1 الاستهداف الحوثي من العراق
عبدالرحمن الطريري عكاظ السعودية
مع ترتيب أوراق المفاوضات بين طهران وواشنطن، والتي بدأت منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، كانت إيران تلوح للأوروببين بعدم ممانعتها للتخلي عن الورقة اليمنية، وذلك لعدة أسباب منها تقدير إيران لأهمية الوضع الإنساني للأوروبيين، والتي تعلم أن الحوثيين سبب رئيسي في معاناة الشعب اليمني عبر ممارسات عدة أبرزها سرقة المعونات والأغذية.
لكنها اعتبرت التخلي عن اليمن ليس بخسارة كبرى، فهو بلد فرقته النزاعات، وغدت قوة الحوثيين اليوم أكبر بكثير من قوته في حروبه السابقة من علي عبدالله صالح، قبل التحالف معه ثم التخلص منه، وبالتالي يمكن العودة إليه، كما يمكن التخلي عنه مقابل رفع العقوبات، والإبقاء على الاستثمار الأكبر وهو ربط طهران ببيروت، عبر خط يمر من خاصرة سوريا والعراق.
لكن إيران عبر استهداف المحطات النفطية عبر طائرات مسيرة، والتي أشارت تقارير صحفية في الهجوم الأول الذي استهدف الدوادمي وعفيف، إلى أنها انطلقت من العراق وليس من اليمن كما ادعى الحوثيون، تعود اليوم لتستهدف منشآت نفطية بمحافظة بقيق وهجرة خريص شرق السعودية، في مناطق هي أقرب للعراق من الاستهداف الأول.
بالطبع تبنى الحوثيون الهجوم وهذا جزء من السيناريو الإيراني لا أكثر، لكن مع تكرار الهجمات من العراق، تريد إيران أن تشير إلى أنها ما زالت تمتلك عدة أوراق للمناورة، آخذين في الحسبان أن الورقة السورية أصبحت أضعف من أن تستخدم، بل هي محصورة بين مقاصل عدة، وضربات إسرائيلية، وشرق الفرات التي تبقى فيه واشنطن لمنع ظهور داعش مجددا، وكذلك منع وصل الحدود العراقية السورية إيرانيا.
كما أن الورقة اللبنانية بالغة التعقيد، فحزب الله هو الاستثمار الأكبر لإيران، لكن استخدامه داخل لبنان قد يدمره بالكامل، لأن لبنان لا يستطيع اليوم تحمل حرب بنصف أوزار حرب 2006، ولأن أداء إسرائيل خلال الأشهر الماضية على الملعب السوري بشكل خاص، ثم على مستوى الضربة الثلاثية على الضاحية والحشد الشعبي في العراق وسوريا، يشير إلى أن الرد على مغامرة جديدة لحزب الله سيكون بقسوة عسكرية، قد تذهب بأمينه العام كما هو توقع في أحد خطاباته.
لهذا يبدو مع استخدام الملعب العراقي لاستهداف منشآت نفطية في السعودية، سعي إيران لنفي ذلك ونسبته للحوثيين، لأن أكثر ما قد يضرها في هذه المرحلة وجود إستراتيجية حقيقية لإضعافها في العراق، وإضعاف المليشيات التابعة لها بالنتيجة، وللتأكد من رص الصفوف العراقية يأتي استدعاء مقتدى الصدر لطهران، والاكتفاء من حسن نصرالله بشد ظهر الشارع الشيعي خاصه في العراق، بالقول عن خامنئي بأنه حسين هذا الزمان.
وكأن إيران كانت تريد أن ترسل رسالة عبر أحد أكبر الكتل الشيعية، والذي كان يردد زعيمها رغبته في قرار عراقي مستقل عن المشاريع الإقليمية، وتصدح شوارع البصرة بجواره بعبارات «إيران بره بره»، بأن هذا الترف الديموقراطي لم تعد تسمح به مرحلة العقوبات القصوى التي تخرج بها واشنطن النظام الإيراني.
لا شك أن العقوبات الاقتصادية أحدثت ضررا كبيرا للنظام الإيراني، خاصه على مستوى تمويل المليشيات التابعة لها، لكن التمدد الإقليمي لإيران لن يكون حله فقط عبر المفاوضات، بل يجب أن يسبقه كسر لهذا النفوذ على أرض الواقع، وهو ما نحتاجه خاصة في اليمن والعراق.
2 طهران ودبلوماسية الزيف العميق
إميل أمين
الشرق الاوسط
يمكن القطع بأن الأيادي الإيرانية الخبيثة هي السبب الرئيس وراء ما جرى في منشآت شركة «أرامكو» النفطية، سواء كان ذلك عبر الطائرات المسيرة التي باتت أحد أوبئة العصر، التي اعتاد الحوثيون على إطلاقها، أو من خلال انطلاقها عبر العراق، كما تقول بعض المصادر الإعلامية، من خلال العناصر الواقعة تحت نير وعبودية الالتحاق الآيديولوجي الأعمى، كـ«الحشد الشعبي» وبقية خلايا قاسم سليماني.
