قتل العشرات من الجنود الأتراك وأصيب عدد غير معروف منهم خلال شهر فبراير/ شباط2020. وتبادل الجانبان الروسي والتركي الاتهامات حول ما يجري في محافظة إدلب التي كانت تسيطر جماعات المعارضة السورية.
وقتل معظم الجنود الأتراك خلال المعارك بين القوات الحكومية السورية التي تدعمها روسيا وتقدم لها الغطاء الجوي ومقاتلي المعارضة الذين تدعمهم تركيا بالمال والسلاح.
لا يتهم الإعلام التركي صراحة روسيا بالمسؤولية عن قتل الجنود الأتراك بل يتهم الحكومة السورية وترد تركيا بقصف المواقع الحكومية.
وسيطرت الحكومة السورية خلال الأسابيع القليلة الماضية على عشرات القرى والبلدات التي كانت تسيطر عليها المعارضة. وتشير بعض التقديرات أنها سيطرت خلال الآونة الأخيرة على ثلث محافظة إدلب. وتسببت المعارك بنزوح نحو مليون شخص نحو الحدود التركية.
مع تقدم القوات الحكومية ينزح المزيد من المدنيين نحو الحدود التركية في ظروف بالغة السوء. وتشعر تركيا بأن العالم تخلى عنها وتركها لوحدها تواجه هذه الموجات البشرية المتلاحقة عند حدودها وتقديم المساعدات الإنسانية لها، وهو ما يحملها أعباءً إضافية، فهي تأوي حاليا نحو أربعة مليون سوري ولا تريد المزيد منهم على أراضيها.
“دعم المتطرفين”
أظهرت الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي مقاتلين سوريين موالين لتركيا وهو يستخدمون مدرعات تركية، بينما قدم الجيش التركي الدعم الناري لعمليات المعارضة السورية عبر القصف المدفعي والبري لمواقع القوات الحكومية.
واتهمت روسيا تركيا بدعمالجماعات الاسلامية المتشددة ومشاركة الجيش التركي في المعارك إلى جانب هذه الجماعات.
روسيا وتركيا وثلاثة قرون من الصراع والحروب
كما اتهمت وسائل إعلام روسية تركيا باستهداف الطائرات الروسية التي كانت تشن غارات في إدلب ومحاولة إسقاطها بواسطة صواريخ محمولة على الكتف.
واتهم مسؤول في وزارة الدفاع الروسية أنقرة بانتهاك اتفاق سوتشي حول إدلب عبر تقديمها الدعم للمسلحين الذين يقاتلون الحكومة السورية بنيران المدفعية والطائرات المسيرة.
وقال رئيس مركز المصالحة الروسية في سوريا أوليغ زورافليف: “في انتهاك لاتفاق سوتشي في منطقة خفض التصعيد في إدلب، يواصل الجانب التركي دعم الجماعات المسلحة غير الشرعية بنيران المدفعية واستخدام” الطائرات المسيرة لاستهداف القوات السورية.
تركيا: “هدفنا على الأرض في إدلب ليس روسيا”
نتيجة متواضعة
طلبت تركيا مساعدة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للضغط على الحكومة السورية وروسيا لوقف العمليات العسكرية لكن مساعيها لم تحقق نتيجة تذكر.
ترافقت هذه المساعي مع اتصالات مستمرة ومكثفة مع الجانب الروسي لعلها توقف الحملة العسكرية للحكومة السورية.
وجرت جولات عديدة من المفاوضات بين موسكو وأنقرة بهدف تهدئة الأوضاع ووقف تدفق النازحين نحو الحدود لكنها فشلت في التوصل إلى تفاهم مشترك لشروطوقف التصعيد العسكري.
كما اتصل الرئيس رجب طيب أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين عدة مرات خلال شهر فبراير لكنهما لم يتوصلا إلى اتفاق حول سبل وقف التصعيد في ادلب.
