوجه على أي منصة. وإذ ذكّر هؤلاء بأن سليماني لم يُقتل في ساحة المعركة ولكن بطائرة من دون طيّار موجَّهة من بعيد، وبأن إيران أخطرت الولايات المتحدة بنيّاتها ما سمح لأميركا وقوات التحالف بالاختباء في الملاجئ، خلصوا إلى أن اغتيال سليماني انقلب ضدّ الولايات المتحدة لمصلحة “محور المقاومة” على الرغم من خسارته لقائد مهمّ.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 وداعاً رفعت الجادرجي حسين شبكشي
الشرق الاوسط
يواصل فيروس «كورونا» حصد الأرواح بعشرات الآلاف في معظم بلاد العالم.
لم يعد الفيروس يفرّق بين أحد، فالكل عنده هدف. ووسط هذه الأخبار السلبية المتلاحقة التي تحبط وتؤذي يأتي خبر آخر حزين عن رحيل أحد صناع الجمال في العالم العربي عموماً، وفي العراق تحديداً، والمقصود هنا هو خبر رحيل عراب العمارة العراقية الحديثة المهندس المعماري الاستثنائي رفعت الجادرجي، متأثراً بمضاعفات إصابته بفيروس «كورونا».
رحل الرجل صاحب الحضور الأنيق والذوق الرفيع والسيرة العطرة بعد عمر طويل ومسيرة عامرة بالإنجاز والإبداع. كان دمث الخلق رقيق اللسان وشديد التواضع وخجولاً جداً. كان دوماً قليل الكلام ويترك أعماله تتحدث عنه، رفعت الجادرجي ينتمي إلى زمن العراق الجميل، الذي أخرج لنا الأسماء العظيمة من أمثال نوري السعيد ونمير قيردار وعدنان باجه جي وناظم الغزالي وعلي الوردي ومهدي الجواهري وليلى العطار وغيرهم. نتاج عصر مضى جميل قبل أن يأتي بعده عصر العراق القبيح، بين سلطة فاشية طاغية بعثية ظالمة، وتلتها حقبة رجال الدين الطائفيين المنتقمين.
وُلد الجادرجي في مدينة بغداد عام 1926 لأسرة عراقية عريقة جداً، تعلم في إنجلترا وعاد لفتح مكتبه الاستشاري، وبدأ في تكوين فكره المختلف الذي جمع فيه بين حداثة الفن المعماري الذي انتشر في الغرب والتراث المعماري الأصيل في العمارة العربية عموماً والعراقية تحديداً. وواجه صداً واعتراضاً من أصحاب الفكر التقليدي المحافظ وحوربت أفكاره بحجة أنها دعوة للتغريب وبدعة غير حميدة. وأطلق بعض لمحات فكره المتجدد وذلك بتركيزه اللافت والجميل على اللمسات الجمالية التي أضافها على أهم المباني في أهم شوارع بغداد، وهو شارع الرشيد عندما اعتمد على «الشناشيل» أو النوافذ الخشبية المزركشة والأقواس الظاهرة في المباني المطلة على الشارع والمقرنصات الحديدية والخشبية البارزة من تلك المباني.
وذاع صيت الرجل ليصبح أحد أهم مصممي المعمار في العالم العربي. ولكن لأنه كان في العراق البعثي (مثله مثل سوريا البعثية تماماً)، زجّ به صدام حسين في سجن أبو غريب الشهير من دون محاكمة أو تهمة، وبقي فيه قرابة العامين ليفاجأ ذات يوم بإطلاق سراحه لمقابلة في القصر الرئاسي فوراً وطلب منه إعادة تصميم بغداد بشكل جمالي يليق بصدام حسين، ووافق الرجل على أن تُتاح له مغادرة العراق بعد إتمام ذلك. ورحل إلى الولايات المتحدة ليكون بروفسوراً يعلّم في أهم جامعاتها وهي جامعة هارفارد، ولم يعد للعراق إلا عام 2009. وصُدم بما رآه بعد أن تأكد له تحقيق ما حذّر منه وخطورة الهجرة القسرية من القرية إلى المدينة، وهدمها للمدنية والحضارة التي كانت موجودة. طغيان القبح على الجمال. ورحل بحسرة بعد أن تأكد أن هناك طغياناً طائفياً يهيمن على العراق، لا يقل وحشية عن الفاشية البعثية الصدامية التي أزيلت.
بقي بين بريطانيا وبيروت حتى رحيله عن دنيانا. عُرف عن الرجل إبداعه المعماري، ولكنه كان صاحب كلمة ورأي، سطر أفكاره في مجموعة مهمة من الكتب التي بقيت بعد رحيله. وُصف بأوصاف عديدة مثل: الراقي، والجنتلمان، والأرستقراطي، وهو كل ذلك وأكثر. وليس رحيله خسارة في حد ذاتها ولكن بخسارته يفقد العالم العربي نمطاً من الناس ينقرض، نمطاً جمع سمو الأخلاق والعلم الحقيقي وروح العطاء، هذه الخلطة لم تعد موجودة وحل محلها نماذج ممسوخة ومشوهة.
رحم الله رفعت الجادرجي رحمة واسعة، نبكيه ونبكي معه صفحة فريدة من تاريخ الجمال والأخلاق في العالم العربي.