يستدعي حادث «أرامكو» الأخير الإشارة إلى عدة زوايا تعكس بعضاً من طبيعة المشهد في المنطقة، وفي المقدمة النوايا الإيرانية الحقيقية، التي تثبت الأيام والأحداث أنها شريرة إلى أبعد حد ومد، وأنه لا فائدة من التفكير الإيجابي تجاهها، وقد جاءت الحادثة الأخيرة لتثبت للعالم، بشكل عام، وللولايات المتحدة بشكل خاص، أن الطبع الإيراني يغلب التطبع، فالطبع آيديولوجي قومي، يحاول أن يغلف نفسه بالمذهب الديني، طبع مصاب بفوقية إمبريالية قاتلة، لا تحمل أي خير للجيران في الحال أو الاستقبال.
الاعتداء على «أرامكو» يستهدف المملكة في قلب صناعتها النفطية، وفي توقيت تقترب فيه عملية الاكتتاب في الشركة التي تعد واحدة من أكبر الشركات في مجالها عبر العالم، والخطط الخاصة بها، تقع في قلب رؤية تطوير المملكة 2030، الأمر الذي يفيد بأن المستهدف يحاول جاهداً قطع الطريق على الصحوة الحقيقية والنهضة الشاملة للمملكة، الأمر الذي يتجاوز مسألة الصراعات المسلحة إلى الاقتصادية والاجتماعية وكل مناحي الحياة.
على أن الحقيقة كذلك موصولة ببقية العالم، فنفط المملكة حال تعرضه للأذى سوف يؤثر تأثيراً سلبياً على جميع اقتصاديات العالم، والجميع مقبل على فصل الشتاء، الذي يتوقع خبراء المناخ أنه سيكون قارساً بمقدار ما كان الصيف الأخير لهفاً وهجيراً، والسؤال هل سيقف العالم مكتوف الأيادي أمام التمادي الإيراني الواضح للعيان على هذا النحو؟
يمكن القطع بأن إيران وقعت في شر أعمالها من جديد، ولم يعد الصراع قائماً بينها وبين جيرانها، بقدر ما أضحى بينها وبين العواصم والعوالم التي يرتبط وجودها بسائل الحضارة وتبعات الهجوم الذي أعاق جزءاً من إنتاج المملكة من النفط.
أثبت الاعتداء على «أرامكو» للجانب الأميركي، وإن لم يعلن ذلك بصورة رسمية، أنه لا فائدة من سياسة الترضية التي لمح إليها الرئيس ترمب، الأسبوع الماضي، مع إيران، وأكد العمل العدائي أن وكلاء الشر الإيرانيين في التخوم، ربما باتوا أكثر حقداً وكراهية من حال ومآل الملالي في المركز، الأمر الذي تبدى واضحاً من خلال مكالمة الرئيس ترمب مع ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان، وإبداء الأول الاستعداد الكامل للتعاون الأمني مع المملكة.
أحد الأسئلة الجوهرية في تحليل المشهد: هل المملكة قاصرة أو عاجزة عن حماية نفسها؟
بالقطع إنها قادرة في التو واللحظة على مواجهة ومجابهة كل من يحاول إلحاق الأذى بها، وهو أيضاً ما تكفله لها القوانين الوضعية، وكذا الشرائع والنواميس الأدبية، عين بعين، وسن بسن، والبادئ أظلم، وإن كانت حتى الساعة تقبض على قرارها بأسنانها، وعلى الجمر بأياديها، من أجل أن تعبر المنطقة الملتهبة لجج الاضطراب اللوجستي وأزمنة الكراهية الإيرانية، إلا أنه لن يلومها أحد حال اقتصت لسيادة أراضيها وحياة مواطنيها.
أفضل من وصف حقيقة إيران بعد الاعتداء الأخير وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، الرجل النافذ اليوم في إدارة الرئيس ترمب، الذي أكد في تغريدة له على «تويتر»، أن إيران تقف وراء الهجوم الذي استهدف «أرامكو»، وذكر الأميركيين والعالم بأن إيران تقف وراء نحو 100 هجوم تعرضت لها السعودية، في حين يتظاهر روحاني وجواد ظريف بانخراطهما في الدبلوماسية التي وصفها بأنها مزيفة.
بومبيو رجل الاستخبارات لا تنطلي عليه مناورات الملالي لتسويف الوقت والحديث عن وقف التصعيد، لا سيما في ضوء الهجمات التي تمت قراءتها أميركياً وأوروبياً على أنها إنذار إيراني بوقف غير مسبوق لإمدادات الطاقة العالمية، الأمر الذي لم يتم السماح به منذ عام 1973 وحتى الساعة.
