5 مقالات عن العراق قس الصحف العربية يوم الخميس

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 يوم لن ينفع الكذب السياسي أصحابه
فاروق يوسف
العرب

في الماضي كان هناك شعور لدى مواطني بعض الدول العربية بأن الأنظمة السياسية الحاكمة تكذب حتى وإن تعلق الأمر بنشرة الأحوال الجوية.

شيء من السخرية ممزوج بواقع ملفق هو انعكاس لمسعى لا معنى له لتزوير الحقيقة واللعب بمفرداتها، خشية أن تكون تلك الحقيقة مفتاحا لفضيحة سيكون التستر عليها أمرا صعبا.

كان التضليل حلا مريحا بالنسبة للحاكم، يغنيه عن التعرض لصداع مساءلة متخيلة لن يقوم بها المحكوم. ذلك لأن صوت الشعب لن يكون أعلى من ضجيج الماكنة الإعلامية الرسمية التي كانت تحتكر الفضاء كله من غير منافس.

اليوم تغير العالم ومعه تغيرت سبل الاطلاع على المعلومات. لا يزال التضليل قائما، غير أنه يحتاج في هذا الزمن إلى عقول فائقة الذكاء وتقنيات متقدمة من أجل أن لا يتحول الكذب إلى مصدر مبتذل للسخرية والاستهجان.

فالفضيحة ممكنة في أية لحظة. هناك خفة في التقاط المعاني الخبيئة هي في متناول كل إنسان بغض النظر عن موقعه في المجتمع. لم تعد الملفات حكرا على أصحابها. صار الوصول إلى أكثر الملفات سرية وتعقيدا أمرا ممكنا. وما فعله “ويكيليكس” يمكن أن يكون مقياسا مشجعا لما صار ممكنا.

السياسيون يكذبون. تلك عاهة وعادة وهي تقليد. غير أن الأكاذيب السياسية صارت اليوم عبارة عن فرقعات مؤقتة، لا يُكتب لها النجاح دائما. في المجتمعات القوية والمتمنكة بوعي من معرفة ما يجري من حولها هناك نوع من الشفافية يدفع بالسياسيين إلى الاعتزال إذا ما انزلقوا إلى التضليل في الدفاع عن مشاريعهم الفاشلة.

غير أن شعوبا محكومة من قبل أنظمة لا تعترف بتحولات العقل البشري لا تزال تقع تحت تأثير التضليل الذي تمارسة ماكنة اعلام محلية عمياء هي الأكثر اطمئنانا إلى أنها لن تتعرض للمساءلة مهما كذبت.

في ظل كابوس كورونا بدأت الصين في الكذب. تبعتها إيران ودول مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن. كان ذلك متوقعا غير أن نتائجه هذه المرة كانت مدمرة على المستوى العالمي.

فعلى سبيل المثال فإن إيران كانت قد صدرت الفيروس اللعين إلى دول الخليج قبل أن تعلن عن ظهور اصاباته بين مواطنيها. تلك كانت جريمة لا يمكن غض النظر عنها. وهي تختلف عن الجريمة التي ارتكبتها الأحزاب الإيطالية حين قللت من خطورة الفيروس في خضم صراعاتها السياسية.

إيران هي نموذج سيء لما يمكن أن يكون عليه الحال في دولة، يكذب نظامها السياسي على مواطنيها. لذلك كان متوقعا أن تقع الدول التي تدور في فلكها في فخ الكذب من أجل اخفاء حقيقة ما يقع، بالرغم من أن كل شيء سيكون جليا وأن أية محاولة لإخفائه لن تنجح.

فالعراق الذي يحكمه نظام تابع لنظام الملالي ليس مؤهلا لمواجهة مشكلة صحية جماعية صغيرة، ذلك لأن القطاع الصحي فيه منهار بشكل كامل، فكيف به إذا ما تعلق الأمر بوباء من نوع كورونا. ما فعله رجال الدين كان هو الممكن الوحيد في ذلك البلد. لقد دعوا إلى زيارة الأئمة والتضرع الجماعي في مراقدهم من أجل أن يضع الله نهاية لتلك المأساة.

