لماذا أراد الامريكان إطلاق سراح صدام؟ اسرار جديدة من مدير مخابرات عراقي!!

تعليقا على سلسلة المقابلات مع ضابط الاستخبارات العراقية السابق السيد شهاب العباسي والتي روى خلالها بعضا من يوميات أركان النظام العراقي السابق في سجون الاحتلال الأمريكي، وردنا من السيد سالم الجميلي، رئيس قسم الولايات المتحدة في الاستخبارات العراقية سابقا، ننشره عملا بمبدأ حرية الرأي واتاحة الفرصة لمشاهدينا للتفاعل مع برامجنا.

ونود الإشارة إلى أن المقابلات أثارت اهتماما منقطع النظير، وطرحت مزيدا من الأسئلة، وعبر عدد كبير من المشاهدين عن الرغبة في إجراء مزيد من الحوارات مع الشهابي ومع شهود تلك الفترة من تاريخ العراق الحديث.

ونلفت انتباه مشاهدينا، إلى أن الهدف من كل برامجنا التوثيقية، فتح مغاليق الأحداث التاريخية التي عصفت بالعراق، دون موقف مسبق، أو انحياز لأي طرف من الأطراف. وندعو من يعنيهم الأمر التفاعل مع المقابلات لإكمال الصورة.

 

تعليق سالم الجميلي

 

في البداية أود توجيه التحية والتقدير للأخ والزميل شهاب العباسي ضابط  المخابرات الشجاع الشهم، واحمد الله على سلامته بعد خروجه من السجن للمرة الثانية حيث  امضى جل حياته في السجون لفترة امتدت لأكثر من ثلاث عقود ونصف منها 15 سنة سجنا بدون قرار حكم لأسباب تتعلق بما يمكن أن يشكله من خطورة على قوات التحالف الدولي وما تلاه.

الإعلامي المتربص  سلام مسافر من  قناة روسيا اليوم أجرى مع الزميل شهاب العباسي ثلاث حلقات  في برنامج “قصارى القول”  تحدث فيها عن بعض الأحداث التي وقعت في سجن كروبر المخصص لاعتقال كبار قيادات الدولة والحزب.

ونظرا لما وصلني الكثير من الملاحظات من بعض الاصدقاء عن تلك الحلقات التي أثارت لغطا كبيرا أود أن أبين بعض الملاحظات على ما ورد في حديثة، باعتباري كنت موقوفا في ذات الحبس وذات الزنزانة التي جمعتني مع الزميل العباسي لمدة 9 شهور.

أولا. ان الاهتمام الأمريكي بالمرحوم الفريق عبد حمود كان بسبب موقعه  الوظيفي المهم.

(سكرتير الرئيس)  واطلاعه على  تفاصيل عمل الدولة واسرارها  لهذا استخدم المحققون أساليب متعددة في التحقيق وما أشار إليه الأخ شهاب العباسي في حديثه عن وجود معاملة خاصة للفريق عبد حمود صحيحا لكن ذلك كان أحد اساليب التحقيق التي تتبعها أجهزة الاستخبارات لتحقيق أهدافها في انتزاع المعلومات وتدخل في إطار الحرب النفسية.

كان  تركيز  الأمريكان على عبد حمود مبني على ثلاثة أسباب:

الأول.. اعتقادهم بمعرفته مكان اختباء الرئيس.  والثاني أسرار ملف أسلحة الدمار الشامل. والثالث ملف الأموال التي وزعها الرئيس الراحل صدام حسين على بعض المرافقين والمسؤولين. وكان الأمريكان يخشون من أن تذهب هذه الأموال لتمويل المقاومة فأرادوا الوصول إليها باهتمام بالغ وهذه كانت من أهم اهتماماتهم. لهذا حظي عبد حمود برعاية  فسرت على أنها خاصه، لكنها بالحقيقة كان اسلوب تحقيقي بحت يهدف إلى استمالته والحصول منه على أكبر قدر من المعلومات.  والنتيجة كانت الإعدام في نهاية المطاف.

ثانيا: ما يتعلق بقضية المفاوضات بين الأمريكان وأركان النظام السابق في سجن كروبر. هذه تمت على مرحلتين الأولى قبل اعتقال الرئيس صدام حسين  بشهرين  تمت المفاوضات تحديدا مع المرحوم علي حسن المجيد  وكانت خدعه أرادوا من خلالها الوصول إلى مكان اختفاء الرئيس صدام حسين بعملية استخبارية معقدة جدا سأكشف تفاصيلها في وقت لاحق.

