1 الهجوم
علي المزيد الشرق الاوسط
تلقت السعودية هجوماً على منشآتها النفطية في بقيق، ليتعطل 5 أو 6 في المائة من احتياج العالم من النفط اليومي، وأنتم تعرفون أن المملكة العربية السعودية تنتج 10 في المائة من استهلاك العالم اليومي من النفط، الحوثيون أعلنوا مسؤوليتهم عن الحادث، بغية رفع المسؤولية عن موكلهم إيران، ولكن الناس تعرف أن أدوات الهجوم المستخدمة أكبر من قدرات الحوثي.
كنت قد كتبت في الأسابيع الماضية أن إيران تفرض علينا الحرب، وتعطل التنمية، وتعطل تطور الفرد، وتؤخر حصول الإنسان على حياة كريمة، قياساً بموارد المنطقة، وتؤجل نمو اقتصادنا، وهجوم كهذا، وبهذا الحجم، لا يعتبر فرضاً للحرب، بل يعتبر إعلاناً صريحاً لها، والبركة الإيرانية قد أوقفت عجلة التنمية في أربعة بلدان عربية؛ أولها العراق صاحب الثروة الضخمة والموارد المتعددة، وببركة إيران أهلنا في العراق لاجئون في أوروبا، وفي جميع أنحاء العالم. وقد رأيتهم بأم عيني في المملكة المتحدة البريطانية، وفي أستراليا، والولايات المتحدة الأميركية، أي أن تشردهم وسع جميع قارات العالم.
وفي سوريا التي أصبح مواطنوها مشردي حرب، وفي لبنان التي أصبح فيها «حزب الله» شوكة في حلق كل تنمية في لبنان، لأنه ينظر لمصلحة موكليه الإيرانيين، لا مواطنيه اللبنانيين، وأخيراً ها هو الإيراني يفرض الحرب في اليمن، ويطيل أمدها، بهدف إنهاك الشعوب العربية، وتوجيه المقدرات للحرب بدلاً من التنمية.
في الهجوم الأخير، تسعى إيران لجر السعودية لمواجهة مباشرة معها، مثلما فعلت مع العراق عام 1979 ميلادية، وعطلت تنمية العراق، وإيران تعلم أن جر السعودية للحرب يعني إيقاف الحرب على ربيبها الحوثي، وفي أقل تقدير تخفيف الضغط عليه.
السعودية تعي ذلك أيضاً، ومن المعروف تاريخياً أن سياسة السعودية تتسم بالحلم والأناة والصبر والتحقق من الأمور قبل اتخاذ أي خطوة مقابلة، ولكن هذا لا يعني نسيان الموضوع، فحدث بهذا الحجم يحتاج رداً بحجمه، ولكن ما هي ماهية الرد؟ هل تكون بتكثيف الحصار الدولي، وعزل إيران عن المجتمع الدولي؟ وهذا يكفي أم يعقب ذلك عمل عسكري ينهك إيران؟ فمن المعروف أن السعودية، وعبر شبكة علاقتها الدولية، قادرة على حشد تأييد دولي ضد المعتدي.
المهم في الموضوع أن إيران جار ذو مطامع وأهداف توسعية، ويدفع من قوت شعبه لتحقيق هدفه. وللأسف العرب نائمون عن هذا الخطر، وجامعتهم العربية لا تتخذ خطوات جادة لمكافحة الخطر ودفعه، رغم أن الجامعة العربية تعرف ذلك من خلال سعي إيران لنشر مذهبها الشيعي في البلاد العربية، ومن ثم السيطرة على الشعوب عبر الولاء العقدي.
