ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 هل يعيد «كوفيد 19» المنطقة سبع سنوات للوراء؟
عريب الرنتاوي
الدستور الاردنية
بذلت البشرية جمعاء، جهوداً جبارة للتصدي لظاهرة الإرهاب والعمل على تدميرها في حواضنها الاجتماعية، والقضاء على مؤسساتها وأدواتها، وانتزاع الجغرافية الواسعة التي تمددت فوقها مقتطعة مساحات كبيرة من سوريا والعراق، غير آبهة بخطوط سايكس – بيكو ولا بقواعد «ويستفاليا».
بمعزل عن اتهاماتها المتبادلة، لعبت الدول والمعسكرات المتصارعة أدواراً متكاملة ومتنافسة في التصدي للظاهرة … التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، نجح في تدمير «دولة الخلافة» الداعشية في الشمال السوري الشرقي والعراق، وبتعاون مباشر وغير مباشر، من قبل طهران وحلفائها في العراق … والتحالف الروسي – الإيراني – السوري، استكمل المهمة في سوريا، فضلاً عن نجاحه المتميز في تصفية النصرة وحلفائها في مناطق واسعة من سوريا، وحشرها في مثلث إدلب الضيق، الذي يعد آخر وأكبر معاقل التنظيم وحلفائه.
هذه الإنجازات جميعها، والتي جعلت عالم اليوم أكثر أمناً، تبدو مهددةً على نحو غير مسبوق، ومن قبل عدو غير مرئي: فيروس كورونا الخبيء والخبيث … ذلك أن العالم بدوله ومحاوره ومعسكراته، يبدو اليوم مشغولاً من رأسه حتى أخمص قدميه، بمواجهة الجائحة ووقف انهيار أنظمته الصحية، والاستعداد لمجابهة مرحلة «ما بعد كورونا».
تُعطي هذه الانشغالات التنظيم الذي نظر للوباء بوصفه عقاباً إلهياً للكفرة والمنافقين والمرتدين، الفرصة لإعادة لملمة صفوفه، وبناء قدراته، وإحياء شبكاته وخلاياه … تعطي مرحلة «ما بعد كورونا» للتنظيم وشقيقاته وأشقائه، وفي كل مكان، فرصاً أوسع للتجنيد والتعبئة والتحشيد، مستفيداً من فشل كثير من الحكومات في احتواء الجائحة، والاعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل والمفقرين جراء الانهيارات الاقتصادية المتلاحقة والمتسارعة لاقتصادات كثير من البلدان.
تحت جنح كورونا، نجح «داعش» في تنفيذ سلسلة من العمليات الجريئة ضد الجيش والأجهزة الأمنية والحشد الشعبي في المحافظات الشمالية والشرقية للعراق … وتحت مظلة الفيروس اللعين، نجح التنظيم في تنفيذ هجوم مباغت ضد الجيش السوري وحلفائه في بلدة السخنة في بادية حمص الشرقية … قبل كورونا، وفي أثنائها، يعمل التنظيم وغيرها من الجماعات الإرهابية على «التعافي» من نتائج الحرب الكونية على الإرهاب، العمليات في سيناء مستمرة، ومنطقتي الساحل والصحراء والقرن الأفريقي، عرضة لمزيد من الأنشطة الإرهابية … الإرهاب يسعى في «ملء فراغ» الحكومات والأنظمة والجيوش والأجهزة الأمنية التي تنتشر في الشوارع والميادين، وتتولى على نحو متزايد أمور البلاد والعباد في عدد متزايد من الدول، المتقدمة والنامية، سواء بسواء.
وليس التنظيم الإرهابي وحده من يسعى في «ملء الفراغ»، سيما حين تتسع الفجوة بين الحكومات وشعوبها، ويتكشف فشل كثيرٍ منها في قادمات الأيام، إن لجهة العجز عن مواجهة الانهيارات الصحية، أو لجهة الإخفاق في مواجهة ذيول الجائحة الاقتصادية والاجتماعية … ليس مستبعداً أن تقفز حركات الإسلام السياسي، على اختلاف مرجعياتها المذهبية ومدارسها الفكرية، لـ»ملء الفراغ» وهي صاحبة الخبرة التاريخية المتراكمة، والتنظيم الأجود من بين جميع خصومها ومجادليها من التيارات الأخرى، مستفيدة من تفشي الفقر والبطالة، المرجح أن يكون كارثياً على العديد من الدول والمجتمعات.
كورونا قد يفضي إلى إعادة تاريخ المنطقة سبع سنوات إلى الوراء على الأقل، إلى مرحلة ما قبل انهيار «دولة داعش» في «سوراقيا»، ومرحلة ما قبل الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، وقد يحبط جهود العديد من الدول التي انخرطت بنشاط، واستثمرت المليارات، إن في محاربة الإرهاب أو في مواجهة «الإسلام السياسي»… فيروس صغير وميكروسكوبي، قد يطيح بجهود دول كبيرة وصغيرة، ومن حيث لم تحتسب.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 التحركات الامريكية الاخيرة في العراق وإمكانية توجيه ضربة عسكرية الى إيران الدكتور بهيج سكاكيني
راي اليوم
في غضون الاسبوعين الماضيين رأينا هنالك تغيرا لفظيا من قبل المسوؤلين الامريكيين من توجيه ارشادات الى القيادة العسكرية الامريكية في البنتاغون بالبدء لتحضير خطط لتوجيه ضربة الى أهداف إيرانية الىالانتقال الى الحديث حول “تخفيف” العقوبات على إيران إذا ما ارادت إيران ذلك. واوضح ترامب أن على إيران تقديم طلبا رسميا الى الولايات المتحدة تحديدا بتخفيف العقوبات وإبداء استعدادا للمجيء الى طاولة المفاوضات لاعادة المناقشة حول الاتفاقية الموقعة سابقا مع الدول الست الكبرى حول برنامجها النووي . وترامب اكثر من اي سياسي آخر يدرك بان إيران لن تخضع ولن تستجيب لهذا الابتزاز بالرغم من الظروف الصعبة التي تعيشها في حربها مع فيروس كرونا في ضوء نقص في الادوية أو المواد الخام التي من الممكن استخدامها في تصنيع الادوية التي يمكن تخصيصها في محاربة هذا الوباء. فالولايات المتحدة تستخدم سياسة الوعيد والترهيب للشركات العالمية وتهدد مصالحها التجارية في حالة القيام بتصدير هذه المستلزمات الطبية الى إيران دون اذن مسبق من الادارة الامريكية.