مصدر الصورة ABDULWAJED HAJ ESTEIFIImage captionتتهم روسيا تركيا بدعم المعارضة السورية عسكريا
وحذر أردوغان مراراً من أن بلاده ستطرد القوات السورية من المناطق التي سيطرت عليها في الأشهر الماضية إذا لم تنسحب بنهاية فبراير/ شباط.
“تعنت”
وتقول الحكومة التركية ومسؤولون في جماعات المعارضة السورية المسلحة إن من المرجح أكثر في هذه المرحلة أن يوافق أردوغان على اتفاق مع موسكو يسحب بموجبه بعض الوجود العسكري في مقابل دور تركي في تحديد مستقبل سوريا.
وأضافوا أن أردوغان “فوجئ بالموقف المتعنت لبوتين، وفقا لوجهة النظر التركية، سواء في ساحة القتال أو في المحادثات بين البلدين”.
وقال مسؤول تركي لرويترز: “لا يزال بمقدور تركيا وروسيا التوصل إلى حل وسط.. لكن إن لم يجر التوصل لاتفاق واستمرت الهجمات على جنود أتراك فسيبدأ هجوم إدلب”.
وترافق ذلك مع تعزيز تركيا لقواتها في المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية إذ نشرت نحو 30 ألف جندي على الحدود مع سوريا إضافة إلى مئات المدرعات والدبابات ونحو فرقة عسكرية كاملة داخل سوريا بهدف وقف تقدم القوات الحكومية.
مصدر الصورة BAKR ALKASEMImage captionقوات تركيا داخل في إدلب سوريا
خلل عسكري
لكن ذلك لم يوقف تقدم القوات الحكومية وكان الجهد العسكري التركي محدود الفاعلية بسبب سيطرة روسيا على الجو في سوريا وحرمان تركيا من إمكانيةاستخدام الطيران الحربي في تقديم الغطاء الجوي لقواتها المنتشرة في سوريا أو التصدي للطائرات المقاتلة التي تشن غارات مكثفة في المنطقة.
ولاتزال تركيا واردوغان يتذكران جيدا العواقب الوخيمة التي واجهتها تركيا عندما اسقطت مقاتلة تركية طائرة قاذفة روسيةقرب الحدود التركية السورية عام 2015 مما اضطرها خلال أشهر قليلة الى تقديم إعتذار لروسيا سيا بل وإبرام اتفاقية لشراء نظام الدفاع الصاروخي اس- 400 منها.
أردوغان يهدد بطرد القوات الأمريكية من قاعدة إنجرليك الجوية
طلبت تركيا من الولايات المتحدة صواريخ باتريوت للمساعدة في الدفاع عن قواتها، ودعت الناتو إلى فرض منطقة حظر طيران لحماية ما يقرب من ثلاثة ملايين مدني في محافظة إدلب لكن ذلك لا يبدو متاحا في الوقت الراهن.
المسؤولون في واشنطن وحلف الناتو رفضوا حتى الآن الانخراط عسكريا في شمال غرب سوريا ولا يبدو أنهم متحمسون للدخول في مواجهة روسيا.
وفي ختام اجتماع الناتو بناء على طلب الجانب التركي لم تحصل تركيا على إي إلتزام بمساعدتها في الأزمة التي تواجهها في سوريا واكتفى الحلف بالإعراب عن تضامنه مع تركيا وإدانة الهجمات التي تشنها القوات الحكومية السورية والروسية.
تشترط الولايات المتحدة على تركيا التخلص من نظامS400قبل الحصول على نظام باتريوت الأمريكي وهو يرفضه المسؤولون الأتراك.
مصدر الصورة VASILY MAXIMOVImage captionبارجة روسية تعبر مضيق البوسفور
وتوترت علاقات تركيا بالولايات المتحدة بسبب دعم الأخيرة للمقاتلين الأكرادفي سوريا في الحرب على ما كان يعرف بتنظيم الدولة الاسلامية. ومنذ القضاء على أخر جيوب الدولة شرقي سوريا ضغطت تركيا بشدة على الولايات المتحدة للتخلي عن قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الأكراد عمودها الفقري وإبعادهم عن الحدود.