حبل المشنقة يقترب من رقبة الملالي، لا شك في ذلك، ولم يعد أحدٌ في الداخل الأميركي المعروف ببراغماتيته العالية قادراً أو راغباً في إعطاء النظام الإيراني قبلة الحياة، التي توقعها البعض على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأيام القليلة المقبلة، بل على العكس تماماً ترتفع صيحات الانتقام الشرس من الإيرانيين، وبأسرع وقت ممكن.
حين يطالب السيناتور الجمهوري النافذ والمقاتل الشرس ليندسي غراهام، الإدارة الأميركية، بوضع خطط مهاجمة المنشآت النفطية الإيرانية على الطاولة، حال التمادي في أعمالهم الإرهابية، فإن إيران تضحى في الساعة الحادية عشرة قبل اقترابها من القارعة الماضية إليها قدماً، لا سيما بعد أن وصل بها الغرور حد التهديد بقصف حاملات الطائرات الأميركية بالصواريخ الإيرانية.
الخلاصة… الزيف الإيراني العميق لن يفيد الملالي، سواء في اليمن أو العراق.
3 درء خطورة نظام الملالي عن المنطقة والعالم د. شمسان بن عبد الله المناعي
الشرق الاوسط
كلما زادت الضغوطات الاقتصادية الأميركية على النظام الإيراني زادت أعماله الإرهابية، وذلك اعتقاداً منه أنه بذلك يعزز من مكانته الدولية، وأخطأ هذا النظام عندما اختار السعودية لتحقيق هذا الهدف، حيث إن المملكة العربية السعودية تشكل قوة كبرى وثقلاً دولياً كبيراً، فلها ثقلها الاقتصادي والسياسي العالمي بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي، ذلك جعلها صمام الأمان؛ ليس فقط للأمن العربي إنما للأمن العالمي بشكل عام، خصوصاً في عالم اليوم، حيث ازدادت فيه التهديدات والأخطار التي تهدد السلم والأمن الدوليين، ونشطت فيه أعمال إرهابية مصدرها دول ترعاها كالنظام الإيراني، مثلاً كالعمل الإرهابي الذي أقدم عليه هذا النظام ضد السعودية من خلال ذراعه الحوثية في اليمن باستهداف حقلي نفط بقيق وخريص في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، صباح يوم السبت، الرابع عشر من سبتمبر (أيلول) بطائرات مسيرة، مشيراً إلى أنه سيوسع نطاق هجماته الإرهابية داخل العمق السعودي، متجاهلاً أن المملكة من أكبر الدول التي تمد السوق العالمية بالنفط والغاز لأميركا وأوروبا وغيرها من الدول، ذلك ما يؤكده ويفسره لنا الحجم الكبير من ردود الفعل الدولية الغاضبة التي صدرت من أغلب دول العالم، مستنكرة فيه هذا العمل الإرهابي؛ حيث صرح وزير الخارجية الأميركي من جهته في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «تقف طهران وراء ما يقرب من 100 هجوم على المملكة العربية السعودية، في حين يدعي روحاني وظريف الانخراط في الدبلوماسية. وفي خضم كل الدعوات إلى وقف التصعيد، شنت إيران الآن هجوماً غير مسبوق على إمدادات الطاقة في العالم، ولا يوجد دليل على أن الهجمات جاءت من اليمن»». وتابع بومبيو في تغريدة منفصلة: «ندعو جميع الدول إلى إدانة الهجمات الإيرانية علناً وبشكل لا لبس فيه. وستعمل الولايات المتحدة مع شركائنا وحلفائنا لضمان أن تظل أسواق الطاقة مزودة بشكل جيد، وأن تُسائل إيران عن عدوانها». كذلك دعا سيناتور أميركي إلى توجيه ضربة عسكرية إلى منشآت النفط الإيرانية، تعليقاً على الهجمات التي استهدفت صباح السبت، منشآت نفطية سعودية. وكذلك كتب السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولاينا الأميركية، ليندسي غراهام على «تويتر»: «لقد حان الوقت الآن لكي تضع الولايات المتحدة على الطاولة هجوماً على مصافي النفط الإيرانية، إذا استمرت الأخيرة في استفزازاتها أو زادت من تخصيب اليورانيوم».
زيادة مثل هذه الهجمات الإرهابية الحوثية بالطائرات المسيرة وبدعم من النظام الإيراني في الفترة الأخيرة على ناقلات النفط في مضيق هرمز وأنابيب النفط في المنطقة كلها هي أعمال إرهابية لا تقرها القوانين الدولية، خصوصاً تلك المتعلقة بالملاحة الدولية، وتدل دلالة واضحة على إصرار النظام الإيراني على الاستمرارية في رعاية الإرهاب ودعمه في أغلب دول العالم، وهذه العقلية التآمرية هي التي أوصلته إلى حافة الهاوية ودفعت بأميركا كأكبر دولة في العالم، لأن تفرض العقوبات الاقتصادية عليه وجعلته في حالة من الهلع والخوف.