ومما لا شك فيه ان الولايات المتحدة تريد ان تجير الازمة التي تعيشها إيران في إطار محاربتها لوباء الكورونا لصالحها. فهي ما زالت تراهن انه بحرمان إيران من هذه الادوية الى جانب رفض صندوق البنك الدولي في تقديم اية مساعدة لايران بـمبلغ 5 مليارات دولار وهو في الحقيقة رفض أمريكي, بأن الوضع سيتصاعد والازمة ستزداد وتصل الامور الى زعزعة النظام الايراني وعدم تمكنه من إنقاذ شعبه من هذه الجائحة مما سيودي الى انهياره. وفي حالة حدوث هذا فإنه سيصب مباشرة في مصلحة الولايات المتحدة الى جانب النظام السعودي والكيان الصهيوني الذي لم يفوت اية فرصة في الدفع في إتجاه “تغير النظام” في طهران. ولا شك ان هذه الدول رأت في الازمة الغير مسبوقة التي أوجدها فيروس كرونا فرصة ذهبية لتحقيق مآربهم.
وبالفعل فإن هذا ما كانت تسعى اليه الادارة الامريكية عندما طلبت من القيادة العسكرية في البنتاغون لرسم الخطط لتوجيه ضربة إنتقامية للرد على هجوم إيراني وهمي على القواعد الامريكية وهو هجوم لم يخطط له ولا يرى الكثيريين من المحللين إمكانية لحدوثه. ولكن حقيقة ان الولايات المتحدة كانت عازمة على توجيه ضربة مباشرة الى القوات الايرانية في أعقاب هجوم الميليشيات العراقية الموالية لايران على القوات الامريكية يبين ان نية الهجوم على إيران كانت على الطاولة كما اوضح الرئيس الامريكي.
وتماشيا مع هذا المخطط والتحضير للحرب قامت القيادة العسكرية الامريكي بنصب منظومات باتريوت المضادة للصواريخ في قاعدتين عسكريتين امريكيتين وكذلك الاعلان على انه من الممكن نصب منظومات مشابهة في قواعد امريكية أخرى في العراق. وهذا التحدي الواضح للسيادة العراقية التي ما زالت مخترقة منذ اجتياح العراق عام 2003 من قبل القوات الامريكية والبريطانية على وجه التحديد لم يكن ليتم لولا وجود طبقة سياسية متواطئة مع المحتل الامريكي والتي ترى به الجهة الضامنة لامنها وبقائها في الحكم, وبالتالي فهي تتغاضى عن هذه الانتهاكات الواضحة كما تغاضت الى حد كبير على عملية الاغتيال البشعة لكل من المهندس وسليماني على اراض عراقية.
ويبقى السؤال هل هنالك إمكانية بأن ترتكب الولايات المتحدة حماقة عسكرية لا احد يدري ماذا سيلحقها من تداعيات على المنطقة وربما على العالم بأكمله؟
لا شك ان الولايات المتحدة تسعى الى عملية إنتقام ردا على الضربة التي وجهتها ايران الى قاعدة عين الاسد والتي تلقت نتيجتها القوات العسكرية الامريكية ضربة مؤلمة ظهر حجمها تدريجيا بعد سلسلة من الاكاذيب والادعاءات الكاذبة للبيت الابيض والرئيس ترامب على وجه التحديد. ولكن من الجانب الاخر فإن الشجاعة والارادة السياسية التي بينتها إيران والتصميم على الانتقام لمقتل القياديين المهندس وسليماني اثبتت وربما للمرة الاولى وعلانية انها قادرة على الرد في حالة اي استفزاز أو اعتداء امريكي مباشر او غير مباشر عليها. وهذا الجانب بالتحديد تأخذه القيادة العسكرية بعين الاعتبار وهي التي وجهت تحذيرا للبيت الابيض ان هذا الامر ينطوي على سياسة مغامرة لا تستطيع التحكم في مجرياتها وتداعياتها وتدحرجها. ومما لا شك فيه ان تصنيع أزمة عسكرية شيء وتنفيذها شيء آخر وخاصة مع تواجد العديد من العوامل التي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار على مستوى المنطقة والعالم أيضا وخاصة فيما يخص مواقف الحلفاء.
الموقف الاوروبي بشكل عام غير مؤيد لاي استخدام للقوة العسكرية الامريكية للضغط على إيران لتغيير سياساتها في المنطقة والتي هي بالتأكيد لا تصب في مصالح الولايات المتحدة لانها تضعف سيطرتها وهيمنتها على المنطقة وتهدد الكيان الصهيوني أو على الاقل تلجم عجرفته ومغامراته العسكرية ونواياه في التوسع. ولقد اظهر الاتحاد الاوروبي عدم موافقته على الانسحاب الامريكي من الاتفاقية الموقعة بين ايران والست دول الكبرى كما ان دوله لم تستجيب للضغوطات الامريكية التي حثها وهددها في حالة عدم انسحابها اسوة بالحليف الامريكي. بل وذهب الاتحاد الاوروبي الى إتخاذ خطوة الى الامام للالتفاف على الانسحاب الامريكي من الاتفاقية وفرض مزيد من العقوبات على إيران وكذلك على شركات الدول التي تتعامل مع إيران تجاريا, وذلك من خلال إيجاد الية مالية (انستكس)والتي بدء في تطبيقيه مؤخرا بعد الكثير من المماطلة الاوروبية نتيجة الضغوط الامريكية. وعلى الرغم من ان تطبيق هذه الية لم تسفر بعد عن نتائج اقتصادية مثمرة والانخراط في نشاط إقتصادي ومالي يتجاوز دعم إيران في محاربتها لفيروس كرورنا الا ان البدء بهذه الالية يعتبر بحد ذاته شيئا إيجابيا. وهذا بحد ذاته سيضعف سياسة العقوبات ” وسياسة الضغوط القصوى” على إيران كإحدى السبل في محاولة تغيير النظام في إيران. ولا شك ان وباء فيروس كورونا الذي انتشر عالميا قد ساعد الدول الاوروبية لاتخاذ قرار البدء بتنفيذ بنود الاتفاقية الموقعة مع إيران.