تلك كذبة سعى السياسيون هناك إلى تمريرها في محاولة لكسب الوقت.

ولكن الحقيقة لا يمكن اخفاؤها. العراق الذي تم افقار شعبه هو في حقيقته ليس بلدا فقيرا. وهو إذ يواجه الكارثة فارغ اليدين فما ذلك إلا انعكاس لسياسات اعتمدت الفساد منهجا في السطو على المال العام باعتباره غنيمة لأحزاب، كان امتيازها الوحيد أنها غزت العراق مع الدبابات الأميركية.

لذلك فإن الأرقام التي تسجلها وزارة الصحة العراقية لعدد المصابين بكورونا والوفيات لا يمكن ان تكون حقيقية. لا لشيء إلا لأن تلك الوزارة لا تملك ما يؤهلها لكي تكون مرجعا في ذلك. لا مستشفيات في العراق ولا محاجر صحية. يموت الناس هناك في بيوتهم بعد أن يكونوا قد نقلوا العدوى إلى عشرات من أقربائهم.

يوما ما سيكتشف العالم أن أنظمة سياسية بعينها قد خدمت الوباء ونشرته من خلال أكاذيبها. كان النظام الإيراني مثالا سيئا في ذلك المجال.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 النجف.. تفادياً للأوبئة حُرم نقل الجنائز
رشيد الخيون
العرب

نعود إلى العام 1911، وكان العراق، وبقية البلدان، ما أن يخرج مِن وباء إلا يبتلى بوباء آخر، في ذلك الزمان استرعى نقل الجنائز إلى النجف، التفات الفقيه هبة الدين الشَّهرستاني (ت1967)، تأتي مِن شتى البلدان وعلى وجه الخصوص مِن البلدات الإيرانيَّة، فأصدر صاحب «مجلة العلم» (1910-1912) رسالة «تحريم نقل الجنائز»، وذلك لما في هذا النقل مِن أضرار على العراقيين، وواجه صاحب الرِّسالة انتقادات شديدة مِن قبل الفقهاء الذين وصفهم بالقول: «يحسنون الهيمنة على شعور العوام» (الخاقاني، شعراء الغري)، ينشط هؤلاء في هذه الأيام لإعاقة قيام دولة قانون، وأخطرها الإجراءات الرسمية لتفادي مضاعفات الوباء (كورونا)، أما الذين وافقوا هبة الدِّين الرأي غلسةً، فلم يجرؤوا على الإفصاح، خشية من تضرر مصالحهم بين العوام.

شرح هبة الدِّين أسباب إصداره الرِّسالة، التي أثارت أصحاب المصالح بنقل الجنائز، في مجلة «العلم» (العددان 3 و5/1911)، ناشراً الرسائل التي حذرته مِن تُهم الفقهاء بخروجه من الدِّين والمذهب، أجاب بأن ذلك التَّقليد ليس مِن الدِّين، وأتى بنماذج مفزعة لما حلَّ بالجنائز المحمولة، كتعرضها لحرائق في الخانات على الطريق، مثل حريق عمَّ العشار بالبصرة لأربعمائة جنازة، هذا مِن غير نقل الأمراض، وقوافل الجنائز تمر عبر المدن والقُرى، ينقلها تُجار مختصون، وفقهاء يبثون فضل الدفن في تربة النَّجف.

شجعت أقوال للدفن في مقبرة النَّجف المترامية الأطراف، منها: «ما من مؤمن يموت في شرق الأرض وغربها إلا قيل لروحه الحقي بوادي السَّلام»، وهو اسم مقبرة النَّجف، والسلام، اسم من أسماء الجنة، والمقصد واضح عندما يرتبط هذا الاسم بمقبرة! ففي تربة النَّجف يعفى دفينها من العذاب، لذا نُسب إلى عليِّ بن أبي طالب (اغتيل 40هـ) القول: «اللهم اجعل قبري بها، ومن خواص تربته إسقاط عذاب القبر، وترك محاسبة منكر ونكير» (محبوبة، ماضي النَّجف وحاضرها)، كذّب هبة الدِّين تلك الأخبار، واعتبرها أخبار المنتفعين.