2 الولاية في القضاء
خالد القشطيني
الشرق الاوسط
الولاية والكفاءة مسألتان تثيران كثيرا من النقاش والخلافات في الفقه والقضاء بين المسلمين من حيث شروطهما وأركانهما وميزاتهما. تفجر هذا الموضوع في إيران في أواخر القرن الماضي. حدث أن أصر حسين علي منتظري، أحد كبار المراجع الشيعية في إيران، على أن علي خامنئي لا يجوز له أن يدعي ولاية الفقيه؛ لأن هذا المرجع يجب أن يكون أعلم وأتقى العلماء، في حين أن السيد خامنئي لم يبلغ المستوى المطلوب لنعتبره من ضمن العلماء حتى نتحرى عن مستوى علمه وتقواه، كما قال هازئاً ساخراً.
أدى موقفه هذا إلى منازعات ومصادمات حادة في إيران حينئذ. ولكنها لم تصبح واقعة من الوقائع السياسية المعروفة. بيد أنها تذكرنا بكثير من المنازعات المالية والعائلية التي يضج بها تاريخنا. وكان من ذلك حكاية مشابهة عن الراحل محمد مهدي كبة، زعيم حزب الاستقلال في العراق خلال الأربعينات والخمسينات. سمعتها من المحامي الشهير داود السعدي – رحمه الله – عندما كان الأمين العام لحزب الاستقلال وأحد كبار الزعماء القوميين في عهده، وأرويها كما سمعتها منه في ذلك الحين.
قال إن المتولي على أوقاف أسرة آل كبة توفي بأجله المحتوم. فادعى محمد مهدي كبة ولايته على تلك الأوقاف التي شملت عقارات ومسقفات ثمينة في بغداد وضواحيها تدر دخلاً عالياً. وكان يتصور أنه بحكم منزلته في السياسة الحزبية العراقية وزعامته لفريق القوميين والوحدويين في البلاد سيكسب الولاية من قاضي بغداد دون أي نزاع أو شك في أهليته. بيد أنه كان مخطئاً في تصوره هذا، كما كان مخطئاً في معظم مواقفه السياسية الوطنية.
تقدم للمحكمة الشرعية رجل آخر من أسرة آل كبة أيضاً وادعى هو كذلك الولاية الشرعية، وقال إنه أحق بها من زعيم حزب الاستقلال. إذن فقد قام نزاع في الموضوع. فأوقف القاضي قراره وحدد يوماً لسماع حجة كلا الطرفين.
تحديد الأهلية والولاية في الإسلام موضوع دقيق جداً. حل الموعد المقرر لحسم النزاع فأفاد الأستاذ داود السعدي ببينته وأطلع المحكمة على تفاصيل أحقية موكله السيد محمد مهدي كبة. وبعد أن انتهى من مطالعاته، وقف الخصم فقال: كلا يا حضرة القاضي. أنا أحق بالولاية، فأولاً من حيث القربى لصاحب الوقف فأنا أقرب من محمد مهدي كبة، فأنا ابن أخيه في حين أن محمد مهدي ابن عمه، وابن الأخ أقرب من ابن العم. وأما من حيث العمر فأنا أكبر من محمد مهدي باثني عشر عاماً، وأما من حيث التقوى فأنا أتقى من محمد مهدي لأنني حاج وزرت قبر نبينا عليه الصلاة والسلام في حين أن محمد مهدي ليس حاجاً ولا زار الديار المقدسة. وهنا تنحنح الرجل ثم استأنف كلامه فقال: وأما من حيث العلم فأنا ومحمد مهدي كلانا جاهل ولا يعرف شيئا!
حدثني الأستاذ داود السعدي فقال بنبرة أسى: بكل ما أملكه من ثقافة وخبرة في القضاء عجزت عن دحر حجة ذلك الرجل البسيط بإثبات أن موكلي محمد مهدي كبة، زعيم حزب الاستقلال، كان عالماً بشيء يميزه عن خصمه. فنطق القاضي بإسناد الولاية للخصم!