يظن النظام الإيراني أنه بهذه الأعمال الإرهابية التي يقوم بها والهجمات التي يشنها على المنشآت النفطية السعودية يضرب الاقتصاد السعودي ويربك أسواق النفط العالمية سواء عن طريق الميليشيات الحوثية أو من أي مصدر آخر، فهناك من يظن أنها قد تكون آتية من جنوب العراق حيث «الحشد الشعبي» الموالي لإيران، أو من أي جهة كانت يمكن أن يحقق من خلالها هذا النظام الأهداف التي يرسمها في المنطقة، وهو واهم في ذلك، حيث جاءت النتائج عكس ما يظن، والعقوبات الاقتصادية وحدها كبلت أيادي هذا النظام وقلمت أطرافه، فلم يعد يستطيع تمويل كثير من مشاريعه، فضلاً عن إصابة الاقتصاد الإيراني بالكساد وتعطل كثير من مشاريعه والعجز عن دعم أذرعه الإرهابية في العالم، والنهش هنا وهناك.
من جهتها، أصدرت السعودية بيان استنكار وتوعدت بالرد على مثل هذه الأعمال الإرهابية. النظام الإيراني بأعماله الإرهابية هذه يحرج الدول التي تتعاطف معه خصوصاً بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا، وتجعله في عزلة تامة عن دول العالم.
إن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عليهما مسؤوليات مهمة أقلها تصنيف هذا النظام نظاماً سياسياً مارقاً خارجاً عن الإرادة الدولية، وعليه يجب تقديم المسؤولين الإيرانيين لمحكمة العدل الدولية للجم هذا النظام، ودرء خطورته على المنطقة والعالم.
4 خروج بولتون وسياسة مكانك راوح
سام منسى
الشرق الاوسط
لعل إقالة أو استقالة مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، تأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام، لا سيما في المنطقة، علماً بأنها تدخل في سياق مسار من الإقالات والاستقالات بات مألوفاً خلال السنوات الثلاث من ولاية الرئيس دونالد ترمب. الأهم من خروج بولتون هو توقيت إبعاده عن فريق الرئيس في وقت بلغت فيه الأزمة الأميركية الإيرانية ذروتها، وينتظر العالم إذا ما كان سيتم اللقاء بين الرئيسين الأميركي والإيراني على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة أم لا.
لا بد في البداية من الاعتراف أنه مع خروج بولتون، يفقد الرئيس الأميركي مسؤولاً آخر من ذوي الخبرة في الشؤون الدولية. ومهما كانت خلفية هذا الإبعاد، فهو يقدم انطباعاً عن بوادر تراجع في سياسة الضغوط القصوى التي تنتهجها واشنطن ضد طهران، ويكشف هشاشة أحوال الإدارة الأميركية وصعوبة التعويل على سياسة أميركية خارجية متجانسة ومستدامة، والأخطر أنه يعبر عن تخبط أكبر وأقوى دولة في العالم مع ما قد يعنيه ذلك على مجمل العلاقات الدولية.
وبالنظر إلى ما يشهده الإقليم من أزمات ونزاعات مصيرية وإلى بصمات إيران الواضحة فيها، يحق لنا جميعاً السؤال عن تأثير خروج بولتون على مسار علاقتنا مع أميركا وسياستها في المنطقة بخاصة تجاه إيران، لا سيما إذا كان ينذر بتراجع سياستها التصعيدية ضد طهران.
حتى الآن، كان وجود بولتون مفيداً لترمب إذ لعبا معاً دوري الشرطي الجيد والشرطي السيئ، وكان تشدد بولتون مفيداً للثنائي. ويقال إن بولتون قاد مؤخراً حملة في الكونغرس لدفع ترمب إلى الحسم في سياسته تجاه طهران والتموضع في خانة الصقور في الملفات كافة، وهذا ما قد يكون أثار غضب الرئيس ودفعه إلى إبعاده. فبولتون يعارض نهج ترمب لإدارة السياسة الخارجية الأميركية ويركز على المبادئ التقليدية للحزب الجمهوري ويولي الخيار العسكري الأولوية على الخيار الدبلوماسي. ويعتقد بولتون أنه للمضي في مفاوضات مع أي دولة عليها أن تستحق ذلك، وأن رفع السقف ليس وسيلة نتراجع عنها لمكاسب قليلة، بل غاية بحد ذاتها لإحداث تغييرات جذرية. هذه المقاربة مختلفة تماماً عن مقاربة ترمب الذي يعتمد سياسة بناء العلاقات الشخصية مع رؤساء الدول الأجنبية في تناقض مع مؤسسيّة صنع القرار الأميركي الخارجي، ويؤمن من خلفيته البراغماتية أن باستطاعته التفاوض مع الجميع والخروج باتفاق وأن المطالبة بالكثير المستحيل تهدف في النهاية إلى الحصول على القليل الممكن. وهذا ما فعله في جميع الملفات الخارجية، إذ طالب بالكثير ليتراجع بعدها ويقبل بالقليل ويعقد صفقات أكثر منه اتفاقات تضع حلولاً حقيقية، وقد يفعل ذلك مع إيران. فالجميع سئموا من حروب الشرق الأوسط ولا يريدون حرباً جديدة مع طهران، بل التوصل إلى اتفاق معها، وترمب يحلم بأن يكون الرجل الذي يعقد هذا الاتفاق.
