في 20 كانون الثاني/يناير، قام القائد العام لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني اللواء حسين سلامي بتعيين اللواء محمد حسين-زاده حجازي نائباً لقائد «فيلق القدس» بعد ترقية العميد اسماعيل قاآني إلى المنصب الأعلى في الفيلق. فمَن هو حجازي، وما هي الخلفية التي جاء منها قبل انخراطه في «فيلق القدس» منذ فترة قصيرة نسبياً؟
هل أُلغيت الروابط مع “مجاهدي خلق”؟
وُلد حجازي في أصفهان في عام 1956 أو 1957 في عائلة غنية على ما يبدو. ويبدو أنه كان منخرطاً في النشاط السياسي قبل ثورة عام 1979 مع شقيقه الأكبر قليلاً أحمد الذي لقي مصرعه في الحرب مع العراق عام 1982. وقد أمضى كلاهما بعض الوقت في السجن، ويقال إنّ محمد طُرد من الجامعة. لكن من اللافت للنظر أن المعلومات العامة المتوفرة عن الانتماءات السياسية للأخوين نادرة خلال تلك الفترة.
بيد أن الأخبار المعروفة عن محمد، الذي يبدو أنه كان أكثر نشاطاً بين الاثنين، قد تلقي بعض الضوء على تفكيره السياسي وشبكة علاقاته السياسية في وقت مبكر. ووفقاً لهادي غفاري، أصولي كان ينتمي لحركة “مجاهدي خلق” قبل الثورة، استخدم أحمد الأموال التي اقترضها من والده حسين للتدرّب على حرب العصابات في معسكرات “منظمة التحرير الفلسطينية” في جنوب لبنان في أواخر سبعينيات القرن الماضي. وكشف غفاري كذلك أنه قبل عام أو عامين من الثورة، كان أحمد يعيش في غرفة في دمشق مع ستة ثوار إيرانيين آخرين، من ضمنهم زعيم الخلية وعضو حركة “مجاهدي خلق” محمد غرازي، زميله من أصفهان. وهناك قام عضو ثالث في الحركة، من أصفهان أيضاً، ويدعى محمد منتظري بأخذ أحمد تحت جناحه وتمويل رحلاته إلى باريس (حيث زار آية الله روح الله الخميني) وإلى مكة (التي انخرط فيها في دعاية ضد الشاه).
وفي ضوء هذه المعلومات، يرجَّح أن يكون كلا الأخوين حجازي من المنتمين لـ “مجاهدي خلق” أو على الأقل من المتعاطفين معها. وهذا ليس بالأمر الغريب بالنسبة للجيل الأول من أعضاء «الحرس الثوري» الإيراني. ولكن في أعقاب وقوع الخلاف بين “مجاهدي خلق” والجمهورية الإسلامية بعد الثورة وإعلان الحركة منظمةً إرهابية، لم تعد المصادر المكتوبة بالفارسية تأتي على ذكر هذه الانتماءات.
قمع الأكراد، ومحاربة العراق، وتفادي عمليات التطهير
بعد نجاح الثورة الإيرانية في شباط/فبراير 1979، انضم حجازي إلى «الحرس الثوري» في أصفهان، وربما نأى بنفسه عن حركة “مجاهدي خلق” التي أصبحت تتبنى النظرة الماركسية بشكل متزايد. ثم تم نقله إلى مقاطعتَي كردستان وأذربيجان الغربية لقمع الانفصاليين الأكراد، قبل أن يتم لاحقاً تكليفه بمهمة حشد المتطوعين للقتال على الجبهة في الحرب ضد العراق. وبهذه الصفة، ربما يكون قد تقرّب من محمد علي رحماني الذي كان قائداً لميليشيا “الباسيج” بين 1984 و 1990. وقد استُخدمت دوريات “الباسيج” المسماة “ثأر الله”، بالإضافةً إلى حشد المتطوعين، لقمع المعارضة المحلية في ذلك الوقت.
