“إذهبي للمنزل فأنتي شابة، نحن هنا جئنا لنقضي آخر أيامنا ونموت”، بهذه العبارات الحزينة أبلغ مقيمون في دار رعاية للمسنين بإسبانيا، الطبيبة أدريانا التي تعمل هناك، باستعدادهم لتقبل الواقع المرير، وهو تفشي فيروس كورونا داخل المركز الصغير.
لم يكن ذلك مشهدا من فيلم درامي، لكنه واقع حدث في دار مسنين في إسبانيا، فقد ما لا يقل عن 50 شخصا من أصل 65 مسنا يعيشون فيه، بفيروس كورونا المستجد.
ولم يدرك عددا من النزلاء خطورة الأمر، لكن من يحافظون على قواهم العقلية كاملة، بدأوا باستشعار خطر الفاجعة التي حلت بهم، وذلك بعد متابعة الأخبار من غرفهم.
وأبلغ عدد من المسنين الطبيبة العاملة في المركز، أدريانا، بأن تبقى في منزلها، وأن تبتعد عنهم، حتى لا تصاب، بينما عبروا عن استعدادهم للموت بعد تفشي الفيروس، وفقا لمستشارة الاتصال والإعلام في منظمة “أطباء بلا حدود”، إيفان مونيوز في إفادة تلقت سكاي نيوز عربية نسخة منها.
ووفقا لمونيوز، لم تذهب أدريانا إلى أي مكان. بقيت بجانب الممرضين وعمال التنظيف. حتى أصابها الفيروس هي أيضا.
وقالت أدريانا: “كيف لنا أن نغادر؟ علينا أن نبقى لأن هذا واجبنا الأخلاقي والإنساني”.
وسجل يوم السبت 21 مارس، إصابة أول شخص في دار رعاية المسنين (تحفظت المنظمة على ذكر اسمه) بمرض كوفيد-19، وسرعان ما ارتفع العدد إلى 19، ثم 29، ثم 38، حتى وصل عدد الإصابات إلى 50.
إحدى الممرضات في دار الرعاية وكانت قد عملت سابقاً مع أطباء بلا حدود أبلغت عن الوضع، فجرى إرسال فريقاً مكوناً من طواقم طبية ولوجستية.
وقالت مونيوز: “ما حدث في دار الرعاية الذي تعمل فيه أدريانا يظهر أن النظام الحالي ليس مستعدا للتعامل مع مثل هذه الأعداد الكبيرة من المرضى في الوقت ذاته”.
ووضحت: “في البداية، نجحت فكرة فصل الغرف بين المرضى المصابين بالفيروس والمرضى غير المصابين، لحين بدأ بعض المرضى الأكبر سنا – الذين لم تكن عليهم أعراض المرض – يذهبون إلى المناطق المحظورة في منتصف الليل وهم يمشون دون أن يعلموا إلى أين. ومع أخذ عدد كبير من أفراد الطاقم إجازات مرضية بسبب إصابتهم بالمرض، (بينهم أدريانا الآن)، فقد كان نفس العاملين الذين يعتنون بمرضى الفيروس يعتنون أيضا بالمرضى غير المصابين”.
وتقول أدريانا، التي أبدت ندمها على عدم قيام دار الرعاية بإجلاء المرضى إلى المستشفى لتلقي رعاية تخصصية أكثر: “حتى الطاقم الإضافي الذي أرسل لدعمنا أصيب بالمرض في نهاية المطاف”.
الرحيل بلا وداع
وقالت مونيوز إنه قبل أن تعزل أدريانا نفسها بعد إصابتها بالمرض، توفي شخصان. ومع وجود القليل من معدات الوقاية الشخصية (التي وصلت بعد أيام)، ألزمت أدريانا وإحدى الممرضات بالاعتناء بالجثتين اللتين بقيتا في دار الرعاية لمدة 24 ساعة، لأن خدمة الدفن كانت غارقة في العمل.
وأضافت: “أخبرتني أدريانا حينها حول كيف حاولت هي والممرضة تقديم معاملة كريمة لهؤلاء المرضى. تفهَّم معظم الأشخاص مسألة حظر زيارات أفراد الأسرة والأصدقاء، وذلك لأنهم لم يريدوا أن يُعدوا أبناءهم أو أحفادهم أو أبناء أشقائهم. لكن مع تفاقم الوضع، بدأ الناس بالانهيار”.
“كان النزلاء يرون كيف بدأ أفراد الطاقم يأتون وعليهم المزيد من المعدات الواقية ويبدو عليهم المزيد من الخوف والتوتر. حتى بدأ أكثر النزلاء تماسكا وجأشا يشعرون بالذعر ويبكون ويصرخون للاتصال بأبنائهم وأحفادهم. كان الوضع يبدو لأدريانا وكأنه من عالم آخر”.
وما يُهِمُّ أدريانا، بحسب مونيوز، هو أن لا يموت كبار السن وحيدين متألمين، لكنها تعلم أن لا مفر من ذلك في الوقت الحالي.
واختتمت مونيوز: “تقول لي أدريانا أن أدوية مسكنات الألم قد نفدت من عندهم في دار الرعاية. فحاليا لا تتوفر هذه المسكنات سوى في وحدات الرعاية المركزة”
“عند ختام اتصالي بها قالت لي أدريانا أن المسنين سيموتون وحيدين، بدون جنازة وبدون كلمة وداع وهم يتألمون”.