ثلاث مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الجمعة

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 الكاظمي بين فرص النجاح وتحديات الاخفاق عادل الجبوري

راي اليوم

لاول وهلة، ربما يؤشر مشهد تكليف رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة الجديدة الى سهولة المسار الذي سوف يسلكه ويتحرك فيه لاتمام المهمة الثقيلة خلال المدة الدستورية المقررة بثلاثين يوما.
كان مشهد تكليف محمد توفيق علاوي فقيرا، فلم يكن هناك لاحضورا سياسيا ولا حتى بروتوكوليا، رغم انه كان مرشحا من قبل عدد من القوى السياسية الرئيسية والكبيرة وغياب الاعتراض الواضح عليه، ولعل ما اثار اللغط في ذلك المشهد هو هوية الشخص الذي انعكست صورته في الواجهة الزجاجية للمكتبة الصغيرة في القاعة التي جمعت رئيس الجمهورية برهم صالح بتوفيق علاوي، وقد قيل ان ذلك الشخص هو مدير مكتب رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي.
بينما كان مشهد تكليف عدنان الزرفي جدليا الى حد كبير، لان من حضروا فيه من السياسيين والنواب كانوا من الدرجة الثانية والثالثة، ولان موجة اعتراضات وتحفظات اثيرت على طريقة تكليف الزرفي وعلى شخصه، فأن اغلب من حضروا راحوا يبررون ذلك الحضور ، ويؤكدون انه كان حضورا بروتوكوليا لاعلاقة له بالموقف من خيار التكليف، هذا في ذات الوقت صدرت تصريحات رسمية من بعض القوى التي بدت وكأنها مؤيدة وداعمة للزرفي، بأنها ليست كذلك، وبالفعل فأن الكيان السياسي الوحيد الذي افصح عن موقفه الداعم للاخير هو تحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
ما اختلف في مشهد تكليف الكاظمي، هو ان الحضور النوعي كان لافتا ومتميزا على الصعيدين الرسمي والسياسي، فعلى الصعيد الرسمي حضر الى جانب رئيس الجمهورية، كل من رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس مجلس القضاء الاعلى فائق زيدان، والقاضي مدحت المحمود رئيس المحكمة الاتحادية العليا، وعلى الصعيد السياسي-الحزبي، حضرت مراسم التكليف شخصيات سياسية رفيعة المستوى تمثل مختلف المكونات والعناوين، كرئيس تحالف الفتح هادي العامري، ورئيس تحالف النصر حيدر العبادي، ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، ورئيس تحالف المحور الوطني خميس الخنجر، والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني فؤاد حسين، والقيادي في حزب الدعوة الاسلامية الشيخ عبد الحليم الزهيري، ورئيس الجبهة التركمانية ارشد الصالحي، ويونادم كنا رئيس الحركة الديمقراطي الاشورية، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، فضلا عن حضور المبعوثة الاممية في العراق جينين بلاسخارت.
ولاشك ان ذلك الزخم السياسي غير المسبوق، ربما يساهم في تعبيد الطريق امام الكاظمي لانجاز مهمة تشكيل الحكومة خلال المهلة الدستورية المحددة بثلاثين يوما، مضافا الى ذلك فأن رسائل الدعم والتأييد التي جاءته من واشنطن وطهران تبدو مشجعة الى حد ما.
ففي الوقت الذي قال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، “ان الكاظمي أثبت في وظائفه السابقة أنّه وطني وشخص كفوء”، واعرب عن امله في “أن يتمكن سريعاً من تشكيل حكومة قوية ومستقلّة”، اطلق مسؤولون ايرانيون كبار تصريحات ايجابية بهذا الشأن، اكد المتحدث بأسم الخارجية الايرانية عباس موسوي، ان بلاده “اذ تتمنى النجاح والتوفيق لمصطفى الكاظمي، تأمل في ان ينجح بمهمته بتشكيل الحكومة الجديدة وتلبية تطلعات الشعب والمرجعية الدينية في العراق، وايجاد عراق موحد ومستقر يتبوأ مكانته المهمة على المستويين الاقليمي والدولي”، مؤكدا، “ان تناغم وتضامن جميع الاطياف المختلفة والاحزاب السياسية والشخصيات العراقية البارزة بمن فيهم السيد عدنان الزرفي لعب ويلعب دورا مهما في تحقيق هذا الهدف واستمراره”، هذا في الوقت الذي اوضح السفير الايراني في العراق ايرج مسجدي، تعليقا على اختيار الكاظمي لرئاسة الحكومة الجديدة، “ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تخضع لمقررات وقوانين العراق، وهي تحترم النظام السياسي العراقي، ومن ينتخب رئيساً للوزراء في العملية القانونية ويحظى بثقة البرلمان العراقي، فإننا نحترمه ونقدم المساعدة والدعم له”.