فهل إقالة بولتون هي الجزرة المناسبة التي قد تسهل لترمب لقاء الرئيس الإيراني وتمهد الطريق أمام الاتفاق العتيد؟
لا شك أنه مع إقالة بولتون تراجعت قوة الصقور في الإدارة الأميركية وقد يتوقع الكثيرون أن يساعد خروجه على إزالة الحاجز أمام عقد اجتماع بين الرئيسين الأميركي والإيراني، وبتخفيف حملة «الضغوط القصوى» عبر السماح للهند والصين شراء النفط الإيراني ضمن آليات يسهل تفعيلها. فهل يصح هذا التوقع؟
في الواقع قد لا تتطابق حسابات الحقل مع حسابات البيدر، إذ إن موقف إيران العقائدي يختلف عن موقف ترمب البراغماتي، فهو إن تراجع عن سقف الضغوطات فإيران لن تتراجع عن الخطوط الحمراء التي وضعتها لأسباب عدة أهمها:
تصر إيران أولاً على الالتزام بخلفية الاتفاق النووي لعام 2015. إذ أكدت مقدمته أنه محصور بالملف النووي ولن تقبل التفاوض حول أي مسألة أخرى. فإذا كان ثمة ضرورة للحديث بأمور أخرى لا بد من مسارات جديدة غير مسار الملف النووي.
ثانياً، المنظومة الصاروخية الدفاعية هي بالسردية الفارسية ناموس لن تتخلى عنه إيران، لأنها تعتبرها منظومة ردع لن تتنازل عنها بعد تجربتها المريرة في الحرب مع العراق.
ثالثاً، إن موضوع المفاوضات معقد ويتخطى موقف رئيس أو مستشار، لا سيما بعد الشروط التي أعلن عنها وزير الخارجية الأميركي لانطلاقها، والتي يصعب على الإيرانيين قبولها. فأي مفاوضات تجري تحت مظلتها معروفة النتائج سلفاً وستكون بالنسبة لوجود النظام الإيراني كمن يطلق النار على نفسه.
رابعاً، لا تعول إيران في علاقتها مع أميركا على وجود أشخاص أو رحيلهم، بل ما يهمها هو الموقف الأميركي الاستراتيجي منها والذي يصعب في ظل استمراره توقع أن تمنح ترمب «الصورة التذكارية» مع روحاني لمكاسب تعرف أنها انتخابية. إلى هذا، تدرك إيران أن أميركا لن تدخل حرباً جديدة وهي على عتبة انتخابات رئاسية جديدة.
خامساً، ترى إيران بوضوح أن ما يحصل في أروقة الإدارة الأميركية وكثرة المواقف المتباينة داخلها يدل على تخبطها، وإذا كان المرجع الأعلى علي خامنئي لا يثق بالأميركيين بعامة، فهو لا يثق بترمب بخاصة الذي خرج من اتفاق دولي. فما الضمانة من أنه لن يفعلها ثانية؟
هذا التشدد الإيراني سيشهد تصاعداً مع غياب التشدد الصقوري الأميركي المتمثل ببولتون، وسنشهد تسويقاً إيرانياً بأنها تفوقت أقله بالنقاط على واشنطن وستصور هذه الأخيرة بأنها هي المأزومة وهي التي تسعى وراء المفاوضات.
الرابح الثاني هو خط بوتين – ماكرون والموقف الأوروبي بعامة، بحيث سيصورون أن ضغوطهما على الرئيس ترمب أعطت ثمارها. وقد يؤدي الغزل مع إيران إلى تخفيف حدة التوتر في المنطقة، لكن الأزمات كافة ستبقى على حالها من المراوحة وسط سياسة إيرانية مراوغة تمعن في القضم على جميع الجبهات.
في المحصلة النهائية، يقول البعض إن إقالة بولتون لن يكون لها تأثير في القرار الأميركي الخارجي، لأن الرئيس له القول الفصل في ذلك، وسبق له أن اتخذ العديد من القرارات التي تتعارض مع رؤية بولتون، خصوصاً في ملفات العلاقات مع روسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا وأفغانستان وإيران. لكن ما لا يمكن إنكاره أنه كان يكبح الجنوح في تغريب السياسة الخارجية الأميركية عن أسسها التقليدية عبر قرارات مندفعة ومترنحة.