3 خلاف سياسي ام مذهبي ادهم ابراهيم
راي اليوم بريطانيا
كان الخلاف بين المذاهب الاسلامية دوما خلافا في اتباع منهج اسلامي فقهي على اختلاف الفقهاء في النظر الى المسائل الخاصة بالمواريث وبعض المعاملات. وطقوس العبادة في شكلها، وليس في جوهرها او قيمها الاخلاقية. ولم يكن هناك اي صراع بين السنة والشيعة على مستوى الافراد او التعايش بينهما او الزواج والمصاهرة والتعامل التجاري او المدني
ولكن الاختلاف بينهما دخل في طور النزاع او الصراع في السياسة فقط. واذا رجعنا الى كل تاريخ النزاع، نجده منذ البداية كان سياسيا. ولاعلاقة للافراد المدنيين فيه الا من خلال التحشيد. فكل من يحاول الحصول على السلطة والجاه والثروة يلتجئ الى انصار ومقاتلين لمساعدته في تحقيق هذا الهدف، وليس هناك افضل من الدين والمذهب وسيلة للوصول الى هذه الاهداف. وقد اتخذ السياسيون في كل مكان، وعبر كل الازمان الدين والمذهب وسيلة للحصول على النفوذ والسلطة والثروة
واذا نظرنا الى النزاع بين الدولتين العثمانية والفارسية مثلا نجده صراع على النفوذ والتوسع. وكان العراق دائما ساحة للصراع بينهما بالكر والفر لمرات عديدة
وهكذا نجد حتى الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 قد استخدم سلاح التفرقة الطائفية للتسيد في العراق. ويقول الصحافي الامريكي سيمور هيرش في مجلة نيويوركر. شباط 2007 ان الحرب الطائفية ستكون حجر الاساس لامريكا في المنطقة
ولو كانت الولايات المتحدة الامريكية حريصة فعلا على حماية طائفة دون اخرى لما سمحت بقمع الانتفاضة الشعبانيةعام 1991
وكذلك نجد التدخلات التركية والايرانية والسعودية والقطرية والاماراتية في العراق وسوريا ترفع شعارات حماية الطائفة و الدين . وكيف فعلت الدعايات والشعارات الدينية والطائفية في تدمير مدن سورية وعراقية وتهجير سكانها. وجئ بالمقاتلين والمتطوعين من كل حدب وصوب للجهاد باسم الحفاظ على الدين والطائفة. وهم يقاتلون اخوانهم في الوطن وبالدين ايضا . والاعداء جاثمين على اراضيهم يتمتعون بخيراتها
وكانت اسرائيل تساند بعض المتحاربين في سوريا ليس حبا بهم وانما لادامة زخم التفرقة والاقتتال بين الاخوة، وهناك من يدفع
المبالغ الطائلة لهذا الغرض ايضا
فاصبح كل مواطن يحمل السلاح تجاه اخيه في الوطن والانسانية باسم الدين والطائفة
وفي العراق صار حمل السلاح مهنة لمن لامهنة له. ويكاد يكون
مصدر الرزق الوحيد، بعد ان اغلقت كل سبل العيش الكريم
والحكومة باحزابها التي استغلت شعار المظلومية للوصول الى السلطة هل قضت على المظلومية بتوفير السكن والكهرباء والماء
والصحة والتعليم والطرق وغيرها من الخدمات اللازمة لكرامة الانسان . وهل سعت لمساعدة المظلومين. ام ازدادوا ظلما وفقرا وجهلا
والذين يدعون التهميش هل حققوا العدالة بتوزيع الثروة بين المواطنين في مناطقهم بغض النظر عن الانتماء العشائري والمذهبي ، ام استغلوا هذا الشعار للثراء والنهب، حتى من اهلهم المهجرين والنازحين
انهم يختلفون في الفضائيات والخطب في المساجد ودور العبادة وفي الفيس بوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، ويؤلفون الاشعار ويصنعون الفديوهات المزورة والفوتوشوب لتعميق الخلافات بين المواطنين. ولكنهم في السلطة متفقين على النهب والسلب وتبديد الثروة على اقربائهم واحبائهم
ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بتخريب التعليم وهدم المدارس لنشر الامية والتجهيل بين عامة الشعب لتسهيل انقيادهم وراء الخرافات والتاريخ المزور، فذهب الناس الى السحر والشعوذة بدل التمسك بالقيم الدينية السامية التي تجمع ولاتفرق توحد ولاتبدد