والى جانب هذا أطلق الاتحاد الاوروبي دعوات عالمية لرفع العقوبات عن كل من إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية في هذه المرحلة الضاغطة على أمكانيات هذه الدول في ظل محاربتها وباء فيروس كورونا المنتشر عالميا عابرا للقارات وبتسارع مخيف. هذا بالاضافة الى التباعد بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي بشأن الناتو من حيث التمويل الاوروبي وتبرير وجوده بعد انتهاء الحرب الباردة وتحويله الى اليد العسكرية الضاربة للولايات المتحدة كما حصل على الاقل في كل من يوغسلافية وليبيا والعراق وأفغانستان وحيث لم تكن هنالك مصلحة فعلية لهذه الدول في المشاركة مع او نيابة عن الولايات المتحدة.
ويجب ان لا ننسى الدعم الذي تقدمه كل من روسيا والصين الى ايران واهمية إيران لكل منهما أولا لانها تمثل موقعا جيوسياسيا هاما وموقعا إقتصاديا مهما ايضا. وتشكل روسيا حصنا منيعا ضد التدخلات العسكرية الامريكية في المنطقة وخاصة فيما يخص إيران وسوريا. وكلا البلدين استطاعا إبرام العقود التجارية مع إيران خارج نطاق الدولار واللجوء الى العملات المحلية لكل بلد وهذا مما يضعف الى حد ما النتائج المترتبة على العقوبات الامريكية المفروضة من جانب واحد.
وهنالك عامل ظهر بقوة في الفترة الاخيرة والذي من شأنه ان يقوض السياسة الخارجية المغامرة والعدوانية للولايات المتحدة بالرغم من التصريحات النارية التي يطلقها مسؤولي البيت الابيض وكبار الساسة مثل وزير الخارجية بومبيو حول العمل على تدمير المجموعات المسلحة في العراق والمناوئة للتواجد الامريكي هناك. فإن ظهور فيروس الكورونا في الولايات المتحدة وانتشاره بشكل سريع حيث تعدى عدد المصابين الى اكثر من نصف مليون مصاب وعدد الوفيات الى اكثر من 20000 وهي في طريقها الى التزايد وليس الانحسار. ولقد قامت الحكومة الفيديرالية بتخصيص ما يقرب من 2 ترليون دولار من الخزينة الامريكية لدعم إقتصاد البلد ( كبار رؤوس الاموال والشركات الكبرى على راسها وليس المواطن العادي) ولا شك ان المزاج العام في البلد لا يستطيع تحمل حربا محدودة كانت ان غير محدودة تشنها امريكا في الشرق الاوسط. فالاولوية يجب ان تكون محاربة فيروس كورونا وتمكين القطاع الصحي وتوفير المستلزمات الطبية من ادوية وغيرها الى المواطن الامريكي العادي. هذا بالاضافة الى ان الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات ولا يجرؤ الرئيس ترامب القيام باية مغامرة عسكرية غير مضمونة النتائج وهو الذي ما زال يبلع الاهانة الذي تعرض لها البيت الابيض والقوات الامريكية نتيجة الضربة المؤلمة التي تلقتها في قاعدة عين الاسد العراقية.
ثم ان هنالك الحليف الرئيسي في المنطقة الكيان الصهيوني والادوات في منطقة الخليج العربي والذي يجب أن يؤخذوا بعين الاعتبار وخاصة وأن إيران قد اعلنتها وبشكل واضح من أن اية ضربة توجه اليها من قبل الولايات المتحدة سيكون لها نتائج وخيمة على ادواتها في الخليج وعلى الكيان الصهيوني. ولقد اوضحت القيادة العسكرية الايرانية انه واثناء قصف قاعدة عين الاسد بالصواريخ ان هنالك كانت صورايخ مهيئة للانطلاق على الكيان الصهيوني وبعض الدول الخليجية فيما لو قامت القوات الامريكية بالرد على الهجوم الصاروخي الايراني داخل الاراضي الايرانية.
كل هذه الامور مجتمعة ستقيد الادارة الامريكية وتلجم عجرفيتها وإندفاعها الى توجيه ضربة عسكرية محدودة او غير محدودة لايران ففي نهاية المطاف كلا الحالتين يعتبر البدء بالحرب. ولكن من الضروري التأكيد على ان النية الامريكية المبيتة في تغيير النظام الايراني ستبقى على اولويات هذه الادارة ولا شك ان فشل الرهان الامريكي على اسقاط النظام الايراني بعدة طرق كان آخرها الرهان على فشل إيران في التصدي لفيروس كورونا ضمن نظام العقوبات الصارمة الامريكية المفروضة من جانب واحد سيجعل من الاختيار العسكري بابا مفتوحا يجب عدم التقليل من إحتمال حدوثه فيما إذا رات الادارة الامريكية فرصة لتحقيق ذلك مع اعتقادنا بأن عملية تغيير النظام في إيران هي عملية صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة.
ومع كل هذا يجب التاكيد أن الازمة الايرانية والاصرار الامريكي على سياسة تغيير النظام في طهران سيبقى محور الوجود الامريكي في المنطقة والمصدر الرئيسي لصفقات الاسلحة الخليجية وللثروة الهائلة للمجمع العسكري الصناعي الامريكي ومئات المليارات من اموال الجزية للخزينة الامريكية التي تقوم بدفعها دول الخليج للحفاظ على العروش والممالك والامارات, ولضمان امن الكيان الصهيوني الى جانب السيطرة على الثروة النفطية والغازية وطرق إمدادها والتحكم بأسعارها في السوق العالمية.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 واشنطن وإشكالية الانسحاب من العراق وسوريا
الدكتور حسن مرهج
راي اليوم
من جديد يعود المشهدين العراقي والسوري إلى واجهة التطورات الشرق أوسطية، على الرغم من استحواذ فيروس كورونا على جُلّ العناوين الإقليمية والدولية، إذ لا شك بأن جوهر الاستراتيجية الأمريكية وجُزئياتها في الشرق الأوسط، تنطلق حُكماً من العراق وسوريا وجغرافيتهما ذات الأبعاد الجيواستراتيجية؛ ففي غمرة انشغال العالم بكورونا وانتشاره ” الغير منطقي “، تعود إشكالية التواجد الأمريكي في المنطقة من بوابة العبث بالخرائط السياسية، والذهاب بعيداً نحو تعزيز حالة اللا استقرار في المنطقة، إذ لم تعد القضية تتمحور حول انسحاب أو طرد القوات الأمريكية، فهذا الأمر سيكون واقعاً لا محال، لكن لقضية الأساسية تكمن في حيثيات ومبررات الإدارة الأمريكية حيال تواجدها في المنطقة، خاصة أن واشنطن تُدرك بأن هذا التواجد في لعراق وسوري لن يطول، لكن لا ضير من العبث مُجدداً بما حققه محور المقاومة خلال سنوات خلت؛ مع فروقات تتعلق بالمسار السياسي في سوريا والعراق، وطبيعة التعاطي مع تواجد القوات الأمريكية.
