ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 انقلاب المالكي 2010 الذي أضاع مستقبل العراق
مصطفى القرداغي
العرب
قد يكون العراق أكثر بلد في العالم العربي والشرق الاوسط شهد انقلابات خلال القرن العشرين، وكان سباقاً فيها للأسف. فقد بدأت بانقلاب بكر صدقي عام 1936 أي بعد 15 عاماً من تأسيس الدولة العراقية، والذي كان أول انقلاب عسكري في المنطقة العربية، ثم تبعه انقلاب الضباط الأربعة بالتحالف مع رشيد عالي الكيلاني عام 1941، ثم انقلاب 14 تموز الذي أسقط النظام الملكي على يد عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف عام 1958، تلاه انقلاب عارف مع البعثيين على رفيقه قاسم في 8 شباط 1963 وانقلابه على البعثيين في نفس العام، ثم انقلاب البعثيين على عبدالرحمن عارف في 17 تموز 1968، تلاه انقلاب البعثيين على رفاقهم في 30 تموز، وحتى تولي صدام للسلطة بعد البكر كان انقلاباً على الأخير لا تنازلاً منه كما أشيع. ولم تتوقف الانقلابات حتى في زمن صدام الذي شهد العديد من الانقلابات لكنها لم تنجح لأن قبضة صدام الحديدية وأجهزته الأمنية القمعية كانت تئِدها وهي في مهدها أو في لحظاتها الأخيرة.
بعد 2003 ظن العراقيون بأن زمن الانقلابات قد ولّى، لأن النظام الديمقراطي الذي إعتُمِد بعد هذا التأريخ أوجَد آلية الانتخابات التي تستطيع أي شخصية أو قوة سياسية أن تصل بها الى السلطة دون أن تتآمر بالأقبية ليلاً وتمتطي الدبابات لتنقلب بها على السلطة نهاراً. لكن للأسف لم يهنأ العراقيون بهذا الأمر، لأن طبيعة تركيبتهم المجتمعية وجهلهم بمبادئ الديمقراطية وآلياتها جعلت منهم هدفاً سهلاً لقوى الإسلام السياسي الشمولية، الشيعية منها تحديداً، التي استلمت الراية من القوى الشيوعية والقومية الشمولية التي كانت تقوم بالانقلابات سابقاً، وقررت أن تستغل الديمقراطية وتسخر آلياتها لخدمة مشروعها لتحويل العراق الى دولة إسلامية طائفية تابعة لإيران، وسَخّرت لهذا الهدف كل ما يمكن تخيله من أساليب لدفع الناس ترغيباً وترهيباً لإنتخاب أحزابها، فاستخدمت فتاوى الدين لترعب الناس وتجبرهم على ذلك، كما استخدمت المال لتُرغِّبهم به، وقد نجحت بذلك خلال إنتخابات 2005 و2006، لكن فتاواها وأموالها السُحت لم تسعفها عام 2010، حينما صَوّت العراقيون بكل فئاتهم لقائمة الدكتور أياد علاوي، التي ضَمّت شخصيات وقوى سياسية من جميع أطياف الشعب العراقي وفقاً لإنتمائهم الوطني لا الفِئَوي، لكن هذا لم يعجب ايران بل وأرعَبها، لأنه كاد أن يَسحب البساط من تحت أقدام أتباعها بالعراق، ويُفقِدهم سلطتهم التي بدأوا يضعون أسُسَها بعد أن خططوا للوصول اليها منذ عقود، لقناعتِهم بأنها لهم، وهي قناعة عَبّرت عنها بوضوح مقولة المالكي خلال فترة حكمه الأولى التي سَبقت هذه الإنتخابات “هوّة يكدر واحد ياخذها حتى ننطيها”، لذا لم يسمحوا للدكتور أيام علاوي بتولي السلطة وعرقلوا خطوات تشكيله للحكومة، رغم أن قائمته هي التي فازت وكانت صاحبة المقاعد الأكثر في البرلمان وهي 91 وبفارق مقعدين عن القائمة التي تليها، وهي قائمة المالكي الذي كان حينها رئيساً للوزراء وسَخّر كل إمكاناته ليفوز بالإنتخابات، إلا أنه لم يحصل سوى على 89 مقعدا، لكنه بالنهاية سَرق السلطة من مُستَحِّقها بلَي عنق القانون، وتحريف كلمات الدستور، وشراء أصوات المحكمة الإتحادية!