بالنسبة إلى الأزمة مع إيران، وفي خضم التطور الأخير وأثره، لا يمكننا إغفال العامل الإسرائيلي. فإسرائيل وبغض النظر على نتائج الانتخابات التي ستجرى غداً، لن تقبل بأي اتفاق نووي يأتي نتيجة لجراحة تجميلية سطحية للاتفاق الحالي ترضي الرئيس الأميركي، فيما خطر التمدد الإيراني يقبع على قاب قوسين من حدودها. العامل الإسرائيلي يبقى وحده معيار السلم أم الحرب في المنطقة، ومستقبل هذه الأخيرة مرتبط بنجاح أوروبا وأميركا وروسيا بإقناع إسرائيل بالتعايش مع النظام الإيراني ودوره فيها ولو مخففاً، وهذا سلام هش يرتبط مصيره بعوامل كثيرة. وإذا لم تقتنع إسرائيل ورفضت فكرة التعايش مع ما تعتبره تهديداً وجودياً لها، ستتصاعد عندها حظوظ الحرب التي سيصعب التكهن بتوقيت انفجارها وبنتائجها.
تبقى السمة الرئيسية للسياسة الدولية هذه الأيام هي مكانك راوح.
5 أرامكو.. مصيدة الإيرانيين!
محـمـــــد مـبــــارك اخبار الخليج البحرينية
الهجوم الإرهابي على الوحدات النفطية التابعة لشركة أرامكو السعودية العملاقة في البقيق جعل النظام الإيراني يضع لنفسه مصيدة سرعان ما أطبقت عليه. هذا الهجوم الذي سارعت المليشيات الحوثية في اليمن إلى تبنيه، وقالت إنه تم بالتعاون مع من وصفتهم بـ«الشرفاء» من داخل السعودية، لم يعد أحد في المجتمع الدولي يصدق أنه قد نُفذ من خلال الحوثيين.
الولايات المتحدة الأمريكية تراقب سماء الكرة الأرضية جيدا من الفضاء الخارجي، وقد أفصحت عبر وزير خارجيتها مايك بومبيو عن عدم وجود أي أدلة تشير إلى أن الهجوم الذي تعرضت له مصافي البترول السعودية قد جاء من اليمن، بل واتهم في الوقت نفسه النظام الإيراني بالوقوف خلف هذا الهجوم. إن هذا يعني أن مسارعة الحوثيين إلى تبني العمل الإرهابي لم يكن سوى تمثيلية إيرانية من أجل التغطية على الموقع الحقيقي الذي انطلقت منه تلك الهجمات باتجاه المملكة العربية السعودية. تذكروا معي أصناف وألوان العمليات الإرهابية التي ضربت المنطقة العربية وسرعان ما كان تنظيم «القاعدة» أو «داعش» يظهران ليتبنوها! هل تجدون شبها في ذلك مع ما حدث الآن؟ لا أظن الأمر يحتاج إلى تفكير عميق.
ومع انكشاف الحيلة الإيرانية بالهجوم من الشمال والتمويه عبر الجنوب، لم يجد النظام الإيراني مفرا من النفي والتكذيب والإنكار مع علمه بأن الجميع يرى آثار بصماته واضحة فيما حدث، وكذلك فعلت الحكومة العراقية التي أشار إليها بعض وسائل الإعلام الأمريكية بوصف الهجوم قد انطلق من أراضيها.
ومع ثقة الجميع في سرعة عودة الإمدادات البترولية من مصافي أرامكو السعودية إلى مختلف أنحاء العالم بما يحفظ استقرار أسواق النفط العالمية، يبقى من الضروري أن نراقب جيدا ونمعن النظر حولنا لنرى من الذي غضب حقا بوقوع هذا الهجوم الإرهابي في المملكة العربية السعودية، ومن الذي فرح وهلل به في المقابل! معادلة بسيطة نوثق من خلالها سجلا واضحا بأسماء جميع أعدائنا.
6 الصدر.. بين خامنئي وسليماني؟!
وليد صبري
الوطن البحرينية
حملت الزيارة الأخيرة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى إيران، وظهوره جالساً بين المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي، وقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، في مجلس بذكرى عاشوراء في إيران، الكثير من الدلالات، حول ما سيشهده العراق في قادم الأيام.
وتحمل مواقف الصدر الكثير من التناقض وإثارة الجدل، وليس أدل على ذلك، من تفسير بعض المحللين والمراقبين تلك الزيارة على أنها محاولة للاصطفاف إلى جانب معسكر إيران، في محاولة منه للضغط على الحكومة العراقية برئاسة عادل عبدالمهدي، المغضوب عليه من إيران.
وفي الانتخابات التشريعية الأخيرة، تحالف الصدر مع 6 كتل، بينها الحزب الشيوعي العراقي، وحزب «الاستقامة»، الذي يضم تكنوقراط مدعومين من الصدر، تحت اسم مع «سائرون نحو الإصلاح»، قبل أن يفوز بها.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، لماذا سارع الصدر إلى الاحتماء بإيران؟ لاسيما وأن الأخيرة لم تدعمه في الانتخابات الأخيرة، خاصة وأن تصريحات المسؤولين الإيرانيين كانت واضحة وهي أن «طهران لن تسمح لليبراليين والشيوعيين بالحكم في العراق»، وفقاً لما أعلنه علي أكبر ولايتي كبير مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي، وكانت تلك إشارة واضحة إلى وقوف طهران ضد وصول تحالف الصدر مع الحزب الشيوعي العراقي، إلى سدة الحكم في البلاد.
