مقالات عن العراق يوم السبت في الصحف العربية

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 إسرائيل تمول حماس عبر قطر.. خبر ممل!
محمد قواص
العرب

في عزّ الحرب العراقية الإيرانية نشرت مجلة الشراع اللبنانية ما فجر حينها ما عُرف بفضيحة الـ “إيران غيت”. والمسألة بسيطة في تفاصيلها، ذلك أن تواطؤا أميركيا نقل سلاحا إسرائيليا إلى الجانب الإيراني لدعم جهود الجمهورية الإسلامية العسكرية ضد العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين. أطاحت الفضيحة برؤوس في الولايات المتحدة (أشهرها أوليفر نورث) لكنها لم تسقط رمشا في جمهورية روح الله الخميني، ولم نسمع لاحقا عن أية محاسبة تاريخية، حتى في سياق تبريري أو ماكيافيلي يفسر اللجوء إلى الشياطين لقهر ما اعتبرته جمهورية الولي الفقيه شيطانا يحكم في بغداد.

الأمر يتمّ عادة عبر قنوات مخابراتية لا تهتم للأخلاق والفقه والإيديولوجيا. والظاهر أن جهاز الـ “سافاك” الذي كان يعمل في خدمة شاه إيران الراحل ويملك قنوات إسرائيلية أميركية بقي يعمل، بقنواته تلك، بمسمى آخر، في خدمة مرشدها الأول ويعمل، بنفس القنوات، في خدمة مرشدها الحالي.

القنوات تلك لا تُسدّ ولا تفقد وجاهتها حتى في أعتى المواجهات بين الدول. وكثيرا ما تمّ الحديث عن قنوات إسرائيلية بقيت مفتوحة، عبر وسطاء وواجهات مختلفة، مع هذا البلد العربي (خصوصا الراديكالي) أو ذاك، أو هذا التنظيم الثوري الفلسطيني أو ذاك (هل من حاجة للتذكير بتنظيم أبو نضال الذي أرسل من قتل عام 1983 المسؤول الفلسطيني عصام السرطاوي في نفس الفندق الذي كان يستضيف في نفس الوقت شمعون بيريز في لشبونة).

والكشف عن تلك القناة الإسرائيلية القديمة الجديدة مع قطر لتناول شؤون حماس وأخواتها ليس خارج السياق السابق، ناهيك عن قنوات تواصل مباشر نشطت بين إسرائيل وتنظيمات الأمر الواقع في قطاع غزة تحت مسوغ إدارة يوميات أهل القطاع، وبين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وأجهزتها تحت مسوغ التنسيق الأمني الذي تفرضه اتفاقات أوسلو.

وعلى هذا يصبح مملا ما أراد أفيغدور ليبرمان زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أن يفجره في وجه رئيس الحكومة الإسرائيلية المرشح بنيامين نتنياهو. قال في إطار المماحكة المرتبطة بالانتخابات التشريعية إن رئيس الموساد يوسي كوهين وقائد القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي الجنرال هرتزي هاليفي قاما قبل أسبوعين بزيارة لقطر بتكليف من نتنياهو، وطلبا من القطريين أن يواصلوا تقديم الأموال لحماس بعد 30 مارس، مضيفا أن القطريين كانوا يعتزمون وقف التمويل فى ذلك التاريخ.

لإسرائيل مآربها وللممانعين، دولا وجماعات، مآرب أخرى. على هذا يصبح للتواصل مع إسرائيل مسالك تخضع لوجهات النظر، فهو إن جرى مع ذاك فهو تطبيع مدان وإن جرى مع هذا فهو في خدمة “القضية” وأدواتها. وعلى هذا يصبح ما هو نبيل وتاريخي وسامي في الصراع الحضاري مع إسرائيل، مجرد تكتيكات انتهازية لخدمة السياسة بمعناها اللا أخلاقي بما هي فن دوام السلطة وفناء أعدائها.

جرى أن إسرائيل تبادلت الخدمات مع إيران منذ قيام جمهوريتها الاسلامية. تحتاج إسرائيل إلى تعظيم عدو يهدد وجودها فتبرع بالتسويق لمظلومية تبرر وجودها منذ الهولوكست الشهير. أزال الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد إسرائيل عن الخارطة عدة مرات أثناء ولايتيه، ورماها العرب قبل ذلك في البحر مرارا. لا يهم. سيكتشف الإيرانيون هذه الأيام، وفق قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي أن “الظروف ما زالت غير ملائمة لإزالة إسرائيل”، فيما لم يعد العرب، بفلسطينييهم -وحتى بحماسهم وجهادهم- يَعِدون بذلك.