إن ما قام به المالكي بعد الإنتخابات البرلمانية عام 2010 كان انقلاباً بكل المقاييس، لكنه موديل القرن الواحد والعشرين، ولا يشبه انقلابات القرن العشرين التي سمعنا عنها. فهو لم يستعمل العسكر ولا شعارات الشرعية الثورية لأنها ليست بضاعة العصر الحالي، الذي بضاعته الانتخابات والشرعية الدستورية، لذا قام بانقلابه عن طريق التلاعب بنتائج الانتخابات وتزوير الدستور. في البداية شَكّك بنتائج الإنتخابات حينما وجَد أنها ليست في صالحه، وحاول إستعمال سلطته كرئيس وزراء لتغييرها لكنه فشل، فقرر الذهاب الى المحكمة الإتحادية التي يرأسها عَرّاب وعاظ السلاطين مدحت المحمود ليُفسر له ما لا يحتاج الى تفسير، وليُرَهِّم له مفهوم الكتلة الأكبر على هواه وبما يُحَوّل النتيجة لصالحه ويَسمح له بالبقاء في السلطة، فأفتى له زوراً أن المقصود بالكتلة الأكبر في الدستور هي الكتلة التي تتشكل بعد الانتخابات وتحت قبة البرلمان، وهو لعَمري تفسير لا يمكن أن يقنع طفلاً لديه ذرة من العقل، ولكنه للاسف أقنع الملايين من العراقيين! فمفهوم الكتلة الاكبر الفائزة بالإنتخابات واضح ومحسوم بكل العالم، ولا يحتاج الى توضيح من محكمة، لأنها الكتلة التي تفوز في الانتخابات مباشرة، وليس التي تتشكل بعدها، وإلا فستنتفي قيمة صناديق الإقتراع وتفقد الإنتخابات معناها، ويمكن إستبدالها مثلاً بإستفناء بين الناس لأكثر الاحزاب السياسية مقبولية لديهم ثم يتشكل منها برلمان، وأي منها تتوافق وتتشكل مع بعضها وإن كان من 20 حزب صغير فهي الفائزة، حتى إن كانت هنالك حزب واحد قد حظي بأغلبية أصوات الناس، وطبعاً هذا هراء لا علاقة له بما يحدث في أي دولة تحترم نفسها مهما كانت تجربتها بدائية في الديمقراطية والإنتخابات، لكنه حدث في العراق عام2010 لأن من كان في السلطة حينها مجرم فاسد سَبق وأن صَرّح بوقاحة أنه لن يعطي السلطة، ولأن من يرأس محكمته الإتحادية التي يفترض أن تحكم بين الناس بالعدل واعظ سلاطين دَجّال حَكَم بالباطل وسَنّ سُنّة سيئة وسابقة تزوير لم يعرف لها التأريخ مثيلاً، ورَمَت بتبعاتها على مستقبل دولة وتسببت في ضياعها وقتل وتشريد الملايين من أبنائها حتى هذه اللحظة.
إن تأثير هذا الانقلاب لا يقل ضرراً عن سابقيه من الانقلابات التي مَرّت على تأريخ العراق، فنتيجة هذه الإنتخابات كانت ربما واحدة من أكثر الإنتخابات صِدقاً ووطنية، ليس فقط بعد 2003 بل وفي تأريخ العراق الحديث. فالفترة التي إمتدت بين 1958 و2003 كانت فترة أنظمة دكتاتورية لم تشهد إنتخابات أصلاً، وما سبقها من إنتخابات بالعهد الملكي لم يكن زخم المشاركة فيها والإحتقان والتحشيد الطائفي والإثني كإنتخابات 2010. فرغم كَم الشعارات الطائفية والأموال السُحت التي تم ضَخّها فيها لدفع الناس الى الإنتخاب على أساس الطائفة والدين والقومية، إلا أن غالبية الناس التي شاركت في الإنتخابات أعطت أصواتها لمَن وجدته الأفضل لها ولبلادها بتوجهاته الوطنية وبرنامجه الإنتخابي المهني، لا لإنتمائه الطائفي والإثني والديني، وهذه الصفات توفرت حينها ولا تزال في الدكتور اياد علاوي وقائمته الوطنية العراقية التي إستطاع أن يجمع فيها بحكمته وذكائه أغلب الفعاليات السياسية العراقية التي تُعَبّر عن أغلب مكونات الشعب العراقي.