وفضلا عن ذلك فأن اوساط مطلعة تؤكد ان رئيس الوزراء العراقي المكلف تلقى اتصالات من اطراف عربية واقليمية ودولية عديدة تؤكد دعمها ومساندته لها.
وارتباطا بذلك، فأن هناك من يعتقد ان الكاظمي بحكم طبيعة شخصيته وموقعه على رأس جهاز المخابرات لعدة اعوام، يمكن ان ينجح في تخفيف حدة الاحتقان وتقريب وجهات النظر والمواقف بين الفرقاء الدوليين والاقليميين، وبالتالي يقلل من الانعكاسات والارتدادات السلبية للصراعات السياسية والعسكرية على العراق.
وفي مقابل الافاق الايجابية بطريق الكاظمي، فأن هناك من يرى ان المعوقات والعراقيل والمصاعب التي سيواجهها لن تكون قليلة، وهي ربما تكشف عن مدى حنكته في ادارة وتوجيه التقاطعات والتناقضات الداخلية والخارجية، بما يساعده في تنفيذ برنامجه الحكومي وترك بصمات واضحة في الملفات والقضايا الحساسة والمهمة، وكذلك امتصاص واحتواء المواقف الناقدة والرافضة له.
فهو-أي الكاظمي-اذا اراد ان يتجنب الوقوع بأخطاء وهفوات سلفيه علاوي والزرفي، فينبغي عليه ان يراعي حقائق الواقع السياسي ولايقفز عليها، او بعبارة اخرى يضع في حسبانه اشتراطات ومطالب القوى الحزبية الداعمة له من مختلف المكونات، وهذا قد يعيد انتاج الاخطاء والسلبيات التي حفلت بها المراحل السابقة من جانب، ومن جانب اخر، يبعده عن دائرة توجيهات المرجعية الدينية ومطالب ساحات التظاهر السلمي.
فهناك اليوم حديث في بعض كواليس السياسة مفاده، انه في عالم السياسة لاشيء بدون ثمن، ومن يدعم ويساند ويؤيد لابد انه يبحث عن ثمن ولابد ان تكون لديه اشتراطات ومطاليب مباشرة او غير مباشرة، البعض منها سيصطدم بها الكاظمي وهو يخوض عملية اختيار الاشخاص لتولي الحقائب الوزارية والمواقع المتقدمة الاخرى، والبعض الاخر منها سيواجهها بعد نيل حكومته الثقة وشروعها بالعمل، وبالتالي فأن الهيمنة الحزبية للقوى السياسية-لاسيما الكبيرة- من مختلف المكونات ستكون حاضرة، مثلما كانت حاضرة بشخوصها في مراسم التكليف، وهو ما يعني بصورة او بأخرى غياب او تغييب او القفز على دعوات وتوجيهات المرجعية الدينية ومطالب الحراك الجماهيري، خصوصا في ظل غياب منبر الجمعة ومعه حراك الشارع بسبب وباء كورونا.
لعل النقطة المحورية في نجاح الكاظمي بمهمته الثقيلة تتمثل في عدم الركون والخضوع لاشتراطات الاحزاب، وايلاء اكبر الاهتمام لتوجيهات المرجعية ومطالب ساحات التظاهر حتى وان غاب صوتهما لبعض الوقت.
بيد ان الامور لن تكون بهذه البساطة نظرا لتداخل وتشابك الملفات، وتفاقم المخاطر والتحديات، فالمطلوب من رئيس الوزراء المكلف ان يهيأ لانتخابات برلمانية مبكرة خلال فترة زمنية لاتتجاوز عام واحد، وهذا ما يبدو غير ممكنا، ليس لاسباب سياسية او فنية، وانما نتيجة وباء كورونا الذي لايعلم احد متى سيختفي وينتهي، والمطلوب منه حصر السلاح بيد الدولة، وهذا معناه تجريد فصائل مسلحة ساهمت بقتال تنظيم داعش الارهابي من عناصر قوتها وحضورها وتأثيرها، وهذا من الصعب جدا تحقيقه وفق معطيات وحقائق الواقع القائم، والمطلوب منه انهاء الوجود الاجنبي من البلاد-وتحديدا الاميركي-وهذا ما لم تلح بشأنه اي بوادر في الافق، واذا اريد له ان يتحقق، فبحكم عوامل خارجة عن نطاق قدرات وامكانيات وسلطات اي رئيس حكومة، علما ان التوجه الاميركي الظاهر، يتمثل بأعادة هيكلة وانتشار التواجد العسكري بما يجنب القوات الاميركية في العراق صواريخ “المقاومة”، والاكثر من ذلك مطلوب من الكاظمي ان يقلل من الظلال والاثار الثقيلة لوباء كورونا والانخفاض الحاد بأسعار النفط على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والحياتي العام للبلاد.
وكل ذلك في حال لم يقع الكاظمي في فخ فشل مهمة التكليف، كما وقع فيه علاوي والزرفي، فالصورة وان بدت ايجابية ومتفاءلة في باديء الامر، الا ان الوانها ومعالمها وملامحها وخطوطها لم تكتمل حتى الان.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 إنهم رعايا وليسوا مواطنين
فاروق يوسف
العرب