باتت “المقاومة” حاجة لأمن إسرائيل الاستراتيجي. في المعادلة السريالية تلك تناقض بنيوي وربما بيولوجي تكويني. لكن إسرائيل وحدها استطاعت تطويع “المقاومة” التي أطلقها أعداؤها والتعامل مع المقاومين بصفتهم مخربين تارة وإرهابيين تارة أخرى وشركاء في السلم والتنسيق الأمني طورا.

استطاعت إسرائيل وحدها أن تنفخ “مقاومة” حماس وأباحت لها الترعرع تحت أنظارها والظهور يوما للإطاحة بـ “مقاومة” فتح. قيل الكثير عن نظرية المؤامرة تلك، لكنها بالنهاية أفضى الأمر إلى تفتيت مفرط أحال الفلسطينيين شتاتا حتى داخل أرضهم التاريخية، ينتشرون فوقها كمواطنين (من الدرجة الثانية) في إسرائيل أو محشورين تحت سقف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وتحت سقف “المقاومة” بتلاوينها في قطاع غزة، فيما آخرون ينتظرون بعيدا، بعضهم داخل مخيمات، وعود العودة، التي لا تأتي.

بات الفلسطينيون، شاؤوا أم أبوا، متكدسين داخل خندق واحد تقرر إسرائيل وجهته ومسار خرائطه. بات مطلوبا من غزة أن تقذف حممها على إسرائيل وفق إيقاعات تتقرر في إسرائيل بضمان استمرار التمويل القطري.

وبات مطلوبا من الدوحة أن تدلي بدلوها داخل المياه التي يصبّها الأميركيون لتسويق صفقة القرن.

وبات مطلوبا من طهران أن تسهر على جهود دعم “صمود الشعب الفلسطيني” دون أن يصدر عنها وعن أحزابها ما يفهم منه إدانة لمستويات “التطبيع مع العدو”، ودون أن يصدر حتى عن نظام دمشق انتقاد لحماس على ما تقترفه من رجس، سواء في تلقيها تمويلا من قطر أو في أن يمرر ذلك بضغط إسرائيلي ومن خلال القنوات الإسرائيلية.

أتاحت إسرائيل لحماس النشوء والتطور لعل في البديل الإسلامي لمقاومة الفلسطينيين ما يطيح بمقاومتهم الوطنية التي دقت أبواب العالم. كانت تلك الفكرة تدور في ذهن إسرائيل الخبيث. قيل إن اسحق رابين كان يحلم أن يستفيق يوما ليجد أن غزة قد غرقت في البحر. لم تغرق غزة لكنها باتت إمارة انفصلت عن الضفة، وبالتالي عن دولة فلسطين الموعودة، بحيث فقدت سلطة أوسلو أحد أجنحتها. والظاهر أن ذلك السياق ما زال مطلوبا ويحتاج إلى ممول موثوق يؤمّن ديمومة الانقسام وديمومة أن تبقى غزة “تقاوم” كرمى لمرامي كبرى لإسرائيل تستدعي إرسال رئيس الموساد ورفيقه.

يستمر التواصل بين “مقاومة” حماس مع إسرائيل كما تواصلت “مقاومة” إيران مع إسرائيل. الوسيط القطري مخلص لوظائفه المتعددة في المشهد الدولي المعقد، وهو في مهامه في توفير سبل الوصل الدولي بين العواصم الكبرى مع الجماعات “المقاومة” في أفغانستان والعراق وسوريا والفيليبين… وفلسطين، يمتهن ما يؤكد أن العالم يعمل وفق جدلية خبيثة في العلاقة بين النظام الدولي وأضداده.

على أن جديد مهام الدوحة المطلوبة إسرائيليا وأميركيا، وربما من قبل ورشة جاريد كوشنر ودوائره، أنها مهام لا تعاندها رياح في المنطقة، حتى رياح خصوم الدوحة، على نحو يوحي أن قطر في هذا الصدد بالذات لا تمارس نشازا عن ترانيم ما زالت تنفخ بها وستنفخ بها صفقة القرن الشهيرة.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 كورونا الإيرانية أشد فتكا من كورونا الصينية
فاروق يوسف
العرب

ضُربت قم التي توصف بالمقدسة -ولا أدري لماذا هي مقدسة- بوباء كورونا وصارت تنافس ووهان الصينية التي بدأ في أحد أسواقها ذلك الوباء.

تباطأت دول عربية في اتخاذ اجراءات وقائية في مواجهة الظاهرة الإيرانية فظهرت علامات المرض المعدي في غير مدينة عربية، وكان كل شيء يشير إلى أن العدوى قدمت من إيران.

أكان ذلك محتما وضروريا؟

لقد تعامل المسؤولون العراقيون على سبيل المثال بطريقة فيها الكثير من المزاح وعدم الاكتراث مع تلك الظاهرة الخطيرة. في ذلك أظهر أولئك المسؤولون حماسة عقائدية سدت الطريق أمام العلم والسلوك العملي.