أما تداعيات هذا الانقلاب، فلا يزال العراق يعاني منها الى اليوم، بل إن كل ما حَل بالعراق من دمار خلال عَقد من عُمر الزمن ومِن أعمار أبناءه بين 2010 و2020 هو نتيجة لهذا الانقلاب المشؤوم، فلو كان الدكتور أياد علاوي قد تولى المسؤولية حينها كرئيس للوزراء، لما حدثت الكثير من الأمور التي فعلها المالكي عن سابق إصرار وترصد بتخطيط من أسياده في ايران، وقادت الى أمور أسوأ منها. بدئاً من تهريبه للمئات من عُتاة سجناء القاعدة من سجن أبو غريب، الذين شكلوا فيما بعد نواة تنظيم داعش، ثم إعطاءه أمراً لثلاث فرق عسكرية مجهزة بأحدث الأسلحة لتنسحب أمام ألف إرهابي داعشي وتسليمهم الموصل إنتقاماً منها ومن كل الغربية، وبالتالي إيجاد حجة ومُبرر لتحويل مجموعة عصابات ومليشيات مرتزقة الى كيان الحشد الهجين الشبيه بالحرس الثوري الايراني ليَحل محل الجيش ويستبيح البلاد ويحولها الى مستعمرة ايرانية، وما كان ليسمح بحَجم الفساد الذي أغرق حكومة المالكي ووصل الى حد إختلاس مئات المليارات من خزينة الدولة العراقية لصالح ايران وصفقات حزبية مشبوهة، وغيرها كثير من الويلات جرتها سنوات حكم المالكي الثمان العجاف على العراق، والتي كان يمكن تداركها لو تم الإكتفاء بسنواته الأربع الفاشلة الأولى، ولم تذعُن إدارة أوباما السلبية الى ايران لتهديه السلطة لأربع سنوات أخرى عِبر سرقتها من الدكتور أياد علاوي. فالدكتور أياد علاوي صاحب مشروع وطني ليبرالي مُعارض لنفوذ ايران ومشروعها التوسعي الطائفي في العراق، بل هو من أبرز المتصدين له منذ عودته، وهذا ما دفع ايران الى التدخل بكل وقاحة لإفشال توليه للسلطة رغم فوزه بها قانونياً! كما أنه رئيس الوزراء الوحيد بعد 2003 الذي فتح تحقيقاً مع كل المسؤولين الذين طالتهم شبهة فسادة في حكومته رغم أن عمرها لم يتجاوز عدة أشهر، في حين لم يفعلها من جاؤوا بعده مع مسؤولي حكوماتهم التي دامت أربع وثمان سنوات. وبالتالي فإن توليه للمنصب كان يمكن أن يدفع الى حصول الكثير من الأمور الجيدة التي كان يمكن لها أن تقود لأوضاع أفضل بكثير من الأضاع التي قادت اليها حماقات المالكي وفساده وجرائمه التي يعيش العراقيون تداعياتها المريعة اليوم، وهو ما أدى الى أن يطفح كيل الشباب منهم ليخرجوا في تظاهرات تشرين مطالبين بحقوقهم وبإصلاح بلدهم في مواجهة أفسد طبقة سياسية عرفها ليس فقط تأريخ العراق بل والعالم بعمالتها للخارج على حساب بلدها وشعبها وبإجرامها بحقهم.