وردتني معلومات من مصادر خاصة، تحدثت عن وصول عناصر من المخابرات الأمريكية إلى العراق وسوريا، ويتحدثون اللغة العربية بطلاقة، وتابع المصدر حديثه أن أحد هؤلاء العناصر يُلقب بـ ” كلاي الصغير “، وقد أخبرني أن كلاي قال له حرفياً، أن هناك خطة أمريكية تقتضي التوجه إلى وجهاء العشائر في سوريا والعراق، لتشكيل نواة مسلحة وبهدف مواجهة داعش إن عاد مُجدداً. المصدر قال لـ كلاي أن داعش بحسب تصريحات إدارتكم قد أنتهى، ليرد كلاي بقوله نعم انتهى لكن ليس كل ما نعرفه سنقوله، وأضاف أن واشنطن لم تعد ترى في الكرد حليفاً جراء خططهم التي تم كشفها لجهة التقرب من دمشق وموسكو وهذا لا يناسب استراتيجيتنا. ويتابع المصدر قوله هل داعش أيضاً جزء من خططكم في سوريا والعراق، يقول المصدر هنا “كلاي” دُهش وقال لي داعش سيعود إلى سوريا والعراق.
شخصياً، قد يكون ما نقله لي المصدر غير دقيق ويُراد به ايصال فكرة تتمحور حول تواصل أمريكي مع عشائر سوريا والعراق، الذين تربطهم صلات قُربى ووحدة الدم، وبغض النظر عن خطط الإدارة الأمريكية وتحركات داعش الأخيرة في البادية السورية، إلا أن الوقائع تقتضي التأني والتعمق في استراتيجية واشنطن حيال سوريا والعراق، مع الربط بين التحركات الأمريكية في سوريا وإرسال آلاف القوافل العسكرية وتمركزها في شمال شرق سوريا، فضلاً عن جُزئية لها ما لها من وقائع ورسائل حيال نشر صواريخ باتريوت في العراق. كل هذه الوقائع تصب مباشرة في بوتقة هدف أمريكي واضح المعالم، حيث أن واشنطن تسعى مُجدداً لخلط أوراق الجغرافية السورية، وابقاء الساحة العراقية حُبلى بالمفاجآت التي لا يمكن التنبؤ بمسارها.
لا شك بأن تحركت داعش الأخيرة في سوريا، يمكن ربطها في سياق تمرير الذرائع لإبقاء القوات الامريكية في سوريا والعراق، خاصة أن التحركات الشعبية الأخيرة في العراق ركزت على جُزئية إخراج الأمريكي من الجغرافية العراقية، وبغض النظر عن التجاذبات السياسية في العراق، إلا أن التوجه الحالي يتم هندسته وفق قاعدة إخراج الأمريكي، وكذا في سوريا، هناك العديد من العمليات النوعية التي نُفذت ضد القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا. وعليه من الطبيعي أن أي شخص لديه الحد الأدنى من الانتماء لوطنه سيرفض أي وجود لقوات أجنبية على أراضي بلده، لكن قضية الوجود العسكري الأمريكي مختلفة ومعقدة وتنطوي على تساؤلات عديدة حول طبيعته، ومن هذه التساؤلات: هل القوات الأمريكية في العراق بعد عام 2011 قوات احتلال أم قوات حليفة؟ ولماذا تصاعدت المطالبات بانسحابها في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا هذه المطالبة تصدر فقط من الجهات السياسية-المسلحة العراقية المرتبطة بإيران؟ وهل رأي الجهات المرتبطة بإيران يمثل رأي جميع مكونات الشعب العراقي بخصوص هذه القضية؟، كما أن التواجد الأمريكي في سوريا أيضاً يحتوي العديد من التساؤلات، والتي ستظل مبهمة حتى ذهاب غبار فايروس كورونا، الذي اسفر عن هدوء الأوضاع أو بالأدق تجميدها.
حقيقة الأمر ان اشكالية التواجد الأمريكي في سوريا والعراق، ستأخذ أبعادً غاية في الحساسية، وقد نشهد خلال الفترة القادمة تحركات أكثر حساسية بالمعنى العسكري، عبر تحريك الأدوات الأمريكية في سوريا والعراق، خاصة أن واشنطن تُدرك أنه لابد من تهيئة الأرضية الخصبة لتأمين وجود مستدام، فهي تُدرك أيضاً أن محور المقاومة بكل جُزئياته عاقد العزم على فتح المعركة ضد التواجد الأمريكي في سوريا والعراق. هذا التوجه أيضاً تهندسه رغبات روسية صينية للحد من تفشي الخطط الأمريكية في المنطقة، للحد من تداعياتها الكارثية على الجميع، وبالتالي ستكون الفترة القادمة أي ما بعد كورونا عسكرية بإمتياز، ومن الضروري في هذا الإطار، تشبيك الجغرافية الممتدة من ايران إلى العراق مرورا بسوريا، لتشكيل جبهة مضادة للتوجهات الأمريكية. ولننتظر.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 عوامل ومعطيات أساسية تسمح للسيد الكاظمي بنيل ثقة مجلس النواب لحكومته المُرتقبة
الدكتور جواد الهنداوي
راي اليوم
أختلفُ مع الآراء التي تُكتبْ أو تُقال، في تصريح او مقال، ومفادها أنّ في ترشيح السيد الكاظمي مناورة وخدعة سياسية تهدفُ الى كسب الوقت والإبقاء على حكومة تصريف الأعمال، برئاسة السيد عادل عبد المهدي.
وبصرف النظر عن رصانة او هزالة الحجج التي تسوُقها هذه الآراء، وعن نوايا طارحيها، نرى في هذه الآراء تجاوز على حقائق و وقائع. ما هي؟
اولاً. لا أعتقدُ في نيّة السيد عادل عبد المهدي بالرغبة في الاستمرار في حكومة تصريف اعمال وفي حالة سياسية تُوصفْ ” بحكومة او بوضع البطّة العرجاء .”
ثانياً. أرى في الرأي القائل بانَّ ” رغبة و مصلحة ايران تقتضيان الاستمرار بحكومة السيد عادل عبد المهدي، والاستمرار بإجهاض ايّة محاولة سياسية لتشكيل حكومة جديدة “، هو استهانة بسيادة العراق وبقدرة الإرادة العراقية، هو ترويج لعراق تابع و خاضع.
