ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 الديمقراطية وقطار السلطة!
كفاح محمود
العرب
تجربتان متشابهتان إلى حدٍّ ما في كل من لبنان والعراق مع وجود نقاط اختلاف هنا وهناك، إلا أنهما أقرب إلى بعضهما في تركيبات المجتمع ومكوناته، وطبيعة التجربتين اللتين تمّ تطبيقهما في نظاميهما السياسي، وهما: التجربة الفرنسية في لبنان والبريطانية في العراق. ورغم الفارق الزمني بينهما إلا إن نتائجهما الكارثية كانت متطابقة جداً، وخلاصتها ما نشهده اليوم من انتفاضة عارمة ضد التجربتين الفاشلتين في تطبيقهما لنظام تداول السلطة بآليات ديمقراطية وروحية شمولية للوصول إلى الحكم المطلق. وفي خضم ذلك يتسائل المرء، هل أنجز العراقيون وقبلهم اللبنانيون نظاماً ديمقراطياً تحت مظلة المواطنة الحقة وقبول الآخر أم أن هناك سلوكاً آخر، وربما أهدافاً أخرى تختبئ وراء كواليس أو طوابير الواقفين أمام صناديق الاقتراع منذ أكثر من خمسة عشر سنة في العراق وأكثر من سبعين سنة في لبنان؟ وفي العراق مثلاً هل ما يجري الآن من احتجاجات في الشارع الذي استخدم من قبل الحاكمين وسيلة لتسلق صناديق الاقتراع وصولاً إلى عرش السلطة؟ هل يؤشر تغيراً نوعياً في وعي وتفكير وسلوك الغالبية المحكومة بشعارات دينية ومذهبية وأيديولوجية قومية؟
مهما كانت الإجابة على السؤالين فإن النخب السياسية والاجتماعية الحاكمة والمتنفذة تمارس دورين في آن واحد؛ دور الحاكم باسم الديمقراطية وباسم الرب، ودور بدأت تستخدمه مع بداية ظهور الاحتجاجات وهو ركوب موجتها واحتوائها من الداخل برفع شعاراتها تارةً وتارةً بالعمل كطرف ثالث لتشويه سمعتها وتجريمها، ولكي ندرك بعض مواطن الخلل نعود إلى نظام تداول السلطة عن طريق صناديق الاقتراع في مجتمعات لم ترتقِ إلى مستوى مفهوم المواطنة الجامع، وسط تعددية الولاءات والانتماء الذي يتجاوز مفهوم الوطن والشعب، ويذهب بعيداً إلى جزيئات أصغر في التكوين وهي وحدات القبيلة والعشيرة أو الدين والمذهب أو المدينة والقرية، حيث لم يتجاوز في أحسن الأحوال فوضى إعلامية أطلقوا عليها ظلماً بأنها خلاقة، فتحولت وسائل الإعلام فيها إلى أجهزة دعاية وإعلان ليس إلا، وتقزَّمت فيها الديمقراطية إلى صناديق اقتراع يجمعون حولها الناخبين بفتاوى رجال الدين أو تهييجات العصبية القبلية أو العشائرية، مستخدمين المال في عملية غسل سياسي لشراء الأصوات، وفي هذا الاستخدام لا تفرق العملية عما كانت عليه أيام النظام الشمولي السابق أو مثيلاته ممارسة لثقافة القطيع تحت شعارات مضللة ومهيجة سواء كانت دينية أو قومية عنصرية أو أيديولوجية الحزب الواحد الأوحد، وللأسف كانت طبيعة النظام السياسي في كلتا الدولتين العراقية واللبنانية بلبوسه الديمقراطي متشابهتين مع فروقات هنا وهناك، إلا إنهما استخدما الأهالي كوسيلة لتداول السلطة عن طريق الدين ومذاهبه والقبيلة وبيوتاتها وطوابير الناخبين وصناديق الاقتراع، وهي نفس الوسيلة التي استخدمتها كل الأنظمة الشمولية وبمختلف الشعارات والأيديولوجيات في غياب مفهوم رفيع للمواطنة.
إن ما يجري اليوم ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، في كل من العراق ولبنان يؤكد إن وعياً نوعياً بدأ بالتبلور يتجاوز تلك الجزيئيات التي اعتمدتها معظم الأنظمة الحاكمة وهي الديانة ومذاهبها أو القومية وتعصباتها أو المناطقية ومكوناتها الاجتماعية في القبيلة والعشيرة والبيوت، بعد أن أثبتت فشلها في إدارة الحكم، هذا الوعي الذي يرسي قواعداً جديدة لنظام ديمقراطي على أسس المواطنة الجامعة خارج تعددية الانتماء والولاءات، وبعيداً عن قطار السلطة الديمقراطي الذي يستخدم الأهالي تحت ضغط ديني أو مذهبي أو قبلي لتحقيق مآربه السلطوية.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 الأجندات الخارجية تتحكم في العراق
عبدالله الأيوبي
اخبار الخليج
حتى الآن فشلت جميع الجهود الحكومية العراقية في إيجاد رئيس للوزراء في ظل الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة التي تجتاح معظم المدن العراقية الرئيسية ومنها العاصمة بغداد، فبعد سحب المكلف بتشكيل الحكومة محمد توفيق علاوي ترشيحه لهذه المهمة تحت وطأة الاحتجاجات وعوامل داخلية وخارجية مختلفة، كلف الرئيس العراقي برهم صالح، عدنان الزرفي برئاسة الحكومة العراقية، خلفا لتوفيق علاوي، لكن المهمة سرعان ما اصطدمت برفض خمس كتل سياسية رئيسية، ترشيح الزرفي متهمة الرئيس العراقي بـ«مخالفة الدستور والأعراف» متوعدة باستخدام «جميع الطرق والوسائل القانونية والسياسية والشعبية لإيقاف هذا التداعي».