ينص الدستور العراقي الذي كُتب بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 على أن العراق دولة مكونات طائفية وعرقية. أي أن سكانه لا يشكلون شعبا واحدا ولا يمكن أن يجمع بينهم سوى اطار قانوني هو الدولة.

بجرة قلم كما يُقال محي كل شيء. المجتمع والوطن معا وما بينهما تاريخ من الانتماء العريق والأصيل الذي يمد جذوره عميقا في الأرض.

لذلك لم يكن هناك مانع في ذلك الدستور فيما لو اختارت تلك المكونات أن تمضي في حال سبيلها إذا ما تعذر عليها التعايش فيما بينها. ودليله في ذلك أن الأكراد لا يمكنهم القبول بهيمنة العرب عليهم كما أن العرب السنة لا يمكنهم القبول بحكم العرب الشيعة.

كان ذلك التقسيم صناعة غير أنها أخذت طريقها إلى الواقع بقوة القانون.

ماكنة الكذب كانت هائلة في انتاجها الكثير من الحكايات التي تصب في هدف واحد هو الضرب على وتر الطائفية والعرقية. لقد كان الشيعة والأكراد مظلومون في العهد الذي كان هناك فيه دولة عراقية. “ولكن هل كانت تلك الدولة سنية المذهب والتوجه الاجتماعي؟” لا أحد يجيبك.

سيكون ضروريا أن تستمر الكذبة.

حين انتفضت المحافظات ذات الغالبية السنية بسبب سياسات نوري المالكي في التمييز والعزل والحرمان والاذلال تم النظر إلى تلك الانتفاضة السلمية باعتبارها نوعا من الحنين إلى السلطة التي التي زالت بزوال الدولة التي كان السنة يتربعون على عرشها ويتحكمون بمفاصلها.

وكانت تلك كذبة جعل منها المالكي مسوغا لقمع تلك الانتفاضة بطريقة وحشية بحيث سُبيت مدن غرب العراق وهُدمت وأبيد الالاف من سكانها والقي بآلالف أخرى في المعتقلات.

المفارقة المؤلمة في الأمر أن أن أولئك المنتفضين لم يطالبوا بحقهم في الانفصال الذي كفله الدستور الجديد بل سعوا إلى استعادة حقوقهم باعتبارهم مواطنين أصلاء وليسوا هامشا مستبعَدا وفائضا.