والادهى من ذلك والامر خلق مايسمى بدولة الخرافة الاسلامية في دهاليز واروقة المخابرات الدولية والاقليمية لخلط الاوراق وتشويه الدين. وجاءوا ايضا تحت لافتة حماية المذهب فعاثوا في الارض فسادا ولم يسلم منهم كائن من كان لا مسيحي ولاايزيدي ولا سني ولا شيعي. وظلم العرب والكرد والتركمان. وتم تدمير تراث الحضارة العربية الاسلامية في المناطق التي احتلوها. ثم هدمت المدن على رؤوس ساكنيها عند التحرير
هذا في المدن المحتلة من التنظيم الارهابي. اما مدن الوسط والجنوب وبغداد فقد تكفلت العصابات والسلاح المنفلت بتخريبها، اضافة الى الفساد وانعدام الامن والخدمات. حتى اصبحت من اسوء المدن في العالم
فاي مذهب هذا الذي يتحيزون له. وكل من يشارك في مايسمى بالعملية السياسية يسير في نفس النهج التخريبي لوطن كان يجمع العراقيين كلهم بكرامة
واستمر التخريب المادي والاخلاقي حتى اذا ما هدأت الامور قليلا بعد تمزيق اشلاء سوريا وتخريب العراق وكل مدينة فيه، جاء دور اسرائيل لتستغل مهزلة الصراع السياسي باسم الدين والمذهب لتفرض شروطها واوامرها على الجميع . . هذا يجب ان يخرج من هذه الارض، وذاك يبعد الصواريخ القريبة من الحدود. وتم قصف مواقع دون رد جدي او حازم . والاكثر من هذا وذاك تطاول رئيس الوزراء الاسرائيلي ناتنياهو ورفع شعار ضم غور الاردن بعد فوزه بالانتخابات . فاين حماية الدين والمذهب من هذا العدو. لقد خربوا بيوتهم بايديهم ومازالوا يفعلون، وتركوا العدو يفعل مايشاء. ولسان حاله يقول، خلا لك الجو فبيضي واصفري
اذا اردتم الخلاص من هذه المهزلة والتيه في حلقة مفرغة لانهاية لها . فعليكم بقطع السياسة عن المذهب. تحدثوا بالسياسة وبمصالحكم الانسانية. ولا عليكم بمذاهب الناس فلكل مذهبه الذي يعتنقه كما كنتم كذلك على مر الزمان. ولا يخدعنكم احدا بالقتال لمصلحته ومصلحة دول اقليمية لتوسيع نفوذها والاستحواذ على الوطن وخيراته . وهم بعيدون كل البعد عن الدين و المذهب، وماهي الا شعارات رخيصة لتحقيق مآرب توسعية وانانية. وها نحن منذ ستة عشر عاما نحارب بعضنا بعضا ولم نحصل سوى التدمير والقتل والعوق والفقر وغضب الله. ومن حولنا الارامل والايتام والمهجرين من كل الاديان والطوائف يسكنون خيام وترعاهم الامم المتحدة ونفطنا مسروق ومعاملنا معطلة ومدارسنا مهدمة وبيئتنا ملوثة
اي مذهب هذا الذي يدافعون عنه ونصف العراقيين تحت خط الفقر. واطفالنا الصغار جالسين على الارض في مدارس العراء
مرة اخرى اقول لكم ابعدوا السياسة عن المذاهب لتنعموا بالسلام والامان. وليكن كل له دينه ومذهبه. والوطن للجميع. فالوطن دارنا وكرامتنا ومستقبل اولادنا وتطورنا، لنعيش كما الامم والشعوب المتمدنة بدل الخوض في صراعات وهمية ما انزل الله بها من سلطان
4 الحل اليسير والخيار العسير.. التوتر في الخليج وسبل تخفيفه
د. سعد ناجي جواد
راي اليوم بريطانيا
ليس هناك اي شك ان منطقة الخليج العربي تعيش فترة من اخطر وادق مراحلها، ومنذ ان اقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على اتخاذ اغبى قرار سياسي تمثل في احتلال و تدمير العراق. وعلى الرغم من ان الغالبية العظمى من الأطراف (سواء كانت عراقية او عربية او اجنبية، باستثناء إسرائيل) شعرت، حتى وان كابرت، بالخطا الفادح الذي ارتكبته في التعاون او في تسهيل هذه الكارثة، الا انه ومن المؤسف ان قسما غير قليل من هذه الأطراف لا يزال يصر على أخذ المنطقة الى هاوية أخرى لا مخرج لها وكارثة مدمرة. المؤسف بل والمبكي في الامر ان العرب سوف لن ينوبهم من هذه الكارثة ان حلت اي خير، وان الطرف المستفيد الأول منها سيكون إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية ثانيا و الغرب ثالثا.