على ما يبدو، بدأ تقليد الدّفن في تربة النَّجف مع العهد البويهي (337-447هـ)، كان أوّل المدفونين من السَّلاطين والوزراء عند المرقد العلويّ، الذي يُعرف بالمشهد، عضد الدّولة (ت373هت)، قيل: «دفن عند رجلي الإمام، وكتب على قبره بوصيّة منه: هذا قبر عضد الدّولة وتاج الملّة أبي الشجاع ابن ركن الدولة، أحبّ مجاورة هذا الإمام المعصوم لطمعه في الخلاص يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها» (ماضي النَّجف وحاضرها)، دفن في وادي السَّلام، طمعاً بالإعفاء مِن الحساب أيضاً، شريف الدَّولة ابن عضد الدّولة (ت 379هـ)، وبهاء الدّولة ابن عضد الدّولة (ت 403ه،)، وكان الحمدانيّون «ينقلون موتاهم من الشام، وحلب، وديار بكر، والموصل، وفارس، وعراق العجم إلى النّجف» (عن كاشف الغطاء، سمير الحاضر وأنيس المسافر).

صارت لنقل الجنائز ودفنها شبكة اقتصادية، فالدَّفن صار مهنة للعديد مِن الأُسر النجفية، ازداد نشاطهم خلال الحروب وانفلات القتل بعد 2003، مِن غير أن أغلب العراقيين المتدينين بالخارج تحمل جثامينهم للدفن هناك، ناهيك عن أموات الداخل كافة، يُذكر للجنازين أنهم كانوا يقومون بدور وكالات الأنباء، لكنَّ النَّجفيّين لا يعتدون بها، فيطلقون على الأخبار التي يحملونها بـ «أخبار جنّازين» (الخليلي، هكذا عرفتهم)، صلةً بما تقدم، يمكن اعتبار الحملة التي أُطلقت ضد هبة الدِّين، في مكافحته لفيض الخرافة، ما هي إلا «أخبار الجنازين».

لأن النَّجف تستقبل الجنائز على مدار السَّاعة، وطلبة الفقه الإمامي أيضاً، اختصرها ابنها أحمد الصَّافي (ت1977): «إن الغري بلدةٌ تليـق أن/تسكنها الشِّيوخ والعجائـزُ/فصادرات بلدتي مشايخ/ وواردات بلـدتي جنائـزُ(المصدر نفسه).

أقول للأسف في زمن وباء كورونا: لم يظهر هِبة الدين الشهرستاني آخر، على درجة مِن المستوى الفقهي، فالحبل تُرك على الغارب للمتلاعبين بالعقول، ممَن قال فيهم قبل 110 أعوام: «يحسنون الهيمنة على شعور العوام»، وها هم ورثتهم ينزون فوق المنابر، بلا وازع ضمير ودين!
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 “وطنية” ملالي إيران والعراق
فريد أحمد حسن

الوطن البحرينية

عبر برنامج بإحدى الفضائيات العراقية المستقلة أبدى مقدمه ملاحظة مفادها أن زعماء المافيا في إيطاليا قدموا للحكومة الإيطالية 7 مليارات يورو «تعبيراً عن التزامهم الوطني» والمساهمة في مكافحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) بينما لم يقدم أي مسؤول من الذين أثروا من حكم العراق ما بعد صدام فلساً واحداً للتعبير عن «وطنيتهم» والمساهمة في مكافحة الفيروس الذي صار يزداد انتشاراً في العراق ويهدد حياة المواطنين جميعاً.

ما أراد مقدم البرنامج قوله باختصار هو أن هؤلاء كأولئك – أثروا من الحرام – إلا أن أولئك شعروا بمسؤوليتهم تجاه وطنهم وخجلوا فقدموا ذلك المبلغ الضخم الذي سيدونه التاريخ بعناية بينما لم يشعر هؤلاء بما ينبغي أن يشعروا به فلم يخجلوا ولم يقدموا شيئاً للعراق وقرروا عدم لمس ثرواتهم مهما حصل.