أما المرحلة الثانية من المفاوضات التي تحدث عنها الزميل شهاب وكانت في العام 2005 فهي مرتبطة بالمفاوضات بين سلطات الاحتلال وحزب البعث التي حصلت في أوج قوة المقاومة حيث تكبدت قوات التحالف خسائر كبيرة  في المناطق الغربية مما دفعها الى إجراء اتصالات مع قيادة الحزب وتقديم  عرض لوقف المقاومة واعطاء فرصة للإدارة الأمريكية لإعادة النظر في خططها دون أن يحدد الأمريكان ما هو مصير رأس النظام، وكان الحزب قد  اعتقد أن تلك مناورة أمريكية لالتقاط النفس واصرت قيادة الحزب على أن تخرج القوات الامريكية من العراق من دون أي شرط وإطلاق سراح جميع السجناء وعلى رأسهم الرئيس الراحل صدام حسين، تزامن مع هذه المحادثات  أيضا اتصالات داخل سجن كروبر حيث طلب الأمريكان من بعض قيادات  الدولة المعتقلين تشكيل حكومة بالطريقة التي عرضها المتحدث وكانت خطة  الأمريكان تقضي باستبعاد الرئيس صدام حسين من أية  تسوية أو مشاركة في هذه المفاوضات وهذا العرض سرعان ما انتهى إلىى الفشل وتوقفت  المفاوضات خارج السجن  وذهب الأمريكان إلى خيارات أخرى منها إنشاء تشكيل الصحوات للتصدي للمقاومة بشقيها الإرهابي والوطني.

وإثر تعرض قوات التحالف لخسائر كبيرة، وجد الأمريكان ضرورة  تغيير استراتيجيتهم وأمعنوا النظر في خطة مختلفة وهي العودة إلى خيار الرئيس بوش الذي عرضه في  خطابه يوم 17 آذار وطلب  فيه من الرئيس صدام حسين ونجليه (عدي وقصي) مغادرة العراق والإبقاء على هيكل الدولة مع إجراء تعديلات على القيادة، أي الإكتفاء بإزاحة رأس النظام فقط لاعتقادهم  أن المشكلة كانت في شخص صدام حسين وليس في كل النظام . وعندما علم الرئيس بالمفاوضات من المعتقلين دون التفاوض معه فقد فهم أن الأمريكان يريدون رأس القيادة واعتبرها مؤامرة لهذا وجه بإيقاف التفاوض والتزم الآخرون  بأمره.

وبخصوص الموقف الغامض لبعض المعتقلين السلبي من المرحوم طارق عزيز الذي جرى الحديث عنه في الحلقة الثالثة فأنا أعزيه (استنتاجا) إلى تشدده وتأييده لقرار الرئيس بوقف التفاوض مع الأمريكان وبالتالي تحميله مسؤولية إضاعة الفرصة التي منحها الأمريكان لهم وما آلت إليه نتائج الرفض من أحكام الإعدام والسجن المؤبد بحق قيادات الدولة وأضاعه البلد برمته.

وهنا لست في معرض تحديد ما إذا كان موقف الحزب من ذلك العرض خطأ استراتيجيا أم لا، فلو حصل اتفاق على وفق المتغير الأمريكي وجدولة  انسحاب القوات الأمريكية ربما تغيرت أهداف الاحتلال ونتائجه وموقفه من الحزب بشكل آخر.

أما الجندي الأمريكي الذي كان ينقل الرسائل بين الرئيس والمعتقلين الآخرين فهو بلا شك كان ينقلها بعلم الاستخبارات العسكرية الأمريكية المسؤولة عن إدارة المعتقل، فهم مدربون بشكل تفصيلي على كل ما يخص السجناء ولا يمكن لجندي أمريكي المجازفة بمصيره مقابل لا شيء.

هذا ما اردت إيضاحه  كي تكتمل الصورة لدى المشاهد الكريم لحلقات المقابلة وأرجو أن أكون قد أوفيت الإجابة على الكثير من التساؤلات التي أثارها المهتمون في معرفة الحقائق وتوثيق تاريخ تلك الفترة العصيبة.

سالم الجميلي

رئيس شعبة الولايات المتحدة في الاستخبارات الأمريكية سابقا