منذ ان وجدت إسرائيل نجح داعميها و متبنيها و مريديها في الترويج لمفاهيم حاولت، ونجت في ان تزرعها في التفكير العالمي وبالذات، وهذا الأهم، في التفكير العربي والإسلامي. اول هذه الأفكار هي ان هذا الكيان، كما يردد الغرب والولايات المتحدة، قد أسِسَ (ليبقى) وثانياً ان هذا الكيان قوة لا تقهر من قبل أية قوة إقليمية أخرى، خاصة اذا كانت عربية، وثالثا ان اي دولة عربية لا يمكن ان يسمح لها ان تصل الى مستوى من القوة يمكن من خلاله ان تشكل تحديا لاسرائيل، عسكريا او حتى سياسيا. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف زُوِدَت إسرائيل بكل مستلزمات القوة العسكرية، اولا من قبل بريطانيا لكي تنجح في فرض هيمنتها واغتصابها للأراضي الفلسطينية، ثم تولت الولايات المتحدة المهمة حتى مكنت إسرائيل من اخضاع كل الدول العربية المجاورة وغير المجاورة. الأخطر من ذلك هو نجاح اسرائيل والدعاية الغربية في زرع قناعة لدى قيادات واوساط عربية وإسلامية كثيرة مفادها عقم أية محاولة لتحدي إسرائيل، وعندما كانت تظهر بوادر أمل كان يجري التآمر عليها و وأدها وتدميرها. بعد ان تم ترسيخ هذه القناعات لدى غالبية الأنظمة والحكام العرب، بدأت مرحلة جديدة من التآمر تتمثل في محاولة خلق تفكير مفاده ان اسرائيل هي ليست العدو الأول للامة العربية والإسلامية، وان التعاون مع اسرائيل يمكن ان يحقق السلام وان الخيار الأفضل للعرب هو قبول إسرائيل كجزء من نظام شرق أوسطي جديد، والأهم هو ان يقبل الفلسطينيون بالتنازل عن حقوقهم وارضهم ويقبلوا ان يكونوا (مواطنين من الدرجة الثانية في إسرائيل). بدليل ان كل ما قدمته قيادات فلسطينية من تنازلات من اجل الوصول الى حل الدولتين اثبت فشله وانه وهم تم خداعهم به.