وإذا كانت إيران قد أخطأت التقدير حينما شجعت على تشكيل «التحالف الشيعي» بقيادة زعيم منظمة «بدر»، هادي العامري، حيث تعد تلك الميليشيا أكبر الفصائل المنضوية تحت ميليشيات «الحشد الشعبي»، للإطاحة برئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، الأمر الذي أفسح المجال للصدر وتحالفه بالفوز في الانتخابات ومن ثم ذهب المنصب عبر «ائتلاف حكومي» إلى عادل عبدالمهدي غير المرحب به في طهران، لذلك تحاول طهران تصحيح خطأها باستقطاب الصدر من أجل إحداث تفاهمات بين الأخير وسليماني ولا يمكن أن تخلو تلك المباحثات من تحديد مصير عادل عبدالمهدي خلال المرحلة المقبلة، وربما استدعاء وجه جديد يحمل عقيدة «الحشد الشعبي» ومن ثم إيران، في سبيل حصول الصدر على مكاسب سياسية في المنظومة الحاكمة.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل السنوات الأربع التي قضاها الصدر في إيران، قبل أن يعود إلى مقره في النجف الأشرف، جنوب بغداد في مايو 2017، حيث كان يكمل خلالها دراسته الفقهية في الحوزة العلمية، بحسب ما صرح أحد مؤيديه في ذلك الوقت.
وقبل تلك الفترة، وتحديداً في عام 2008، ذكرت تقارير إخبارية أن «الزعيم الشيعي العراقي موجود في قم الإيرانية لمتابعة دروس في الحوزة العلمية، حيث كان متوارياً عن الأنظار»، بحسب تصريحات أحد مؤيديه.
والصدر الذي يكتسب شعبية في مدينة الصدر العراقية وورثها عن والده المرجع محمد محمد صادق الصدر، والذي كان من أكبر معارضي نظام صدام حسين، أسس جيش المهدي في عام 2003، حيث ضم عشرات الآلاف من الشبان الشيعة، وخاض قتالاً ضارياً ضد القوات الأمريكية في العراق في عام 2004، وفي النجف تحديداً، عاد وأمر بعد 5 سنوات، وتحديداً في أغسطس 2008، بحل جيش المهدي، حيث اعتبرته واشنطن خلال تلك الفترة من أكبر التهديدات التي تعيق الاستقرار في العراق، وفقاً لما كشفته وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها، حيث نوهت إلى أن «الأمريكيين لا يثقون كثيراً في الصدر ويرفضون تولي أنصاره أو مؤيديه أية حقيبة أمنية في العراق».
ومن المواقف التي تكشف تناقضاً جلياً في سياسات الصدر، معارضته الشديدة لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، حيث كثيراً ما صب جام غضبه عليه، وفتح النار عليه في الكثير من تصريحاته إلى حد وصفه بـ «الكذاب»، إلا أنه استجابة لفتوى من مرجعه المقيم في إيران كاظم الحائري، غير الصدر مواقفه من المالكي وأبدى تأييداً للأخير.
لذلك يبدو أن النفوذ الأمريكي في العراق يتراجع لحساب إيران، ليس هذا فحسب، بل إن الصراع الشيعي الشيعي يبلغ مداه، فيما تبدو كفة أنصار إيران في العراق هي الأرجح، لذلك لم يذهب الصدر، المثير للجدل، والبراغماتي، إلى عقر دار «ولاية الفقيه»، ويجلس بين خامنئي وسليماني، إلا وهو يضع في اعتباره مكسباً سياسياً، ضارباً عرض الحائط بمدنية الدولة و«الحزب الشيوعي العراقي»!
* وقفة:
استدارة الصدر واصطفافه إلى معسكر «ولاية الفقيه» بزيارته المثيرة للجدل إلى إيران وظهوره جالساً بين خامنئي وسليماني تنذر بأفول نجم رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي واستعداد العراق لاستدعاء وجه جديد يعتنق أيديولوجيا «الحشد الشعبي» وإيران!!