ثالثاً. ارى في هذه الآراء تكريس وترسيخ لثقافة ” جلد الذات “، وتمكين الآخر (صديق او خصم) على مُقدراتنا وعلى أراداتنا. التشاور مع الصديق ( إنْ كان جاراً او بعيد )، وليس التسليم لامرهِ او الاستسلام لهُ هو فعلٌ محمود و وارد في العلاقات الدولية، لاسيما ونحن في مسار سياسي لايزال في مخاض ولم يحصلْ بعد على شهادة ” التجربة الديمقراطية”.
ماهي المعطيات او العوامل التي تُبرّر رأينا،عنوان المقال؟
مثلما يُقال في كسب المُراد والمنال : ” تُقاس الأمور في خواتمها”. لا أحد ينفي عن حصول اجماع نيابي شيعي في ترشيح السيد الكاظمي، أنْ كان هذا الإجماع برضا تام من البعض، او تجنّباً من البعض الآخر لأنَّ يكون “حجر عثرة”، مثل ما صرّحَ، علناً السيد الخزعلي، قائد عصائب اهل الحق.
نحن امام ترشيح نالَ موافقة الكتل السياسية النيابية الشيعية، و موافقة المكوّنات السياسة و النيابية الاخرى (الكردية والسنيّة). أصبحَ الترشيح عراقياً وليس شيعياً. وللأمر أثار سياسية مهمة على الصعيد الوطني و العربي و الدولي.
عراقياً، لا أحدَ ( حزب،مكون ) يُريد ان يلعب دور ” ألمُعطّل ” لحلٍ،طالَ انتظاره، و في ظلِ ظروف استثنائية.
بيان كتائب حزب الله العراق، غير المؤيد للترشيح،له أهداف بنيويّة تتعلق في الحزب و أخرى سياسية ذات بُعد اقليمي، أفصحُ عن بعضٍ منها،و أقول : يُريد الحزب،في هذا البيان، تأكيد وتعزيز شخصيته العراقية، وليس لأيران، التي رحّبت رسمياً بترشيح السيد الكاظمي،أملاءات على الحزب.
ترشيح السيد الكاظمي،مناسبة للحزب المذكور و كذلك لايران لايصال رسالة الى الآخرين، وخاصة الى الأمريكين،مفادها : ليس كل ما تقوم به الفصائل المسلحة في العراق هو بأمر او بأشارة من ايران.و هذا ما جاء بتصريح رسمي إيراني للناطق باسم الخارجية الإيرانية،قبل أيام وقبل ترشيح السيد الكاظمي، بأنَّ عمل وتعامل الفصائل المسلحة في العراق تجاه الأمريكين ليس له علاقة بايران.
بيان كتائب حزب الله في العراق هو تصعيد في لغته، و أراه بداية لتفاهم في جوهره وهدفه، و أتمنى من السيد الكاظمي اغتنام هذه الفرصة ؛ فرصة أنْ تكون كتائب حزب الله و غيرها عناصر في تعزيز السيادة الداخلية للعراق. شعار هذه الكتائب وغيرها هو احترام سيادة العراق، وعلينا أقناعهم على ان سيادة العراق الداخلية هي أسبق وقبلَ سيادة العراق الخارجية. لاسيادة خارجية للعراق اذا لم يكْ العراق دولة.
لا أحد يشكُ في معطى التوافق الضمني الإقليمي ( ايران )، والدولي ( امريكا ) على ترشيح السيد الكاظمي. لا ايران و لا أمريكا، لهما مصلحة ان يكونا في تعارض مفضوح مع الإجماع العراقي على الترشيح، و كلاهما ( ايران وأمريكا ) يصرحان بانهما مع الإجماع الوطني، ومن اجل اجماع عراقي.
رُبَّ سائل مُحق في استفهامه، وهو ؛ ما علاقة امريكا و ايران في ترشيح رئيس وزراء العراق ؟
لكليهما و لغيرهما مآرب و مصالح في العراق وضرورة علاقات مع العراق. دون ان نخوض في مصالحهما التكتيكية والاستراتيجية القريبة والبعيدة، نضعُ جانباً، الآن، مصلحة امريكا في النفط و في أمن وهيمنة اسرائيل، نكتفي في الإشارة الى انَّ امريكا تفكّر في الوقت الحاضر الى إنجاز انسحاب جزئي او كلي من العراق، ولا بُدَّ ان تستكمل مشوارها، الذي بدأته مع السيد رئيس وزراء تصريف الأعمال، في جدولة الانسحاب، و في التفاوض على مستقبل العلاقات العراقية الامريكية.
أيران تعتبر ما يجري في العراق يؤثر على أمنها القومي، وهذا سبب من الأسباب التي دفعت ايران الى مساعدة العراق، كُل العراق، في حربه ضّد الإرهاب. ثُّمَ أولمْ تقع حرب بين ايران والعراق طالت اكثر من ثمانية أعوام، ساهمت دول عربية و أخرى في أضرامها و تغذيتها ؟
ليس فقط ايران ترى في العراق ساحة تتعلق بأمنها القومي،كذلك تركيا التي تبرر وجود لوحدات قتاليه لها بالقرب من بعشيقة، في شمال العراق، بضرورات أمنها القومي.
أصبح مفهوم الامن القومي للدول مُحركاً للعلاقات الدولية،اكثر قوة من ميثاق الأمم المتحدة ومن القانون الدولي. وما تقوم به تركيا في سوريا من احتلال للأراضي السورية،بحجة إنشاء شريط حدودي يضمن أمنها القومي،شاهد على ما نكتب.
علينا، وعلى العرب كدول، أنْ نفكر في توظيف ” الامن القومي ” في تعزيز العلاقات بيننا و دول الجوار و من اجل احترام كيان وسيادة الدولة وليس في تبعية الدولة او احتلال جزء من أراضيها.
ارى في الإجماع الوطني والتوافق الضمني الإقليمي والدولي على ترشيح السيد الكاظمي قوة له وضمان في نيل الثقة، و فرصة مواتيّة له لتعزيز كيان وسيادة الدولة، ولتقارب ولتفاهم بين من يعينهم أمن واستقرار العراق والمنطقة.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5 ما بين التموضع العسكري الأمريكي وتموضع النظام في العراق
أمير المفرجي
القدس العربي
لم تمض سوى أيام قليلة على تكليف عدنان الزرفي لتشكيل حكومة انتقالية، حتى أعلنت أحزاب الدين السياسي التابعة لإيران، اعتراضها لترشيحه واعتبار قبوله، تنفيذا للأجندة الأمريكية، والعودة إلى قبول رئيس جهاز المخابرات، مصطفى الكاظمي، الذي اتهمته هذه الأحزاب نفسها بمسؤوليته عن مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية على قتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ليجدوا أنفسهم في النهاية أمام اختيارين أحلاهما مرّ.