الان تحاول إسرائيل والولايات المتحدة ان تقنع العرب بحل عسير مبني على الادعاء ان ايران هي الخطر الأكبر على الأمة العربية وأنها العدو الأول لها وأنها، وهذا الأهم تشكل، التهديد الأكبر والأخطر على منطقة الخليج. هذا الامر جَرٌَ الى تعاون مع إسرائيل من ناحية بدعوى درء هذا الخطر، ومن ناحية ثانية الى فرص (إتاوات) على بعض الأنظمة العربية لكي تحصل على حماية مباشرة من الولايات المتحدة وشبه علنية من إسرائيل. ثم جرى ويجري إستنزاف موارد الدول الخليجي باسلحة ومعدات عسكرية بأثمان خيالية، ليس فقط لم تنجح في حماية اجواء و أراضي معظم هذه الدول وإنما ايضا شكلت عبئا على هذه الدول، التي كان من الممكن ان تستثمر هذه المبالغ الهائلة في داخلها وعلى ضمان مستقبل شعوبها، بل وحتى في الأقطار العربية الأخرى التي تعاني اقتصاديا. وأكثر ما يؤلم المشاعر الوطنية والإنسانية، ويمثل اهانة ليس بعدها إهانة للعقل العربي، هو ان يقوم رئيس اكبر دولة في العالم بالتبجح بانه استطاع ان يحصل على جزء كبير من ثروات هذه الدول، وان على هذه الدول ان تدفع المزيد لكي تحصل على حماية اميركية، وهو كلام لا يزال يردده على الملا وبحضور روؤساء وأمراء وملوك عرب، ودون ان يرد عليه اي منهم بالقول ان كل الأموال التي دفعوها ولا يزالون لم تؤمن لدولهم الحماية الأمريكية المطلوبة. علما بانه قالها صراحة في اكثر من مناسبة بانه غير مستعد لان يحارب من اجلهم.
في ظل هذا الوضع المتأزم والمحفوف بالمخاطر، والذي ينبيء بحروب كبيرة محلية او إقليمية، سوف يكون اول وأكثر ضحاياها هم من العرب، لابد من التفكير بهدوء وعقلانية للحيلولة دون الانجرار الى كوارث، تمثل أهدافا اسرائيلية بالأساس، لكي تبقي كيانها بعيدا عن أية مخاطر. لان الحقيقة التي يحاول الكثير ان يتغافل عنها ويفندها، وسواء اتفقنا ام لم نتفق حول أهدافها، تقول ان ايران سواء بقوتها او بدعمها للفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين أصبحت تمثل تهديدا لإسرائيل، وان الأخيرة تريد ان تشاهد، اليوم قبل غدا، ايران مدمرة او محاصرة وعاجزة حتى عن تلبية متطلبات العيش لمواطنيها، كما فعلت مع العراق لمدة ثلاث عشرة سنة. وفي هذا السياق يدخل قرار الرئيس الأمريكي بإلغاء الاتفاق النووي الذي، و باعتراف كل المنظمات العالمية المختصة، اكد على نجاعته في منع ايران من امتلاك سلاح نووي، (علما بانه لم يُتَخَذ اي اجراء لمنع إسرائيل من امتلاك مثل هذا السلاح المدمر). ان كل الدلائل تشير الى ان ما يجري الان هو من ناحية محاولات لخنق ايران وتركيعها أمريكيا واسرائيليا، ومن الناحية الثانية محاولات إيرانية لرفض هذه السياسة. وهذه كلها تأخذ أشكال مواجهات غير مباشرة في الغالب بين الطرفين، تمثلت في مهاجمة السفن والموانيء والفصائل المسلحة، وكل آلتصعيدات الخطيرة الأخرى التي تشهدها المنطقة. ولا توجد اي بوادر لتخفيف هذه التوترات، واصلا إسرائيل لا تريد لهذا التوتر والتصعيد ان ينحسر بدون ان تحقق هدفها في توجيه ضربة عسكرية كبيرة لإيران ولفصائل المقاومة الوطنية، التي اثبتت انها استطاعت ولأول مرة فرض قواعد اشتباكها وقوة ردعها وأساليب منازلتها على الجيش الاسرائيلي الذي صُوِرَ على مدى عقود بانه لا يقهر.