لكن للأسف فات المتظاهرين، بجملة ما فاتهم، أن يطالبوا بإعادة الحق الى أصحابه والى نصابه، عبر ترشيح الدكتور أياد علاوي، ولو إعتبارياً، لكل الإعتبارات التي ذكرناها سابقاً، وعلى رأسها ليبراليته ولا طائفيته وعلاقاته العربية والإقليمية والدولية وإجماع أغلب العراقيين عليه بمختلف إنتمائاتهم، بالإضافة الى ضربه للمليشيات والتنظيمات الإرهابية بيَد من حديد حينما كان في السلطة لفترة مؤقتة، ورفض ايران لتوليه إياها حينما فاز بها عبر الانتخابات. بدلاً من ذلك طالبوا بإبن عمه ذي الخلفية الاسلامية محمد توفيق علاوي، الذي لم ينجح كوزير، والذي لا يمتلك ربع مواصفاته، الى جانب أسماء أخرى لا تصلح للمنصب بتاتاً لافتقارها الى متطلباته ومتطلبات المرحلة، والذي على عكس إبن عمه توافقت ايران وملشياتها وتنظيماتها الارهابية على تكليفه وتفاوضت معه ليكون مُرَشّحها ووافق، فتم تقديم اسمه لرئيس الجمهورية ليقوم بتكليفه باعتباره مُرَشّح الساحات والقوى السياسية معاً، وحدث ما حدث.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 حكومة علاوي: مخاض عسير وولادة لا تعد بالكثير صادق الطائي
القدس العربي
ولادة عسيرة لحكومة لا أحد يعرف كنهها، فقد اتفقت كتلة «سائرون» وكتلة «البناء» على تقديم اسم محمد توفيق علاوي، كمرشح توافقي للكتل السياسية، وتم تكليفه من رئيس الجمهورية، من دون أن يفسر أحد كنه التكليف، أو ماهية الحكومة المقبلة، ومن المعلوم عدم وجود توصيف دستوري يصف وضع الحكومات المؤقتة أو الانتقالية في العراق، كما أن كتاب التكليف الرسمي الخاص بتكليف محمد توفيق علاوي الصادر من رئاسة الجمهورية لم يعلن، ولم يقرأه أحد.
فهل ستكون حكومة علاوي حكومة مؤقتة محددة بزمن معين؟ وهل ستختتم أعمالها بإجراء الانتخابات المبكرة؟ أم ستكون حكومة دائمية ذات صلاحيات كاملة، وبالتالي تطالبها الكتل السياسية باتخاذ إجراءات عاجلة لإخراج القوات الأجنبية من العراق؟ وإذا كانت ساحات الانتفاضة في بغداد ومدن الجنوب رافضة لحكومة علاوي، فما الفائدة المتوخاة من تكليف الرجل؟ وهل ستستمر الانتفاضة في تصعيد احتجاجاتها؟ أم ستتجه إلى الضغط على علاوي وحكومته عن طريق التفاوض؟
البداية كانت في التصريحات المتفائلة التي أطلقها المكلف محمد توفيق علاوي عند بدء مشاوراته الحكومية، إذ صرح في 15 فبراير/شباط إنه اقترب من تحقيق «إنجاز تاريخي»، يتمثل بتشكيلة حكومية مستقلة «من الأكفاء»، من دون تدخل أي طرف سياسي. وفي تغريدة نشرها في صفحته على تويتر، قال محمد توفيق علاوي «اقتربنا من تحقيق إنجاز تاريخي، يتمثل بإكمال كابينة وزارية مستقلة من الأكفاء والنزيهين، من دون تدخل أي طرف سياسي»، لكن سرعان ما اتضح عدم دقة هذا التصريح، إذ رفضت الكتل الكردية وبعض الكتل السنية حرية اختيار علاوي لكابينته الوزارية من المستقلين، وتمسك الحزبين الكرديين الكبيرين، بما وصفوها «استحقاقتهم الانتخابية في الوزارات»، وأدانت الكتلتان الكرديتان حق الشيعة في تسمية رئيس الوزراء، بينما يمنعونهم من تسمية وزرائهم. فقد صرح الكرد بأنهم لن يمرروا حكومة علاوي، إلا في حالة حصولهم على الوزارات التي تحت سيطرتهم في حكومة عبد المهدي، وإلا فانهم سيتحولون إلى المعارضة. ومن الكوميديا السوداء في العراق، إشارة بعض الساسة الكرد إلى مساندتهم لحقوق المنتفضين في بغداد ومدن الجنوب، وواجب حكومة علاوي تنفيذ مطالب المحتجين، متناسين أن حكومة إقليم كردستان تقمع بالنار والحديد كل من يتظاهر أو يحتج على فساد ونهب عوائل الزعماء السياسيين، الذين حولوا الإقليم إلى إقطاعيات عائلية. كذلك نجد بعض الكتل الشيعية التي صرحت بمقاطعتها ترشيح حكومة علاوي، مثل كتلة «النصر» بقيادة حيدر العبادي لأنها تجدها حكومة لا تلبي متطلبات ساحات الاحتجاج. أما كتلة «دولة القانون» بقيادة نوري المالكي المنضوية تحت ائتلاف البناء، فإنها لن تمنح حكومة علاوي ثقتها، بسبب نزاعات شخصية على خلفية صراع نوري المالكي ومحمد توفيق علاوي إبان حكومة المالكي الثانية.