انسحبت القوات الأمريكية من معظم المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا شرقي الفرات فتوغلت القوات التركية واحتلت مساحة كبيرةمن المنطقة واتفقت تركيا وروسيا على إبعاد المقاتلين الأكراد عن الحدود السورية التركية وتسيير دوريات مشتركة بين البلدين على الحدود السورية التركية شرقي الفرات.
أردوغان يتحدى واشنطن بشأن منظومة أس-400 الروسية
ولا يتجاوز عدد الجنود الأمريكيين في سوريا في الوقت الراهن 500 عسكري حتى أن بعض قواعدها السابقة في سوريا باتت تحت السيطرة الروسية، ومهمة هذه القوات محصورة بمطاردة عناصر الدولة الاسلامية وحراسة آبار النفط شرق سوريا حسب قول المسؤولين الأمريكيين.
ولا يخفى على أحدأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أنصار سحب القوات الأمريكية من المنطقة بأسرها وباسرع وقت ممكن وهو غير متحمس للدخول في صراع مع روسيا.
ووجدت القوات التركية في إدلب السورية صعوبة كبيرة في نقل الجرحى والجثث بعد غارة قوات النظام السوري، ما أثار الاستغراب حول العملية العسكرية التركية وكيف حضر لها بشكل جعل الجنود هدفا سهلا لقذائف جنود الأسد.
وقتلت غارة جوية نسبتها تركيا إلى قوات النظام السوري المدعوم من موسكو، 33 جنديا تركيا في إدلب.
وتم نقل هؤلاء الى ولاية هاتاي لتلقي العلاج، بحسب ما قال رحمي دوغان، والي هذه المحافظة التركية المحاذية لسوريا في خطاب متلفز.
وقال المحلل التركي جواد غوك في حديث لموقع قناة الحرة إن الجنود كانوا متواجدين من دون غطاء جوي من الجيش التركي، معتبر أنه قرار خاطئ.
واستغرب غوك من إدارة الرئيس إردوغان للعملية العسكرية بهذا الشكل.
وأوضح أن ما يظهر فداحة الخسائر أن القوات التركية وجدت صعوبة في نقل جثث القتلى أو الجرحى من منطقة القصف.
وقرر حلف شمال الأطلسي مساعدة تركيا ودعمها بالمزيد من الدفاعات الجوية بعد مقتل الجنود الأتراك في سوريا.
ويرى مراقبون أن الزج بالجنود الأتراك في عملية داخل الأراضي السورية من دون غطاء جوي كان بها مغامرة.
وطالبت أنقرة واشنطن بتزويدها بنظام باتريوت للدفاع الجوي، لكن واشنطن رفضت معللة ذلك بعدم وجود قطع كافية من هذا النظام حاليا.
وحصلت أنقرة من موسكو على نظام S-400 الصاروخي الدفاعي لكن لم يتم تفعيله حتى الآن.
وتأتي الخسائر الفادحة التي تكبّدتها أنقرة الخميس، بعد أسابيع من التصعيد في إدلب بين القوات التركية وقوات النظام السوري التي اشتبكت بشكل متكرر.
وأدّت عمليّات القصف الدمويّة إلى ارتفاع عدد الجنود الأتراك الذين قُتلوا في إدلب في فبراير إلى 49 على الأقلّ، وهي تهدّد أيضا بتوسيع الفجوة بين أنقرة وموسكو التي تُعتبر الداعم الرئيسي للنظام السوري.
وخيب حلف شمال الأطلسي “ناتو” آمال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعدما اكتفى سفراؤه الجمعة بدعم معنوي لأنقرة بعد مقتل 33 جنديا تركيا في سوريا، من دون تقديم تعهدات بأي إجراءات، في خطوة يراها مراقبون تزيد من عزلة إردوغان في الداخل والخارج.
