نُقل عن “المحكمة الجنائية الدولية” تأكيدها أنها تستطيع للمرة الأولى التحقيق مع الجيش البريطاني في اتهامات بارتكاب جرائم حرب. وذكر برنامج “بانوراما” الذي تبثّه قناة “بي بي سي” أن عمليات قتل مدنيّين في أفغانستان والعراق جرت تغطيتها من قِبَلْ الدولة. وأشارت وثائق مسرّبة إلى وجود أدلّة على تورّط قوّات بريطانية في قتل أطفال وتعذيب مدنيّين.
وأوضحت “المحكمة الجنائية الدولية” إنها أخذت تلك الاتهامات “على محمل الجد”، وفقاً للمحطة البريطانية. وأوردت “بي بي سي” أن المحكمة أكدت أنها ستقيّم بشكل مستقل النتائج التي توصل إليها البرنامج التلفزيوني، وستفتح قضية تاريخية إذا ما توصّلت إلى أن الحكومة البريطانية تحمي الجنود من الملاحقة القضائية”، بحسب ما أوردته المحطة صباح الإثنين الفائت.
وأوضحت بلقيس جرّاح، كبيرة المحامين في منظّمة “هيومن رايتس ووتش” في حديث إلى صحيفة “إندبندنت”، أن “معلومات تواترت على مرّ الأعوام، أشارت إلى انتهاكات واسعة النطاق وخطيرة حصلت ضدّ العراقيّين الذين كانوا في مراكز الاحتجاز البريطانية، بما في ذلك الاعتداء عليهم وتعذيبهم وقتلهم… في النهاية، لن تزول المزاعم المتعلقة بجرائم الحرب الناجمة عن تورّط المملكة المتحدة في العراق، ما لم يثبت النظام القضائي البريطاني أنه قادر على معالجتها على أعلى مستوى”.
وأضافت المحامية جرّاح أن المدّعي العام لدى “المحكمة الجنائية الدولية” توصّل فعلياً، إلى وجود أساس للاعتقاد بأن أفراد القوّات المسلّحة البريطانية ارتكبوا جرائم حرب ضد أشخاص محتجزين في العراق. وأضافت، “لا شك في أن المحكمة ستدقّق بعمق في تقرير “بي بي سي”، لا سيما لجهة وجود تستّر محتمل، على أن تقرّر في ضوئه إذا كانت ستتدخل رسمياً أم لا”. في المقابل، اعتبرت وزارة الدفاع البريطانية أن تلك المزاعم لا أساس لها من الصحة.
وذكر تحقيق مشترك أجرته محطة “بي بي سي” وصحيفة “صنداي تايمز” واستمر إعداده قرابة عام، أنه حصل على أدلة جديدة من “فريق الاتهامات التاريخية في العراق” الذي حقق في جرائم حرب منسوبة إلى جنود بريطانيين في العراق، و”عملية نورثمور” التي حقّقت في جرائم حرب أخرى مزعومة في أفغانستان.
وقد أنهت الحكومة مهمة الفريقين “إيهات” و”أوبريشن نورثمور” في العام 2017، بعد منع فيل شاينر وهو محام قدّم أكثر من ألف قضية إلى “فريق الاتهامات التاريخية في العراق”، من مزاولة المحاماة بتهمة أنه دفع لأشخاص في العراق للعثور على عملاء.
في سياق متصل، ذكر بعض المحققين السابقين في فريقي “فريق الاتهامات التاريخية في العراق” و”أوبريشين نورثمور” إن تصرفات شاينر استُخدمت ذريعةً لإغلاق ملف التحقيق. ولم تسلك القضايا التي حقق فيها الفريقان طريقها إلى المحاكمة. وفي وقت سابق، خلصت “المحكمة الجنائية الدولية” إلى أنه من المحتمل أن تكون القوات البريطانية قد ارتكبت جرائم حرب في العراق تتعلق بإساءة معاملة المحتجزين.
وكذلك ذكر التحقيق الذي عُرض على قناة “بي بي سي الأولى” الساعة 9 من مساء الاثنين الماضي، أنه عثر على أدلة تتعلق بجرائم قتلٍ جرت على يد جندي من “القوّات الجوّية البريطانية الخاصّة”، إضافة إلى وفياتٍ حدثت خلال الاحتجاز والضرب والتعذيب والإيذاء الجنسي للمحتجزين على يد أعضاء كتيبة المشاة “بلاك ووتش” .
وقد أُحيلْ قائد كبير من “القوّات الجوّية البريطانية الخاصّة” إلى النيابة العاّمة لمحاولته إعاقة مجرى العدالة، بحسب التحقيق. وأوردت راشيل لوغان، مديرة البرنامج القانوني في “منظّمة العفو الدولية” في المملكة المتحدة، إن “تقارير القتل والتعذيب على أيدي القوات البريطانية في أفغانستان والعراق، وما تلاها من أعمال تستّر، كلّها تبعث على القلق الشديد.”
ورأت لوغان أنه “إذا كانت تلك المزاعم صحيحة، فيجب أن يتحمّل المسؤولون عن معاقبة مرتكبي التعذيب وجرائم الحرب الأخرى وتنفيذها، على جميع المستويات العواقب، وعند الحاجة، يجب محاكمتهم…. بدلاً من السعي الدؤوب لإخفاء أخطر هذه الاتهامات تحت السجّادة، تحتاج بريطانيا إلى الوقوف ضد التعذيب، ودعم التزاماتها الدولية، وإظهار أنها تتعامل مع هذه الحالات بالجدية التي تستحقها”.
وفي ذلك الصدد، نقل متحدث بإسم وزارة الدفاع إلى صحيفة “إندبندنت” إن “الادّعاءات بأن وزارة الدفاع تتدخل في التحقيقات أو في قرارات الادّعاء المتعلقة بسلوك قوّات المملكة المتحدة في العراق وأفغانستان، ليست صحيحة.” وأضاف أنه “طوال عملية التحقيق، كانت قرارات المدّعين العامّين والمحقّقين مستقلة عن وزارة الدفاع، وشملت الإشراف الخارجي والاستشارات القانونية”.
وفي تعليق على تقارير أفادت بأن “المحكمة الجنائية الدولية” يمكنها التحقيق مع الجيش البريطاني، أفاد ناطق بإسم رئيس الوزراء بوريس جونسون إن “الادّعاءات التي ذكرت أن وزارة الدفاع تدخّلت في تحقيقات الادّعاء، ليست صحيحة.” وأضاف، “أجرت الشرطة تحقيقاً مستفيضاً في اتهامات تتعلّق بسلوك القوّات البريطانية في كلّ من العراق وأفغانستان. وقررت هيئة النيابة العامّة المستقلة، عدم رفع دعاوى في القضايا المحالة إليها.”