من جانب آخر، رفضت بعض الكتل السنية وأبرزها «تحالف القوى» التنازل عن استحقاقها في الوزارات أيضا، وصرحت بأنها لن تمنح حكومة علاوي الثقة ما لم تحصل على استحقاقها من الوزارات، وبذلك ستواجه حكومة علاوي رفض الكرد وبعض السنة، فكيف يمكن تمريرها برلمانيا؟ لقد أشار النائب العراقي السابق رحيم الدراجي في برنامج تلفزيوني يوم الجمعة 21 فبراير، إلى تسريبات عن توزيع الحقائب الوزارية وفق الكوتا الخاصة بالمكونات الشيعية والسنية والكردية والأقليات الإثنية، ووفقا لاتفاقات تشكيلة كابينة حكومة علاوي، سيحصل الشيعة على 12 وزارة، أما الوزارات السيادية فسيتم توزيع وزارة المالية والنفط والخارجية بين السنة والشيعة والكرد، لكن هذه التوزيعة لا تعني انتهاء مشكلة صراع الأحزاب داخل كل مكون على الحصص الوزارية، وبحسب الدراجي إن المكلف محمد توفيق علاوي طرح أسماء لم يسبق لها أن اشتركت في العملية السياسية، ليقنع الشارع المنتفض إنهم مستقلون، بينما تصر الكتل السياسية على أن تلعب هي دور المرشح لمجموعة أسماء، وعلى علاوي الاختيار منها.
والمعلوم أن هذه الخطوات قد مرّ بها تشكيل حكومة عادل عبد المهدي، التي أطاحتها انتفاضة تشرين، إذ أعلن حينها أن عادل عبد المهدي سيكون رئيس وزراء توافقي، وستترك له حرية تشكيل كابينته من التكنوقراط المستقلين، وقام عبد المهدي بفتح نافذة إلكترونية لتلقي سير شخصية لمن يود الترشح لمنصب وزاري، على أن تقوم لجنة مختصة بفرز السير واختيار الأنسب منها، لكن المضحك المبكي في عراق الفساد، قدم لنا سيناريو جهنمي نفذته الأحزاب الفاسدة، والذي بات يعرف بـ»حكومة مديري المكاتب»، إذ أن الوزراء الذين تم اختيارهم على إنهم مستقلون، وجدوا أنفسهم محاصرين بجيوش الأحزاب الحاكمة، وتم تهديدهم عبر تعيين مدير مكتب الوزير، الذي يفرض سياسة الحزب على الوزير المستقل، بعد إبلاغه أن «هذه الوزارة تابعة لنا ونحن من يتحكم بها، فإذا لم يعجبك الوضع بإمكانك تقديم استقالتك»، وهذا ما تم في وزارة الصحة ووزيرها علاء الدين العلوان مثلا.
إجراء انتخابات مبكرة تحت الظروف نفسها التي يعيشها العراق اليوم، يعني إعادة تدوير وجوه العملية السياسية وأحزابها الفاسدة
أما تسريبات بيع الوزارات وصفقات الفساد المريبة، التي مرّت بها حكومة عبد المهدي، فقد أثيرت مجددا بوجه حكومة علاوي، إذ أشار تقرير بثته قناة «الحرة» نقلا عن مصادر سياسية إلى إن «وزارة الكهرباء وصل سعرها إلى 80 مليون دولار، في ما بلغت قيمة وزارة الاتصالات نحو 35 مليون دولار»، كما غرد النائب كاظم الصيادي على حسابه في «تويتر» قائلا «وزارة النفط بـ 10 مليارات من يشتري، المناصب للبيع، القبعات للبيع من يشتري»، في إشارة إلى افتتاح بعض الكتل السياسية مزاد بيع الوزارات. بينما ذكر المحلل السياسي إبراهيم الصميدعي الذي يقدم نفسه على انه مقرب من الرئيس المكلف علاوي، إذ ذكر في برنامج حواري في قناة الحرة «يوم أمس عرضت عليَّ جهة مبلغ 30 مليون دولار مقابل الدعم لوزارة، ثلاثة ملايين دولار تحت تصرفي والباقي لدعم المرشح»، ويسمي الصميدعي اتفاقات تشكيل الحكومة بـ»البازار» أو السوق، لكنه يؤكد أن رئيس الحكومة المكلف «يحتكر بشكل منفرد عملية تشكيل الحكومة»، وفي هذا الخصوص صرح المتحدث الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى عبدالستار بيرقدار بالقول، إن «القضاء سيحقق في تصريحات كل من يظهر في وسائل الإعلام، ويدعي حصول مساومات لإشغال مناصب في الحكومة الجديدة، وفي حال كذب هذا الادعاء سوف يعاقب من صرح بمعلومات مخالفة للحقيقة، وفق القانون».