وسعى إردوغان إلى زج بالناتو في صراعه الحالي فضلا عن استخدام ورقة اللاجئين باتجاه اوروبا، طالبا إقامة منطقة حظر جوي في شمال غرب سوريا لمنع طائرات النظام السوري وحليفته روسيا من شن ضربات.
وتجاهل الحلف خطوة اللاجئين التي أقدمت عليها أنقرة ساعات قبل اجتماعه بالسماح للاجئين بالعبور نحو أوروبا، واكتفى بإعلان تضامنه دون إعلان إجراءات ترضى إردوغان.
وحول عودة إردوغان إلى حضن الناتو بعد فشله في وقف سقوط جنوده في إدالب، يرى المحلل السياسي جواد غوك أن ذلك لن ينجح في الزج بالحلف في الأزمة، مشيرا إلى أن أعضاء الحلف أظهروا في اجتماعهم أنهم لن يخضعوا لرغبات الرئيس التركي.
وقال غوك في حديث لموقع قناة الحرة إن الحلف يرغب أن يبقى بعيدا عن الأزمة.
وأوضح غوك أن اجتماع الحلف الجمعة أظهر أن الناتو لا يرغب في التورط ويسعى أن تبقى الأزمة ثنائية بين تركيا وروسيا.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إن الحلفاء وافقوا على المحافظة على الإجراءات القائمة حاليا لتعزيز قدرات تركيا الدفاعية الجوية.
ورغم تفعيل الحلف للمادة الرابعة من ميثاقه، لم يلمح ينس إلى أي خطوات جديدة تتجاوز التعهّد بشكل عام بالبحث في ما يمكن القيام به أكثر من ذلك
وفق “فورين بوليسي” حتى الآن ينظر المجتمع الدولي في الاتجاه الآخر. لن تتدخل الأمم المتحدة، ولكن القوى الأوروبية والولايات المتحدة قد تساعد في تخفيف الأزمة الإنسانية فقط.
وترى الولايات المتحدة ما حدث برهان على أن أنقرة وثقت في الحليف الخاطئ وأن روسيا لا تفي بتعهداتها لتركيا.
تأثيرات على الداخل
وألقى مقتل الجنود في المواجهات بين القوات التركية والسورية بثقله في الداخل، وفي الوقت الذي كانت الانتقادت الحادة مصدرها المعارضة، فإن مقتل الجنود أجج مشاعر غضب في أوساط الشعب التركي.
ووفق غوك يتساءل الأتراك ما الذي يفعله الجنود في سوريا في وقت لا تتعرض الأراضي التركية لأي هجوم من قبل قوات النظام السوري.
33 جنديا هو عدد كبيرا جدا، يضيف غوك للحرة، ولن يمر دون تبعات على إردوغان، مشيرا إلى أن غليان شعبي بدأ يتصاعد من إدراة إردوغان للأمور.
وقال المحلل إن الانتقادات التي كانت في السابق خافتة إلى حد ما، تصاعدت حدتها بعد مقتل الجنود وظهور فشل عسكري كبير في سوريا.
وتوقع المحلل أن يحمل مقتل الجنود تأثيرا كبيرا على إردوغان في الداخل، وأشار إلى أن الغضب شعبي ستظهر نتيجته في الانتخابات القادمة.
وأضاف غوك أن الأتراك يتسالون الآن لماذا تسفك دماء الجنود على أراضي سوريا وحتى في ليبيا التي تورط فيها إردوغان مؤخرا.
وتأتي آخر الخسائر التركية في إدلب بعد أسابيع على التوتر المتزايد بين أنقرة وموسكو. وترفع حصيلة العسكريين الأتراك الذين قتلوا في المحافظة السورية هذا الشهر إلى 53.