ومن ناحية أخرى فان الأزمة الحالية، و ماسبقها من تدمير للعراق كدولة و كقوة إقليمية وما يجري في سوريا، كلها بالتأكيد احداث ساعدت على زيادة نفوذ ايران في المنطقة بصورة كبيرة، لكن يجب التذكير ايضا ان من تسبب في ذلك هو السياسة الأمريكية و الاسرائيلية، وان السبيل الوحيد لضبط هذه الحالة يكمن في حوارات عربية – إيرانية، وليس عن طريق الاعتماد على الحماية الأمريكية – الاسرائيلية، التي لم و لن تتحقق اولا، وثانياً فان ما يجري الان في جزء كبير منه يمثل هدفا اسرائيليا طالما سعت اليه، مفاده ابقاء كل دول المنطقة ممزقة و ضعيفة وتنهشها الحروب الداخلية.
في حالة مماثلة ليست بالبعيدة، وعندما حاولت الولايات المتحدة ورئيسها الحالي ان يبتز كوريا الجنوبية كي يبيعها أسلحة لا تحتاجها بدعوى انها ستحميها من خطر كوريا الشمالية، وجد قادة كوريا الجنوبية حلاً اسهل واضمن ويحفظ الموارد لكي تصرف على التعليم والصحة والرفاه الاقتصادي والاجتماعي، تمثل في للجوء الى الصين لكي تكبح جماح كوريا الشمالية وتنهي تهديداتها لكوريا الجنوبية. و قامت الصين بفعل ذلك. وبهذا وفرت كوريا على نفسها شراء الأسلحة او دفع أية دية إضافية للولايات المتحدة بدعوى حمايتها من خطر جارتها الشمالية. دول الخليج اليوم تستطيع ان تفعل ذلك وبكل سهولة. فاولا هي تستطيع ان تفتح حوارات مع ايران لتخفيف الأزمات المتصاعدة، وتستطيع وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر بها ايران ان تحقق مكاسب سياسية من خلال مثل هكذا حوارات، وان تحد من امتدادات ونفوذ ايران المتصاعد، والأهم انها تستطيع ان ترسي سياسة أمنية متكافئة في منطقة الخليج. وإذا كانت دول الخليج تجد صعوبة في فعل ذلك فانها تستطيع تلجا الى روسيا التي ستكون اكثر من سعيدة للعب هذا الدور، وكذلك تركيا، بل وحتى بعض دول الخليج نفسها يمكنها ان تلعب هذا الدور، شريطة ان يكون مدعوما من قبل الدول الأخرى. غير ذلك فان الاعتماد على (النصائح) والتحريضات الاسرائيلية و الأمريكية سوف لن ينتح عنه سوى زيادة في التوتر و استمرار التصعيد، وان ما سينتج عن هذا الجو الملتهب امران. الأول ان الرابح الوحيد فيه ستكون إسرائيل، وإذا كان هناك من يعتقد ان ربح إسرائيل سيخدمه فهو واهم جدا. والأمر الثاني المؤكد ان الخاسر الأكبر ، على الأقل اقتصاديا وبشريا وبيئيا، هم العرب وخاصة في منطقة الخليج العربي. ومن يعتقد ان الولايات المتحدة سوف تحارب من اجله ومن اجل حمايته او من اجل نقل مجتمعه الى حالة أفضل هو اكثر وهما، ويستطيع من يشكك في ذلك ان يعود ليقرأ تصريحات وأفعال قادة الولايات المتحدة قبل وأثناء العدوان على العرق وما حل ويحل بهذا الجزء الغالي من الأمة.
بإيجاز بسيط ان المسالة تحتاج الى حكمة قليلة وقرار لفتح حوار عربي إيراني مباشر وبعيد عن التأثيرات الخارجية، وسيكتشف الجميع كم هو يسير امر تخفيف التوتر ونزع فتيل الحرب التي كثر الحديث عنها والتهديد بها، وسيكتشف الجميع ان الاعتماد على الذات وعلى جهود ابناء المنطقة هو أفضل بكثير وارخص واضمن من الاعتماد على أعداء الأمة الذين لم يثبتوا في أية مرحلة من المراحل انهم مهتمون بها و بشعوبها. وعسى ان يهدي الله العلي القدير الجميع لما فيه خير ابناء المنطقة.