ساحات الاحتجاج بدورها كان موقفها واضحا تجاه حكومة علاوي منذ البداية، إذ رفضت تنسيقيات الساحات في بغداد والمحافظات الجنوبية تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة، لأنه شخص لا تنطبق عليه المواصفات التي طالب بها المنتفضون، لذلك تعرضت الساحات في بغداد والنجف وكربلاء والناصرية إلى هجمات من ميليشيات التيار الصدري مثل، سرايا السلام والقبعات الزرق، وقد تكالبت على المعتصمين هجمات القوات الأمنية وهجمات الصدريين في الآن نفسه، إذ تعرض العديد من المعتصمين للطعن بالسكاكين والقتل بالكواتم وإحراق الخيم والضغط على ساحات الاحتجاج لكسر حالة الرفض التي يعلنونها بوجه حكومة علاوي.
أما فصائل المقاومة الإسلامية الموالية لايران، فأنهم يصرحون بأنهم اشترطوا على المكلف محمد توفيق علاوي أن يحدد موعدا للانتخابات المبكرة، لمنح كابينته الثقة، وكأنهم يمنون على الشارع المحتج بذلك، لكن ردّ شباب الساحات عليهم جاء واضحا وصريحا، ومفاده أن إجراء انتخابات مبكرة تحت الظروف نفسها التي يعيشها العراق اليوم، يعني إعادة تدوير وجوه العملية السياسية الفاسدة وأحزابها التي اوغلت في الفساد، وفي دماء شباب الانتفاضة، لذلك لابد من تشكيل حكومة مؤقتة، ولابد من حل البرلمان لقطع الطريق أمام المطالبين بمنح البرلمان الثقة لحكومة الانتفاضة، لتبدأ عندها المرحلة الانتقالية، التي يتم فيها تعديل قانون الاحزاب وبأثر رجعي، ليتم الكشف عن المال الفاسد الذي استحوذت عليه الاحزاب عبر نهب المال العام، وتعديل قانون الانتخابات، وتشكيل مفوضية مستقلة للانتخابات مهمتها الإشراف على الانتخابات تحت مراقبة الأمم المتحدة، ليتم انتخاب برلمان ممثل بشكل حقيقي للشعب العراقي، ليتولى بدوره كتابة أو تعديل الدستور الدائم، وإفراز حكومة دائمة تتولى مهام الخدمات والأمن واحتكار القوة والسلاح ومحاسبة الفاسدين وقتلة المتظاهرين.