7 قطر في متاهة وساطاتها
فاروق يوسف
العرب بريطانيا
أعادت النكسة التي منيت بها الوساطة القطرية بين الولايات المتحدة وحركة طالبان إلى الأذهان العديد من الأسئلة التي تتعلق بالدور الذي تلعبه قطر في مجال الإرهاب. في مقدمتها “هل هي ضده أم معه؟”
مجرد طرح ذلك السؤال يكشف عن نوع من الالتباس سببه السلوك السياسي القطري الملغز الذي لم يطلق حتى هذه اللحظة إشارة خطر لدى القوى الدولية التي تحارب الإرهاب وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
لقد رضيت الإدارة الأميركية بأن تكون قطر وسيطا بينها وبين حركة طالبان الأفغانية التي تعتبرها جماعة إرهابية. ذلك ما عزز ثقة القطريين بسلوكهم
السياسي الذي اعتبرته دول عربية بأنه نوع من دعم الإرهاب على مستويات مختلفة، مادية ومعنوية. فهل انطلق الرضا الأميركي من سياسة عملية مؤقتة، يُراد منها اللجوء إلى البوابة التي تحظى بثقة الجماعات الإرهابية؟
شيء من هذا القبيل يمكن توقعه من السياسة الأميركية.
نظرت الدوحة إلى الاتفاق الذي يمكن ان تتوصل إليه الولايات المتحدة وطالبان من جهة كونه نصرا لها باعتباره اتفاقا تاريخيا ما كان من الممكن أن يتحقق لولا جهودها. ولو لم يلغ الرئيس الأميركي ترامب لقاءه الذي كان مبرمجا في كامب ديفيد مع قادة الحركة لكانت قطر قد تحولت إلى منارة لكل إرهابي في عالمنا المعاصر.
عبر وساطتها كان من الممكن أن تقع معجزة سلبية مضمونها لقاء زعيم أكبر جماعة إرهابية بزعيم أكبر دولة تقود حربا على الإرهاب الذي سبق له وأن ضربها في عقر دارها. وكانت تلك الضربة هي السبب المباشر الذي تذرعت به الولايات المتحدة لغزو أفغانستان واسقاط نظام طالبان الذي سيطر على الحكم عام 1994.
في أوقات سابقة نجحت قطر في وساطاتها مع الإرهابيين. حزب الله في لبنان وجبهة النصرة في سوريا والميليشيات الإيرانية في العراق مستعملة المال من أجل اغراء الإرهابيين ودفعهم إلى إطلاق رهائن. غير أن مشروع وساطتها هذه المرة لا يتعلق بعملية صغيرة، محدودة النتائج. لا لأن المسألة تتعلق بمصير دولة هي أفغانستان حسب بل وأيضا لأن طرفي المعادلة يقف كل واحد منهما في أقصى المعادلة الخاصة بالإرهاب.
طالبان وهي جماعة دينية متشددة لا تزال مصرة على ممارسة الإرهاب والولايات المتحدة التي رفعت منذ سنة 2001 راية الحرب على الإرهاب وصارت مفردات تلك الحرب جزءا من البرنامج الانتخابي لكل رئيس أميركي جديد.
طرفان متشددان جمعتهما قطر على مائدة واحدة وكاد الاتفاق التاريخي بينهما أن يخرج إلى العلن لولا أن الرئيس الأميركي أحبط المخطط القطري حين قرر عدم المضي إلى النهاية. فهل حدث ذلك لأن الجانب الأميركي اكتشف أن هناك خطة تهدف لانصياعه لمطالب طالبان في مقابل تسهيل رغبته في سحب قواته من غير أن يبدو ذلك كما لو أنه هزيمة؟
أتوقع أن القطريين لعبوا بالمشاعر الأميركية بطريقة بدائية.
ليس الأميركان بمثل تلك السذاجة وإن بدوا متلهفين لإنهاء مغامرة أنفقوا عليها ترليون دولار بطريقة اعتباطية.
ربما أعاد الأميركان النظر في حساباتهم فاكتشفوا أن انتصارا طالبانيا مبرمجا في مقابل انسحابهم غير المدوي من أفغانستان سيقلل من قيمتهم العالمية وهو أمر مؤكد. غير أن المؤكد أيضا أنهم لم ينظروا بثقة إلى نزاهة الدور القطري لذلك أُلغيت المفاوضات من غير أن يكون للوسيط القطري علم بذلك.
وإذا ما التفتنا إلى قطر، فإن لغز وساطاتها مع الجماعات الإرهابية وهي محطتهم الدائمة انما يكشف عن رغبتها في تطوير الحاجة إليها باعتبارها ممرا إلى العالم السري. وهو ما يمكن أن ينطوي على علامات استفهام كثيرة. فبغض النظر عن ثرواتها وعلاقاتها المتشبعة بقوى الضغط السياسي تبقى قطر دولة صغيرة، محدودة التأثير في محيطها الاقليمي. وهي لا تملك سوى أن تنفق أموالا على جماعات إرهابية متفرقة بين أنحاء العالم العربي.
غير أن العقل السياسي القطري يفكر بطريقة مختلفة.
نظر القطريون إلى الاتفاق التاريخي بين الولايات المتحدة وحركة طالبان باعتباره مخرجا دوليا من الأزمة التي يعانون منها في محيطهم العربي. وهي نظرة ساذجة دعمت أسباب عزلتهم.