كان خطأهم أنهم لم ينسقوا مع المحتل الأميركي كما فعل الأكراد. ولو أنهم فعلوا ذلك لحظيوا باحترام النظام الطائفي ولبقيت أرواحهم مصانة ومدنهم عامرة. كانت عودتهم إلى مبدأ المواطنة جرما مشهودا استحقوا بسببه ما لحق بهم من عقاب يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية.

يعيب الكثيرون على الأكراد ما فعلوه حين أداروا ظهورهم للدولة العراقية واكتفوا بعلاقة هي عبارة عن امتيازات يحصلون عليها من غير أن تكون لبغداد سلطة على أقليمهم المستقل. لهم نسبة ثابتة من الوزراء والمدراء العامين في الحكومة العراقية كما أن لديهم ممثليهم في مجلس النواب بالاضافة إلى حصتهم الثابتة في ايرادات النفط العراقي.

مقارنة بما شهدته المدن السنية من كوارث يمكن القول إن الأكراد فعلوا الصواب وجنبوا أنفسهم ويلات صراع عرقي كان من الممكن أن يعيدهم إلى نقطة الصفر التي فارقوها منذ عام 1991.

بسبب نزعتهم الانفصالية المتأصلة عرف الأكراد ما هو المطلوب.

كان واضحا أن الاحتلال في سياق منظومته الفكرية قد عمل على أن يكون فاصلة بين عراقين. العراق التاريخي الذي ينتمي إليه شعب موحد بتنوع طوائفه وأديانه وقومياته والعراق الجديد الذي هو عراق الطوائف والأديان والأعراق التي يعيش كل منها في عزلة تمنع اتصاله بالآخر إلا لأسباب نفعية.

يدعي الأميركان أن العراقيين أرادوا ذلك حين تم انشاء مجلس الحكم وقبله في مؤتمر المعارضة الذي عُقد بلندن عام 2002 برعاية وكالة الاستخبارات الأميركية.

ولكن مَن هم أولئك العراقيون الذين استند الأميركان إلى رأيهم؟

إنهم رعايا دول أخرى وليسوا مواطنين. لذلك ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا مبشرين لمشروع عراق المكونات الذي لا يمت بصلة للعراق التاريخي.

الذين يحكمون العراق اليوم هم أولئك الرعايا الذين فقدوا القدرة على التعامل ايجابيا مع مبدأ المواطنة.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 ثمن التغيير في العراق د. محمد السعيد إدريس