وبحلول منتصف الثمانينات، نُقل حجازي إلى الجبهة كنائب قائد في “قاعدة عمليات سلمان” ومن ثم في “قاعدة عمليات القدس”. وساعده هذا النقل في مسيرته المهنية وربما يكون قد أنقذ حياته، فلو بقي في أصفهان لكانت صداقته مع محمد منتظري لتزّجه على الأرجح في الصراع المرير على السلطة بين والد محمد منتظري، آية الله حسين علي منتظري، والثلاثي المؤلف من أكبر هاشمي رفسنجاني وأحمد الخميني وعلي خامنئي. ومع أن منتظري الأب كان مرشحاً ليخلف الخميني في البداية، إلّا أن فصيله خسر معركة الخلافة في نهاية المطاف، وتم إعدام كبار مناصريه في «الحرس الثوري».
عملية تحويل “الباسيج”
بعد انتهاء الحرب بين إيران والعراق في عام 1988، عاد حجازي إلى “الباسيج” كرئيس أركان تحت إمرة العميد علي رضا أفشار. ولا يُعرف الكثير عن أنشطته في ذلك الوقت، لكن في آذار/مارس 1998، عيّنه المرشد الأعلى خامنئي قائداً لقوة “الباسيج”. وتحت قيادته، التي استمرت حتى أيلول/سبتمبر 2007، لم تتحول “الباسيج” إلى إحدى أهم ركائز الأمن الداخلي للنظام الإيراني فحسب، بل لعبت دوراً سياسياً مهيمناً من خلال لجان الأمن الأهلية التابعة لها.
وكبدايةً، بفضل إعادة هيكلة “الباسيج” على يد حجازي، تمكّن المرشد الأعلى من التصدي للفوز الذي حققه الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي في الانتخابات، والذي جسّد وعزز المطالبات الشعبية المتنامية بالتحرر السياسي. ولم يكن النظام قادراً على إحداث هذا التغيير أو راغباً به. عوضاً عن ذلك، عمد حجازي إلى دعم وتعزيز لجان الأمن الأهلية على غرار جماعة «أنصار حزب الله» الذين يعملون باللباس المدني من أجل ترهيب منتقدي النظام والسياسيين الإصلاحيين على حد سواء.
وأدركت قيادات النظام الإيراني منفعة حجازي حين اندلعت الاحتجاجات الطلابية في تموز/يوليو 1999 بعد إغلاق الصحيفة الإصلاحية “سلام”. وبالإجمال وقفت عناصر “قوات إنفاذ القانون” (حفظ الأمن) الحكومية متفرجة بشكل أساسي على تلك الاضطرابات، بينما انتشرت قوات “مقر ثأر الله” التابعة لـ”الباسيج” (تحت القيادة الشخصية لحجازي) و «أنصار حزب الله» في الجامعات لقمع الاحتجاجات بعنف، متسبّبةً بمقتل سبعين طالباً وفقاً لبعض التقارير.
وفي عهد حجازي، أصبح تنظيما “الباسيج” و «أنصار حزب الله» منخرطَين علناً في السياسة، إلى جانب مهام مكافحة الشغب. واشتكى خاتمي [آنذاك] من المساعي المنهجية التي بذلها التنظيمان لتقويض حكومته الإصلاحية في مقولته الشهيرة: “كل تسعة أيام يتم افتعال أزمة جديدة لحكومتي!” وحين أطلّت انتخابات حزيران/يونيو 2005، انخرط كلا التنظيمين بنشاط في حملات داعمة لمحمود أحمدي نجاد، بينما تم تجاهل الرسائل الموجهة إلى خامنئي احتجاجاً على هذا التدخل.
في البداية، لم يمانع «الحرس الثوري» محاولات حجازي لتقوية “الباسيج”. فقائد الحرس في ذلك الوقت اللواء رحيم صفوي كان من أصفهان، بينما كان شقيقه سلمان من قدامى المقاتلين في الخلية الثورية التابعة لمحمد منتظري وأحمد حجازي. ى وبالإضافة إلى هذه الروابط الشخصية، كان صفوي يرحّب بفرصة إسناد مهمة السيطرة على بلطجية النظام إلى “الباسيج” وإبقاء لجان الأمن الأهلية بعيدة عن هذه القوات.