لم تكتف هذه الأحزاب بتحديد موقفها من توجه رئيس الجمهورية ومن شخصية المكلف بتشكيل الحكومة العراقية، بل إن معظم القوى السياسية والفصائل القريبة من إيران الممثلة لـ«الحشد الشعبي» شنت هجوما حادا على الزرفي، الذي يبدو أنه لا يحظى بقبول لدى طهران، الأمر الذي يفسر شدة الحملة التي تقودها الأحزاب المدعومة من قبل إيران، في حين دعا زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر إلى عدم تدخل دول الجوار في آلية اختيار شخص رئيس الحكومة المقبلة، «سواء أَكان المرشح وفق الضوابط أم لم يكن كذلك، فهذا أمر راجع لنا نحن العراقيين لا غير»، بحسب ما جاء في بيان التيار.
هذه المواقف المتشددة والرافضة لترشيح الزرفي تعكس عمق الأزمة السياسية التي يعيشها العراق وتبرهن أن أوراق اللعب السياسية الداخلية ليست كلها بأيدي العراقيين، وتؤكد هذه المواقف حقيقة أن العراق يعيش تحت وطأة التجاذبات السياسية ذات الأبعاد الخارجية، فلا يمكن لأحد أن ينكر انعكاس الصراع الإيراني الأمريكي على الأوضاع السياسية الداخلية في العراق، وبالتالي فإن الأجندات الخارجية يمكن أن تكون السبب الرئيسي في الإطاحة بالزرفي، كما أطاحت بآخرين، فاللعبة السياسية في العراق باتت مشدودة بأوتاد خارجية في أكثر من مكان، وفي مقدمة هذه الأماكن تأتي واشنطن وطهران.
الكتل السياسية التي أعلنت رفضها لهذا الترشيح ترى في الزرفي «مرشحا أمريكيا»، وهذا يؤكد مدى تأثير الصراع الأمريكي الإيراني على الأوضاع السياسية داخل العراق، وحتى على شخصية رئيس الحكومة، فوفقا للمحاصصة السياسية التي وضعها الحاكم العسكري الأمريكي السابق للعراق بول بريمر، فإن منصب رئاسة الحكومة العراقية من نصيب شيعة العراق، وإن التأثير الإيراني على الأحزاب السياسية الشيعية العراقية، يعد كبيرا جدا على خلاف التأثير الأمريكي على هذه الأحزاب، لكن ذلك لا ينفي قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على خلط الأوراق السياسية في هذا البلد كونها تمتلك من الأوراق ما يكفي لذلك.
تصاعد الصراع الأمريكي الإيراني واستمراره سيبقى ملقيا بظلاله على المشهد السياسي في العراق وينعكس بكل تأكيد على استقرار أوضاعه الداخلية، الأمنية منها والسياسية، وهذا من شأنه بكل تأكيد أن يجعل من مهمة تشكيل حكومة عراقية جديدة في غاية الصعوبة والتعقيد، وعلينا هنا ألا نغفل دور القوى السياسية العراقية الأخرى، مثل الأحزاب العربية السنية والأحزاب الكردية، لها دور أيضا في هذه اللعبة السياسية وهي معنية بتشكيل الحكومة، بغض النظر عن محاصصة «بريمر» الطائفية التي تحرم هذه التكتلات السياسية من رئاسة الحكومة العراقية.
أزمة العراق ليست محصورة في تشكيل الحكومة العراقية ولا في شخصية من يرأسها، وإنما في الطبخة الأمريكية التي جهزت بعد جريمة الغزو، فهذه المعضلة السياسية ستبقى ملازمة لأوضاع العراق السياسية، أضف إلى ذلك، فإن العراق لم يعد ذلك البلد القادر على تأمين مساره السياسي ذاتيا، فالبلد تحول بعد الغزو إلى ما يشبه المشاع المفتوح أمام القوى الخارجية، فتأثيرها على الوضع السياسي العراقي، أكثر من تأثير أي حراك داخلي، بما في ذلك الحراك الجماهيري الواسع الذي يعيشه البلد منذ عدة شهور.
فالاعتراضات التي تطرحها الجماهير العراقية المنتفضة في وجه مرشحي الأحزاب لرئاسة الحكومة العراقية القادمة، يعتقد البعض أنها تلعب الدور الحاسم في هذه العملية، لكن الحقيقة هي خلاف ذلك، صحيح أن صوت الشارع العراقي مرتفع وأرسل إشارات جادة إلى جميع الأحزاب السياسية، وتحديدا تلك المعنية بتشكيل الحكومة العراقية، لكن هذا الصوت محدود التأثير فيما يخص هذه العملية، ذلك أن وطأة الأجندات الخارجية أقوى وأكثر تأثيرا من فعل الجماهير العراقية، حتى الآن، وخاصة أن هناك لونا واحدا فقط يميز هذه الجماهير، أي يفقدها بعدها الوطني الجامع.