الخليج

مصطفى الكاظمي أمامه فرصة تاريخية ليكون على رأس قوى التغيير التي بمقدورها إسقاط الطبقة السياسية الحاكمة وإنهاء حكم المحاصصة.
كثيرون في العراق يعتقدون أن «التغيير» قادم لا محالة، ويرون أن الشارع السياسي العراقي، الذي استطاع أن يتحدى جبروت الميليشيات يعد من أهم ضمانات حدوث هذا التغيير بشقيه: إنهاء حكم «الطائفية السياسية» وآلية المحاصصة وتغيير الطبقة الحاكمة الحالية. لكن، وعلى الرغم من رجاحة هذا التوقع أو «الحلم» الذي يراه آخرون «حلماً عبثياً»، هناك ركيزتان أساسيتان تدعمان معاً الإبقاء على الواقع السياسي – الاقتصادي- الأمني الرديء كما هو: توازن القوى الذي يحكم ويدير القرار السياسي داخل العراق من ناحية، وتوازن الاستقطاب وأحياناً «صراع الاستقطاب» لمقاليد القوة السياسية والأمنية في العراق بين واشنطن وطهران من ناحية أخرى.
التفاعل بين هاتين الركيزتين كفيل بأن يُبقي العراق رهينة لواقعه المأزوم الذي بدأ مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. والتباعد بين هذين المنظورين يكشف مدى فداحة الثمن الذي يجب أن يدفعه العراق؛ للانعتاق من واقعه المأزوم ويحقق التغيير المأمول.
البحث فى معادلة «الثمن الفادح» هذه يمكن أن يقدم تفسيراً منطقياً للسرعة التي جرت بها استجابة معظم القوى والأحزاب السياسية العراقية، والشيعية منها بالأساس، لقرار رئيس الجمهورية برهم صالح ترشيح رئيس المخابرات العراقية مصطفى الكاظمي لمنصب رئيس الحكومة على العكس من موقفها الرافض لشخص عدنان الزرفي، وقبله عرقلة التصويت داخل مجلس النواب على الحكومة المقترحة من محمد توفيق علاّوي.
فالفترة التي سبقت ترشيح مصطفى الكاظمي كانت شديدة الارتباك والتعقيد. بدأت بحادثة اغتيال الجنرال قاسم سليماني ومعه أبو مهدي المهندس، الأمر الذي أربك كل مفاصل القوة في العراق ابتداءً من حكومة تسيير الأعمال ورئيسها عادل عبدالمهدي، الذي قدم توصية لمجلس النواب تقضي بإخراج كافة القوات العسكرية الأجنبية من العراق، وامتداداً إلى البرلمان الذي انقسم على التصويت على هذه التوصية؛ حيث امتنعت الكتل السنية والكردية عن المشاركة في جلسة التصويت على التوصية التى صدرت بدعم الأصوات الشيعية التي كفلت لها النصاب القانونى، وانتهاء بالانقسامات بين الميليشيات المكونة للحشد الشعبى حول قرار: إجبار الأمريكيين على الرحيل عن العراق بالقوة عبر ما سموه ب«خيار المقاومة». كل هذه الارتباكات عرقلت التوافق على مرشح لرئاسة الحكومة الجديدة في ظل تربص مكونات «الحراك الشعبي»، بأن يأتي المرشح الجديد لرئاسة الحكومة من خارج الطبقة الحاكمة وألا يكون مزدوج الجنسية وغير متهم بفساد مالي أو سياسي، وهكذا سقط محمد توفيق علاّوي باعتباره مرشح إيران وبعده سقط ترشيح الزرفي باعتباره مرشح الأمريكيين.
هنا بالتحديد كان السؤال الصعب: إلى متى سوف تستمر هذه المعادلة: صراع المرشحين من جانب كل من واشنطن وطهران عبر لعبة «تبادل إسقاط المرشحين»؟ ما وضع جميع الأطراف أمام خطر ساحق وجودي، وجاء الارتباك الشديد الذي أصاب إيران أولاً والولايات المتحدة ثانياً من جرّاء ضغوط انتشار وباء فيروس «كورونا»، وإجباره قادة البلدين على «الانكفاء الاضطراري» على أولوية مواجهة التحديات الداخلية، وتجميد، أو على الأقل، تهدئة التحديات الخارجية لتساعد مجتمعة على توافق كل الأطراف على القبول بما يمكن اعتباره «مرشح الضرورة» أو «مرشح التهدئة» حتى لو كان هذا المرشح هو مصطفى الكاظمى. ويبدو أن «الحراك الشعبي» هو الآخر دخل اضطرارياً ضمن معادلة القبول ب«مرشح تهدئة».
هذا يعني أن مصطفى الكاظمي أمامه فرصة تاريخية لتحويل المؤقت إلى دائم، أي أن يتحول من مجرد «مرشح مؤقت» إلى حين إجراء الانتخابات العامة المحتملة نهاية هذا العام إلى «بوابة التغيير» في العراق، أي يكون على رأس قوى التغيير التي بمقدورها إسقاط الطبقة السياسية الحاكمة، وإنهاء حكم المحاصصة السياسية.
حتماً هذا الأمر يتوقف على مدى قدرة الكاظمي على تحقيق هدفين متعارضين أحدهما تريده واشنطن وعبر عنه صراحة الاثنين الفائت وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو وهو «حصر الأسلحة بأيدي الحكومة» الذي يعني عملياً محاصرة الميليشيات الموالية لطهران والتي توجه ضربات متتالية للقوات الأمريكية، والآخر تريده إيران وهو إخراج القوات الأمريكية من العراق، إلى جانب هدفين آخرين جعلهما الكاظمي ضمن أولوياته ويحققان له دعم «الحراك الشعبى»: محاربة الفساد وعودة النازحين الذي يلقى دعماً قوياً من الأطراف السنية على وجه التحديد.
إلى أي حد سينجح مصطفى الكاظمي في هذا الاختبار؟ عند الإجابة سيتحدد الثمن الذي تم دفعه؛ لإحداث التغيير في العراق.