الأمر نفسه حدث ويحدث في إيران، فالملالي الذين أثروا من خلال سيطرتهم على المناصب وابتزازهم للشعب الإيراني على مدى أربعة عقود سكتوا وقرروا بدل التبرع بجزء ولو يسير من الذي اقتطعوه من ثروة البلاد مطالبة الولايات المتحدة برفع العقوبات الاقتصادية ليتمكنوا من شراء الدواء! ولأن هذا الأمر مفضوح لذا سارعت وزارة الخارجية الأمريكية إلى الرد بالقول بأن المشكلة ليست مشكلة العقوبات وإنما مشكلة النظام الإيراني وأنه «إذا كانت إيران بحاجة إلى تمويل لمكافحة فيروس كورونا فبإمكانها استخدام مليارات خامنئي».

واقع الحال يقول بأن ملالي إيران وملالي العراق ينامون على صناديق من الذهب بداخلها الكثير من المليارات، واقع الحال يقول أيضاً بأن أياً كان عدد المصابين بالفيروس والمتوفين بسببه ومهما حصل فإن أحداً من الذين يتوسدون تلك الصناديق لن يقرر فتحها حتى لو تبين له بأن أبناءه وأحفاده وكل أهله من ضحايا الفيروس.

هذه للأسف حقيقة لا يمكن إنكارها وإلا أين صارت ثروة هذين الشعبين؟ ولماذا لا يستطيع النظامان العراقي والإيراني مكافحة كورونا رغم غنى هذين البلدين؟ ولماذا يصل الأمر إلى حد أن يشحذ النظام الإيراني الكمامات ويفرض على المصابين تحمل جزء من قيمة علاجهم؟

مؤلم أن تنتهي أو تتدمر حياة الآلاف من الإيرانيين في كل يوم بسبب انتشار الفيروس، ومؤلم أن يصير بعد قليل هكذا هو حال العراقيين، ومؤلم أن يقف المسؤولون في البلدين مكتوفي الأيدي ولا يبادر أحد من الذين نهبوا ثرواتهما فيفعل مفيداً. لكن لأن الأذى في هذه الحالة لن يكون مقتصراً على إيران والعراق لذا صار من حقنا في دول مجلس التعاون الخليجي أن نتحرك ونحمي شعوبنا، فالفيروس لن يبقى يأكل في أجساد الإيرانيين والعراقيين فقط وإنما سيجد الوسيلة التي ينتقل بها من هذين البلدين إلينا، وهذه هي النتيجة التي يسعى إليها النظام الإيراني المتحكم في العراق «ليس بعيداً أن يقوم النظام الإيراني بعمل ما ينقل به الفيروس إلينا». هذا النظام يعتقد بأن تخوف دول المجلس من انتقال الفيروس من إيران والعراق إليها سيجعلها تطلب من الولايات المتحدة رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بل ويجعلها تدفع الأموال التي يخطط النظام الإيراني للحصول عليها بدل فتح صناديق الذهب المنهوبة من أربابه وأرباب العراق الذي هو اليوم – شئنا أم أبينا – جزء من إيران.

كثيرون هم الإيرانيون الذين سيموتون أو يتضررون بسبب فيروس كورونا، وكثيرون هم العراقيون الذين سيموتون أو يتضررون للسبب نفسه، وأياً كان الرقم الذي يتنامى أمام اسم البلدين في قائمة أعداد المصابين بالفيروس والمتوفين بسببه فالأكيد هو أن أحداً من الذين ابتلعوا ثروة الشعبين الإيراني والعراقي لن يفعل شيئاً كالذي فعلته المافيا في إيطاليا، فمثل ذلك «الفعل الوطني» لا مكان له ولا قيمة عند الذين يتوسدون اليوم ثروة هذين الشعبين.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 العراق والغزو الأمريكي الذي لا ينتهي
ربى يوسف شاهين