في الوقت الذي اعتبرت القوى الشيعية الأخرى، أن ترشيح شخصية مقبولة من المجتمع الدولي، ضرورة من ضرورات المرحلة، يمكنها إدارة معادلة التوازن المقبلة بين النفوذين الإيراني والأمريكي في العراق. وتأكيدها على أهمية التأقلم مع المشهد السياسي الجديد، نتيجة فشل التفاهمات التقليدية بين القوى الشيعية وعدم قدرة إيران على لملمة الأحزاب الموالية لها، بعد زيارة وريث قاسم سليماني إسماعيل قآني«إلى بغداد، وفشل لقائه بقيادات الفاعل السياسي الشيعي، ما قد يجعل من عملية الترشيح لمنصب رئاسة الوزراء، حجة لتصفية الحسابات وصراعا للنفوذ على مقدرات هذا البلد.
وعلى الرغم من الرغبة المعلنة لتفادي حالة انقسام القوى الموالية لإيران، بيد أن بعض الشخصيات المؤثرة لهذه الأحزاب، أبدت رغبتها في كسب المزيد من النفوذ واستمرارها في السلطة، تماشيا مع حالة التأقلم الجديد للمشهد العراقي، نتيجة لتصاعد الضغط السياسي والعسكري الأمريكي على حلفاء إيران، سعياً إلى ركوب الموجة، في حالة تغير بوصلة النظام العراقي لصالح واشنطن، للإفلات من العقاب، نتيجة لتورط الكثير من زعماء هذه الأحزاب بملفات وقضايا الفساد، وقتل المتظاهرين، التي تمتلكها الإدارة الأمريكية، ويحاسب عليها القانون الدولي. في الوقت الذي أثبتت الأحداث الأخيرة في إيران، عجز النظام الثيوقراطي، نتيجة لمشاكله الداخلية، عن مد يد العون لحلفائه في العملية السياسية، بعد إخفاق الأحزاب الحاكمة للخروج باتفاق على مرشح جديد لرئاسة الوزراء، فضلا عن تصاعد التوتر بين ميليشيات الأحزاب الموالية لطهران وواشنطن، ما ينذر بجر العراق إلى أتون حرب، قد تندلع بين الميليشيات والولايات المتحدة على أرض العراق، إذا أخذنا بعين الاعتبار، وضوح الموقفين الأمريكي والإيراني، في ما يتعلق بتجنب الوصول إلى صراع عسكري شامل لكلا الطرفين، وسعيهما إلى الحفاظ على بقائه داخل الأراضي العراقية، ومن ثم حصر نتائجه على مستقبل العملية السياسية في بغـداد، من خلال العمل على إعادة التموضع السياسي والعسكري للولايات المتحدة في بلاد الرافدين، والشروع بتنصيب نخبة سياسية عراقية حليفة للولايات المتحدة، عن طريق إعادة تموضع النظام السياسي في العراق، والشروع في إعادة تنظيم الولاءات الخارجية داخل العملية السياسية.
أسباب إعادة التموضع العسكري الأمريكي، هو الحفاظ على المصالح الأمريكية، واستمرار بقاء قواتها، وعدم انسحابها من العراق
من الجدير بالذكر، أن انسحاب القوات الأمريكية من «قاعدة القيارة» جنوب الموصل، بعد أيام من الانسحاب من «قاعدة القائم»، كان نتيجة لاستهداف السفارة الأمريكية في بغداد، وتصاعد وتيرة عمليات الاستهداف المتكررة للقواعد الأمريكية، ناهيك من مطالبة أحزاب إيران في البرلمان العراقي، بانسحاب القوات الأجنبية، وهذا ما يفسر الأسباب التي دفعت بإعادة التموضع العسكري الأمريكي، للحفاظ على المصالح الأمريكية، وبالتالي استمرار بقاء هذه القوات، وعدم انسحابها من العراق، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة جديدة تضمن استمرار التواجد الأمريكي في العراق.
من الواضح، أن من أهم أسباب التموضع العسكري الأمريكي، ضمان حرص واشنطن، على تأمين القوات العسكرية في قواعد محمية، إلا أن من المحتمل أيضاً تفسيره، باعتباره خطوه مكملة، تدخل ضمن عملية تموضع سياسي لدعم النظام العراقي المتهاوي، للوصول إلى حلول تكفل التصويت على قبول المرشح الذي تفرضه الولايات المتحدة والمتمثل في عدنان الزرفي أو مصطفى الكاظمي. بعد ان أضحت العملية السياسية التي تبنتها أمريكا وإيران، عاجزة عن الخروج من أزمة النظام السياسي العراقي، جراء الضغط الكبير من المليشيات المسلحة، رداً على عمليات التصفية التي تعرض لها أبرز قادتها في العراق وإيران، ومن ثم الشروع بدعم معادلة سياسية جديدة من خلال استخدام الولايات المتحدة الأمريكية سياسة الترغيب أو الترهيب. وبمعنى آخر، العودة إلى سياسة العصا والجزرة، لدفع الفاسدين من المتشبثين بكراسي الحكومة والبرلمان، لتغيير ولائهم مقابل القبول بالوجود الأمريكي واستمرارهم في السلطة، أو استخدام عصا العقوبات لدفع ثمن ما جنت أياديهم من جرائم القمع والقتل لشباب «انتفاضة تشرين» وسرقة المال العام، من دون تغيير شامل في النظام السياسي، الذي رسم خطوطه الحاكم الأمريكي بريمر، والذي كان له الدور الكبير في تشريع قوانين الطائفية، والسماح للميليشيات المسلحة بالدخول في العملية السياسية، عن طريق تزوير انتخابات البرلمان، ومن ثم العمل على دعم استمرار هذه المليشيات سياسيا وماديا، ورفض حلها خوفا من سقوطها، الذي سيدفع لا محالة لسقوط عروشهم، التي أجرمت بحق كل العراقيين، شيعة كانوا أم سنة.