لكن هذا كله تغيّر في أيلول/سبتمبر 2007 حين قام خامنئي بتعيين محمد علي جعفري قائداً للحرس الثوري. وكان اللواء قد أسس في الماضي مركز الأبحاث الاستراتيجية في «الحرس الثوري»، حيث وضع نظريات حول كيفية مجابهة سياسات “الثورة المخملية” و”تغيير الأنظمة الناعمة” التي زُعم أن الولايات المتحدة تنتهجها. وحتى قبل تعيينه، شكّلت أفكاره الأساس النظري لإنشاء كتيبتَي “الزهراء” و “عاشوراء” في «الحرس الثوري» كقوات لمكافحة الشغب.
وسعى جعفري إلى تطبيق نظرياته بدرجة أكبر حين وصل إلى رئاسة «الحرس الثوري»، بما فيها خطة سرية لدمج “الباسيج” في «الحرس الثوري». وفي بادئ الأمر، أكّد جعفري لحجازي وعناصر “الباسيج” أنه لن يتم استيعاب تنظيمهم. وبدا أن خامنئي قدّم المزيد من الضمانات حين عيّن حجازي رئيساً لهيئة الأركان المشتركة لـ «الحرس الثوري» بعد فترة وجيزة على ترقية جعفري. ومع ذلك، كشف المرشد الأعلى عن حقيقة نواياه في أيار/مايو 2008 حين عيّن حجازي نائباً لقائد «الحرس الثوري» – وتم تكرار هذا النموذج على مستوى المحافظات، حيث تم تعيين قادة “الباسيج” المحليين نواباً لقادة «الحرس الثوري» المحليين. ومن الواضح أن الغرض من التعيينات كان تقليل احتجاجات أعضاء “الباسيج” إلى الحد الأدنى، وحالما زال خطر حدوث تمرد في صفوفهم، قام خامنئي وجعفري بدمج “الباسيج” بالكامل في الهيكل التنظيمي لـ «الحرس الثوري».
وجاءت هذه الهيكلة الجديدة في الوقت المناسب للنظام، إذ سرعان ما وجد نفسه أمام تحدي التعامل مع ملايين المحتجين الغاضبين من الغش الذي أعاد انتخاب أحمدي نجاد في حزيران/يونيو 2009. وادعى حجازي وجعفري أن الاحتجاجات كانت مظهراً من مظاهر الثورة المخملية التي وجهها الأمريكيون والتي حذّرا منها طوال الوقت. وردّاً على ذلك، أطلق حجازي يد “الباسيج” و”مقر ثأر الله” وجميع حلفائهم في لجان الأمن الأهلية العاملين باللباس المدني لخوض معركة طويلة ضد “الحركة الخضراء” المعارضة والمجتمع الإيراني عموماً.
وبينما تمكّنت قوات «الحرس الثوري» و”الباسيج” والقوات المتحالفة معهم من احتواء الاحتجاجات تدريجياً، عمد خامنئي إلى تعيين حجازي نائباً لرئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في تشرين الأول/أكتوبر 2009 حيث تولى مهام الاستعداد واللوجستيات وأعمال البحث والتطوير في المجال الصناعي. وفي ذلك الوقت، بدا المنصب وكأنه طريق مسدود في المسيرة العسكرية لحجازي – فقد حاول جعل “الباسيج” مستقلاً عن «الحرس الثوري» وخسر الصراع من أجل السلطة لصالح جعفري وتمت ترقيته إلى منصب يصبح فيه في غياهب النسيان. ومع ذلك، تغيّرت حظوظه مجدداً في نيسان/أبريل 2019 حين قام خامنئي بتعيين سلامي الأصفهاني الأصل رئيساً لقوات «الحرس الثوري»، ليمهّد بذلك الطريق أمام وصول حجازي إلى منصبه الأعلى الحالي في «فيلق القدس». وبما أن ذكرى محاولته فصل “الباسيج” عن «الحرس الثوري» تلاشت على ما يبدو، فإن قيادات التنظيم تعمل اليوم على الاستفادة من طموحاته وخبرته في «فيلق القدس».