راي اليوم
منذ ذريعة أسلحة الدمار الشامل التي ابتدعها جورج بوش الابن في 2003لغزو العراق، ليُنشئ قواعد في منطقة الهلال الخصيب، حيث يتم استكمال مخطط الهيمنة الغربية لصالح الكيان الإسرائيلي، وإقامة ما يسمى الشرق الاوسط الجديد، الذي بشّرت به كونداليزا رايس، والذي يقوم على التبعية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً للغرب.
تغييرات كثيرة احدثتها آلة الغرب الامريكي ووكلائها في منطقة الشرق العربي، والتي آثارها ماتزال قائمة حتى اللحظة، عبر تدخلات في العمق العربي فرضتها آلة الغرب وبكل المجالات، وإذا ما اخذنا ما يحصل في العراق حتى اليوم، نُلاحظ ان ما يجري من هيمنة على سياسة الحكم في العراق، بعد القضاء على بنيته الأساسية اقتصادياً، والسيطرة على المناطق الحيوية الجيواستراتيجية فيه، عبر إقامة قواعد عسكرية كقاعدة عين الاسد التي تُعتبر المركز الاساسي للقوات الأمريكية.
حيث يُعتبر عودة الاحتلال الامريكي للعراق بعد خروجه في 2011، اكبر دليل على ان الذريعة السابقة كانت تمهيدًا لما سياتي لاحقاً، وعطفا على ما يجري في الساحتين السورية واليمنية من حروب، لا ينفصل عما يجري في الساحة العراقية، والتي تؤدي إلى تفكيك الشعوب العربية وجعلها في فوضى الحروب، كي لا تستطيع التقاط أنفاسها والنهوض للوقوف بجانب بعضها البعض.
واهم ما يميز هذه المرحلة العصيبة، هو صعود قوى المقاومة في هذه الدول، والتي تعتبر العدو الرئيسي لقوى العدوان الأمريكي الصهيوني، كونها استطاعت وفي العراق تحديداً تشكيل جماعات مؤيدة لها عبر اتفاقية امنية، جعلت من العراق رهينة لـ واشنطن.
وعليه، فإن ما تقوم به الإدارة الامريكية في العراق، يندرج في إطار أن العراق يُعد الفاصل ما بين إيران وسوريا جغرافياً، وبالتالي فإن خط المقاومة من طهران إلى بغداد مروراً بدمشق ووصولاً إلى بيروت، لا بد أن يتم قطعة عبر إحداث حالة من الإرباك السياسي والعسكري في عموم العراق.
كثيرة هي الاحقاد التي تضخها امريكا على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومنذ حرب الإرهاب على سوريا اخذت الامور بالتبلور والنضوج بشكل جلي وواضح، والامثلة كثيرة من اهمها الحصار الاقتصادي على ايران، وانتهاز انتشار فيروس كورونا لخنق الشعب الإيراني اكثر عبر رفض الولايات المتحدة نداء الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غويترش بأن يتم رفع الحصار عن إيران، ووقف كل اشكال الحروب للتصدي لهذا الوباء القاتل.
وبالعودة الى الملف العراقي، فكل الاحداث تترابط في جزئية هامة واساسية، ان يتم استغلال ما يعانيه المجتمع الدولي بشكل عام من اهتمام بإنقاذ مواطنيه والتركيز على محور المقاومة عبر العراق، حيث ادلت كتائب حزب الله ببيان تؤكد فيه “رصدها لتحركات مريبة للقوات الامريكية وعملائها مستغلة الظروف العصيبة في محاولة لتحقيق اهداف مشبوهة وتنفيذ مخططات طالما سعت إلى الوصول إليها من قبل”
حيث اكدت “على مخطط امريكي يرتكز على القيام بإنزال جوي يرافقه دعم ارضي وإسناد ناري من طيرانه الحربي على مواقع للأجهزة الامنية والحشد الشعبي والمقاومة الإسلامية وبمشاركة جهاز عسكري عراقي وآخر امني سيعرص البنى الاساسية للدولة العراقية للخطر”.
وما يؤكد ذلك تصريحات للبنتاغون عبر صحيفة نيويورك تايمز في 28/3/2020بأن” البتاغون اصدر توجيها الاسبوع الماضي للإعداد لحملة تدمير كلي لكتائب حزب الله العراق”، واضافت ” الحملة ضد كتائب حزب الله تشمل رداً عدوانياً ضد أي قوات عسكرية إيرانية قد تتدخل”.
كما اوردت الصحيفة بن مسؤولون اميركيون كبار يرون في انشغال إيران بأزمة كورونا فرصة لتدمير حلفائها في العراق.
ومن خلال قراءة بسيطة لما يحدث على الارض، وما يتم إعلانه من قبل الصحف الامريكية عبر لسان الإدارة الأمريكية، بأن الولايات المتحدة عازمة على استكمال حروبها في المنطقة، وان العراق الذي يقاوم المحتل الأمريكي عبر فصائل المقاومة يُشكل العقبة الحقيقة على الارض منذ 2003، ولذلك يتم التحضير لحملة عسكرية جديدة في العراق، والذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز على لسان “وزير الدفاع مارك إسبر الذي اذن بالتخطيط لحملة عسكرية جديدة في العراق”.
في المحصلة، على الرغم من ما يُذاع من تصريحات امريكية عن استهداف مواقع للحشد الشعبي وكتائب حزب الله العراق، فسنوات الصمود والمقاومة التي انتهجها الشعب والمقاومة العراقية، ستبقى السد المنيع الذي سيقف في وجه الغطرسة الأمريكية، التي عاثت فساداً وخراباً في شرقنا العربي على مدار ما يقارب العقد من الزمن.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5 العراق على بركان ثورة أكتوبر!