وهنا لابد من التأكيد على أن مقترح الحوار الاستراتيجي الذي نقله السفير الأمريكي إلى ممثل حكومة تصريف الأعمال العراقية عادل عبد المهدي، يدخل ضمن سياسة العصا والجزرة، الذي يراه الأمريكيون، الحل المناسب لحوار استراتيجي من نوع جديد بين الولايات المتحدة والنظام العراقي، لبحث مستقبل العلاقات بين الطرفين، في حالة قبول حكومة عراقية تفرضها الإدارة الأمريكية، من خلال إعادة تموضع للمشهد السياسي العراقي، يضمن خروج إيران من العراق، مقابل إعادة تموضع عسكري أمريكي للانسحاب من بعض القواعد، يضمن للنظام العراقي وأحزاب برلمانه حفظ ماء الوجه، في ظل القرارات والمستجدات والتغيرات المقبلة في إيران والمنطقة. في المقابل، وعلى الرغم من كشف رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية، بدء فتح حوار استراتيجي بين بلاده والولايات المتحدة، لبحث مستقبل العلاقات بين الطرفين، إلا أن النية الأمريكية المعلنة التي حملها السفير ماثيو تولر، قد تتصادم مع مشكلة بقاء «ميليشيات الحشد» التي يدافع عن شرعية بقائها عادل عبد المهدي، ومن سبقه في هذا المنصب في الحكومات الطائفية السابقة، بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي. وعلى العكس فهذا يعني استمرار العملية السياسية الطائفية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار السماح للحكومة العراقية المقبلة، الاستمرار في نهج إبقاء المليشيات الإيرانية لاستمرار فرض سيطرتها على بغـداد ومناطق الجنوب والفرات الأوسط.. وبمعنى آخر تموضع أمريكي خُصص لتقسيم العراق.
لا شك، في أن نجاح تصويت الأغلبية في البرلمان العراقي لمرشح من خارج أحزاب إيران، سيعتمد بالدرجة الأولى على دور حلفاء الولايات المتحدة من العرب الشيعة والسنة والكرد، وهذا يعني في حالة أن تم قبول مصطفى الكاظمي أو غيره من الذين تتبناهم الإدارة الأمريكية في الخفاء، من قبل أغلبية الشيعة العرب، يُعتبر انتصارا للمخطط الأمريكي المتمثل بسياسة العصا والجزرة، في سعيه لشق أحزاب إيران، من قتلة شباب الانتفاضة وسراق المال العام المتشبثين بكراسي السلطة، وتجييرهم لصالحه والسماح لهم في الاستمرار في قمع العراقيين، وسرقة ثروات العراق، في ظل الحماية والوصاية الأمريكية
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
6 إسقاط الزرفي مؤشر جديد على التوتر الإيراني الأمريكي في العراق
وائل عصام
القدس العربي
رغم تعويل الكثيرين على المرشح لرئاسة الحكومة العراقية عدنان الزرفي، بصفته مقربا من الأمريكيين، إلا أن هذه الصفة تحديدا (القرب من واشنطن) كانت كافية لإسقاطه أسرع من أي مرشح آخر، فالمنظومة الإيرانية في العراق أرادت القول إنها ترفض أي تجاوز لدورها في اختيار المفاصل الرئيسية في الحكم، ولديها دولة عميقة، لا تزال قادرة على تذليل خلافات الفرقاء الشيعة في المسائل الكبرى، وتسيير السياسات، بغض النظر حتى عن هوية رئيس الوزراء، أما الأمريكيون فدورهم يتضاءل، ولن يكون مفاجئا انسحابهم من العراق نهاية المطاف.
ومن الواضح أن المشهد متجه نحو المزيد من التصعيد، بين الإيرانيين الذين يتمتعمون بتحالف مع قوى شيعية نافذة وموالية في العراق، والأمريكيين الذين يتهاوى حلفاؤهم يوما بعد يوم في العراق والمنطقة، ويبدو أن العراق لم يعد يقبل الشراكة في النفوذ بين واشنطن وطهران، ولا يحتمل «القسمة على اثنين»، خصوصا مع الإصرار الإيراني على التصعيد مع الإمريكيين للضغط عليهم من أجل الانسحاب من بقية القواعد في العراق، حيث انسحبت القوات الأمريكية من نحو 5 قواعد حتى الآن، وأطلقت الميليشيات الشيعية نسختها العراقية من فصائل المحور الإيراني، إذ أعلن في بغداد عن تأسيس «عصبة الثائرين» و»جبهة المقاومة العراقية».
يبدو أن العراق لم يعد يقبل الشراكة في النفوذ بين واشنطن وطهران، ولا يحتمل «القسمة على اثنين»
وتشير آخر دراسات مراكز الأبحاث الأمريكية، إلى وضع غير مريح تماما لواشنطن في العراق في مواجهة النفوذ الإيراني، إذ كشف تقرير معمق لمركز دراسات الحرب الأمريكي، المقرب من البنتاغون، عن أن القواعد الأمريكية تعرضت منذ اغتيال سليماني إلى 15 هجوما من قبل الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران في العراق، ويقول التقرير، إن الهجمات أظهرت عدم صحة افتراضات البيت الأبيض، بأن اغتيال سليماني سيحمي الأمريكيين، إذ فشل مقتل سليماني بردع «وكلاء إيران». ويرى المركز أن «جبهة المقاومة العراقية» و»عصبة الثائرين» تشكيلات موالية لإيران، وتسيران بأهداف سليماني نفسها نحو إخراج القوات الأمريكية. وتحاول إيران تجنب المسؤولية المباشرة عن هذه الهجمات بنسبتها لتشكيلات جديدة كـ»عصبة الثائرين». ويعتبر التقرير أن أهم أسباب الانسحاب الأمريكي من القواعد، تتلخص بالتحصن بقواعد أكبر وأكثر حماية للجنود، ويحذر من إمكانية استخدام الميليشيات الشيعية لصواريخ باليستية في هجمات مستقبلية، بعد استخدامها الصواريخ القصيرة وقذائف الهاون في هجمات سابقة.
وفي استنتاج يبدو متشائما بالنسبة لسياسات البيت الأبيض في العراق، يقول باحثو مركز دراسات الحرب الأمريكي، إنه من غير المرجح أن تحقق الضربات الأمريكية ضد الميليشيات الأثر المطلوب، بل إن المركز يذهب لأبعد من ذلك، متوقعا أن تؤدي الضربات للحشد، «لتنفير العراقيين المعارضين لإيران والنظر للفعل الأمريكي انتهاكا سياديا، وقد لا تملك الإدارة الأمريكية تبريرا للانتقام من إيران، أمام الشركاء الأوروبيين وتؤدي لخسارة مكاسب التحالف منذ 2014».