لقد تدهورت الحالة في العراق حتى أن النجف وهي مدينة مقدسة أيضا قد تم غلق حدودها من غير أن تعترف الحكومة العراقية بحقيقة ما يحدث هناك. ذلك سلوك مستلهم من السلوك الرسمي الإيراني الذي صار يثير الشكوك لدى الجهات الصحية العالمية.

لا يمكن أن يفهم الطائفيون في العراق ان المسألة لا تتعلق بالعقيدة.

فالوباء لا دين له. وإذا ما تعلق الأمر بالسياسة فإن سلوك المسؤوليين العراقيين يعد انتحارا معلنا. فالوباء القادم من إيران لا يحمل بين طياته آثارا طائفية ولا علاقة له بالمواقف السياسية المنحازة لنظام الملالي.

الصيغة التي تعامل بموجبها حكام العراق مع كورونا الإيرانية لا تليق بدولة تحترم حياة شعبها. وإذا ما كان الخضوع للنظام الإيراني هو أساس ذلك التعامل مع الظاهرة الخطيرة فإن النتائج الكارثية لابد أن تؤدي انهيار النظام في العراق.

ذلك ما لا يحتسب له السياسيون العراقيون الموالون لإيران.

سيكون من الصعب فهم سلوك السياسيين العراقيين إلا على أساس أن كورونا القادمة من إيران هي كورونا عقائدية لا تنطوي الاصابة بها على أي ضرر، بل أن الموت بسببها هو نوع من الشهادة المطلوبة.

لقد قرأت في أحد مواقع التواصل الاجتماعي حوار بين اثنين.

يقول الأول “لا خوف من كورونا على بلد يحميه الحسين”.

يجيبه الثاني “وما رأيك بالإمام الرضا (في إشارة إلى الإمام الثامن لدى الشيعة المدفون في مشهد القريبة من قم) هل يعمل حلاقا؟”

فكاهة تحمل الكثير من المعاني المأساوية.

أعتقد أن الانحياز الطائفي المريض عبر عن غبائه المطلق في هذه الأزمة. فلو ضرب الوباء العراق أولا لأحكمت إيران إغلاق حدودها معه خوفا على مواطنيها. ولكن الاتباع لا يملكون حرية أن يقوموا بما يقوم به أسيادهم.

العراق اليوم وقد انتشر الوباء في عدد من مدنه هو ضحية لذلك الغباء الطائفي الذي يزهق أرواح أناس أبرياء في طريق عماه الذي لا يفرق بين المذهب والوباء، بين العاطفة المجيشة والعلم.

العراق ضحية زمنه الموحش.

فمنذ أن تمكن الفاسدون من ثروات العراق ووضعوها في خدمة المشروع العدواني التوسعي الإيراني صار النظر إلى حياة العراقيين باعتبارها حجر عثرة في طريق انجاز الهدف الذي حدده الامام الخميني.

لذلك سيكون نوعا من الواجب الديني أن يتم تييسر دخول كورونا الإيرانية بكل ما تحمله من بركات إلى الأراضي العراقية. فمثلما لإيران شهداؤها سيكون للعراق شهداؤه. قدر مشترك يجمعهما.

ذلك قدر هو من وجهة نظر الأحزاب الحاكمة في العراق سيثبت العقيدة ويقوي أواصر الصلة بالجارة إيران التي تم استقبال وبائها كما لو أنه حلوى.

على الجانب الآخر هنالك شعب يرى الحقيقة كما هي.

قم المقدسة صدرت إلى النجف المقدسة وباءها المقدس.

معادلة كانت واضحة بالنسبة للعراقين المحتجين على الهيمنة الإيرانية قبل تفشي وباء كورونا. إيران لا تصدر إلى العراق إلا الموت.

لم يتغير شيء. كورونا الإيرانية تفتك بحياة العراقيين من غير أن تتصدى لها الجهات الصحية الرسمية. فذلك التصدي قد يحمل صاحبه إلى التهلكة لأنه يمارس فعلا محرما “دينيا”.

ما لم ينتبه إليه أحد أن الحكومة العراقية كانت قد أرسلت في أول أيام الأزمة طائرة إلى مدينة ووهان لتجلي ممثلي صفقاتها المليارية هناك. وحين وصلت الطائرة إلى العراق لم يجر أي فحص لركابها.

بالقداسة ومن غيرها. بالحرام ومن غيره. فإن النظام السياسي في العراق مسؤول عن الكارثة التي ستحصد مزيدا من الأرواح في بلد انهار فيه القطاع الصحي وليس هناك ما يشير إلى أنه سيتعافى.