هدى الحسيني
الشرق الاوسط
رغم فيروس «كورونا» لا يزال العراقيون يتظاهرون في بغداد، يقيمون في الخيام التي نصبوها. صحيح أن العدد تضاءل لكنهم بعزيمتهم مصرّون على تلبية مطالبهم، ولم يستطع رجال مقتدى الصدر الزعيم الديني المتقلب الولاءات، إخراجهم. كان الصدر في البدء أول من دعمهم ثم صار أول من يعارضهم وأرسل رجاله لتفريقهم. فالمطعم «التركي» الذي كان بمثابة مقر أساسي لهم في ساحة التحرير طردهم منه رجال مقتدى الصدر، لكنّ المتظاهرين أصروا على البقاء في الليالي رغم منع التجول.
يمر العراق في منعطف حرج، وقد أثبتت النخب الشيعية والسنية والكردية فيه عدم قدرتها على تثبيت الاستقرار بسبب تعثرها بالفساد والمذهبية والنفوذ الخارجي. نتيجة لذلك انتصرت «ثورة أكتوبر (تشرين الأول)» وسيطرت على شوارع المدن الكبرى بما فيها بغداد، والبصرة، وكربلاء، والنجف للاحتجاج على الفساد، والأزمة الاقتصادية وفشل الخدمات الاجتماعية والتأثير الإيراني المنتشر والمسيطر على شؤون العراق. يطالب الشباب العراقيون بالاستبدال الكامل للطبقة السياسية، وبحكومة لا تمثل فقط الانقسامات العراقية بل بحكومة مسؤولة أمام الشعب نفسه. وهكذا أجبروا رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، على الاستقالة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إنما بعدما دفعوا ثمناً هائلاً؛ 600 قتيل وإصابة عشرات الآلاف في اشتباكات مع قوات أمن الدولة وجماعات الميليشيات الشيعية، لكن الطرف الآخر دفع أيضاً ثمناً وهو مقتل اللواء قاسم سليماني. وتسببت حصيلة قتلى المتظاهرين في تشديد المواقف وتعزيز المطالب بمجموعة جديدة من القادة.
عندما عَيّن رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح، محمد توفيق علاوي رئيساً للوزراء في بداية شهر فبراير (شباط) الماضي كان يعتقد أن المظاهرات ستهدأ، لكن كان لذلك التعيين أثر عكسي مع رفض المتظاهرين فوراً علاوي كممثل للنظام القديم، الذي يتظاهرون ضده.
حتى النظام القديم رفض علاوي فتخلى عن محاولته تشكيل حكومة مستقلة من دون مرشحين حزبيين للمرة الأولى منذ عقود بعدما تأكد أن معظم الطبقة السياسية الطائفية في العراق ترفض التخلي عن مخصصاتها في المناصب الوزارية والسماح بحكومة تكنوقراط مستقلة. عندها قدم صالح عدنان الزرفي، حاكم النجف السابق المؤيد للولايات المتحدة، لكن من غير الواضح ما إذا كان سينجح بعدما قاطعته أغلب الأحزاب الدينية، وإن كان استقبل يوم الأحد الماضي سفراء الدول الأوروبية، مع العلم أن ديفيد شنكر مساعد وزير الخارجية الأميركي، أثنى على الزرفي لكنه ترك الخيار الأخير للشعب العراقي.