وبخصوص المرشح الرئاسي عدنان الزرفي، الذي بدا منذ اليوم الأول خارجا عن بيت الطاعة الإيراني، لمعارضة أبرز الكتل الشيعية له، استبعد التقرير الأمريكي نجاح الزرفي بتشكيل حكومته، متوقعا استمرار لعبة المرشحين البدلاء لعادل عبد المهدي، الذي أتم 4 أشهر رئيسا لحكومة تصريف الأعمال، ويظهر التقرير وصفا لعبدالمهدي بالتحالف مع الايرانيين: «قد يكتفي وكلاء إيران العراقيون بتمديد لفترة ولاية رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، لقد أثبت عبدالمهدي أنه ممثل مقبول لإيران، يمكنه العمل مع طهران وواشنطن بدون ممارسة الضغوط على دولة الظل العراقية الإيرانية». ولكن اختيار الكاظمي الذي حظي بحالة تأييد من زعماء معظم الكتل الشيعية، قد يضع نهاية لمسلسل حكومة تصريف الأعمال، خاصة أن ترشيحه جاء بموافقة الكتل الشيعية الكبرى، التي رأت أن استحقاقها انتهك بتكليف برهم صالح للزرفي. وينهي التقرير توصيفه لحالة الوضع الراهن بالعراق، بالاستشراف مستقبلا، مقدما رؤية ترجح بقاء الإيرانيين في العراق، لا الأمريكيين، قائلا،» قد يجبر التصعيدالعسكري الأمريكي ضد الحشد العراقيين على الاختيار بين أقرب الحلفاء. وسبق أن أوضحت أمريكا نواياها لمغادرة العراق، ويفهم العراقيون أن إيران ستكون جارهم للأبد، وإذا اضطروا للاختيار بين المصالح الأمريكية والإيرانية، فإن العديد من العراقيين سيختارون إيران»، بحسب مركز دراسات الحرب الامريكيISW.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
7 الحكومة العراقية.. حاولْ مجدداً
عائشة المري الاتحاد
ينشغل العالم بمواجهة وباء كورونا وينشغل العراق بأزمة ثلاثية الأبعاد، أزمة سياسية لتعطل محاولات تشكيل الحكومة بالتزامن مع حراك شعبي انطلق في أكتوبر الماضي ومازال متأججاً، وأزمة اقتصادية جديدة تضاف لأزماته جراء انهيار أسعار النفط، ثم أزمة تفشي وباء كورونا وتصاعد أرقام الوفيات في بلد يعاني نقصاً مزمناً في المعدات الطبية والأدوية والمستشفيات.
وقد كشف فشل محاولات تسمية رئيس للوزراء في العراق حجم الأزمة التي يعيشها البيت الشيعي في السلطة وفي الشارع الشيعي المنتفض على المحاصصة والفساد والاستتباع للمصالح الإيرانية. ودفعت الاحتجاجات المستمرة منذ أكتوبر الماضي رئيس الوزراء، عادل عبدالمهدي، لتقديم استقالته في ديسمبر، ومنذ ذلك الحين يحاول العراق تشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة عبدالمهدي التي أصبحت حكومة تسيير أعمال. وبعد اعتذار عدنان الزرفي عن رئاسة الحكومة، كلف الرئيس العراقي برهم صالح رئيس المخابرات مصطفى الكاظمي في التاسع من أبريل الجاري بتشكيل حكومة جديدة خلال 30 يوماً. والكاظمي هو الشخصية الثالثة التي يتم اختيارها لتشكيل حكومة جديدة في العراق بعد محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي اللذين فشلا في الحصول على الدعم الكافي من قبل القوى البرلمانية لتمرير حكومتيهما.
لقد بشّر محمد توفيق علاوي، إرضاءً للمحتجين، بحكومة كفاءات، لكن نظام المحاصصة في توزيع الوزارات حال دون تشكيل حكومته رغم محاولته إرضاء واسترضاء الكتل والأحزاب النافذة، إلا أن تشكيلته المقترحة رفضها السنّة والأكراد، ومعهم نصف الأحزاب والكتل الشيعية، ما دفعه للاعتذار من خلال خطاب متلفز لام فيه «جشع السياسيين» الذين رجحوا مصالحهم الخاصة على مصالح الشعب.
وتعذّر كذلك تشكيل الحكومة لتعذر إيجاد توافق سياسي في البرلمان على تسمية عدنان الزرفي، فقد اعترضت على تكليفه الكتل السياسية الشيعية، وعلى رأسها «تحالف الفتح» و«ائتلاف دولة القانون»، فضلا عن حركة «عصائب أهل الحق»، أي أن الاعتراض على الزرفي كان من «المعسكر الموالي لإيران»، إذ يتهمونه بأنه «أميركي الميول». وعملت طهران على الدفع بتسمية رئيس جهاز الاستخبارات مصطفى الكاظمي، ليكون بديلاً عن الزرفي، وقد أُعيد طرح اسمه بعد الزيارة التي قام بها إسماعيل قاآني قائد «فيلق القدس» الجديد إلى العراق، وكانت وراء كل التطورات التي حسمت الموقف الخاص بالزرفي، حيث يحظى الكاظمي بدرجة عالية من التوافق داخل «البيت الشيعي» المنقسم، وقد رحبت طهران مباشرة بتكليفه، وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، إن بلاده تجدد استعدادها الكامل للتعاون مع الحكومة العراقية من أجل التغلب على مشاكل البلاد.
«إن ضرورات المرحلة تتطلب تكليف شخصية قوية، يمكنها إدارة توازن قلق بين النفوذين الإيراني والأميركي في العراق»، حسب وصف رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، إذ نزعت تسمية الكاظمي لرئاسة الحكومة العراقية فتيل أزمة تشكيل الحكومة الانتقالية مؤقتاً، وعكست حالة من التوافق داخل البيت الشيعي من ناحية، وموافقةً من القوى السنية والكردية من ناحية أخرى. وينتظر أن يعلن الكاظمي عن تشكيل الحكومة الجديدة في غضون شهر، وأن تعكس واقع المحاصصة الحزبية والتوافقات السياسية على الساحة العراقية وعملية التوازن الدقيق بين المصالح الأميركية والمصالح الإيرانية في العراق.