وإلا وبدون تطبيق خطوات الحكومة المؤقتة الحقيقية، فإننا سنكون إزاء حكومة ضعيفة ستتلاعب بها الأحزاب الفاسدة، كما تلاعبت بحكومة عبد المهدي، وإذا تم تمريرها بعد مخاضها العسير في البرلمان، فسرعان ما ستسقط في غضون شهور قليلة أمام إصرار ساحات الانتفاضة.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 العراق.. بازار سياسي
عائشة المري
الاتحاد
يتوقع أن يعقد البرلمان العراقي اليوم الاثنين جلسة استثنائية لمنح الثقة لحكومة محمد توفيق علاوي، رئيس الوزراء المكلف في الأول من فبراير الجاري بعد توافق الكتل السياسية بمباركة من مقتدى الصدر و«تحالف البناء» بزعامة هادي العامري. ورغم أن الحكومة ستكلف لعام واحد فقط وستكون مهمتها الإعداد للانتخابات المقبلة، فإن الصراعات السياسية التي ظهرت جلية على الساحة تشير إلى أهمية الحكومة والمناصب الوزارية لدى القوى السياسية المهيمنة، بعيداً عن مطالب الاحتجاجات التي تشهدها بغداد ومدن الجنوب منذ مطلع أكتوبر الماضي، والمطالِبة بإجراء انتخابات مبكرة وبمحاربة الفساد. وستعقد الجلسة بناءً على طلب رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي الذي استقال من منصبه في ديسمبر الماضي. وأعلنت بعض القوى النيابية رفضها المشاركة في جلسة منح الثقة لحكومة علاوي، من أبرزها كتلة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، فيما لا يزال موقف الحزبين الكرديين الرئيسيين («الاتحاد الوطني الكردستاني» و«الحزب الديمقراطي الكردستاني») غير مؤكد لغاية الآن. لكن فمن الواضح مدى حساسية توزيع المناصب الوزارية بالنسبة للأحزاب السياسية المهيمنة. وقد هدد الصدر بتنظيم تظاهرة «مليونية» واعتصامات حول المنطقة الخضراء حال فشل البرلمان في تمرير حكومة علاوي. وغرد الصدر قائلا: «إذا لم تنعقد الجلسة خلال هذا الأسبوع، أو إذا انعقدت ولم يتم التصويت على كابينة عراقية نزيهة، أو إذا كانت الكابينة ليست مع تطلعات المرجعية والشعب، فهذا يستدعي الخروج لمظاهرة مليونية شعبية من دون عناوين جهوية». فهل يمكن تشكيل حكومة بمعزل عن سطوة القوى الحزبية التي ترسخت ممارساتها كتزوير الانتخابات والتلاعب بالنتائج وبيع وشراء المناصب.. منذ أول انتخابات بعد عام 2003؟ وهل من الواقعية اليوم الحديث عن انتخابات عادلة ونزيهة تعبّر عن الشارع العراقي وتعكس مطالب المتظاهرين الشباب؟
تتواصل التظاهرات والاحتجاجات الشبابية في المدن العراقية (حيث قُتل نحو 550 شخصاً) ضد منظومة الفساد ونظام المحاصصة الطائفية، وتوسعت مطالب المتظاهرين إلى الدعوة لرحيل الطبقة السياسية عن الحكم، وطرد القيادات السياسية ذات الولاء الخارجي. ويتهم المتظاهرون الميليشيات الطائفية المسلحة بقمع الاحتجاجات واستهداف المدنيين بالقتل والاختطاف، فيما بدا الشارع العراقي يتحدث عن وجود «صفقات سياسية» للاستحواذ على مناصب وزارية، كما أخذ مجلس القضاء الأعلى يحقق في مزاعم قيام أطراف بدفع مبالغ طائلة لقاء «بيع وشراء» وزارات ومناصب في الحكومة المرتقبة بعد أن صرح «إبراهيم الصميدعي» لوسائل الإعلام بعرض أموال مقابل تولي مناصب في الحكومة المزمع تشكيلها، قائلاً إن 30 مليون دولار عرضت عليه من أجل حجز وزارة لجهة معينة. كما نشر النائب كاظم الصيادي، المنتمي لقائمة «دولة القانون» بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، تغريدة ذكر فيها أن وزارات العراق للبيع، وحدد أسعار بعضها.
يعاني العراق من أزمتين سياسيتين رئيسيتين، الأولى (وهي الأخطر) انهيار شرعية الطبقة السياسية الحاكمة منذ عام 2003، والثانية تعاظم النفوذ السياسي والعسكري للأحزاب والمليشيات ذات الولاء الخارجي.. وكل ذلك يؤدي إلى ضبابية المستقبل السياسي للعراق كدولة موحدة، ويطرح من جديد إشكالية المواطنة للطبقة السياسية المسيطرة على مفاصل الدولة. وما زالت حركة الاحتجاجات منذ انطلاقتها في أكتوبر الماضي وإلى يومنا هذا لا تملك قيادات واضحة وهو تحد سياسي حقيقي لاستمرار الحركة دون أن يتم امتطاؤها واستغلالها من قبل القوى المتواجدة على الساحة في ظل حاجة العراق لهدم المنظومة السياسية التي تأسست بعد سقوط نظام صدام حسين.. وتلك هي المعضلة.