منذ البداية سقطت تأكيدات علاوي حول استقلاليته بسبب المكائد من وراء الكواليس التي دعمت ترشيحه وبدعم من تحالف الفتح المؤيد لإيران، وبالذات من قبل مقتدى الصدر الذي كان ممثلوه الوحيدين الذين حضروا إلى البرلمان للتصويت له. وطبعاً لم يكتمل النصاب. ومنذ تسمية علاوي تولى الصدر مواجهة المتظاهرين ليصبح رجل إيران الأول بحجة أنه يقاتل الأميركيين، ليصل إلى زعامة الميليشيات الشيعية التي أنشأتها إيران. ثم إن علاوي لم يكن مصلحاً بل كان مسؤولاً عن حماية مصالح هذه الفصائل. وهذا يفسر رفض المتظاهرين له. وفي حين أعلن علاوي دعمه للاحتجاجات من ناحية المطالب إلا أن تجربتيه السابقتين في عهد حكومات نوري المالكي وعلاقته العائلية برئيس الوزراء السابق إياد علاوي، صاحب فكرة أن صواريخ صدام حسين الباليستية قد تحتاج إلى 45 دقيقة فقط لقصف لندن، جعلت منه رسولاً «مزيفاً» للإصلاح.
وحتى مع مرشح آخر، فإن الحقائق السياسية في العراق تجعل التغيير الحقيقي غير ممكن على الأقل في المستقبل القريب، إلا إذا نجح الضغط من الأسفل بزعزعة وتهديم البنى التحتية للتجارة العرقية والطائفية التي حددت السياسة العراقية منذ عام 2003. مع تسمية علاوي تذكّر العراقيون واحدة من أعنف فترات الحكم المتطرف طائفياً في عهد المالكي، حيث شغل علاوي منصب وزير الاتصالات لمرتين؛ الأولى من 2006 – 2007 والثانية 2010 – 2012، خلالهما تم اجتثاث حزب البعث بطريقة تعسفية، وتفشى الفساد، والاعتقالات الجماعية التي مهدت كلها الطريق لسيطرة «داعش» الجزئية على العراق. قدم علاوي فترته في حكومة المالكي كمعركة فاشلة ضد الفساد، لكن نجاحاته كان لها تداعيات كبيرة على العراق حتى هذا اليوم. خلال فترة ولايته شهد قطاع الاتصالات هجمة كبيرة من الاستثمارات الخارجية، إذ دخلت «أورنج» الفرنسية و«أجيليتي» الكويتية واستثمرتا 800 مليون دولار في شركة «كورك» العراقية بهدف الحصول على حصة الأغلبية في الشركة. لكن بدلاً من ذلك، عام 2014 عدّت هيئة الاتصالات والإعلام العراقية، استثماراتهما باطلة وآلت أسهم المستثمرين الأجانب في «كورك» إلى سيروان برزاني أحد مؤسسي الشركة وأحد أقوى رجال الأعمال في العراق، وأسفر هذا القرار عن معركة قانونية دولية وقوّض بشكل خطير قدرة العراق على جذب الاستثمارات الخارجية. تقدمت شركتا «أورنج» و«أجيليتي» بدعاوى ضد برزاني وشركائه بينهم رجل أعمال لبناني بتهمة إساءة استخدام أموال الشركة، بغرض الاستيلاء على أسهم المستثمرين الأجانب وطردهم من البلاد.
كوزير للإعلام أشرف علاوي على نشاط هيئة الاتصالات والإعلام التي علّقت مؤخراً عمل شبكة تلفزيون «الحرة» لبثها تحقيقاً عن الفساد في الأوقاف الدينية التي تديرها الدولة. ومع ادّعاء علاوي عدم تسامحه مع الفساد، يتردد أن مسؤولي مركز الاتصالات والإعلام حصلوا على منازل في العاصمة البريطانية لتسهيل مصادرة أموال المستثمرين في شركة «كورك».
توضح قضية «كورك» أيضاً الأشخاص الأقوياء، الذين يسيطرون على المؤسسات العراقية، ثم إن برزاني ليس مجرد رجل أعمال بل هو أيضاً قائد قوات «البيشمركة» الكردية وعضو بارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يسيطر على كل من رئاسة المنطقة ذات الحكم الذاتي وعاصمتها أربيل والذي استحقّه الأكراد بعد عقود من الصراعات المسلحة مع الحكومات المتعاقبة في بغداد ومنحهم إياه الرئيس السابق صدام حسين. بعد محاولة الاستفتاء للاستقلال الفاشلة عام 2017 التي أنتجت انسحاب الأكراد من كركوك، حاول رؤساء الوزراء العراقيون تحقيق توازن دقيق مع الأكراد، ولم يترك هذا للحكومة المركزية أي رأي في قضايا الحكم في كردستان العراق. لا بل العكس هو الصحيح فالأحزاب الكردية تتمتع بنفوذ كبير على الحكومة الوطنية انكشف في فشل المحادثات بين الممثلين الأكراد وعلاوي بسبب مطالبة أربيل بالتخلي عن حصصها التقليدية للمقاعد في الحكومة. فانتقد الأكراد علانية علاوي متهمينه بأنه لا يكنّ أي احترام للمكانة السياسية والقانونية لإقليم كردستان.
ويساعد أسلوب الحكم الذاتي في كردستان على تفسير سبب عدم انتشار الاحتجاجات المناهضة للفساد هناك، لأنه ما بين عامي 2015 و2018 قوبلت الاحتجاجات الكردية على قضايا الفساد، الذي يصل إلى مليارات من الدولارات استحوذ عليها كبار المسؤولين هناك، وعلى الحكم والرواتب الهزيلة، بقمع مخيف للشرطة. والآن يخشى بعض الحكم في كردستان من أن تؤدي التغييرات الدستورية في بغداد إلى حرمانهم من وضعهم في ظل النظام العراقي الحالي. ولأن المصيبة تجمع، فقد توحدت النخبة السياسية المتصدعة في كردستان وراء رد فعل رئيس الحزب الديمقراطي مسعود برزاني، على فشل علاوي، وكشف هذا عن قلق مشترك في شأن تهديد مشترك لمصالح نخبة مفككة ومتصارعة.
هذا يؤكد أنْ لا استقرار في العراق ما دام النظام الحالي قائماً. لا يزال المتظاهرون العراقيون يسعون إلى نظام جديد. لقد أثبتوا أنهم على استعداد لتحدي أشهرٍ من العنف الرسمي الذي لجأت إليه الدولة، سعياً للتغيير. بالنسبة إليهم لا يمثل محمد علاوي ما يريدونه، وقد ينسحب الأمر على عدنان الزرفي.
ومثلما لم يوقف فيروس «كورونا» الدولة عن حماية فسادها والفاسدين، وكما لم يمنع أدوات إيران من محاولات إعادة العجلات إلى الوراء، فإن هذا الفيروس القاتل قد يحْيي ويعجّل بطلبات، لا العراقيين فقط، بل أكثر الشعوب قهراً في دول الشرق الأوسط الكبير.